أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - عبد الهادي عباس في مقدمته لكتاب مرسيا الياد(المقدس والمدنس)















المزيد.....

عبد الهادي عباس في مقدمته لكتاب مرسيا الياد(المقدس والمدنس)


شامل عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 05:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أعتقد أن الثورة الحقيقية في حياة شعب من الشعوب تكمن في التغيير العميق لذهنية هذا الشعب في أتجاه تقدمي عصري. وهذا التغيير لن يكون بازاحة حكم وإقامة غيره او بتبديل قانون ورفع شعار جديد. وانما يكون في ادخال تغيير اساسي على وعي المجتمع وابدال مفاهيمه حول العلاقات الاساسية بين الانسان والانسان وبينه وبين عالمه المادي. ويكون بإقامة نظرة جديدة في المجتمع تنطلق من مفاهيم وقيم العلم والفكر شاملة لكل الممارسات والعادات والمعتقدات التي لم تعد تأتلف مع منطق العصر ومنطق العلم الذي بُنيت عليه كل الانجازات الكبرى المذهلة في هذا العصر.
واذا كانت المجتمعات التقليدية التي تكتفي باجترار تراثها والتغني بجمود هذا التراث لن تستطيع الدخول الى رحاب العصر وستبقى اسيرة التخلف والعيش ضمن اوضاع من التحجر والجمود. فان رسالة المفكرين في المجتمع بحق هي في اعادة التقييم وتمحيص الاراء السائدة والنظريات القائمة والتقاليد الراسخة والعادات والممارسات التي اكتسبت بالقدم جلالا وقداسة. وفي نفيهم عنها ومنها كل مالم يعد صالحا للعهد الجديد وفي قيامهم بحركة اقناع بمختلف الوسائل من تنوير علمي وجدل فكري ولو كلفهم ذلك العنت والارهاق.
ان الخروج من عالم الميثولوجيا الى عالم العقل ومن نطاق الغموض والابهام الى نطاق التمييز والوضوح وان معالجة الامور جميعها بالمنطق العلمي الهادي والخروج على سيادة الجانب الانفعالي والهيجاني في حياتنا ونبذ التناقض واللامعقول من تراثنا وثقافتنا قد يكون اولى واجبات رسالة الفكر في مرحلته الحضارية الراهنة التي ماتزال الاساطير والقيم العتيقة تتحكم فيه بشكل مخيف. لايمكن ان يخلف سوى الاستلاب والاغتراب والبعد عن التطوير والتغيير المطلوب في نطاق الفكر وقيم المجتمع وثقافته.
لقد بحث كثير من الباحثين في بنية المجتمع الذهنية والثقافية وتعرض عدد منهم الى كشف النسيج الاسطوري الذي تتشابك فيه الميثولوجيا مع الفلسفة والسحر والدين والى كيفية تداخل هذه الامور جميعها لتشكل مجتمعة او متعارضة نمطا معينا من التفكير والسلوك المعارض للذهنية العلمية. كما ان عددا من المفكرين تعرض بدراسته الى جذور بعض المعتقدات والافكار التي يعيش عليها المجتمع واصول هذه الافكار والمعتقدات ومسبباتها. بيد ان مثل هذه البحوث الهامة كانت نادرة في بعض المجتمعات ويعتبرها هذا البعض محرمة ومن عمل الشيطان . لاسيما ان مثل هذه المجتمعات مازالت تعيش على مقدسات وافكار لايسمح معها باعمال حكم العقل او بمناقشة موضوعة من الموضوعات المقدسة في عرضها على هذا العقل أو منطقه . والمجتمع العربي يدخر بمثل هذه الاوضاع التي لايسمح فيها للفكر ان يتعرض بالبحث والتقييم لاصول بعض الموروثات ولو كانت الناحية الاسطورية فيها تقفز للعيون وحتى لو كانت شائعة ايضا لدى ذهنية وثقافة شعوب اخرى اكثر قدما ولم تنهل اسطورتها من مصدر ديني مطلقا.
ولاغرو في هذا لان مرحلة التخلف تتشابه ولان الاسطورة التي يعيش عليها شعب من الشعوب تشكل جزءا لايتجزا من ذاكرته وضميره ومن بنية مجتمعه الذي لايهون عليه هدمه بسهولة ولو كان هذا الهدم بهدف البناء على اساس اكثر صحة وصلابة.
إن نظرة فاحصة يلقيها المواطن العربي على سيرة حياته وبنية مجتمعه توضح انه مازال يعيش في عالم ثنائي من الخيال والغيبيات والواقع وانه في وجوده اسير لاساطير ومحرمات ومقدسات تتناول كل مقومات هذا الوجود وانه مازال يعاني تسلط واستبداد افكار اشخاص تفصله عنهم مئات السنين ويندر ان يتساءل احد لماذا وصف ذلك الشيء بالحلال والمقدس وذلك الشيء بالمدنس والحرام ولماذا اعتبر هذا المكان وهذا الجبل وذلك الحجر مقدسا في حين دمغ غيره او دمغت ظاهرة طبيعية بكونها مجردة من القداسة.
ويدلنا التاريخ القديم ان العرب كغيرهم من الشعوب بل ربما اكثر من غيرهم ادخلوا صفة القداسة على كثير من الاشياء ونزعوها عن الكثير وهنالك طقوس كثيرة مورست وأخذت طابعا مقدسا بينما ترجع في اصلها لاسباب شتى او لارتباطها بنمط الانتاج وعلاقاته الاجتماعية حتى ان بعض واجبات القرابة تحولت الى طقوس دينية وقد تكون اصلا لعلاقات دينية بين الافراد كما ان التاريخ يحدثنا عن ظهور مظاهر تقديس لبعض انواع من الانتاج النباتي وبعض الاشجار والحيوانات. كذلك فان بعض الظواهر الطبيعية ادخلت اهتمامات احتفالية عليها طابع القداسة كظاهرة البرق وقوس قزح وشعائر استنزال المطر ومازال الاستسقاء والاحتفالات الكوكبية وتقديس الشمس والقمر.. الخ. وتسرد كتب التاريخ ايضا كيف اقام العرب مقامات ومزارات لاحتفالاتهم واضفوا عليها صفات التقديس واحاطوها بالكثير الكثير من الاساطير والخرافات وقد كان من النتائج التاريخية لظهور مقامات التحريم والتقديس مايسمى بالحمى( بكسر الحاء) اي ماكان يعتبر محمية لوجود الاله او الشيء المقدس والذي يمكن تفسيره كاساس اول لتحديد مفهوم الملكية الخاصة واضفاء صفة القداسة عليها كما اضفى العرب على اماكنهم المقدسة صفة وجودها في مركز الدنيا واسبغوا على بعض الحجارة مجيئها من السماء او عالم اخر.. الخ.
وبصورة عامة ان الفكر العربي كغيره من فكر شعوب اخرى اضفى الى القداسة على التكون القدسي للعالم والكون والانسان وركز على محاور قدسية متعددة تتجاوز مع اشياء غيرها منزوعة عنها صفة القداسة. وقد خاض الفقه كثيرا في هذا الميدان وبخاصة مابحثه في دائرتي الحلال والحرام الذي اصبح الانسان محاطا ضمن دائرتيهما تبعا لموروثات تتحكم في وجوده من المهد الى اللحد.
والامثلة كثيرة التي تذخر بها كتب التراث وتطرح يوميا في وسائل الاعلام وتلقى في المدارس بحيث يلاحظ تكون ميثولوجية زاخرة في هذا الشأن تتحكم في البنية الذهنية والسلوكية للانسان وفي ماكله وملبسه ومشربه وحياته البشرية الطبيعية. ان البحوث التي عالجت هذه الامور بمنطق العلم والبحث العقلي قليلة ان لم تكن نادرة ومازلنا في كل يوم نسمع ونرى على ساحة الثقافة والاعلام والتربية تجاوز عالمين مفتوحين امام الانسان العربي بدءا من البيت والمدرسة ونطاق العمل وحتى الموت. وهذان العالمان هما عالم التاريخ واللاتاريخ.. العالم الدنيوي والمقدس وعالم الحلال والحرام ونرى الانسان مقسما بين هذه الثنائية المتحكمة وقلما يستطيع الخيار فيها بشكل قاطع نظرا للتحكم القاهر في سلوكه وفكره بحيث استمرأها واصبح يعيش ازدواجية رهيبة تنعكس في سلوكه وفي بنيته الثقافية وتكوينه الاجتماعي والسياسي. وقد يصل الامر الى حالة محزنة ترى الانسان فيها وكانه طبقات يمارس في بعضها الحلال وبعضها الحرام ويمارس شعائر القداسة دون ان تمنعه عن اقتراف الدناسة.
ومما لاريب فيه ان مايشاهد من هذه الاحوال البائسة ومايلاحظ من خلل وفساد في كيان هذا المجتمع وافراده على مستويات كثيرة ينهل كله من معين الانماط الثقافية والتقدسيات المكانية والزمانية وعكسها التي كثيرا ماساهمت في تفاقم الادواء الاجتماعية التي لم يجرؤ احد على استعمال المبضع الحاد في استئصال عللها.
واذا كان خلاص الانسان وتحرره من اوهامه وتحكم اساطيره لايكون الا باعمال منطق العلم وبتسليم هذا المنطق القيادة والتوجيه بديلا عن الاسطورة فان منطق الحياة وتطور الحضارة المبنية على العلم لابد ان تيقظ الشعوب النائمة ولابد ان ترسي هذا المنطق في ارجاء الكون الذي اصبح صغيرا جدا بفضل هذا العلم وبفضل عبقرية الانسان رغم كل المعوقات والمظاهر السلبية التي تدفع الى اليأس احيانا.



#شامل_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى السابعة للحوار المتمدن
- العنف ضد المرأة
- هل الايمان بالاديان يقود الى التخلف
- الفقر في الاسلام
- المرأة في الاسلام هل حقا مايقولون؟
- الحرية الفكرية1
- ولاتقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا
- حديث كل مولود يولد على الفطرة
- في نقد الفكر الديني0 رياض العصري0
- من كتاب حصانة المقدس عباس عبود دين مقدس 2


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شامل عبد العزيز - عبد الهادي عباس في مقدمته لكتاب مرسيا الياد(المقدس والمدنس)