|
يوم في حياة ديك ..*
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 2526 - 2009 / 1 / 14 - 07:43
المحور:
الادب والفن
قصة ... يوم في حياة ديك ..*
بقلم : نبيل عودة
مع تسلل أولى خيوط الفجر .. انطق صياح الديك ، كعادته منذ صار شاعر القوم ، معلنا بدء يوم جديد . كان للديك ، مثل كل مثقف وشاعر كبير ، فلسفته الحياتية الخاصة .وهي تتشكل من منظومة من التصورات والأفكارالأدبية والدينية ، يحاول بها ان يخضع جماهيره البياضة الى نشوة الفجر الجديد ليبدأ الجميع نهارهم بنشاط وهمة . وكان يصاب بالغضب الشديد حين تتماطل بعض الدجاجات فوق بيضاتهن ، ويرى بذلك خضوعا لألاعيب الجن واغراءاته ، فيزداد صراخه حدة مهددا بلغة شعرية موزونة واضحة ، انه لن يقرب الدجاجات المتكاسلة عقابا على تماطلهن ..ولن يسمح لديوك الجيران بالأقتراب من مملكته الدجاجية ، أولا صونا للعرض ، وثانيا منعا للإختلاط غير المشروع .وثالثا حفاظا عى حقوقه غير القابلة للنقض والنقل. كانت تشغل الديك مسألة فلسفية كبرى : وماذا بعد .. هل من تطور الى مرحلة جديدة أرقى من ملك متوج على خم دجاج ؟ وكثيرا ما يغرق في البحث بمعلوماته المعرفية . ولكنها معلومات لا تتعدى بعض النزوات مع دجاجات الجيران .. حقأ أمدته بشعور من التعالي على ما عداه من جنس الطيور . ولكنه شاهد مرة أوزة في حديقة الجيران ، حاول الوصول اليها فهاجمتة بمنقار حاد ولم يكرر المحاولة . كان دائما يفكر ، ماذا لو صار ديك أوز ؟ يملك من القوة والقدرة ان يملأ فراغ خم دجاجات الجارة الفارغ من الديوك ، بعد ان نفق ديكها الشرس ، الذي كان له معه جولات من المناوشات الدموية ، وقد هجاه بقصيدة عصماء ما زال يسمعها للديوك الصغيرة حتى لا تتوهم انها أصبحت كواسرا متوجة على عشيرة من قليلات العقل ؟ وان تظل مهما ارتفعت قيمتها ، ذليلة امام عرشه . كان الديك ، بمفهوم ما فيلسوفا ... ولو استطاع صاحب الخم ان يحول صياحه الى كلمات ، لتسجل في كتاب جينيس كأول فيلسوف بين الأصناف غير البشرية ، ولنقلت "الجزيرة" أحاديثه وقصائده وحكايات عن تجاربه الفكرية ، وخاصة جملته الشهيرة بعد ان اعلن مقاطعة ساحة الجيران حيت تعيش الأوزة الشرسة مع صغارها ، اذ قال : " ماذا تظن هذه الأوزة نفسها ، انها مجرد قليلة عقل مثل كل اناث الطيور ، وان شراستها تتحول حين يحضر ديك أوز الى استسلام مشين . انها تمارس البغاء بنت الكلب مع كل ديك أوز غريب تلتقي به ، عكس دجاجاته ، القنوعات الملتزمات بديكهن ." كان الديك يغضب عندما يحضر تجار من السوق يتمايزون دجاجاته ، ويجسون بطونها وأفخاذها ، وقد حاول تنظيم مقاومة دجاجية ، بأن تبدأ الدجاجات بعفر التراب فور اطلال وجه غريب صونا للعرض من هذا التعدي الفاحش . ولكن الأمر لم يكن يساعد كثيرا .. فيدخل " أولاد الأيه ..؟" بين الدجاجات ويبدأون بالقاء القبض على أفضلهن جمالا وسمنة ، وهن اللواتي يفضلهن بعد قيلولة الظهر .. وقد فوجئ مرة ، وأصيب بكآبة حين نظر اليه تاجر شره المنظر ، وسال : - بكم تبيعني هذا الديك ؟ - انه ليس للبيع . - أتمنى ان أراه محشوا فوق مائدتي... وحاول ان يقتنصه ، فانتفض الى سقف الخم وتوجه مثل الصاروخ نحو قمة رأس هذ الشره مشغلا منقاره الحاد في جلدة رأس التاجر الشره ، الذي سرعان ما صرخ وخرج راكضا من خمه .. ناسيا وجبته الفاخرة بديك محشو على مائدته ، وسره ان صاحب الخم ضحك سعادة ، وخرج سريعا وراء التاجر ليعالج له جلدة رأسه المنقورة ، وهو يقول ضاحكا : - هل ما زلت تصر على تناوله محشوا على مائدتك ؟ - سأشتريه عندما تقرر بيعه حتى لو كان لحمه غير صالح لأكل البشر ... سأقطعه وأطعم لحمه للكلاب .. وانطلقت الضحكات وكأنهم يتحدثون عن ديك لا قيمة لرأيه ، مما جعله يفكر بطريقة ما للتخلص من هذا الخم والبحث عن فضاء أوسع من الحرية وعدم التعرض الدائم لخطف دجاجاته وتعريض أمنه الشخصي لخطر الذبح والحشي والالتهام ، وكأنه مجرد وجبة دسمة لا أكثر ، وهو الفيلسوف الشاعر الذي ينق جلدة رأس كل من يطمع به ويستهتر بمكانته . في زاوية بعيدة جلست بضع دجاجات ينظرن اليه مبتسمات ، وكأن مصير ديكهن لا يهمهن .. او اكتشفن انه في طريقه مثلهن ، للموائد والالتهام . ازداد غضبه : - ما الذي يثير ضحككن يا عاهرات ؟ قالت الأولى: - لأول مرة اكتشفنا ان خطر الموت من نصيبك أيضا ، فلا تتعالى علينا بعد اليوم . قالت الثانية : - ايضا انت صالح للحشو والطبيخ مثلنا تماما ، بل يفضلونك عنا . قالت الثالثة : - الخوف من الموت لم يعد من نصيبنا فقط .. فلا تتباهى علينا يا ابن العرص .. كفانا شعارات وتباه . قالت الرابعة : - كنا نظن الديك ملكا ، فاذا هو مجرد ظاهرة صوتية بين الدجاجات . احتقن وجهه غضبا ، وتوقع ان تكون وسائل اعلام معادية قد حرضت دجاجاته ، وليس مجرد تاجر عبر عن شراهته بالتهامه محشيا. وقد يكون وصل للدجاجات معلومات سرية لا يفصحن عنها ، وسيعرف كيف يجعلهن يقررن امام سريرة بكل ما يعرفن من أسرار ، والا حرمهن من المتعة التي يتنافسن عليها أمامه ، قبل أن ينفقن محشوات على موائد المشترين. وبعد تأمل فلسفي ، واستعراض الدجاجات الضاحكات الوقحات بعينية ، قال: - هل تعلمن يا فاجرات انه يوجد ما هو أسوأ من الموت؟ - أسوأ من الموت ، ما هو يا ديكنا المتباهي ؟ - هل قضيتن مرة اسبوعا كاملا دون أن الاطفكن وتتمسحن بجناحاتي و... ؟ نظرت الدجاجات بعيني بعضهن البعض ، وظهرت ابتسامة خبيثة على وجوههن ، وقلن بصوت واحد : - سنرى .. من ينهزم أولا . وتمايلن وتقصعن وهززن اردافهم بشكل أثار شهوته ، وانضممن لسائر الدجاجات وهن يتسائلن : - هل يصمد هذا المدعي امام سحرنا ؟
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
[email protected]
* القصة رمزية وأي تشابه بين أحداثها وحكاية ديك آخر هو صدفة لا غير !!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لسنا عابرين في وطننا...
-
مستقبل الوضع في الشرق الاوسط بعد غزة ؟؟
-
حلول حجرية .. في عصر الكلمة !!
-
انه زمن البول فوق المناضد والبرلمانات والوزراء
-
حكاية البطة النافقة...
-
تهافت الحوار او تهافت المثقفين ؟
-
ترانسفيرية جديدة اسمها تسيفي ليفني ؟؟
-
كيف صار المستشارون أكثر من حمير مملكة واتا...
-
قصة : أفروديت لا تنفع طه ...
-
الحوار المتمدن : بارومتر فكري وسياسي للواقع العربي
-
يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها
-
-ملتقى ادباء ومشاهير العرب- في حوار مع نبيل عودة
-
ايران نووية .. مقبرة للحلم القومي العربي !!
-
مهازل فكرية في الصحافة العربية...
-
الناصرة حسمت : ضد الطائفية ومن أجل مجتمع مدني حضاري
-
يجب اقصاء الطائفية من أجواء الناصرة ..
-
انتخابات بلدية الناصرة : المجتمع المدني هو المطروح للتصويت
-
الفاشية لن تتوقف في ام الفحم فقط .. !!
-
عجائب الانتخابات المحلية للعرب في اسرائيل طائفية وعائلية تحت
...
-
عكا : ضوء أحمر آخر للواقع الآيل لإنفجار أشد هولا ...
المزيد.....
-
لولو في العيد.. تردد قناة وناسة الجديد 2024 وتابع أفضل الأفل
...
-
فيلم -قلباً وقالباً 2- يحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاك
...
-
أول تعليق من مصر على مشاركة ممثل مصري في مسلسل إسرائيلي
-
مستقبل السعودية..فنانة تتخيل بصور الذكاء الاصطناعي شكل الممل
...
-
عمرو دياب في ضيافة ميقاتي.. ما كواليس اللقاء؟
-
في عيد الأضحى.. شريف منير -يذبح بطيخة- ليذكر بألوان علم فلسط
...
-
ممثل مصري يشارك في مسلسل مع إسرائيليين.. وتعليق من نقيب المم
...
-
فنانة مصرية تبكي على الهواء في أول لقاء يجمعها بشقيقتها
-
فيلم -Inside Out 2- يتصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية مح
...
-
أحدث المسلسلات والأفلام على المنصات الإلكترونية في العيد
المزيد.....
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
المزيد.....
|