أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - الندّاف














المزيد.....

الندّاف


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2424 - 2008 / 10 / 4 - 05:36
المحور: الادب والفن
    



سيدتي، إنها كلمة قديمة وكل واحد يأخذها جديدة ليبليها بنفسه. كلمة تمتلئ بالمعنى امتلاء المثانة بالهواء، والمعنى يتلاشى منها بنفس السرعة. قد تنثقب مثلما تنثقب المثانة ثم تترقع لتنتفخ من جديد .
( ارنيست همنغواي )

أسرت لبه القصص والحكايات الجميلة الحالمة التي كان يقرؤها من آن لآخر . كل واحدةٍ منها اكتشاف مذهل ، وعالم فتان بسحر خيالاته ، شغل جمّ تفكيره ، وراح يقتطع المزيد من أوقات عمله ليقرأ بعضها ويتصفح البعض الآخر .
وبعد أن تملكه هذا العشق ومضة من الزمن ، ترسبت في أعماقه رغبة جامحة في كتابتها !..نعم ألحّ كثيراً على نفسه ليسلك هذا الدرب ، وبدا مصمماً على نقش اسمه ضمن لائحة الأسماء اللامعة واللافتة لكتاب القصة . وسيطر هذا الطموح على تفكيره بشكل متزايد . و حرص على توفير الوقت اللازم لذلك ، وكان موقناً بأن الحظ ينتظره على ناصية الطريق .
بدأ يشعر بلذةٍ عميقةٍ وهو يعتكف لوحده ، مقلباً في ذهنه الحكايات التي يروم كتابتها ، لذة تجعل جسده يقشعر من الداخل ويهب من مطرحه عدة مرات ٍ ليذهب الى التبوّل ، أو يكتّف صدره بيديه كمن يحسّ بنفحة بردٍ ! ..
لم يدع زيراً الاّ وأطلق منه كنز الكلمات الساحرة ، ولم يترك قبواً الاّ ولجه ملتمساً أجمل الأدب ، وهام على وجهه في متاحف الفصاحة والبلاغة ساعياً يلتقط منها أفخر الكلم الطيب وأشهاه . وصارت الكلمات أكداساً في دكانه . كلمات برّاقة.. بهية ومشتهاة . شرع يتمايزها ، يسحب تلك ويبعد هذه ، ولا يقرّب منها الاّ الحور والطاووس ، واستغرقته هذه الحمى وقتاً طويلاً . ثم طفق يتأمل الكلمات على عادة الكتّاب أيضاً . وكان يندهش حين يستنتج ان الكثير من هذه الكلمات عتيقة بالية ، منهكة أشدّ الانهاك . أتعبتها كثرة الاستعمال ، وأرهقها الشعراء والخطباء ، وتعفن البعض الآخر منها تحت سقوف المطابع وخلف الكواليس ، حتى لم يعد أحد يطيق رائحتها ..
جعل يغترف منها ويعزله جانباً . ثمّ أخرج قوسه وعصاه الخيزران وأخذ يندفها بمهارة الندّاف المتمرس ! .. اضطربت الكلمات وتبعثرت الحروف وتفرقت النقاط والحركات ، واحتدم الغبار في الدكان ، الأمر الذي حدا به أن يكمم أنفه بطرف كوفيته الكحلاء . وما ان انجلت الغبرة حتى صار يلملم نثار الكلمات بترفقٍ ويحشو بها كيس القصة الّذي كان قد هيأه مسبقاً . كنت اراقبه بصمت وذهول . ولاحت لي لقطة أوقعتني جانباً من الضحك ، فقد كانت الشدّات مقلوبة فوق بعض الحروف بشكلٍ ظهرت فيه مثل مخالب سرطانات البحر !.. وقبل أن ينتهي من ذلك جمع بأطراف أصابعه قبضةً من النقاط والحركات ورماها داخل الكيس .
فور حشو الكيس ، مدّ الندّاف يده ٳلى ياقة ثوبه ساحباً منها ٳبرة خياطة يتدلّى من سمّها خيط قطنيً ، وشرع يخيط فتحة الكيس ، ثم قلبه بين يديه وراح ينهال عليه ضرباً بعصا الخيزران ، حتى استوى بغاية الاتقان . وحين انتهى منه ، أخرج ثوباً من المخمل الأزرق وألبسه للكيس ، عليه طُرُزجميلة باللون الوردي الفاتح ، تمثل قلباً يحرسه عصفوران زاهيان عن يمينه وعن شماله . وأسفله طرّزت بحروفٍ بارزةٍ وبلونٍ أصفرٍ عبارة : تصبح على خير !..
بعد أيامٍ قليلةٍ مررت بدكانه ، وهالني كثرة الوسائد القصصية التي أنجزها في زمنٍ قصيرٍ . كانت جميلة تبهر الأنظار ، وغاية في الروعة ، عرضت بشيءٍ من الأبهة، مثيرةً دهشة الزبائن ، وموحية بأنها متقنة الصنع ، وجراء ذلك تلقى الندّاف الثناء العطر . وقلت في نفسي لأجربنّ وأشتري واحدةً منها .
حين أزف موعد نومي ، طرحت رأسي على هذه الوسادة الوثيرة ، ليأخذني نوم عميق . وبعد مضي وقت فصير تهاوت الأحلام الى رأسي ، وكانت أحلاماً دافئةً وبرّاقةً كما الورد والفراش ، وكانت مثيرة وصارخة أيضاً كما في قصص الرومانس .
كنت غافياً تهدهدني نعومة الأحلام ، لكن ذلك لم يدم طويلاً ، ٳذ سرعان ما اضطربت غفوتي وانقلبت أحلامي حين داهمني طيف الندّاف وهو يهزّ عصاه الخيزران بوجهي غاضباً ، ثم ينهال عليّ بالضرب المبرح مثلما يفعل ذلك مع أكياس قصصه .. ضرباً طال كل مكان ٍ في جسدي ،
وكان يصرخ بي وكأنه يخيّرني :
- أجبني ..أين تريد أن أوجعك ؟..



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهيؤات : قصة قصيرة
- الحب من آخر نظرة : قصة قصيرة
- برعم وردة على صدر العجوز
- اسقربوط البحر المظلم
- في أرض رجل ليس مريضاً :قصة قصيرة
- غسق الرشّاد البرّي (قصة قصيرة )
- غسق الرشّاد البرّي
- ضريح السرو : قصة قصيرة
- كرابيت GRABEIT
- هكذا تكلمت (خميسة )وهكذا سكتت
- خلدون جاويد: قلب يغرد بالمحبة
- تفاح العجم
- احتباس
- الرجاء الصالح (الى استاذي د.شاكرخصباك )قصة قصيره
- أللوز ..من ذلك ألجبل أ لبعيد


المزيد.....




- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - الندّاف