أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي العامري - السيجارة , إصبَعي الحادي عشر !














المزيد.....

السيجارة , إصبَعي الحادي عشر !


سامي العامري

الحوار المتمدن-العدد: 2514 - 2009 / 1 / 2 - 08:53
المحور: الادب والفن
    



من كتاب : النهرُ الأول قبل الميلاد .
-------------------------------------
السيجارة , السيجارة هي أوَّل شاهدٍ على مشاكساتي في هذه الدنيا وأوَّل شاهدٍ على خيباتي من هذه الدنيا ! ومصدرٌ مهمٌّ من مصادر إفلاسي شبه الدائم , أدخِّنُها وتدخِّنني منذ أكثر من ثلاثين عاماً , منذ أن كنتُ في السادسة عشر حيث كُنّا نحن التلاميذ نقفز من سياج المدرسة ونشترك في تدخين سيجارةٍ ونحن نرتجف خوفاً ! بعد أن يكون أحدنا قد اشتراها من دكّانٍ بالمفرد ولا أتذكَّر أني تركتُها يوماً او أفكِّر بتركِها , صحيحٌ أني تركتُها لمدة يومين وكان ذلك قبل عشرين عاماً او يزيد , والسبب إلتهابٌ في الرئة سرعانَ ما زال , وكذلك أستثني فترات السجن المتقطِّعة في العراق لأنَّ ترك التدخين فيها لم يكن اختياراً , وللسيجارة عندي طقسٌ خاصٌّ فبرغم أني ألجأ اليها في السرَّاء والضرّاء إلاّ أنني وانا من عشّاق القهوة ومدمني الشاي وأتناول الخمر لا أستطيع تناول القهوة او الشاي او الخمر إلاَّ بعد تأكُّدي من توفُّر السيجارة , المسألة لا علاقة لها بالإدمان او التعودُّ بقدر ما هي أُلفةٌ تحوَّلتْ الى صداقةٍ فَحُبٍّ ثُمَّ اذا بها تتحوَّل الى اتِّحادٍ صوفيٍّ !
ومِن لوامعِ هذا التصوُّف أني أتغاضى عن العديد من الأطعمة التي يودُّ أيُّ إنسانٍ أن يتناولها إرضاءاً للتدخين أي أنني أحسُّ بأني إنما أأكل من خلال رئتي !
وبما أني عرفتُ الجوع منذ صباي فكان انقطاعي عن الطعام لفترات محدَّدة لا يعني لي الشيءَ الكثير ولكن السيجارة , وكم دَخَّنتُ بالدَّين ! او كم مرةٍ في حياتي ذهبتُ ليلاً الى المحطات لأجمع أعقاب السجائر , أقول : ليلاً , لأنني ما أزال أحمل في داخلي ذلك الحياء الشرقي وهو في العادة يندحر اذا كنتُ ثَمِلاً ! وشفيعي مفردة المانية تتردَّد غالباً على ألسنة الناس ألا وهي ( إيكَال ) والتي تعني بلهجتنا ( طُزْ ) ! او : لا يهمُّني .
وكانت السيجارة بالنسبة لي وما زالتْ عزاءاً لا يمكنني تصُّور احتمالي للآلام من غيره وطبعاً الإنسانُ غير المُدخِّن لا يعرف مدى تأثير هذه الأشياء على النفس او المزاج والتي تلوح بسيطة ومن جانبٍ آخر كم تتحوَّل لغتي حين أكتب الى لغة رائقة في أحيان كثيرة مهما كان الموضوع مقرفاً او يدعو الى الغضب شرطَ أن يكون الى جانبي كوب الشاي او القهوة تطلُّ من فوقهِ السيجارةُ بشموخ !
وهذه الرسالة التي أحملها , وهي ليست رسالة لتعميم التدخين ! تطمح الى التأكيد بقناعةٍ وعن تجربة طويلة أنَّ القناعة الكبرى كثيراً ما تأتي من التفاصيل الصغرى وكم منعتْ السيجارةُ من ارتكابِ جريمةٍ ساعةَ الغضب بدفعِ المُدخِّنِ اذا انهارتْ أعصابهُ الى التفكير بهدوء ! , أمّا عن أضرارها الصحية فالصحة منذ البدء مُعتلَّة بل ماذا يوجد في الحياة من مغريات تدعوك للحفاظ على صحتك !؟
هناك بيتٌ من الغزل للمتنبي يقول :
وشَكيَّتي فَقْدُ السَّقامِ لأنَّهُ
قد كانَ لمّا كان لي أعضاءُ !
الشاعر هنا يشكو من انعدام المرض لأنَّ وجود المرض مرتبطٌ بوجود الجسد , والمتنبي أنحلَهُ الحُبُّ حتى أفنى جسدَهُ !
أردتُ بهذا البيت أن أقول لماذا القلق من المرض طالما أنَّ الجسد نفسه غير موجود ؟!
أمَّا على صعيد الشعر فقد وجدتُ أني جعلتُ للسيجارة في قصيدتي مكانةً تليق بها ! وكان ذلك يتمُّ عفويّاً طبعاً
فالسيجارة لها شأنٌ آخر في الشعر
فتارةً حين أحزن أفتِّشُ عنها في قلبي
وهي تارةً أصبعي الحادي عشر
ومرةً جعلتُها كالوردة إذْ قلتُ في مقطعٍ نثري : وردةٌ ذابلة تغبط رحيقَ سيجارتي .
وغيرها من الصور التي تتخلَّل قصائدي . أمّا ما هو سيءٌ من تبعات السيجارة فعلاً فهو الإفلاس السريع , وعلى مَن هو مثلي أن يوطِّنَ نفسه عليه !
أتعزّى أحياناً وانا في غمرة الإفلاس والفقر بقصيدة تملأني نشوةً وضحكاً من مرارة الدنيا , وقِلَّةٌ هُم الذين برعوا في التعبير عن الفقر والإفلاس كهذا الشاعر وبهذا الإسلوب الرقيق الساخر المَرِح , هذا الشاعر الذي نسيتُ اسمه وكلُّ ما أعرف عنه أنه شاعر عربي عاش في الأندلس وهنا أبياتهُ :
أصبحتُ أفقرَ مَن يروحُ ويَغتدي
ما في يدي مِن فاقةٍ إلاّ يدي
في منزلٍ لم يحوِ غيري قاعِداً
فاذا رقدتُ رقدتُ غيرَ مُمَدَّدِ
لم تَبقَ فيهِ سوى رسومِ حصيرةٍ
ومخدَّةٍ كانت لأُمِّ المُهتدي
مُلقَىً على طرّاحةٍ في حشوها
قملٌ كمثلِ السِّمسمِ المتَبدِّدِ
والفأرُ يركضُ كالخيولِ تقاطرتْ
مِن كلِّ جرداءِ الأديمِ وأجرَدِ
هذا ولي ثوبٌ تراهُ مُرَقَّعاً
من كلِّ لونٍ مثل ريشِ الهُدهدِ
!!!
هل كان هناك مَن هو أكثرُ غنىً وغبطةً من هذا الشاعر وهو يبدع هذه الأبيات !؟
كان هذا عهداً ولكني منذ البارحة رحتُ أفكر بأمرٍ ثانٍ إذْ سألني صاحب لي عربي قبل أيامٍ أعندك سيجارة لي ؟ كان هذا في الطريق العام الى مركز المدينة حيث التقينا صدفةً , سألني هذا السؤال في نفس اللحظة التي سألته انا فيها هذا السؤال وبنفس الكلمات فضحكنا كثيراً ثم قال : يالبؤسنا فقلتُ له بل قلْ يا لحظنا الجميل فسأل وكيف ؟
قلتُ : الألمان يتفاءلون بهذا التوافق فيتصافحون ثم يسأل أحدهما الآخر قل لي ما هي أمنيتك , أما عندنا فلا تخلو من طرافة فقد قالت لي يوماً : كنا في الجامعة نقول لبعضنا البعض في هذه الحالة : حبيبي أجمل من حبيبك !
فسأل بودٍّ وقلق : صحيح , وأين هي الآن ؟
قلتُ : إنها الآن في ديالى , في بساتين البرتقال !

قيل وقال
------
أسرارُنا تتوالى
والدربُ قِيلَ وقالا !
فالحبُّ أينعَ كَرْمةً
في الخافِقَينِ فمالا
وَزَها كسُنبُلِ دجلةٍ
وكبرتقالِ ديالى !
ما ضَرَّني او ضَرَّها
وقضى الإلهُ وِصالا ؟
وإذا قضى أمراً وَفى
سبحانَهُ وتعالى !!

--------------------------------------------
(*) فصل من كتاب قصصي شعري بعنوان :
النهرُ الأول قبل الميلاد .
-----------------------
كولونيا - 10 - 2007



#سامي_العامري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيطٌ من دِثار الكائنات !
- قلوبٌ تتماثل للأشواق !
- العزفُ بالمخالب !
- مِن طِباعكِ يشهقُ الكمان !
- فرحٌ يفوق شهرة العصافير !
- الثقافة ومنظومة الكهوف !
- الى مَن يُهمُّهُ الخمر !
- لا أنيسَ عَدا كُلَّ شيءٍ !
- بروقٌ تعلو وتهبط
- إمتصاص المطر بأفواه الأساور
- عن الأجيال الشعرية وقضايا أخرى
- إليَّ بكِ !
- الهوية وخدودُ الأجنبية !
- شذاها الحار كالتنّور !
- أهوارٌ على الدانوب !
- دعوة الى مالك الحزين !
- شهرةُ الكاتب بوصفِها فضيحةً لا مجداً !
- نيسان ام نسيان !؟
- رأسُ الفتنةِ انا !
- والهواءُ عُشُّ السُّنونو !


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي العامري - السيجارة , إصبَعي الحادي عشر !