|
هنا موسكو :العمر مجرد كلمة !
محمد نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 11:00
المحور:
الادب والفن
سألني بعض الناس عن السر في عدم احتفالي بعيد الميلاد ،يوم الثلاثين من شهر سبتمبر -أيلول من كل عام . أجبتهم ، لكل واحد منا له عيده ،الذي يتذكر فيه أحلامه و آهاته و خيبات أمله . لم يعجب البعض كلامي و خاصة أنني قلت لهم و بجرأة ،إن الحياة قصيرة و أن يوم الميلاد هو بداية عد عكسي للحظات محسوبة ،تسمى الحياة . كم انزعج البعض من حديثي عن الموت ،وكيف جحظت عينا أحدهم و هو يستمع إلي عندما قلت : إن الحياة عبارة عن سفر نحو الفناء و الإندثار جسديا ،حتى لا أقول وجوديا ،فأسبب لنفسي الكثير من المتاعب الفلسفية و الورطات التي لا حد لها .
ـ وهل فهمتم ما معنى العمر ؟ أجابتني تلك الحسناء الروسية بلكنتها الجميلة : ـ ليس هناك الا عمر واحد يتساوى أمامه بني البشر ... أجبتها بسؤال : ـ وما معنى أن يحسب عمرك بالدقائق و الساعات و السنوات ؟ سكتت و رفضت أن تقبل عباراتي كماهي ، ، ربما كانت تحتاج الى تشفير معين . استرسلت في كلامي : ـ يا عزيزتي إيلينا ، العمر تقرر فيه كل جماعة أو شعب او أمة أو حتى قبيلة من القبائل ،التي تتصور العمر بطريقتها الخاصة . ردت علي و هي منزعجة : ـ لا ، يا نبيل ، الأعمار كالهواء موجودة في كل مكان و بنفس الطريقة . إنها الطبيعة .....! ـ الطبيعة لا تتحكم فينا دوما . الثقافة فرقت ووحدت و جعلت كل جماعة بشرية تتحدث عن العمر بطريقة ،أحيانا تكون جميلة و أحيانا أخرى غريبة !
الحوار بدأ يتجه نحو القطيعة ،لكن حاولت إنقاده . قلت للروسية الآتية من جبال القوقاز ،و هي الرافضة لهويتها الروسية بشكل ملفت للنظر ،و خاصة أمام واحد مثلي، لم يكن يعرف أن القوميات تخلق العجائب في عدة بلدان! ـ مراحل العمر تشبه أصابع اليد ، لكن كل يد لها بصمات خاصة، تحمل هوية صاحبها المنفردة. ـ و كيف ذلك ؟ ـ الطفولة و الشباب و الشيخوخة ،ليست الا كلمات مستهلكة و متداولة ،تحمل الكثير من الوهم . كل جماعة تحمل في طياتها أوهاما عديدة ،و هذا شيء مقبول ،ما دام لكل انسان لسان يقول به ما يشاء و ما يريد ، فتبليغ الوقائع ليس كالتحدث عن الحقائق . ـ لم أفهم بعد الفرق ؟ ـ كل واحد منا يرى العمر و مراحل عمره حسب تجاربه وثقافته و دينه و أوهامه التي تسمح له بالوجود و الإستمرارية ،و تسهل عليه مهمة الحياة . فالشباب على سبيل المثال إحساس و ممارسة و حب و لعنة و حماقة و لحظات تمر كمرور السحاب . ـ و لماذا ذلك، فالمرأة العجوز تظل كذلك ! ـ هذا بناء ذاتي لصورة المرأة! ـ أعرف و لكن هذا منطقي ! ـ و هل أنت حلزون لا يخرج من قوقعته إلا من أجل تلبية حاجاته الحيوانية ؟ ـ أنا مثل الفراشة ! ـ اخرجي من غرفتك ،و اجعلي ذاتك في مرآة خارج ثقافتك . الواقع يرى بأشكال مختلفة مثله مثل الحب والكراهية ... ـ أريد أن أرى ذلك ،لكني عاجزة عن معرفة ما لا يعرف ! ـ ادخلي مملكة الهوى و انصتي الى جسدك ،في سكناته و حركاته و أحلامه و حتى آلامه ! ـ العمر يؤرقني و يجعلني قبالة الفرض الضائعة . ـ كم جميل أن نقف أمام تلك الفرص الضائعة . لا تنسي أن العمر هو إحساس ذاتي، ووجودي ، سره الأكبر هو الإنصات الى نبض الذات بعيدا عن قوالب الثقافة ! ـ الثقافة هي محررة للإنسان و سند لكل هوية ! ـ نحن ضحايا الثقافة يا عزيزتي ! ـ آه ، عباراتك مستفزة و موحية و مؤلمة ! ـ هذا رائع . علينا أن نخرج من صلب هذه الثقافة ،التي تجعلنا لا نرى حجم الشمس و الأرض و حتى القمر . ـ لماذا هذا العجز في نظرك؟ ـ الحواس خداعة و هي مثل قوالب الثقافة . العمر الحقيقي ما نحسه و نعيشه و ليس ما يحدده الناس يوميا . و لذلك قلت لك ،لا أحتفل بعيد الميلاد ،الذي من المفترض أن يكون لحظة مغايرة للمألوف ! ـ و كيف تريد أن تستمر في هذا الصمت ؟ ـ لا أريد أن أصمت ، أريد أن أحتفل بالحب و الخلود عوضا عن لحظات عابرة . ـ إنها لحظات جميلة ! ـ الأجمل أن يكون اللانهائي هو سر الوجود و ليس فترات و أيام وقتية ،لا تسمو الا بتأشيرات الآخرين ! ـ و كيف ستحتفل إذن ؟ ـ كل يوم أحتفل بذاتي ، ذاتي العارية ، ذاتي التي تئن تحت وطأة أحلام الطفولة و آهات الحاضر و ترقبات المستقبل .
سكتت إيلينا لحظات ثم نطقت : ـ و لكل واحد منا ذكراه ، في قلبه الذي لا يشبه القلوب . إنه قلب متفرد جدا ! ـ نعم ، أعرف ، فللقلب أسبابه الخاصة التي لا يعلمها العقل !عيدك هو أنت في كل صباح ،عندما تستتيقظ على نغمات وجوه جديدة ،و عمر يتمدد كما تتمدد الشمعة على بساط الأرض !
خرجت أنا و ايلينا . غادرت هذه الشقراء المكان ،وفي نفسها شيء من الحلم ، الحلم بغذ تكون فيه الأعمار كالأزهار .
محمد نبيل بمناسبة عيد ما ، في مكان يدعى موسكو !
#محمد_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متاهات الحب
-
على هامش الملاحقات القضائية ضد صحافيي -الوطن الآن :
...
-
طنجة تتغير....طنجة تختنق
-
مقدسات ألمانية
-
هل ما زال التغيير ممكنا في المغرب ؟
-
سيدي علي وحكاية زواج الرجال بالمغرب
-
مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
-
الراب و الحجاب وأشياء أخرى
-
في حوار مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد عزام
-
كيف يدفن الموتى العرب بالمقابر الألمانية ؟
-
اللاجئات العربيات بألمانيا و حكاية الخوف من المجهول
-
علي الضاحك
-
عندما تحب كلاوديا
-
حلاق للكلاب فقط
-
حفار القبور
-
لماذا يعتنق الألمان الدين الإسلامي؟
-
كيف حضر المغرب في مهرجان برلين السينمائي؟
-
من أفلام مهرجان برلين السينمائي : العام الذي ذهب فيه والداي
...
-
كيف عاد شي غيفارا إلى أمريكا اللاتينية ؟
-
إديث بياف تعود من جديد إلى ألمانيا
المزيد.....
-
هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
-
“نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق
...
-
مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل
...
-
فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي
...
-
انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة 68 Yal? Capk?
...
-
فيلم السرب 2024 بطولة احمد السقا كامل HD علي ايجي بست | EgyB
...
-
أستراليا تستضيف المسابقة الدولية للمؤلفين الناطقين بالروسية
...
-
بعد إطلاق صندوق -Big Time-.. مروان حامد يقيم الشراكة الفنية
...
-
انطلاق مهرجان أفلام السعودية في مدينة الظهران
-
“شاهد الحقيقة كامله hd”موعد عرض مسلسل المتوحش الحلقة 32 مترج
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|