أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدالخالق حسين - دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس















المزيد.....

دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 2508 - 2008 / 12 / 27 - 09:51
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


أعتقد جازماً أن لموروثنا الاجتماعي دور كبير في تفشي العنف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فالإنسان في هذه المجتمعات يواجه العنف في جميع مراحل حياته، من المهد إلى اللحد، من العائلة والمدرسة والمجتمع. والغريب أن العنف ضد الأطفال مدعم بمقولات اكتسبت صفة المسلمات التي لا يناقش فيها أحد، مثل قولهم: (امش وراء الذي يبكيك ولا تمش وراء الذي يضحكك). يبدأ العنف من العائلة، فالآباء يضطهدون الأبناء باسم التربية الصالحة وأنه في سبيل مصلحته، والأخ يضطهد الأخت، والأخ الأكبر يضطهد الأخ الأصغر، وفي المدرسة يمارس المعلم حق ضرب التلاميذ بقانون. ومن مقولاتنا الخالدة في هذا الخصوص أنه عندما يأخذ الأب طفله إلى المدرسة لأول مرة، يقول للمعلم (لك اللحم ولي العظم)، أي أدبه بالضرب حتى لو تطلب الأمر أن تهرس لحمه على أن لا تكسر عظامه!! وبعد الدراسة يواجه المواطن في المجتمعات العربية الضرب خلال الخدمة العسكرية. وعندما يخرج إلى الحياة العامة ويصبح رجلاً، تستقبله الحكومة بالضرب إذا ما تجرأ في معارضتها بالانتماء إلى حزب معارض، حيث يتناوله الجلادون في الزنزانات الرهيبة ويمارسون بحقه شتى أنواع التعذيب وبشتى الوسائل الهمجية المهينة.

لا شك أن أي نوع من التعذيب، الجسدي والنفسي للإنسان، بغض النظر عن عمره، مهيناً لكرامته، يسبب له آلاماً نفسية شديدة، ويترك آثاراً مؤلمة لا تمحى مدى الحياة، تخلق له الكثير من العقد النفسية، وينشأ وهو يؤمن في قرارة نفسه أن العنف حق مشروع، يجوز له أن يمارسه بحق الآخرين، طالما مارسه الآخرون بحقه. ولهذا لا نستغرب تفشي العنف في مجتمعاتنا إلى حد أن بلغ مستوى الإرهاب في القتل الجماعي، وأنتج لنا قادة سياسيين عنيفين يماروسون الإبادة الجماعية ضد شعوبهم، من أمثال صدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي وحسن البشير وغيرهم، وقادة منظمات إرهابية من أمثال بن لادن والظواهري والزرقاوي ومقتدى الصدر وأبو حمزة المصري وأبو الدرع العراقي وغيرهم كثيرون. كما ولن نستغرب أن تواجه الديمقراطية والحداثة هذه المعارضة الشديدة في بلادنا دون بقية الشعوب، وأن يصدر دعم جماهيري واسع لاستخدام الحذاء من قبل صحفي كوسيلة من وسائل التعبير بدلاً من الكلمة، واعتباره من مظهراً من مظاهر الرجولة والشجاعة والوطنية الخالصة يستحق عليها أرقى الأوسمة العربية.
مناسبة هذه المقدمة هي ما أذاعته وكالات الأنباء عن وفاة طفل بريء بسبب الضرب المبرح من قبل معلمه في المدرسة، إذ يقول الخبر وكما نشرته مؤسسة بي بي سي على موقعها يوم 25/12/2008: [قضت محكمة الجنايات بالإسكندرية بسجن المدرس الذي اتهم بالتسبب في وفاة أحد تلاميذه ست سنوات. وكان هيثم نبيل عبد الحميد مدرس الرياضيات البالغ من العمر 23 سنة قد ضرب تلميذه إسلام عمرو بدر الذي كان يبلغ من العمر 11 سنة على مستوى المعدة عقابا له على عدم إنجازه واجبه المدرسي. وقد لفظ التلميذ أنفاسه الأخيرة إثر هبوط في القلب في مستشفى بالإسكندرية، حيث نقل إليها بعد أن فقد الوعي. وذكر أحد الشهود للمحكمة أن الطفل المتوفى كان يعاني من كسر في أربعة من ضلوعه. وأدين المدرس بالقتل غير العمد. وقال المتهم إنه كان يهدف إلى تأديب التلميذ وليس إلى قتله. وقال محامي الدفاع: إن ضرب التلاميذ غير محظور في المدارس، لذا فإن موكلي لم يخرق أي قانون."].

هذه الجريمة المأساة لم تأت من فراغ، بل هي نتاج الثقافة والقوانين السارية، إذ كما قال محامي الدفاع أن " موكله لم يخرق أي قانون." إذنْ، ووفق هذه القوانين والتقاليد، يجب أن يتوقع الآباء قتل أبنائهم في المدارس بسبب الضرب، لأن ضرب الأطفال من قبل مدرسيهم لا يتعارض مع القانون!! لذا فيمكن أن أتصور أن المعلم الجاني هو الآخر ضحية لهذه التربية، ولا أشك أنه هو أيضاً كان قد تعرض للضرب من قبل مدرسيه عندما كان طفلاً، فمثله كمثل الشاذين جنسياً (paedophiles) الذين يعتدون على الأطفال، إذ تؤكد البحوث في هذا الخصوص أن معظم الذين يعتدون على الأطفال جنسياً، هم أنفسهم كانوا ضحايا هذا النوع من العدوان في طفولتهم.

وبعد كل هذه الكوارث التي نزلت ومازالت تنزل على مجتمعاتنا العربية، علينا أن نسأل: أما آن الأوان لنعيد النظر في الكثير من المفاهيم والقوانين التي نعتبرها من المسلمات؟ ألا يجب أن نعمل معاً لوضع حد لهذه التربية المدمرة؟
وجوابي هو، أنه من واجب التربويين والإعلاميين والمثقفين شن حملة ثقافية واسعة ضد هذه الممارسات اللا أخلاقية واللا إنسانية بحق الطفولة، والعمل على منعها فوراً. فهل كان من الضروري أن يموت التلميذ (إسلام عمرو بدر) وربما غيره في المستقبل، لكي يقتنع التربويون وغيرهم من المسؤولين عن تربية أطفالنا، أن الضرب وبجميع أشكاله ودرجاته مهين لكرامة الإنسان، وخطر إلى حد أنه قد يتسبب في موت الضحية، ومردوده على الضد مما يراد منه؟

لذا أقترح بمطالبة منظمة الأمم المتحدة، والجامعة العربية، بإصدار قرار يمنع بموجبه ضرب الطفل، سواءً في العائلة أو المدرسة، بمثل ما هناك قوانين تمنع تعذيب الكبار قيد التحقيق في المعتقلات، وإلزام الحكومات والمسؤولين والتربويين في البلاد العربية بإصدار القوانين الصارمة تقضي بمنع الضرب في المدارس وفي جميع مراحل التعليم دون استثناء، وأن تتبني وسائل علمية أخرى في توجيه الطفل بدلاً من الضرب وإلحاق الألم الجسدي والنفسي، تماماً كما هو متبع في الشعوب الغربية المتحضرة حيث منع الضرب في مدارسها قبل أكثر من عشرين عاماً، بل وحتى التعنيف اللفظي الشديد المهين للكرامة.

والجدير بالذكر أني دخلت مرة في نقاش حول تقدم التلميذ مع أحد المدرسين في المدينة التي اسكن فيها، قال بالحرف الواحد: "ليس هناك تلميذ فاشل، بل هناك مدرس فاشل". بمعنى أنه إذا ما قصّر التلميذ في واجباته المدرسية فالسبب هو المدرس لأنه فشل في تشويق الدرس إلى التلميذ وحثه على أداء واجباته. ونظراً لمنع ضرب الطفل وإهانته في الغرب، نرى الطفل الغربي عندما يتحدث في التلفزيون في مناسبات خاصة، يتصرف وكأنه إنسان بالغ ناضج بشكل طبيعي، يعبر عن أفكاره بوضوح وبثقة عالية، بينما نرى الطفل العربي أو الشرقي في هذه الحالات مرعوباً، تلازمه مشاعر الخوف والقلق والتردد وعدم الثقة بالنفس. لا شك إنه نتاج التربية الخاطئة.

وعليه فمن أجل تحقيق السلم الاجتماعي، ونجاح الديمقراطية، يجب أن نبدأ ببناء الإنسان السليم الخالي من العقد النفسية من الأسرة والمدرسة، أي بكسر حلقة العنف المفرغة وذلك بتبني الأساليب العلمية الصحيحة في التربية، واحترام الطفل منع ممارسة العنف ضده. فالإنسان السليم نتاج البيئة السليمة.

كما وأهيب بالبرلمان العراقي أن يصدر قانوناً يمنع بموجبه ضرب الطفل من قبل الآباء و المدرسين، واعتبار العقوبة الجسدية ضد الأطفال جريمة يحاسب عليها بقانون كما هو الحال في البلدان الغربية المتحضرة.
ــــــــــــــــ
تقرير بي بي سي عن الحادث: مصر: الحكم بسجن المدرس المتسبب في وفاة تلميذه
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7799000/7799842.stm




#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لولا بوش لكان صدام يحكمهم الآن ب-القندرة-
- ثقافة الحضيض
- إلى أين تقودنا ثقافة الحذاء؟
- ما تخططه سوريا للعراق لما بعد الانسحاب الأمريكي!!
- هل الانهيار قريب؟
- محنة أهل القرآن وأهل الإنجيل
- (بنات يعقوب) رواية جديدة لمحمود سعيد
- وأخيراً انتصر العقل...!!
- الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق
- الدستور العراقي...المشاكل والحلول
- حول ترشيح المالكي لجائزة نوبل
- الدلالات الحضارية لانتخاب أوباما رئيساً
- أوباما أو ماكين؟
- مخاطر التدخل الإيراني الفظ في الشأن العراقي
- الاتفاقية... أو الطوفان!!
- العشائر والدولة
- مخاطر تحويل العراق إلى مأتم دائم
- يا حكام دمشق، هذه بضاعتكم ردت إليكم
- لماذا الضغوط لرفض الإتفاقية العراقية-الأمريكية؟
- مهزلة جديدة يرتكبها البرلمان العراقي


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدالخالق حسين - دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس