أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة باتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة















المزيد.....

من الذاكرة ، أيام صعبة باتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة


فائز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2485 - 2008 / 12 / 4 - 09:57
المحور: سيرة ذاتية
    


من الذاكــرة
أيام صعبة بإتجاه الوطن
الحلقة التاسعة
التوجه الى فصيل سبندارة

عندما كثف الطيران من طلعاته الجوية وقصفه لمقر قاطع بهدينان وأستمرار القصف المدفعي اعتبر موقع القاطع قد سقط عسكريا" ، واتخذت قيادة الحزب ومكتب القاطع قرارا" بتخفيف المقر من العوائل وكبار السن والأنصار الذين يعانون من مشاكل صحية وارسالهم الى المواقع الخلفية الأكثر أمنا" .
في بداية كانون الثاني / 1986 بلغنا من قبل مكتب القاطع لغرض الأستعداد للتوجه الى فصيل سبندارة أو ما يسمى أحيانا" ( فصيل الضيافة ) خلال أيام قليلة قادمة و كان هذا التبليغ مفاجئة لنا . يبعد هذا الفصيل مسافة أربعة أيام مشيا" على الأقدام في طرق وعرة وجبال شاهقة تكون مغطاة بالثلوج في هذا الشهر من السنة ، كما انها لا تخلوا من الخطورة بسبب كمائن العدو والربايا العسكرية المسيطرة على بعض جوانب الطرق الواجب المرور بها .

بعد اربعة ايام من التبليغ وفي ذكرى تأسيس الجيش العراقي في 6 / كانون الثاني / 1986 وهو يوم مغادرتنا القاطع تجمهر غالبية أنصار القاطع في ساحة المقر لتوديع رفاقهم في المفرزة وهي عادة تعود عليها الأنصار في حالة مغادرة أو قدوم اي مفرزة جديدة ، كان الموقف مؤثرا" جدا" لنا ونحن نفارق رفاقنا وأحبتنا الأنصار بعد سنوات من الحياة الصعبة والمشتركة وكل منا لا يعرف هل سنلتقي من جديد في المستقبل ام لا ؟ فالظروف قاسية والسلطة تتبع اكثر الطرق شراسة ووحشية في تدمير كل ما هو حي في المناطق التي يسيطر عليها الأنصار والقوى الكردية الأخرى ولا تبالي حتى بأستعمال الأسلحة الكيمياوية للتخلص من الحركة المسلحة . ألقينا نظرات الوداع وتبادلنا القبل مع الجميع ووضعنا حاجاتنا البسيطة على البغل الوحيد الذي يرافقنا في رحلتنا ، لقد تركنا الكثير من الشواهد والذكريات في هذا المقر وندرك الأن اننا سوف لن نراه ثانية فالأوضاع تسير من سئ الى أسوء .

تحركت مفرزتنا ما بعد الظهر وتتكون من الأنصار ابو سعد ، ابوأروى ، أبو سوزان ، ام سوزان ، أبو نادية أيطاليا ( 1 ) ، أبو عهد ، والنصير الشاب مخلص ورفيق آخر لا تسعفني الذاكرة بتذكر اسمه ، شتاء كردستان في هذا الوقت بارد جدا" والثلوج تتساقط بين فترة واخرى وعلمنا ان الثلوج تغطي بعض الجبال التي يتحتم المرور بها في طريقنا الى هناك . كان النصيران ابو سعد وابو اروى يعانيان من مشاكل صحية وتقرر ارسالهم الى أيران للعلاج في المستشفيات الأيرانية .

بدأت حركتنا ثقيلة وبطيئة بعض الشئ وكأن الجميع لا يود المغادرة ويترك خلفة رفاقه وذكرياته ورؤوسنا تتجه نحو القاطع بين الحين والأخر حتى وصلنا الى نهر الزاب الأعلى ويتحتم علينا الأن ان نعبر الجسر الخشبي المجاور لمقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ( حدك ) الذي بني بطرق بدائية ويتموج حسب تيار مياه النهر حيث يتجنب الكثيرون من العبور عليه خاصة في فصل الصيف عند ارتفاع مناسيبه ويفضلون السباحة للطرف الآخر وهنا اخبرنا الرفيق النصير مخلص بالأسراع بالمشي لغرض الوصول الى اول قرية على الطريق قبل غروب الشمس والمبيت فيها ، مخلص شاب في مقتبل الشباب ، خلوق لدرجة كبيرة ، ويتصف بالنشاط والذكاء وهنا بدأت المسيرة الحقيقية فأمامنا ما يقارب الخمسة ساعات سيرا" للوصول الى الهدف ، طرق وعرة وضيقة تزداد ارتفاعا" كلما تقدمنا نحو الأمام ، الأشجار قد جفت بعد ان تركها اصحابها وهاجروا الى اماكن اخرى أكثر أمنا" ، خمسة دقائق استراحة بين كل ساعة او ساعتين من المشي نواصل بعدها المسير من جديد ، بدأت الحرارة تنخفض تدريجيا" بمرور الوقت ونحن نقترب من غروب الشمس ، اخبرنا النصير مخلص بأننا قد وصلنا الى القرية وعلينا ان نقضي ليلتنا الأولى فيها ونتوزع على بيوتها ، ولكن اين هي القرية ؟ ، واصلنا سيرنا في طريق جانبي ضيق بين الصخور والأشجار المتشابكة ينحدر بنا تدريجيا" الى اسفل الوادي حيث تتواجد مجموعة من بيوت الفلاحين الذين رفضوا مغادرة بيوتهم وأراضيهم وحملوا السلاح لمقاومة قوات السلطة وعملائها ولينظموا الى البيشمركة في حالة اي هجوم على المنطقة ، توزع الجميع على بيوت القرية وكان من نصيبي وزوجتي النصيرة ام سوزان احدى العوائل الفلاحية الكردية المعدمة ، رب الأسرة يجيد اللغة العربية ، لكونه قد أكمل الخدمة العسكرية في جنوب العراق وهناك تعلم اللهجة العربية الجنوبية ، وضعت هذه العائلة امامنا كل ما يملكون لضيوفهم العرب وكان عبارة عن رغيفين من الخبز واللبن الرائب وكمية قليلة من البرغل الذي تعودنا على تناوله لسنوات طويلة ويعتبر هذا طعام الفقراء والبديل عن الرز ، أما شرب الشاي فهو على طريقة الدشلمة حيث توضع مكعبات السكر في الفم ويشرب الشاي بعدها برشفات متتالية دون ان تذيبه . لقد تعود هؤلاء الفلاحين على استضافة الأنصار والبيشمركة الذين يمرون بقراهم الواقعة على الطريق رغم امكانياتهم المحدودة والبسيطة فهم يقدمون لضيوفهم ما يملكون من غذاء متوفر لديهم .

انها ليلتنا الأولى في هذه القرية ومن عادة الفلاحين الدردشة مع ضيوفهم في فترة الاستراحة في كل ما يخطر في بالهم وما يسمعون من اخبار مبالغ بها عادة عن العمليات العسكرية في المنطقة ونتيجة لبساطتهم فهم مولعون بخلق هالة من العظمة على بسالة الأنصار والبيشمركة وكيف يسقطون الطائرات المقاتلة ببنادق قديمة وكيف ان بيشمركة واحد قد اباد فوج من الجحوش في احدى المعارك ، كل هذا يجري لتسلية الضيوف وقضاء الليل ، ومن جانب آخر كان حديثي وام سوزان يتركز في آخر الليل على رفاقنا في القاطع وذكرياتنا الحلوة والصعبة التي عشناها معهم . ترى هل نراهم مرة اخرى وهل ستكتب لنا الحياة لنلتقي في فترة لاحقة وفي ظروف افضل . في هذه القرى عادة ما كنا نتعرف على أناس جدد وسط ترحيب قروي عشائري وتقاليد ضيافة جديدة لم نتعود عليها يجعلنا نحس بطيبتهم ومعاناتهم وتحملهم وخوفهم من الغارات الجوية التي عادة ما تبيد كل شئ يملكون . رغم كل هذا فقد كانت ليلتنا مقلقة بعض الشئ لكون ان بعض عملاء السلطة من الجحوش عادة ما يترددون على هذة القرية بحكم القرابة العائلية مع ساكنيها حيث علمتنا الحياة الانصارية ان لا نثق بأحد وان نكون على حذر دائما" .
في الساعات الأولى من صباح يوم 7 كانون الثاني تزودنا بعدد من ارغفة الخبز وقدمنا الشكر لمضيفنا وهكذا حال بقية رفاق المفرزة وغادرنا القرية وسط طبيعة جبلية صخرية وعرة ، جبال عالية تنتشر فيها اشجار مختلفة تساقطت اوراقها بسبب البرودة وحلول موسم الشتاء ، تتخللها اراضي زراعية حرثت حديثا" تعيق مسيرتنا مما جعلنا نستعمل فروع الاشجار واغصانها لموازنة اجسامنا المتعبة ومواصلة السير .

ساعات متواصلة من السير المتعب ، حقائب القماش ( العليجة ) التي نحملها على ظهورنا رغم خفتها أصبحت ثقلا" علينا ، لا احد يستطيع ان يتخيل التعب والارهاق الذي يلازمنا ونحن نتقدم الى الأمام وسط الجبال الشاهقة الموحشة ، كلما تقدمنا في سيرنا تواجهنا سلسلة جبلية جديدة علينا تجاوزها واخذنا نستعين بركوب البغل ليخفف آلام مفاصل ارجلنا المتعبة ... هدفنا هو الجبل الأبيض الذي نشاهده بالافق وهو الاعلى في السلسلة الجبلية المواجهة لنا ، وسمي بالابيض لكونه مغطى بالثلوج البيضاء طوال السنة لشدة ارتفاعه وكثرة تساقط الثلوج عليه في موسم الشتاء .

تجاوزت الساعة الان الواحدة ظهرا" وقررنا الجلوس وسط ساحة مكشوفة وسط الصخور المتناثرة والمختلفة في احجامها لتناول وجبة الغذاء بما يتوفر لنا من الخبز الذي حصلنا عليه من القرية السابقة وقدح من الشاي ، لم تتجاوز استراحتنا هذه الساعة حتى سقطت قذيفة مدفعية على مقربة منا وبالتأكيد نحن المستهدفين فيها لكون المنطقة محاطة بالربايا العسكرية لذا قررنا مغادرة مكان استراحتنا بسرعة ومواصلة السير والوصول الى محطتنا القادمة قبل الظلام . الأرض طينية موحلة بسبب تساقط الثلوج في الأيام الماضية وتحولت المنطقة كلها الى أوحال لا يمكن السير فيها ، غمرت احذيتنا وارجلنا في الوحل بشكل كامل ، البرودة اخذت تزداد كلما اقتربنا من الغروب ولا نستطيع تحملها ، الجبال المحيطة بنا تغطيها الثلوج ، حاول البعض الأستعانة بركوب البغل ليتجنب عناء السير في الوحل الا ان البرودة الشديدة لا تمكنه من الجلوس على البغل لفترة تزيد عن خمسة عشرة دقيقة عندها يحس المرء بالانجماد لذا يفضل السير في الأوحال على تحمل البرودة ، بدأ الظلام يخيم على المنطقة وبدأ ضوء القمر ينشر اشعته على قمم الجبال العالية وخاصة الثلوج التي تغطي الجبل الأبيض ، النصير مخلص ومن كثرة الأنهاك الذي اصابه لم ينتبه الى الطريق المؤدي الى القرية فأتجهنا الى طريق آخر ولم يمض وقت طويل حتى تبين ان الجبل الأبيض قد اصبح على يسارنا وهذا يدل على اننا في نسير في طريق آخر ، تم تلافينا الأمر وعدنا من جديد الى الطريق الصحيح , ومن بعيد بانت لنا بيوت القرية المتفرقة التي تحيط بها برك المياه والأوحال من كل جانب . نباح كلاب القرية بدأ يرتفع وخرج بعض رجالها لأستقبالنا ومساعتنا ودعوتنا لقضاء الليل في ضيافتهم .

توزعت المفرزة في بيوت عدة وكان من حظنا ان ندخل بيت عائلة قروية تتكون من زوج وزوجته وثلاث فتيات تتراوح اعمارهن ما بين العاشرة والرابعة عشرة ، كانت البنتان الكبيرتان مشغولتين بحياكة السجاد اليدوي ونقشاته الجميلة على ( الجومة ) ، وحال دخولنا تركن العمل وتوجهن لمساعدة والدتهن في اعداد الطعام ، وتوفير سبل الراحة لنا ، صاحب البيت قدم لنا بدلتين نظيفتين وطلب منا خلع بدلتينا لغسلها بما تعلق فيها من اوحال الطريق ووضعت الأخشاب في المدفأة المعدنية لزيادة التدفئة . سارعت وام سوزان لغسل جوارينا الموحلة ولكن صاحبة البيت ابدت ان نقوم نحن بذلك واخذت على عاتقها غسلها وحاولت مسرعة لغسل أحذيتنا أيضا" لولا ممانعتي الشديدة لذلك وقمت بغسلها بيدي احتراما" لهم ، وضعت بدلاتنا وجواريبنا واحذيتنا قرب المدفأة وخلال اقل من ساعتين جفت بشكل كامل وتم لبسها من جديد .

ثم تبع ذلك ما قدمته العائلة من حسن الضيافة وتقديم الدجاج المشوي واللبن الرائب وعنقود كبير من العنب ، احسسنا بالخجل ونحن نحمل هؤلاء القروين اكثر من طاقتهم وهم وسط جبال شاهقة وحصار اقتصادي قاتل للمنطقة . ربطتنا مع العائلة علاقة وثيقة فأم سوزان اخذت تساعد الفتيات في الحياكة وتعلمهن التطريز على القماش ودخل صاحب البيت معي في نقاش بقليل من العربية واللغة الكردية التي لا اجيد منها غير بعض الكلمات . وكانت هذه الأسئلة تتركز هل هذه المرأة المرافقة لك هي زوجتك ؟ وهل انتم شيوعيون ؟ هل تعبدون الله ، ما هي اهدافكم ؟ وهل تقاتلون صدام حسين مثلنا ؟ والى اين ذاهبون ومتى تعودون لنستعد لضيافتكم عند العودة ؟ وعلى قلة الكلمات التي نفهمها بالكردية استطعنا التفاهم وان اوصل له ما يمكن ايصاله وكانت لغة الأشارات هي السائدة في الحديث احيانا" مع الكتمان وعدم اعطاء الأجوبة الصحيحة على أسئلة أخرى وهذا ما تعود عليه الأنصار احترازا" وتحسبا" للمجهول . وادركنا ان الحديث الطويل مع الضيف يدلل على احترام صاحب البيت له حتى لا يشعر بالوحشة ولغاية ان يغلب عليه النعاس . تعدت الساعة الواحدة ليلا" وبدأت الثلوج بالسقوط ولا زال صاحب البيت يواصل حديثه الى ان أدرك بأننا قد وصلنا الى حالة الأعياء وعلينا النوم عند ذلك طلب من زوجته بتوفير مكان النوم لنا في الغرفة المجاورة وتدفأتها وتغير الفراش حيث نمنا بعمق حتى صباح اليوم التالي .

جلسنا مبكرين صباح اليوم التالي 8 / 1 / 1986 لنرى مدى ملائمة الطريق لمواصلة الرحلة بعد تساقط الثلوج لليلة الماضية وهل هناك عوائق اخرى وتبين لنا من سكان المنطقة ان الطريق سالك ويمكن السير به حال عبورنا نهر الشين الذي يبعد حوالي الساعة مشيا" عن القرية . جهزنا انفسنا بما حصلنا عليه من الخبز والجبن وخيارة واحدة وحبة طماطم وهكذا بقية افراد المفرزة حصلوا على ما يتوفر عند مضيفهم من تموين .

غادرنا القرية في حدود الساعة التاسعة صباحا" وفي طريق ينحدر تدريجيا" نحو نهر الشين ( النهر الأزرق ) وبدأت اشعة الشمس تظهر من بين الغيوم المتقطعة ساهمت بتدفأة الجو قليلا" ، بعد مسرة تجاوزت الساعة وصلنا الى النهر وعلينا عبوره الى الضفة الأخرى ، نهر الشين عميق وسريع الجريان رغم رعضه الذي لا يتجاور العشرين مترا" ولكنه مخيف بعض الشئ ويخشاه الجميع وعادة ما يستعمل القرويين الكلك الخشبي المصنع محليا" لعبوره وهم يمسكون حبل قوي ربط على الطرفين تجنبا" لجرف الكلك بتيار النهر ، اما في حالة المفارز فعادة ما تعبر البغال سباحة في البداية ثم يعبر افراد المفرزة بعدها .

بعد اقل من ساعتين تم عبورنا بسلام على ( الكلك ) للضفة الثانية من النهر وبدأت مسيرتنا من جديد وكلما تقدمنا الى الأمام تزداد الأرض ارتفاعا" ووعورة وتظهر امامنا جبال شاهقة ووديان عميقة محاذية للحدود التركية من جانب ومن الجانب الأخر الجبال التي تعلوها الربايا العسكرية العراقية المسيطرة على الطريق والتي تقوم بقصف المنطقة بالمدفعية والرشاشات الثقيلة عن مشاهدة اي شئ يتحرك ، كما ان المنطقة تعتبر منطقة تحركات عسكرية للجندرمة الأتراك التي تقوم دوراتها بمهاجمة الأنصار والمهربين على حد سواء وخاصة في منطقة تدعى (عادل بك ) التي شهدت سابقا" استشهاد النصيرة أنسام ( 2) نتيجة وقوع المفرزة في كمين للجندرمة الأتراك قرب ( قرية أدلبي ) ، حاولنا الأبتعاد عن هذا الموقع والسير بعيدا" عنه تجنبا" لأي صدام متوقع خاصة وان غالبيتنا غير مسلحين عدا النصير مخلص والنصير ابو عهد .

واصلنا السير ومرت الساعات الطويلة حتى وقت الغداء حيث تمت استراحتنا على احدى القمم وقرب احدى عبون الماء العذبة ووسط طبيعة جميلة لا توصف ، بعدها واصلنا الرحلة بأتجاه فصيل الضيافة فأمامنا ليلة أخرى علينا ان نقضيها في الطريق ، وصلنا وكما هو مخطط ما بعد الساعة التاسعة ليلا" الى احد البيوت المتروكة وسط الجبل حيث سبقتنا احدى مفارز الأنصار الأستطلاعية الى هذا المكان . الجو بارد جدا" والبيت رطب جدا" ، ولا تتوفر فيه الأغطية اللازمة للنوم وأخذت أجسامنا ترتجف من شدة البرودة ، المدافئ الموجودة في البيت تحتاج الى اخشاب للتدفأة وهي غير متوفرة أيضا" ، بعد مشقة كبيرة تم الحصول على بعض القطع الخشبية وهي مغطات بالثلوج وتحتاج الى جهود كبيرة لتجفيفها وأشعالها وأيقاد المادفئ وهذا الأمر اخذ منا ساعات طويلة اضافة للتعب والأرهاق الذي نعاني منه طيلة رحلتنا حتى بدأت القاعة تدفئ تدريجيا" وعندها احسسنا برغبة شديدة للنوم فأمامنا يوم آخر من المسير الشاق .

كان صباح اليوم التالي مشمسما" والبرودة تميل الى الأنجماد ، اعددنا انفسنا لمسيرة طويلة تقدر بخمس ساعات ، من المقرر ان نصل فصيل سبندارة ما بعد الظهر كما هو محدد ، تناولنا ما يمكن تناوله من مخلفات ما تبقى لنا من خبز قديم وباشرنا السير بعد الساعة التاسعة صباحا" ، الطبيعة جميلة جدا" بجبالها الشاهقة ووديانها ، الحرارة أخذت بالأرتفاع كلما تقدم الوقت . مناطق وجبال نراها عن بعد وقد احتلت من قبل القوات الأيرانية ونشاهد عن بعد طائرات الهلكوبتر الأيرانية وهي تجول وتصول في الأراضي العراقية وهي تنقل المعدات والجنود للجبهة لتعزيز مواقعها .

كانت مسيرتنا مريحة وغير متعبة مثل الأيام السابقة لكون مناطق سيرنا كانت في منطقة ذات ذات طبيعة جغرافية متشابهة تقريبا" وتتخللها صعود ونزول لبعض التلال والوديان وسط الجبال الشاهقة . ومن بعيد شاهدنا مجموعة من اشجار السبندار الكثيفة في منطقة هجرها اصحابها لوقوعها ضمن مناطق العمليات العسكرية المحرمة ، ووسط هذه الأشجار بيت طيني لفلاح مهجر يحتوي على عدة غرف اتخذ منها الأنصار موقعا" لهم بعد أجراء عدة تغيرات مناسبة للعمل الأنصاري وليكون مكان مناسب لضيافة الأنصار وهم يتنقلون من موقع الى آخـر. وصلنا الى فصيل سـبندارة ما بعد الظهـر وكان في استقبالنا الرفاق آمر الفصيـل النصير ( هه زار ) والرفيق ( ابو زينب ) حيث تربطنا معهم علاقات رفاقية طويلة وبقية الرفاق في الفصيل وهنا بدأت حياة جديدة سنتحث عنها في حلقاتنا القادمة .

يتبع في الحلقة العاشرة

الهوامش ــــ

1 ـ ابو نادية / إيطاليا.... هو الشهيد عبد الأله السهلان ، استشهد في بغداد على يد القوى الظلامية بتأريخ 24 / حزيران / 2008 ، اثر حادثة التفجير الارهابي في مدينة الثورة في بغداد وهو يواصل تقديم خدمته لأبناء المدينة .
2 ـ الشهيدة أنسام ... هي المناضلة ( موناليزا أمين منشد ) من أهل الناصرية . اٍستشهدت بعد وقوع مفرزتها في كمين للقوات التركية في منطقة عادل بك القريبة من قرية أدلبي قرب الحدود التركية .


كنــــــدا
3 / كانون الأول / ديسمبر / 2008



#فائز_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثامنة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السابعة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة السادسة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الخامسة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الرابعة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثالثة
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الثانية
- من الذاكرة ، أيام صعبة بإتجاه الوطن ، الحلقة الأولى
- أحياء بغداد ومقاهيها الشعبية منبع الأدب والثقافة
- الصابئة المندائيون والأرهاب عبر التأريخ
- الصابئة المندائيون ، شعب أم أمة أم طائفة دينية ... الحلقة ال ...
- الصابئة المندائيون بين الهوية والمستقبل المجهول
- من الذاكرة ، طفولة وذكريات عن ثورة 14 تموز / 1958
- هل يتعرض الصابئة المندائيون لخطر الابادة الجماعية
- الصابئة المندائيون ، شعب أم أمة أم طائفة دينية .... من المسؤ ...
- المندائيون والعهد الحاص بحقوق الأقليات
- دماء وشهداء في ساحة السباع
- النخلة المقدسة بين التراث والدين
- شجرة الزيتون رمز السلام والحياة والخصوبة
- الجت غذاء للحيوان ودواء للأنسان


المزيد.....




- حفلات زفاف على شاطئ للعراة في جزيرة بإيطاليا لمحبي تبادل الن ...
- مباحثات مهمة حول القضايا الدولية تجمع زعماء الصين وفرنسا وال ...
- الخارجية الروسية تستدعي سفير بريطانيا في موسكو
- الحمض النووي يكشف حقيقة جريمة ارتكبت قبل 58 عاما
- مراسلون بلا حدود تحتج على زيارة الرئيس الصيني إلى باريس
- ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في البرازيل إلى 60 شخصًا
- زابرينا فيتمان.. أول مدربة لفريق كرة قدم رجالي محترف في ألما ...
- إياب الكلاسيكو الأوروبي ـ كبرياء بايرن يتحدى هالة الريال
- ورشة فنية روسية تونسية
- لوبان توضح خلفية تصريحات ماكرون حول إرسال قوات إلى أوكرانيا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، أيام صعبة باتجاه الوطن ، الحلقة التاسعة