أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - رسالة من موسكو: وداعا ماريا














المزيد.....

رسالة من موسكو: وداعا ماريا


محمد نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 2182 - 2008 / 2 / 5 - 08:07
المحور: الادب والفن
    



على فراش الموت، قررت ماريا أن تتحدث معي عبر الهاتف. لقد قتلها اليأس والشغف العنيف منذ أن قررت العيش في قرية ينقرض سكانها يوما بعد يوم. أحسست بوجع غير معهود حين نطقت:
ـ قل لهم جميعا، إن الموت في رحاب الحياة شجاعة. لوكنت طفلة صغيرة ،لقررت الهجرة الى مكان ما ،في زمن ما ، حتى لا أرى اليائسين و الخائفين، يتربصون بقطعان الماشية . أعرفهم واحدا واحدا، لكن قل للبعض منهم، أحباب المصائب والكُرُبات ، العاشقون لهمسات الغبن كل صباح، ليست الشيخوخة إلا حالة نفسية عابرة ، والعمر مجرد كلمات جوفاء لا معنى لها، صنعها الجبناء حتى يقتلوا الزمن ويحاصروه بلغة الأرقام.

ماريا لا تريد أن تنصت الى ردودي ،غيرت اللهجة و اللكنة و كل الكلام . فرضت علي الصمت في النهاية، من حيث لا أدري.
ـ حان وقت الفراق، أنا الذي عشت أكثر من مائة عام، لا أبالي إلا بأطفال ملوا من معاني الحياة، وانهزموا أمام طوفان من الضجيج. لقد علمتني سنوات العمر البئيسة، أن لحظات النهاية ، تسقط على خط البداية . لقد لفظت صديقتي كلاوديا أنفاسها ، في غرفتها الواقعة خلف كنيسة الريح، لم يأت القس في موعده . رحلت كلاوديا قبل أن تهديه قبلة الوداع ، وهي التي كانت تعشق سماع نبرات صوته كل يوم أحد . هناك بالطبع زمن آخر، و كائنات لا يصنعها الورق أو الخشب الذي دمرته الرطوبة. هناك، سأرى نعمة الوجود.

لو عندي أكثر من ساعة في عمري، لقلت الكثير من الكلام. سأصرخ في وجه النائمين و الراقدين تحت التراب، و فوق الأشجار. سأقول للأشباح ، سأقول لهم جميعا : المجهول يفزعكم ….الحياة تمنحكم لغة الوهم . لقد أصابها مرض خبيث ، يسمى حب الخلود . لنقَبِِل بعضنا البعض، و لنقل كل كلمات الحب و الود، و لا نترك لعلماء اللغة فرصة لخلق الكلمات بالنيابة عنا. كلو و اشربوا وبادروا الى الصلاة ، من أجل الحكمة . نازعوا الحق للحق ... سامحني لو قلت لك أن هذه المكالمة القصيرة، ستكون آخر فرصة لك كي تسمعني. كلامي ستجده بين طيات فسيفساء بيتي ،حتى تتذكره وأنت تواجه خيوط العنكبوت.

لقد أخذتُ العبرة منك، عندما كنت تقاوم لهيب النار و سلطة الجدار و أهواء الضائعين. لن أنساك ولو رفضوا أن يسلموا جتثي إلى الديدان . كم رأيت من أناس أحرار لم يكونوا بالأمس القريب أحرارا .

أردت أن أحاول مقاطعة ماريا مرة أخرى. لم أفلح، كان صوتها كالبركان. ردت من جديد على صمتي:
ـ لقد برهنت لأصدقائي أن مسيرة الحب و العطف، ضعف إنساني بامتياز، انزعجوا من كلامي و طردوا كل رسائلي من واحاتهم، حتى أصبحت أكتب لنفسي فقط. من يعري الجسد، لابد له أن يكتشف عورة الخوف و مرارة الوحشة. لا تتنكر لسؤال الحياة، و واجه القدر بشجاعة فلسفية نادرة، ضد محن أعظم مما أنت عليه، ومِحن أقسى مما مرت بك.

فتحت فمي بجرأة، لأجيب ماريا، لكن القرار كان متأخرا. لقد أغلقت الخط وراحت!
محمد نبيل المغترب دوما
[email protected]



#محمد_نبيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من موسكو: إلى الغالية دانا،
- رسالة من موسكو : عندما قرر خُرْمَة العودة إلى جهلموت
- سؤال الصحافة
- هنا موسكو : الراحلة
- هنا موسكو : كيف نحلم بصوفيا ؟
- هنا موسكو :العمر مجرد كلمة !
- متاهات الحب
- على هامش الملاحقات القضائية ضد صحافيي -الوطن الآن : ...
- طنجة تتغير....طنجة تختنق
- مقدسات ألمانية
- هل ما زال التغيير ممكنا في المغرب ؟
- سيدي علي وحكاية زواج الرجال بالمغرب
- مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
- الراب و الحجاب وأشياء أخرى
- في حوار مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد عزام
- كيف يدفن الموتى العرب بالمقابر الألمانية ؟
- اللاجئات العربيات بألمانيا و حكاية الخوف من المجهول
- علي الضاحك
- عندما تحب كلاوديا
- حلاق للكلاب فقط


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - رسالة من موسكو: وداعا ماريا