مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2527 - 2009 / 1 / 15 - 10:39
المحور:
القضية الفلسطينية
دعونا من الجدال و الكلام المنمق و الأخذ و الرد , دعونا نسمي ما يجري كما هو , إنه زمن الإمبراطورية أيها السادة , إنه زمن الهيمنة , إنه زمن الأساطيل و الدبابات المتطورة التي ترسم على الأرض حدود الإمبراطورية و تفرض سلطتها في كل مكان , ليس أن صدام غبي أو مجرد ديكتاتور , ربما كان أكثر دموية هذا صحيح , لكن تمت الإطاحة به بسبب حاجة الإمبراطورية فقط , أما من تبقى من هؤلاء الطغاة فإنهم سيستخدمون حتى إشعار آخر لأداء ذات المهمة التي تريدها الإمبراطورية من طغاة محليين : أن يحكموا باسمها و لحسابها..إن طغاتنا الأقزام , المعتدلين , ليسوا إلا نوابا عن الإمبراطورية من بني جلدتنا , أما طغاتنا الممانعون فهم طغاة تتعارض مصالح الإمبراطورية مع استمرار ديكتاتورياتهم على ظهورنا , و هم يحاولون إما إقناع الإمبراطورية بتغيير رأيها أو يحاولون بكل الوسائل , خاصة بدماء الناس في كل مكان , تأخير أو إعاقة تقدم جيوش الإمبراطورية إلى كراسيهم لكي تطيح بهم و تنصب ممثلين أفضل عنها لحكمنا..أما الفلسطينيون فهم الهنود الحمر المعاصرون , الذين يجب استئصالهم لأجل بناء مستوطنة جديدة ( لليهود هذه المرة و ليس للبوريتانيين ) , النقد الأساسي الموجه اليوم لحماس و لأي مقاومة هو أنها تنحر الشعب الفلسطيني بيد الإسرائيليين , لأن هذا هو مصير الهنود الحمر المحتوم , لكن لأننا في عالم مجلس الأمن و إعلان حقوق الإنسان البرجوازي , لن يجري ذبحهم إلا عند الضرورة , يمكنهم الذهاب بعيدا , يمكنهم حتى العيش بشيء من السلام خلف الجدران العازلة و حواجز جيش "الدفاع" و في معازلهم وحتى بحراسة عسس من جنسهم , بل إن العالم المتحضر سيمنحهم الطعام و المأوى إذا تصرفوا كخدم مطيعين للمستوطنة المجاورة كما فعل لبعض الهنود الحمر الذين لم يقاوموا جزارهم الأبيض قبل إنجاز استئصالهم التام , تمثل سلطة رام الله سلطة آخر ملوك الهنود الحمر الذين استمدوا سلطتهم من رضا الرجل الأبيض و كانت مهمتهم البحث مع السلطة البرجوازية الناشئة التي كانت تقضم أراضي الهنود عن معازل جديدة لا تغري الباحثين عن الذهب بيض البشرة , النقد الأساسي يتمثل اليوم , كما في تموز يوليو 2006 , في الخسائر التي يستطيع الجيش الإسرائيلي إنزالها بشعوبنا المكشوفة و التي تحدد معنى الهزيمة و النصر , يمكننا كهنود حمر أن نعيش بسلام فعلا , إذا قبلنا بشروط المستوطنين الصهاينة , خليفة المستوطن الأبيض , لكن مقاومة الأصوليين لا تستند فقط إلى عداء لكل ضحايا الإمبريالية الآخرين , بل حتى لعداء الإنسان نفسه في شكل البشر المحليين أي المسلمين العاديين أي إلغاء و تهميش البشر الذين تدعي الدفاع عنهم , لكنها لا تشيطن اليوم من قبل إعلام البترودولار لهذا السبب , فهؤلاء البشر لا وجود لهم أساسا لا بالنسبة لهذا الإعلام و لا لسادته و لا لأنظمة الممانعة , ما يوجد هناك فقط سادة علينا أن نصفق لأحدهم و نشتم الآخرين , تستخدم خسائر غزة اليوم ضد الأصولية لكن ليس لصالح البشر في غزة , بل لصالح أنظمة اختارت أن تكون أكثر من متفرجة على ذبح غزة , لصالح أنظمة اختارت , في سبيل بقائها , أن تصبح خدما للإمبراطورية....ما أن تقبل بالداروينية الاجتماعية كمذهب يسيطر على حياتنا و على عالمنا , البقاء للأقوى , البقاء للأكثر تطورا , و بتبرير اجتثاث الهنود الحمر كشعب بأكمله و تهجيره في أرضه إلى مناطق جدباء مع الاستمرار بقتله و ذبحه , لصالح ذلك الجزء الأكثر تطورا في العالم وفقا للظروف يومها , أنت بذلك قد أصبحت عبدا مطيعا للإمبراطورية "المتفوقة" , لكن الإمبراطورية لن تحول كل المدن إلى روما , و لن يأكل الناس أو يمارسوا حياتهم وفقا لطريقة الحياة في روما , قد نلبس كما يلبسون في نيويورك لأن الأزياء المعاصرة تصمم هناك , لكن ملابسنا ستكون رثة مقارنة بما يرتدون في مركز الإمبراطورية , وحدهم السادة المحليون الذين يحكمونا باسم الإمبراطورية سيلبسون كما يفعلون في مركز الإمبراطورية , الإمبراطورية تريد لنا حياة أفضل بالفعل , فهي تريدنا عبيدا خانعين , إنها تريد لنا شكلا نقبل من خلاله و لو لفترة من الوقت أن نكون عبيدا مطيعين لها , إنها تريد بعض الحرية للتعبير لكل من يقبل بها إلها متوجا لا شريك له بما في ذلك حرية النقد الفارغ الروتيني لها و لجرائمها , إنها لن ترسل كل الناس إلى المقصلة , هذا تطور كبير بالمقارنة مع أنظمة قراقوش التي حكمتنا حتى اليوم , ستقمع حينا و ستفتح المجال حينا أمام النخب المسيطرة لتحولها إلى سادة محليين , يدافعون عنها كمهمة أولى , هكذا تعرف الديمقراطية في بلادنا و هكذا تمارسها في العراق حتى اليوم , إنها تكره الثورات , أما إذا حدثت فإنها سترد عليها بكل وسائلها المتطورة للقتل و التدمير , و سيقول لنا من يخدمها بإخلاص أو من يراها جديرة بحكمنا , أرأيتم , قلنا لكم , كلوا و اشربوا ما تيسر لكم و لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة...أنظمة الاعتدال ( الديكتاتوريات التي يحكمها أنصاف أميين أو مصابين بالخرف أو العتاهة ) تستحق كل هذا الدفاع لأنها تحكم باسم سيطرة الإمبراطورية , إنها تدعونا للقبول بسيطرة الإمبراطورية و خلصت , أي مقاومة هي تخلف و غباء , أن نريد أو نحاول مقاومة حضارة الرجل الأبيض المتفوقة هذا أولا تخلف و ثانيا غباء , يقول ابن خلدون في مقدمته :"المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره و زيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده , و السبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب" ( المقدمة الفصل 23 , ص 146 ) , طالما نظر البرابرة بإعجاب ما بعده إعجاب إلى روما , و طالما اعتبر العبيد النظام الإقطاعي المتفوق في بداياته رمزا للحرية , لحريتهم , و كم كانت القنانة تبدو ثورية و واعدة بالنسبة لهم يومها , كما قاتل العبيد الزنوج إلى جانب الشمال البرجوازي في الحرب الأهلية الأمريكية و هم يعتقدون أنهم يقاتلون في سبيل حريتهم , لم يكن التاريخ إلا سلسلة دائمة من بيع الوهم للمضطهدين في سبيل فرض نظام آخر أكثر تطورا ربما لكنه كان دوما ينقل استلابهم و اضطهادهم إلى مراحل أعلى أيضا , طالما كانت العقلانية كفلسفة للبرجوازية تتحدث عن مسيرة دائمة نحو التطور و التقدم البشري تقودها البرجوازية بواسطة تكنولوجيا أكثر فأكثر تطورا , كانت المركزية الأوروبية هي تفسيرها الإمبريالي , العالم الذي يقف بوجه استعماره من قبل النظام الأكثر تفوقا أو من الحضارة الأكثر تفوقا عالم غبي تعشعش فيه الأصولية المحلية الرافضة للتطور , هذا لا يعني أننا سعداء بحشرنا من جديد بين طغيانين كما كان الحال بين الستالينية و الرأسمالية , بين ثقافتي نفي للإنسان , إن صعود الأصولية , سواء السنية أو في شكل نظام إيران , إنما هو صورة سلبية عن المركزية الأوروبية تماثلها في كل شيء و تعاديها في الاتجاه , إنها نفي للإنسان لصالح قوى محلية مسيطرة , هكذا فسرت القومية فيما مضى و هكذا تفسر الهوية الحضارية اليوم أيضا , لكن القوة المهيمنة اليوم في العالم إلى جانب صلفها و غرورها و استعدادها لمساواة سيطرتها بوجود العالم أصلا تملك اليوم قوة كافية لتدمير العالم , إنها تدمره بالفعل دون حساب لصالح منطقها الأساسي الداخلي : الربح , هذا لا يقتصر فقط على موارد الأرض , بل أيضا على البشر , خاصة في الأطراف , ربما من حسن حظنا أننا نعامل بطريقة أفضل من الأفارقة الذين يتركون للمجاعات و الإيدز و لوردات بزنس الحروب دون تدخل مباشر من الإمبراطورية , يجب أن نشكر النفط هنا , إذا كان اليسار المناهض للستالينية قد فسر الواقع في أيام الحرب الباردة على الشكل التالي : اشتراكية أو بربرية , إما سيطرة الستالينية أو الإمبريالية التي تعني البربرية في نهاية المطاف أو الاشتراكية , فإن التقدمي الأمريكي نعوم تشومسكي يعرض الواقع اليوم على الشكل التالي : الهيمنة أو البقاء , على خلاف اليسار السلطوي الذي يرحب بظهور أية قوى استبدادية محلية ( إيران أو الأصولية ) أو عالمية ( الصين , روسيا , أوروبا البزنس ) إلى جانب الإمبراطورية الأمريكية و يعتبر هذا مخرجا للوضع القائم , تذكرنا المواجهة اليوم بين الأصولية الإسلامية و الإمبراطورية بالمواجهة بين الستالينية و الإمبريالية , كانت المواجهة تعتمد على تكديس أكبر عدد ممكن من أسلحة الدمار الشامل للبشرية و على سحق أية مقاومة لهيمنة أي من القوتين في كل مكان , المواجهة اليوم تستخدم دماء المدنيين و حرية البشر من شوارع أوروبا إلى باكستان و الهند و العراق إلى غزة و نعلين , كلا الطرفين يستبيح كل شيء , في سبيل ضرب خصمه , في سبيل الهيمنة , يقتل الأمريكيون العراقيين البسطاء كما تفعل الأصولية تماما , و خلافا للعقلانية البرجوازية و للماركسية , ليس التاريخ عبارة عن مسار حتمي نحو خلاص البشرية و لا مسيرة مستمرة من التقدم , إنه اختبار حقيقي للإنسانية , إنه اليوم أكثر من أي وقت مضى بيد البشر , إما الهيمنة أو البقاء , هل سيتغلب المضطهدون , المستلبون , على قوى تدجينهم , فقبولهم أو استسلامهم للواقع هو النقطة الأساس في استمرار نظام اضطهادهم , هذا هو المفتاح لمصير البشرية غدا , و إلى حد كبير مصير هنود حمر هذا العالم الجدد........
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟