|
بمناسبة اليوم الوطني للاعلام 15 نونبر :
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2468 - 2008 / 11 / 17 - 03:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يقول الراحل عبد السلام المؤذن بجريدة انوال ومن داخل زنزاته سنة 1989 « جريدة انوال رفيقة سجني كانت ورفيقة حريتي ستكون »
الذين لهم احتكاك بقوانين الجدل ليس كما صاغها شيخ الجدل المثالي هيجل ، ولكن كما صاغها عميد الجدل المادي ماركس ، لابد انهم يعرفون هذه الخاصية الجوهرية لصيرورة الظاهرة الجدلية la génèse . ان تلك الصيرورة ما ان تبلغ نقطة معينة من التراكم الكمي ، حتى تنقلب الى طفرة كيفية ، محدثا بذلك انقساما حادا ، بين قطبين متصارعين : قطب يمثل القديم ( لحظة التراكم الكمي قبل نقطة التحول الكيفي ) ، وقطب نقيض يمثل الجديد ( لحظة التحول الكيفي ) . ان انقسام الظاهرة على نفسها ، بين الميولات حول القديم ، والميولات المضادة نحو الجديد ، هو سبب التمزق الذي تعيشه تلك الظاهرة ، بحيث ان جل ذلك التناقض لايكمن ، في التوفيق الانتقائي بين القطبين المتصارعين ، ولكن في التجاوز الجدلي للقديم لصالح الجديد . ان هذا العرض البارد والمجرد لذلك المنطق الجدلي ، الذي هو ميزة ملازمة لكل فكر علمي ، هو نفس العرض الذي صاغه شاعر اللغة الالمانية العظيم ◄جوته» ، لكن بصورة متوترة وملموسة ، التي هي ميزة ملازمة لكل شعر واقعي اصيل ، لقد قال جوته على لسان فاوست : هناك روحان ، وياللاسف ، تسكنان صدري . وكل واحدة تصارع الاخرى من اجل السيطرة على كياني . ان حالة التمزق هذه ، التي تحدث عنها فاوست بشكل رائع ، هي نفس الحالة التي عشتها شخصيا وعانيت منها ، في السجن في مطلع الثمانينات . لقد شاء ت الاقدار في ذلك التاريخ ان اعيش قصة حب متبادل مع فتاة جامعية ، والحب في السجن ليس هو الحب خارج السجن . ففي السجن ، حيث الحرمان ، والكبت ، وحالة الانفصال عن المجتمع ، وكذلك انعدام حرية الاختيار، يكون من الصعب جدا وضع خط فاصل وواضح ، للتمييز بين ماهو مجرد حب جنسي محض ، وبين الحب الحقيقي الفعلي ، وفي كل الاحوال ، نظرا لتلك الاعتبارات ، يقع تضخيم الحب والسمو به الى اعلى درجات المثالية . وبينما كنت اعيش قصة ذلك الحب المتوتر اذا ، فجاة ظهرت جريدة انوال ومعها ظهرت افاق مساهماتي في تحرير مقالاتها ، وكتابة المقالات من داخل السجن ، ليست هي كتابتها من خارجه ، فمن الخارج يكون هدف الكتابة ، اساسا ، هو الانخراط في الصراع الطبقي بواسطة سلاح القلم ، اما الكتابة من داخل السجن ، فهدفها الاول ، هو الصراع من اجل اثبات وجود الذات التي يراد اقبارها وتشطيبها كليا من الساحة . لكن الكتابة من داخل السجن ، لكي تحقق غرضها ، وتكسب عطف وتعاطف جماهير القراء ، لابد لها ان تتصف بنوع من التمايز والجدة والاثارة ، وهذه الامور تتطلب بطبيعة الحال ، الكثير من البحث والدراسة والتحصيل . أي بعبارة الاهتمام الشديد بشؤون الفكر هكذا سأجد نفسي ممزقا ، بالطريقة الفاوستية ، بين قطبين متناقضين فمن جهة ، كانت تجرني ميولي الوجدانية ، نحو مملكة القلب والحب ، المجسدة في شخص المحبوبة . ومن جهة ثانية ، كانت تجرني الى الطرف النقيض ، ميولي السياسية ، في مملكة العقل والفكر ، المجسدة في جريدة انوال. ان اصل تمزق كياني بين شؤون القلب وشؤون العقل ، يعود لكون كل قطب من القطبين المتصارعين ، كان يريدني لوحده وفي هذه الحالة ، سيكون التعايش بينهما ضربا من العبث ، ونوعا من باب المستحيلات . لذلك كان محكوما علي بالاختيار ، وليس هناك ماهو اصعب على الذات البشرية ، اكثر من وضعها في موقع يفرض عليها ضرورة الاختيار بين شيئين عزيزين للغاية . ولما كان لابد من الحسم ، فقد حصل الحسم ، رغم قساوته ، وللحقيقة يجب القول ، بان ارادتي الخاصة لم تكن لحسم تذبذبي ، اذ كان لابد من تظافر ارادتي بارادة المحبوبة ، وهذا فضلها علي لن انساه لها ابدا . لقد حصل الحسم اذن ، وكان لصالح انوال ، ومن يومها اصبحت انوال هي وجودي وكياني . ان هذا الحب الجديد مع رفيقة الدرب الجديد ، قد اثمر العديد من المقالات رغم ان القراء الكرام قد توزعوا بين متعاطف معها ومعاد لها ، انهم جميعا توحدوا في نقطة مركزية ، وهي رفع حالة الاقبار والاهمال ، التي حاولت سجون البورجوازية ، نصبها في وجهي . ويجب الاقرار بالحقيقة التالية ، وهي انه اذا ما استطعت ان اصمد في سجون البورجوازية المغربية ، لمدة تقارب خمس عشرة سنة ، فان ذلك لايرجع لقواي الذاتية فحسب ، بل وايضا للقوى الخارجية التي ساندتني ماديا ومعنويا ، ومن ضمنها جريدة انوال والمسؤولون عن انوال ، وقراء انوال . ان علاقة حبي وصداقتي لانوال ، كانت علاقة متكافئة ( والتكافؤ هو اهم صفة يطلبها المرء بالنسبة لعلاقات الحب والصداقة ) .ان علاقة التكافؤ تلك ، كانت تتمثل : من جهة ، استفادة انوال مني بسبب المقالات التي كنت اخصها بها ، ومن جهة ثانية ، استفادتي من انوال ، لانها كانت تعمل ، اعلاميا ، على ذلك الحصار المضروب حولي من طرف المؤسسات القمعية البورجوازية المغربية . وتشاء الصدف ان اخرج من السجن وان انضم رسميا لرفاقي في هيئة تحرير انوال في نفس الاسبوع الذي تحتفل فيه انوال ، بنهاية عقدها الاول ودخولها في عقدها الثاني . وبهذه المناسبة العقدية يقول الراحل عبد السلام المؤذن ، فان السؤال الكبير التالي ، يبرز بكل ملحاحيته وضغطه : ماهي حصيلة تجربة انوال طوال عقد من الزمن ؟ . بدون الدخول في التفاصيل الدقيقة ، يجب القول بان اهم محصلة لذلك العقد هو ان انوال اصبحت ركنا اساسيا من اركان الصحافة الوطنية في بلادنا ، لاغنى للمجتمع المدني المغربي عنه . هذا اذن هو الوجه الايجابي للميدالية ، لكن ماهو وجهها السلبي ؟ . هو التالي : لقد خفت حدة اندفاع انوال ، وتقلص محيط قرائها . فما السبب ؟ بدون البحث عن اسس السبب ، ووعيها ، وتعريتها ، ونقدها ، لايمكن نفخ روح حياة جديدة ، في المسيرة الانوالية ، تكون اكثر قوة وغنى وحضورا وتطورا ، بالمقارنة مع العقد الماضي . ان اسس ذلك التراجع الذي يخيم على انوال ، هي في رايي تكمن في كون قاعدة الاعلام الصحفي ، التي قام عليها نشاط الجريدة ، طوال المرحلة السابقة ، قد استنفذت امكانياتها التاريخية الموضوعية ، وبالتالي اصبحت معيقة للتطور ، مما اصبح يقتضي تجاوز تلك القاعدة القديمة ، بقاعدة جديدة قادرة على منح التراكم الاعلامي الصحفي شروطا جديدة للنمو والتطور . ماهي قاعدة الاعلام الصحفي القديمة ، التي انتهى دورها التاريخي ، وماهي قاعدته الجديدة ، التي ستفتح امامه افاق النمو والتطور ؟ . عندما ظهرت انوال للوجود في نونبر 1979 ، كانت المنظمة التي جاءت الجريدة لتعبر عنها وتكون لسان حاله ، مجرد منظمة مثقفين ، وبالتالي كانت انوال تعبر عن حركة فكرية ، ان هذه القاعدة الفكرية للاعلام الصحفي لانوال كانت بارزة بشكل صارخ ، في الموقع المركزي الذي كان يحتله الفكر في توجه انوال ، والذي تمثل اساسا في رفض الطابع الالحاقي للثقافة للسياسة ، مؤكدة على على دورها المستقل ، كما تمثل في ابداع ركن فكر وحوار الذي احتل قلب الجريدة . لكن بعد عشر سنوات من تاريخ ظهور انوال ، وقع تحول منظمة العمل ، من حركة فكرية الى حركة سياسية . وهذا الطابع السياسي الجديد للمنظمة ، قد تجسد بشكل خاص في توسيع النفوذ الجماهيري للمنظمة ، الذي عكسته قدرة المنظمة على فتح مقرات لها في معظم المدن المغربية ، وظهور المنظمة في الانتخابات البرلمانية لسنة 1984 كاقوى قوة سياسية في بعض المناطق . فانوال اذن لكي لاتتخلف عن حركة الواقع ، كان مفروضا عليها ان تحقق الانتقال من قاعدة الاعلام الصحفي الفكرية، الى قاعدة الاعلام الصحفي السياسية ، وذلك تمشيا وانسجاما مع التحول التاريخي الذي طرا على منظمة العمل ، والذي قادها ، كما سبق الذكر ، الى انتقالها من حركة فكرية الى حركة سياسية . فالتناقض الذي تعيشه انوال راهنا ، والذي هو السبب العميق لتراجعاتها الحالية ، يكمن اذن في التالي : الوقت الذي اصبحت فيه منظمة العمل ، منظمة سياسية متجاوزة بذلك طبيعتها الفكرية السابقة ، ظلت انوال بالعكس ، تمارس نشاطها الاعلامي على نفس الارضية الفكرية القديمة . وعندما اشخص طبيعة انوال واقول بانها جريدة تمارس النشاط الاعلامي على قاعدة الاعلام الصحفي الفكرية ، فاني لااقصد بذلك انها تتحدث عن الفكر ولا تتحدث عن السياسة ، بل اقضد انها تمارس السياسة انطلاقا من برامج سياسية مجردة .. أي في نهاية المطاف تمارسها بلغة الفكر المجرد ، وليس انطلاقا من برامج سياسية ملموسة . لكن بما ان انوال ، في الجوهر ، هي تعبير عن ، و انعكاس لتوجهات منظمة العمل فاذن ، في العمق ، ان مشاكل انوال هي مجرد انعكاس لمشاكل المنظمة يمكن تكثيفها في الشكل الجوهري التالي : في الوقت الذي ادى فيه تطور المنظمة التاريخي ، الى انتقالها من حركة فكرية الى حركة سياسية ، ظلت الطبيعة الفكرية السابقة ، بما يطبعها من تجريد ، هي المهيمنة على البرامج السياسية للمنظمة . فمنظمة العمل اذن ، قد قطعت ، وفي نفس الوقت ، لم تقطع مع المرحلة الفكرية السابقة ، لقد قطعت معها ، لان المنظمة اصبحت حركة سياسية ، ولم تقطع معها ، لان برامجها السياسية لم تتحرر بعد من الطبيعة المجردة التي ميزت الحركة الفكرية القديمة . من هنا يتضح الربط بين مشاكل الجريدة ومشاكل المنظمة ، بحيث يصبح من العبث تفسير مشاكل الجريدة بمعزل عن مشاكل المنظمة . لكن المنظمة تعيش حاليا مرحلة مخاض بالغة الخصوبة ، سيؤدي بدون شك ، الى ولادة سعيدة جديدة ، للمنظمة وللجريدة على السواء . وعندما يتم حل اشكالية االبرنامج السياسي الملموس ، فان اقلام رفاق هيئة تحرير الجريدة ، واقلام اصدقائها ، ستتحول الى سيوف فتاكة ، لمقاومة وصد العدوان الزاحف الذي تشنه قوى الراسمالية الكولونيالية الجديدة على شعب المغرب ووطن المغاربة . وفي هذه الشروط ، ستكون انوال ، ليس فقط ركنا من اركان الصحافة الوطنية الديمقراطية المغربية ، بل ، وبكل روح رياضية ستكون طليعة لتلك الصحافة جمعاء . لااعرف من هو الرفيق الذي اقترح اسم انوال ، لكي يكون اسم جريدة الشيوعيين المغاربة الجدد ، لكن الاهم هو ان ذلك الاسم كان موفقا تماما ، لان الاعداء الذين حاربهم البطل العملاق الخطابي ، هم نفس الاعداء الذين يحاربهم اليوم احفاد الخطابي ، مع الفرق هو ان عدو الخطابي كان الراسمالية الكولونيالية القديمة ، بينما عدو احفاده هو الراسمالية الكولونيالية الجديدة ، التي اندمج مشروعها الراس مال المغربي الكبير .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرية الديمقراطية المغربية -3-
-
نظرية الديمقراطية المغربية : دولة كل طبقات المجتمع - تتمة -
-
نظرية الديمقراطية المغربية: ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية :ديمقراطية دولة كل طبقات المجتمع
-
نظرية الديمقراطية المغربية : تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية: تناقضات ديمقراطية دولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية -2-
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ا
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية :الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة ال
...
-
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة
...
-
فكر وحوار : نظرية الديمقراطية المغربية
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية - 3-
-
جدلية الدولة والمجتمع . تابع
-
3جدلية الدولة والمجتمع .
-
حقيقة الدولة السياسية المغربية .
-
نظرية الديمقراطية المغربية : حقيقة المجتمع المدني المغربي -
...
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-
المزيد.....
-
مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا
...
-
داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من
...
-
مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
-
صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال
...
-
هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي
...
-
بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج
...
-
دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
-
أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
-
الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط
...
-
حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|