أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 2 من 3















المزيد.....

ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 2 من 3


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 2498 - 2008 / 12 / 17 - 03:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثالثا : أسباب انفصال النخبة عن الاهتمام بقضايا الوطن
هناك ظاهرتين أساسيتين في تشكيل النخبة المصرية، الظاهرة الأولي على المستوي الأفقي وتتمثل في وجود فجوة بين النخبة وجماهير الشعب المصري. أما الظاهرة الثانية فهي على المستوي الرأسي وتتمثل في وجود شروخ في توجهات ومرجعيات هذه النخبة تجد تداعيات وترديدات لها بين فئات وقطاعات من الشعب المصري .
الظاهرة الأولي
هناك سببان أساسيان لوجود واستمرار الفجوة بين النخبة والجماهير في مصر، السبب الأول يعود لطبيعة نشأت وتطور هذه النخبة منذ بداية مصر الحديثة، والسبب الثاني يعود إلى مقدار ما تحصل عليه هذه النخبة من عوائد وامتيازات يمكنها بصفة دائمة من العيش في مستوى متميز، بما يجعلها لا تشعر بمدي حرمان الجماهير المصرية من الحياة الكريمة .
فمنذ أن قام محمد على ببناء الدولة الحديثة على أنقاض هدم وتفكيك هيكل البناء الاجتماعي التقليدي، والذي كان يتمثل في المنظمات التقليدية المتوارثة، نظام الأحياء, والطوائف والحرف، والروابط التجارية، والجماعات الدينية. والطرق الصوفية، حيث كانت نخبة المجتمع تتشكل من رجال الحكم وأغلبهم من المماليك، وكبار رجال الدين خاصة مشايخ الأزهر، وكبار التجار، ورؤساء الطوائف والحرف، وقادة ومشايخ الطرق الصوفية، فبعد أن تخلص محمد على من المماليك في مذبحة القلعة، وقضى على نظام الالتزام، وتم استيلاء الدولة على أراضي الأوقاف، تقلص دور الفقهاء والمشايخ، ورؤساء الطوائف والحرف، وحلت الدولة باعتبارها أداة فعالة وقوية ومحركة لإدارة شئون المجتمع .
وتشكلت نخبة جديدة قوامها قادة الجيش الحديث وأغلبهم من الأتراك والجراكسة وبعض الأوربيين، ورجال الإدارة وأغلبهم من الأرمن والأرنؤوط ، ورجال العلم والفكر وأغلبهم من أبناء رجال الدولة وبعض بقايا مشايخ الأزهر الذين تلقوا علوما جديدة أثناء الحملة الفرنسية أو من خلال البعثات العلمية إلى فرنسا، كان منهم عدد قليل مثل رفاعة الطهطاوي وعلى مبارك، وهم استثناء، وتبقى القاعدة الأساسية للأجانب .
وقد قام محمد على بتوزيع مساحات من الأراضي على هذه الفئات ذات الأصول الأجنبية، وبالتالي تشكلت النخبة الجديدة من خارج النسيج الوطني المصري، وقد ترسخت هذه النخبة بعد أن أطلقت الدولة حرية امتلاك الأرض الزراعية وتوريثها، مما مكن لهذه الفئات التي كانت – على الأقل في البداية – من أصول وأصلاب غير مصرية، من أن يشكلوا فئة ( الأعيان) وفيما بعد (أولاد الذوات) وهكذا نجد أنه بسبب تفكك البناء الاجتماعي التقليدي ونشوء النخبة الجديدة من أصول غير مصرية فإن هذه النخبة كانت منبتة الصلة عن أعماق الشعب المصري، وقد ظلت تلك الفجوة قائمة ومضت تكتسب أبعادا جديدة خاصة أثناء الاحتلال الإنجليزي الذي عمل على ربط بعض فئات المجتمع المصري بمصالحه.
والسبب الثاني والخاص بالتفاوت بين النخبة وجموع الشعب المصري في طرق العيش وأساليب الحياة بحكم ما تحصل علية النخبة من عوائد التملك وأرباح الاستثمار يؤكد استمرار الفجوة حتى الوقت الراهن، وهذا ما توضحه مجموعة من الدراسات من أهمها دراسة د. رشدي سعيد والتي أجراها عام 1994، حيث يرى أن الانفتاح الاقتصادي منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي كان له أثر في ترسيخ قواعد النخب بشكل جديد، حيث شكلت النخبة البازغة حوالي 8% من مجمل السكان، تحصل على 74% من الدخل القومي، وأطلق عليها اسم "الكتلة الطافية" وتعيش في عالم جديد يختلف اختلافا بينا عن ذلك الذي تعيشه جموع الشعب المصري، والتي يصيب 86% من جملة سكانه 26% من الدخل القومي، غالبيتهم يعيشون في فقر وتخلف مهين، وقد أطلق على هؤلاء الفقراء اسم " الكتلة الغاطسة" (6) .
وفي توضيحه للكتلة الغاطسة يرى أنها الأسر التي يتراوح دخلها الشهري بين 100-500 جنيه، مما يجعلها تحصل على 26% من جملة الدخل القومي، يسكن 56% منهم في الريف والباقي منهم في المدن سواء في أحيائها الشعبية أو على أطرافها في المناطق العشوائية، ولا يحتاج المرء إلى خيال كبير لكي يرى أن هذه الكتلة الكبيرة تعيش في مساكن بدائية تعاني من تدني الاشتراطات الصحية وسوء الخدمات والحياة الاجتماعية .
أما الكتلة الطافية خاصة الشريحة العليا منها فهي التي تستورد لها السيارات الفارهة، وتقيم الأفراح الباذخة، وهم الذين يملكون القصور في جزيرة "مايوركا" و"كان" ويضعون يخوتهم في مواني "مونت كارلو" و "سان ماينو" (7) وهم زبائن المطاعم الجديدة التي يصل سعر الوجبة بها 500جنيه، والكباريهات التي تبعثر فيها الأموال بلا حساب، والأندية التي يصل اشتراكها ألاف كثيرة من الدولارات، لها فنادق راقية ومستشفيات خاصة، ومكاتب ديكورات فاخرة تستورد لها المستلزمات من الخارج .. وغير ذلك من أبواب الإنفاق، هذه الشريحة الصغيرة من سكان مصر تقل نسبتها عن 2% من مجمل السكان، تستهلك أكثر من 20% من جملة الكهرباء .
مثل هذا المناخ العام لا يساعد على إطلاق طاقات البشر، فلا غرو أن جاءت حصيلة عشرين سنة من الانفتاح هزيلة في ميدان الصناعة والزراعة والتنمية بوجه عام، فهذه الشريحة تعيش يومها لا تفكر في الغد ولا تستثمر في المستقبل وتحتفظ بالجزء الأكبر من أرصدتها في الخارج، فمصدر ثرواتها لم يأتي عن طريق العمل المنتج بل عن طريق صفقات "على الطائر" والتهريب والغش أو الحصول على مقاولة بسبب علاقة بالسلطة أو القيام بعملية اختلاس أو قرض كبير من البنوك، يصعب أن يكون لهذه الشريحة دور فعال في التنمية أو في الخدمة العامة، فباستثناءات قليلة، فإننا لا نعرف من أعضاء هذه الشريحة أحدا أوقف مالا لأغراض البر أو لخدمة العلم أو الفن أو الثقافة .
ويشير د. سمير نعيم في دراسة له عن "الفقر في الثقافة السائدة" (8) إلى أن فقراء مصر جزء من فقراء العالم وكذلك أغنياؤها، فالعالم في أيامنا هذه (2008) ينقسم انقساما حادا إلى عالمين : عالم عبارة عن محيط من الفقر والبؤس، وعالم آخر عبارة عن جزر متناثرة داخل محيط الفقر يعيش بها عدد من الأثرياء في بذخ ورفاهية، ففي محيط الفقر يعيش 35 مليون مصري بنسبة 42% يقل دخلهم عن دولارين في اليوم (174 جنيها في الشهر) وأهل جزر الرفاهية لا تزيد نسبتهم عن 20% يستحوذون على أكثر من 44% من الدخل القومي، ويمكننا وضع ثلاث سيناريوهات يمكن أن تكون عليها أحوال التفاوت والفقر في بر مصر .
• سيناريو السوق الحر غير المنضبطة : وهو امتداد لما عليه الأوضاع حاليا في مصر والذي يتم فيه الحديث عن مشروعات للتخفيف من حدة الفقر دون المساس بمبدأ السوق الحرة أو دون التطرق إلى العدالة في توزيع الدخل القومي بشكل جدي، مع استمرار إهدار إمكانيات مصر المادية والبشرية دون حدوث تنمية حقيقية يتم فيها استثمار كافة المصادر الطبيعية والبشرية بأفضل السبل، وكذلك استمرارية الدخل القومي الريعي على حساب الدخول الإنتاجية، واستمرار انتماء مصر إلى العالم الرابع ( المفعول به) وعدم انتقالها إلى العالم الثالث أو العالم الفاعل والمساهم في المنظومة الرأسمالية الدولية، واستمرارية هذا السيناريو بالانحياز للأنشطة غير الإنتاجية، وسيطرة النخبة غير الفاعلة في أحداث التنمية يؤدي إلى السيناريو الثاني .
• سيناريو القلاع الحصينة : وهو ما بدأت مظاهره بالفعل خلال السنوات العشر السابقة وهي أخذه في الاتساع في الفترة الأخيرة، حيث يحدث استقطاب اجتماعي حاد يرتبط باستقطاب مكاني : بإنشاء مجتمعات سكنية كالقلاع الحصينة محاطة بأسوار عالية وعليها حراس ( جزر الثراء والرفاهية ) في أمكن نائية عن الكتلة السكنية الفقيرة أو (محيط الفقر) وقد بدأت هذه المظاهر حول مدينة القاهرة وفي الساحل الشمالي غرب الإسكندرية وأخذت تزحف إلى باقي المحافظات .
• سيناريو السوق الحرة المقننة : وهو ما يدعو إليه فريق من دعاة الإصلاح الاجتماعي والنموذج الأمثل له "وثيقة مستقبل مصر" (9) .

الظاهرة الثانية
يعود السبب في تعدد التوجهات والمرجعيات للنخبة المصرية إلى عديد من العوامل من أهمها تعايش الرواسب التاريخية مع اختلاف الثقافات الوافدة لتولد خليطا متنافرا، مما أدي إلى وجود شروخ طولية في البنية الفكرية وأساليب السلوك خاصة لدي العناصر الثقافية التي انشقت في البداية بين نزوعها السلفي ذو الأصول الدينية، وبين رغبتها في اللحاق بالحضارة الغربية المتقدمة ذات التوجه العلماني .
فنتيجة لصدمة الحداثة التي بدأت منذ حملة نابليون، بدأ رواد النهضة المصرية النظر إلى الأنا في مرآة الآخر، فنشأت تيارات ثلاثة تلتقي جميعا في أن الغرب نمط للتحديث وإن اختلفت في نقطة البداية : فتيار الإصلاح الديني قام على مسلمة "لا يتغير شيء في الواقع أن لم يتغير فهمنا للدين أولا" وتيار الإصلاح العلماني قام على مسلمة "أنه لن يتغير شيء في الواقع أن لم تتغير نظرتنا للطبيعة أولا والمجتمع ثانيا" وتيار الإصلاح السياسي الليبرالي بمسلمته "أنه لا يتغير شيء في الواقع أن لم يتغير في السياسة أو في الدولة أولا" حيث روج الطهطاوي لفلسفة التنوير باعتبارها نموذج الحداثة: الحرية والديمقراطية، الإخاء والمساواة، الدستور والقانون، البرلمان والتعددية الحزبية (10) .
لقد أضحت النخبة تحت وطأة هذه الانقسامات واقعة تحت اغترابيين، اغتراب عن الزمان بالعودة إلى الماضي، واغتراب عن المكان بالرغبة في محاكاة الغرب، وقام محمد عبده بمحاولة التوفيق بين الإسلام والغرب، بين الأيمان والعلم بالقول أن الحضارة الصحيحة تتوافق مع الإسلام، وقد انطوى تفكير محمد عبده على توتر دائم حيث ينجم عن تلك التوفيقية ازدواجية ذات منهجين في البحث والممارسة، وذات نظامين فكريين مختلفين في الطبيعة والمضمون، ولكن هذا التوتر ظل خفيا إلى أن برز في العلن في صورة تيارين متعارضين على أيدي تلاميذه، فسار الشيخ رشيد رضا في اتجاه سلفي حنبلي أدي بعد ذلك لتكوين جماعة الأخوان المسلمين، وسار لطفي السيد وقاسم أمين وطه حسين في اتجاه علماني غربي (11) تشكل منه تياري الإصلاح العلماني والإصلاح السياسي الليبرالي .



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 1 من 3
- دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم3-3
- دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم 2-3
- دور منظمات المجتمع المدني في مواجهة مشكلات التعليم 1-3
- الحكومة أم المجتمع المدني .. من أقدر على مكافحة الفساد
- رؤى مستقبلية
- البلطة والسنبلة ، مصر والعرب
- البلطة والسنبلة إطلالة على تحولات المصريين
- الثقافة والتنمية
- شواهد العجز عن الإصلاح في العالم العربي
- العجز العربي عن مسيرة الإصلاح مرصد الإصلاح نموذجا
- الليبرالية الجديدة : هل يمكن المصالحة بين الوضعية المنطقية و ...
- مشروع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي
- العقد الاجتماعي الجديد
- البنات البنات ... أفضل الكائنات
- 3 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- 2 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- 1 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- الجزء الأخير من العقل السياسي العربي
- العقل السياسي العربي2


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - ثقافة النخبة المصرية ودورها في التنمية 2 من 3