أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - سامي فريدي - العنف والمقدس














المزيد.....

العنف والمقدس


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 2478 - 2008 / 11 / 27 - 10:09
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


قتل الحيوانات وافتراسها أو استخدامها طعاما، كان أول ممارسة للقتل في التصور التاريخي، يضع (الحاجة) على رأس العوامل الدافعة للعنف والقتل. يليه التوجس بالخطر والشعور بـ(الخوف) من المقابل. أما الدافع الثالث للقتل فكان (الحسد والغيرة) عندما قتل قابيل أخاه هابيل. ولا زالت هذه العوامل الثلاثة في مقدمة الأسباب الدافعة للعنف أو القتل. هذه العوامل لم تتعرض للألغاء بفعل التحضر أو ما يسمى بالتمدن، وانما تم استيعابها وأدلجتها وإعادة انتاجها في التقليد الاجتماعي والديني للثقافات المختلفة. ويبقى ربط العنف بالمقدس والإلهي آخر بدع العقل الصافي.
لقد قدمت ديانات متعددة، كتابية أو قبلكتابية، الإله في صورة الجبار الغاضب الذي يعاقب ويلعن مخلوقاته، أو يأمر بايقاع القصاص بها، وليس ذلك كما سبق القول إلا من بقايا الفكر البدائي . ان الصاق صفة سلطة العقاب والجزاء بالمقدس، سوّغ لطبقة الكهنوت والاقطاع تمرير معاقبة الأيدي العاملة تحت إدارتها، وعلى اعتبارها أرباب نعمتها وأعمالها. بمعنى آخر أن الطبقة البرجوازية من رجال دين وسلطة واقطاع أضافوا أنفسهم في قاموس الربوبية، مشاركين في تشريع العقوبات البشرية والتي من ضمنها قتل الحياة التي ليس لهم دور في منحها أو بعثها.

فلا غرو أن تعتمد مناهج التربية التقليدية المتوارثة العنف كأداة تربوية، من باب توظيف الشيء للوصول لنقيضه. وهو ما لا يقتصر على جماعة أو ثقافة دون غيرها، كما في الاسلام، الذي يأمر باستخدام الضرب في حالتين:
- ضرب الطفل إذا رفض أداء طقوس الصلاة أو الصوم.
- ضرب المرأة إذا خالفت رغبة زوجها في أي أمر، (اهجروهن في المضاجع واضربوهنّ..).

ناهيك عن عقوبات الجلد والرجم وضرب العنق وزهق الروح.
ان اقحام النص الديني في هذا الأمر، وصمه بما لا ينسجم مع روحانية الدين وخلُق المحبة، وشكل دافعاً إضافيا لتسويغ العنف وتشجيعه وانتشاره في باب العادات والأعراف الاجتماعية.. فإذا إضيف لذلك جملة نصوص تدعو لمظاهر عنفية مختلفة في القرآن والسنة والأحاديث والفتاوي، يظهر للعيان منهج متكامل للعنف الديني في مختلف مجالات الحياة، ما جعل مجتمعات كثيرة ضحايا ثقافة عصابية ونتاج تربية عنفية، تتعدى المظاهر المادية للعنف إلى دوافعه النفسية الممثلة بالكره والحسد والتنابز والتعالي.
ومن قاموس العادات والأمثال الدارجة المشجعة لثقافة العنف والمروجة له أورد بعض الأمثلة الغريبة والمحرجة في جداول المقارنة مع الأمم والحضارة..
- اضرب .. اضرب يا نقاوة عيني!..
- اضرب عصفورين بحجر..
- ضرب الحبيب.. مثل أكل الزبيب!..
- اللي يقول لمراته يا عوره.. الناس تلعب بيها الكوره..
- ضربني وبكى.. سبقني واشتكى..

ومن طريف ما يذكره أحدهم* أن عبارة (كيرياليسون) التي تتردد عند الأرثوذكس، والتي تترجم للعربية بمعنى (يا ربّ ارحم!)، انما هي إشارة إلى الجلدات التي ألهبت ظهر يسوع الناصري قبيل الصلب، وعددها تسعة وثلاثون جلدة، يضاف إليها إكليل الشوك وطعنة الحربة في جنبه، فيكون اجمالي العدد إحدى وأربعين، وهي عدد المرات التي تردد فيها عبارة (كيرياليسون) أثناء القداس الطقسي. وقد نهى يسوع عن الرجم في مقولته الشهيرة التي جرت مجرى المثل: (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!). والجلد والرجم من المظاهر العقابية في دين العبرانين مما انتقل في ديانة العرب.

ان ثقافتنا الاجتماعية والدينية تحرض بشكل مباشر أو غير مباشر على العنف، ولا زالت الأجيال العربية تتداوله وتتلقنه، رغم تغيرات تيار الحضارة والمدنية واتصال الكثير منهم بالغرب عبر الميديا أو حياتهم الفعلية في ديار الغرب، لكن عقولهم وأذهانهم ما زالت مربوطة معتقلة تحت ركام مئات بل آلاف السنوات من التخلف والجمود والمسخ.
ان الانسان مخلوق عاقل، ولم يمنح هبة العقل لتغييبها واستبدالها بالتلقين والتسليم الأعمى من غير تمحيص أو تجربة وتحقيق. يقول أحد الكتاب في مجال الدين، أننا اليوم أكثر ثقافة ومعرفة من الناس أيام ظهور الأديان، وهذا بحد ذاته مدعاة لاستخدام العقل والمعارف المتاحة في توجيه أفكارنا وسلوكنا اليومي والعام في المجتمع والحياة.
العقل والخلُق الرفيع يستدعيان امتحان كل شيء في الواقع من أجل توجيه المسؤولية في تحديد مواقفنا وتصرفاتنا، ليس بحسب التقليد، وانما بفعل الوعي والضمير الحي. ومن واقع الضمير أن لا نرضى لغيرنا، ما لا نرضاه لأنفسنا. فهل نفكر في ايذاء أحد بعد.. هذا هو السؤال!.
*
لندن
الخامس والعشرين من نوفمبر 2008



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القمص مرقس عزيز خليل في كتابه (خواطر روحية من الأمثال الشعبية والكلمات الدورية)-ص76.



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل الدين عن الدنيا
- فكرة الاشتراكية.. بين صنمية النظرية وأسواء التطبيق
- ثورة أكتوبر .. (نعم) أو (لا)
- من قتل فيصل الثاني؟..
- تأملات في الحالة العراقية - 5
- نحو يسار اجتماعي.. ومجتمع مؤسسات دمقراطية
- تأملات في الحالة العراقية (4)
- تأملات في الحالة العراقية (3)
- تأملات في الحالة العراقية (2)
- دين.. دولة ومجتمع
- عوامل الطرد السكاني وعوامل الجذب
- العلاقة الطردية بين التعليم والأمية
- التجارة العربية في لندن
- مندَم
- بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ
- مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات
- الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
- المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي


المزيد.....




- السويد- رجل وامرأة يحرقان نسخة من القرآن قبيل انطلاق -يوروفي ...
- اغتصاب واتجار وتخدير.. قصة اصطياد عصابة -تيك توك- للأطفال في ...
- استقبل الآن… أحدث تردد قنوات الاطفال 2024 على القمر الصناعي ...
- الأونروا: الحرب على غزة هي حرب على النساء
- “اجا الحلو يا لولو!!”.. تردد قناة وناسة 2024 WANASAH TV لمشا ...
- الأونروا: الحرب على غزة تستهدف النساء بشكل أساسي
- في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما هو حال الصحافيات/ين الفل ...
- عام من الحرب في السودان.. عندما تنطق الأرقام ألمًا
- حليمة بولند خلف القضبان بسبب رجل مهووس
- “سجل الان” طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 202 ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - سامي فريدي - العنف والمقدس