أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد نبيل - دفاتر صحفية : الصحافة وسؤال الماهية















المزيد.....

دفاتر صحفية : الصحافة وسؤال الماهية


محمد نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 2492 - 2008 / 12 / 11 - 02:04
المحور: الصحافة والاعلام
    


الهدف من هذه الورقة هو توضيح دلالات و معاني الصحافة التي أمست تثير الكثير من الالتباس. فهناك جزء من الجمهور و الباحثين غير راضين على ما يقدم في عدد من "الكتابات الصحفية"( هنا الكتابة أعني بها ما تنتجه و تعرضه المؤسسات الصحفية بكافة أنواعها)، الشيء الذي يخلق لديهم نوعا من التشويش، لذلك فهم لا يترددون في توجيه سهام نقدهم إلى الممارسة الصحفية، ومنهم من أسس مدرسة أو توجها في النقد الإعلامي. في هذا السياق، محاولتي في المقاربة، هي من أجل فهم ماهية الصحافة و إشكالات فهم عملها اليومي.

سؤال الماهية
الحديث عن الكتابة الصحفية، يبدأ من سؤال ماهية الصحافة كمجال تحول إلى موضوع للتحليل والدراسة. وقفة أمام دلالات الصحافة لغويا، كافية للخروج بمعاني متعددة و مختلفة. الصحافة تدل على التحريف، ففعل صحَّف يعني أخطأ في قراءة الكلمة و حرفها عن وضعها. وتصحَّف، هو فعل القراءة الخاطئة، أما الصحافة عند المحدثين، كما تشير المراجع اللغوية العربية، فتعني كتابة الجرائد . الصحيفة لا تعني دوما الجريدة، فهي القرطاس المكتوب، والورقة من الكتاب بوجهيها. الصحفية ليست دائما ورقية، بل هي صحيفة الوجه أي المحيا، و كذلك بشرته .أما الصحفي و الصحافي، فالفرق والتماهي بينهما، يظل حاضرا باستمرار في الممارسة اليومية. الصحفي هو الذي يأخذ العلم من الصحيفة، و ليس من أستاذه مثلا أو من مصدر آخر، والصحافي ممارس لمهنة الصحافة التي قد تعني التغيير، يقال هذا اللفظ مصحف عن كذا أي مغير عنه (1).

أما ترجمة الصحافة ب le journalisme فيأخذ معنى واسعا و فضفاضا. فهو يحيل على الصحيفة le journalو نشرة الأخبار التلفزيونية، لكن في هذه الحالة، يبدو و كأن هناك نوعا من الإقصاء لأنواع التعبير الصحفي، أو ما يصطلح عليه بالأجناس الصحفية. وإذا عدنا إلى تاريخ الصحافة، فسنعثر على دلالات شتى . كلمة صحافي كانت تعني المُخبر في القرن السابع عشر Le gazetier، هذا المعنى قد تغير في القرن التاسع عشر، و أصبح الصحافي هو المجادل و المناظر بالكتابة Le polémiste، قبل أن يصبح المفهوم في القرن العشرين يعني الصحافي الذي يعمل كمراسل مهني.

تقليد العرب للأوروبيين و استعمال بعض دلالات مفهوم الصحافة، يظل حاضرا، و تبرره المعطيات الموضوعية و التاريخية، التي جعلت الغرب الحالي منذ قرون يكون سباقا إلى تأسيس تراكمات معرفية و علمية في مجال الصحافة عموما. و على سبيل المثال على هذا التقليد العربي للغرب الأوروبي، أطلق العرب لفظين للدلالة على الصحف بوجه عام، و هما على التوالي، "ألغازته" Gazette ، والتي تعود في أصولها إلى اسم عملة إيطالية، و"جورنال journal " الفرنسية. كلمة "جورنال" التي كانت تعني في اللغة الإنجليزية الكتاب اليومي Daily Book أو الجريدة الصادرة بشكل يومي (مادام الأصل في هذه الكلمة هو jour وتعني يوم) ، قد انتقلت للتعبير عن معظم الجرائد، ولو تلك التي تصدر بشكل ربع شهري أو نصف شهري أو سنوي.

الصحافة بين الكتابة و الخطاب
الكتابة الصحفية لا تخرج عن إشكالية تعريف الصحافة، فما تقدمه وتعرضه المؤسسات الإعلامية يوميا، يدخل في إطار فعل الكتابة. و إذا كان رولان بار ث قد سبق وأن تطرق في " الدرجة الصفر للكتابة "، إلى التعارض الحاصل بين الكتاب و الكتبة (2)، فإن الكتابة الصحفية، في كل أجناس الصحافة تظل خاضعة لنفس سؤال مأزق الكتابة، كفعل وحصيلة تجمع بين الظاهر و الباطن، و الوعي و اللاوعي، و الحقيقة و الوهم ... لكن إلى أي حد تخدم الكتابة مجال الصحافة، و ما العلاقة الناظمة بينهما ؟ سؤال تجيب عنه السميولوجيا و اللسانيات و العلوم الاجتماعية، بقدر ما تجيب عنها علوم التواصل و الإعلام .

الخطاب الصحفي كان دوما خطابا واقعيا، لأنه يصف الواقع عن طريق عملية السرد، آي سرد الأحداث أو تحويلها وبناءها من جديد في علاقتها بالواقع الموصوف، وذلك بواسطة النقاش و إبداء الرأي والتعليق و القدرة على الإقناع و الاقتناع. أكيد، أن الواقع الاجتماعي يتجلى لنا تحت أنظار الصحافة، التي تبقى ممارسة استدلالية، و نظرا لعلاقتها الخاصة بالزمن (السرعة و عمل الصحافي تحت الضغط )، فإن لها طبيعة خاصة تؤثر على الجماهير المستقبلة و المتلقية و الواقع نفسه.

أريد أن أقدم فكرة أتمنى أن تكون مقنعة، و هي أن الصحافة كمجال ومهنة، تغيرت وتحولت من حيث دلالتها و ممارساتها. التغير لا يعني غياب القطيعة، بل هناك حضور لأشكال جديدة للممارسة الصحفية حاليا، (صحافة الانترنيت نموذجا). وهي تؤسس بدورها لتغيير جديد في مفهوم الصحافة وعمل الصحافي عموما .

إذا كان إنياس راموني يقول "بموت نشرة الأخبار التلفزيونية" (3) ،فهل سيكون من تبعات هذا الموت الفجائي، إعلان موت الصحافي ؟ أليس عمل الصحافي يعد ضرورة يومية داخل المجتمع؟ الجمهور مازال يتابع الأخبار و هناك شغف لديه بمشاهدة الشاشة التلفزيونية. الصحافي و الباحث الكندي بيير سورماني، يقدم لنا بعض الحجج على ضرورة دور وعمل الصحافي الإجتماعي، فالجمهور في رأيه " في حاجة إلى أن يجد ذاته في المواد الثقافية ذات البعد الجماعي، وأن يتقاسم فضاء المعلومة بمعناها الواسع " (4) .

كلام الناس عن البرامج و الأخبار، وتقاسم فضاء الحديث عنها مع الآخرين، يشكل في النهاية خطابا اجتماعيا. فالكثير يظن أن الصحافة مثيرة و مؤثرة في نفوس الناس، و صانعة للخبر على مقاسات معينة بعيدة عما تنتظره الجماهير، و بالتالي ينظر إليها بنوع من الريبة. يبدو هذا صحيح نسبيا، و في حدود معينة، لكن الصحافي هو الذي يقدم لنا خبرا وصورة لا نستطيع أن نراها بالعين المجردة، بل يعرض علينا حدثا لا نحضره في زمانه و مكانه، لذلك فهو شاهد على التاريخ اليومي للمجتمع.

المختصون في مجال الإعلام يعرفون جيدا، أن الواقع الذي يعمل فيه الصحافي غير موجود كحقيقة واحدة و كلية، و لا يمكن الإمساك به، بل هو مصنوع بأيادي و أعين وعمليات متسلسلة، و عواطف وشروط مجتمعية مترابطة. إذن، لا يمكن أن نفهم الخبر بشكل جيد، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار، كل هذه العوامل المتداخلة التي تساهم في صناعة الأخبار، وبناءها بشكل مباشر أو غير مباشر. فنقل الوقائع يعني بالضرورة، المساهمة في صنعها وتأويلها و إعطائها شكلا ومادة خاصة مغايرة لشكلها الأولي، وهو ما يعرض أمام أعداد كبيرة من الجماهير، التي بدورها تمارس فعل القراءة والتأويل. العملية برمتها معقدة وجدلية، ولا تبتعد عن منطق العلاقة التواصلية التي تربط المرسل بالمرسل إليه. وفي الوقت نفسه، يشكل عمل الصحافي أو حاجة الجماهير إلى أخباره وتأويلاته و كلامه عن الغير، نقطة مهمة، تتمحور حول خطر الخطاب بشكل عام، كما حدده ميشيل فوكو، الذي حاول الاستدلال على فرضيته القائلة بأن " إنتاج الخطاب داخل كل مجتمع، مراقب و منتقى و منظم، يعاد توزيعه بموجب إجراءات لها دور في أبعاد سلطاته، و مخاطره و السيطرة على حادثة الاحتمالي، و إسقاط ما فيه من مادية راعبة و ثقيلة " (5). وهكذا، فعندما يكثر الكلام و الخطاب حول ما يقدمه الصحافيون كل ثانية، يصبح الرهان ليس فقط على فهم معاني الصحافة ودلالاتها، بل محاولة تفكيك خطاب الصحافي، و محاولة الإجابة على السؤال الآتي : إلى أي مدى يمكن أن نقول ما لا يقال، و أن نحول الممنوع إلى خطاب متداول ...؟

لابد من القول، إن مهمة الصحافي صعبة و مليئة بالعقبات، و خاصة عندما يواجه أسئلة جوهرية من قبيل: ماذا يجب علي أن أنقل ؟ وكيف سأعرض الخبر؟ عملية الانتقاء في الممارسة الصحفية اليومية مسألة ضرورية، مشروطة بطبيعة المؤسسة الإعلامية حيث يعمل الصحافي، و أهدافها و أولوياتها و الأمر كذلك متعلق بحنكة و موهبة وتوازن الصحافي، لكن العملية تظل دوما مفعمة بالمزالق و الهفوات. الصحافي يمارس مهنته في مؤسسة إعلامية، ترتبط بخصوصية وأولويات معينة، تختزل في ما يطلق عليه المحللون وخبراء الإعلام ب AGENDA SETTING ، وهي عبارة عن مفهوم و خطاطة ترسم أدوار المؤسسة الإعلامية وتوجه عملها المهني، و من خلالها يتم توجيه الرأي العام نحو قضايا وأخبار معينة دون غيرها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، التلفزيون الفرنسي لا يبدي اهتماما إعلاميا بحدث سياسي وقع في إحدى الولايات الكندية، لكن نجد مؤسسات إعلامية أمريكية تركز على نفس الحدث. هذا الأسلوب الانتقائي يخضع لمنطق الأجندة الإعلامية، وهي ترتبط بدورها بمصالح سياسية و اقتصادية و اجتماعية، و بمجموعات الضغط، وبالجماهير المتلقية والمستهلكة للأخبار اليومية، وغيرها من العوامل التي تؤسس الحقل الصحفي والإعلامي برمته.


هوامش:
1ـ منجد الطلاب، الطبعة 24، دار المشرق – بيروت، لبنان، 1986، ص 395-396
2ـ انظر بهذا الخصوص، رولان بارث ، " الدرجة الصفر للكتابة"، ترجمة محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، الطبعة الثالثة، 1985
3- Ignacio Ramonet, La tyrannie de la communication, Ed Gallimard, collection Folio/Actuel, p143
4- Pierre SORMANY, Le métier de journaliste, Ed. Boréal, Québec, Canada, 2000, p21
5ـ ميشيل فوكو، " نظام الخطاب و إرادة المعرفة" ،ترجمة أحمد السطاتي و عبدالسلام بنعبد العالي، دار النشر المغربية، البيضاء، 1985، ص 9

* صحافي وكاتب مقيم في برلين
[email protected]



#محمد_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سينما : هل نحن في حاجة إلى اجتهادات محمد أسد ؟
- قصص مغربية: شيزوفرينيا
- قصص مغربية: جهالة هذا الزمن الرديء
- العلاقات المغربية الروسية بين المد و الجزر
- حول توضيحات دار المغرب في موسكو: الحقيقة الغائبة
- في حوار مع د. فصيح بدرخان، نائب رئيس المركز العلمي للحوار ال ...
- عندما تغرب الشمس في موسكو
- رسالة من موسكو: فصل المقال في ما بين صحافة التحقيق و روسيا م ...
- رسالة من موسكو: ثلاث جمعيات لتمثيل المغاربة في روسيا و حضور ...
- حوار مع الشاعر شريف الشافعي
- رسالة من موسكو إلى سيدي افني : صور اليوتوب تكشف عيوب السياسة ...
- رسالة من موسكو: غرفة السخافة
- رسالة من موسكو : عندما نأكل مع الجثث
- رسالة من موسكو: وداعا ماريا
- رسالة من موسكو: إلى الغالية دانا،
- رسالة من موسكو : عندما قرر خُرْمَة العودة إلى جهلموت
- سؤال الصحافة
- هنا موسكو : الراحلة
- هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟
- هنا موسكو :العمر مجرد كلمة !


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد نبيل - دفاتر صحفية : الصحافة وسؤال الماهية