أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - رؤيا الخراف الوحشيه















المزيد.....

رؤيا الخراف الوحشيه


عادل الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 744 - 2004 / 2 / 14 - 06:01
المحور: الادب والفن
    


 تلك الرؤيا رواها ( جن )  من صومعته التي تطل على ركن الكرة الشرقي
.. قال : إستيقظت ذلك اليوم على عيون ضوئية معلقة وسط  صومعتي ,
فإنبريت أنقل بصري بتلهف من عين إلى عين .. كانت الكوة  الأولى :
صحراء قاحلة ومتموجه.. ممتدة إلى ما لا نهايه .. رمالها نيران الجحيم
, وتذروها الرياح من جميع الإتجاهات مظللة إياها بغلاف رملي كثيف...
شواطئ السراب تلمع في آفاقها كبحور بلا مراس.. والتلال تنتشر عبر
إمتداداتها تتخللها الزواغيل وجحور الأفاعي والجرذان .. وعلى مرمى البصر
أطلالا مبعثرة تشير إلى أن قوما من البدو لم يستطيعوا صبرا
أمام قحط هذا التيه فرحلو على عجل .. ما هذا ؟ .. مجرد قفر صحراوي
, لكن رويدا فربما سر ما يكمن ورائه .. إنتظرت فلم يتبين شيء ..
تحولت إلى العين الثانيه , فإذا بها نفس الصحراء , لكن ثمة ظلال غير
واضحة المعالم كانت تتحرك بإتجاه الأفق الجنوبي .. وعندما إتضحت قليلا راودني
إعتقاد انها لمجموعة من الأعراب تحث السير مسرعة للخلاص من هذا القفر ..
لكن حين دنت وتبينتها بوضوح تام داخلني العجب - وأنا الجن الذي يصنع
العجائب والغرائب أمام عيون البشر - كانت خراف ضامره , جافة الأفواه
, منهوكة القوى - تتلفت يمينا , شمالا وخلفا , ولكن أكثر إنشغالا
بالنظر إلى أعلى وكأنها تنتظر صواعقا ستفتك بها .. ويسوقها مخلوق
على هيئة إنسان وليس بإنسان : إنسان لحد النصف , أما النصف الآخر
فهو على هيئة ( بوم ) بشع الخلق , تقدح عيناه شرا مستطيرا , ويجمع
نعيقه شؤم الأولين والآخرين كأن لا شؤم بعده .. تتبعه محلقة أسراب على
غير هيئته , لكنها بأشكال قبيحة أيضا .. كان يسوق الخراف بعنف شديد ,
قاصما ظهورها , مثير الفزع في نفوسها , ومن يضنيه لفح السموم البرية
, أوتتعثر خطاه بمنخفضات ذلك المد الشاسع فلا يتوقع غير مخالب ذلك
البلاء الذي حل عليه دون أن يعي شيئا من أمره , ودون أن يتخذ فعلا
ما لخلاصه قبل أن تُزهق روحه , وكأنه إتخذ من شعار : حشر مع الناس..
منهاجا له , حتى وإن أرسله حشره معهم إلى قبره المظلم الذي لا يعلم
أين سيكون - تحت أمواج الرمال , أم في بطون الغربان والضباع ...
أطبق الظلام - كانت عيوني , عيون الجن السحرية المشعة - قاتمة قبالة ذلك الظلام .. حين أطبق إنكفأت إلى العين الثالثة :
إستمرت الخراف تضرب في تلك الصحراء الموحشة على غير هدى ,
وإستمر لهاثها يزداد سرعة , وأفواهها جفافا , وأجسامها إنهاكا ..
كذلك واصل نعيق البوم يثير الفزع في نفوسها .. وهكذا على ذلك المنوال  حتى 
بلغ  إنحطاطها الذروة .. فأوحى لي أن نهايتها قد إقتربت .. لكن بغتة بدأت
تلوح في الأفق مضارب واسعة لأناس مسالمين .. عندها أخذت خراف الضياع
العمياء تتحول تدريجيا إلى كلاب وحشية , ثم, وبدل هيمانها على غير هدى ,
أخذت تخطو بخطوات ثابتة وأكثر سرعة , ثم أخذت معمعتها
تذوب في نباحها المتعالي .. وإلى أن غدت كاملة الهيئة إنبرت تلف الصحراء
لفا كأنها السيل الجارف , وإنبرى نباحها يشق سموم البر الحارقة
ويدوي على عرض الصحراء وطولها .. لكن الأكثر غرابة ان نباحها كانت
تتخلله بعض الكلمات المنطوقة : أية خرافة هذه , من نعاج إلى كلاب وحشية
وناطقة أيضا  !! .. ومع تقدمها أخذت تهرج دون إنقطاع , وعلى كثرة
هرجها لم استطع فهمه إلا بعض المقاطع : حذار أيها الأصحاب ,
إن مصيرا أسود ينتظرنا إذا لم نستفق من غفلتنا  . " .. فيرتد صوت آخر
إستحسنته صيحات بقية الركب : ماذا نفعل , أينما نذهب تلاحقنا عيون الشر
ومخالب الموت , ومن يدري فقد يكون الموت هنا غير مؤكد فنكون ملأنا
بطوننا وأمنا مستقبلنا ." .. فيجيبه صوت حانق : ألا لعنة الله عليكم , والله
لأنكم أنتم عيون الشر ومخالب الموت . " ... فيرد عليه أحدهم بإستهزاء :
ماذا تقول ياهذا , أتريد أن تحرمنا من رزق الله الذي أرسله إلينا . " ..
وهكذا كان الحال عندما بلغت تلك القطعان - المضارب - فلقد أخذت تعيث
قتلا وسلبا وهي تنتقل من موضع إلى آخر بلهفة جنونية وكأن عالما سحريا
من النعيم حلَ عليها على حين غرة  .. وكان بوم الشؤم وهو يتبعها محلق
أخذ يقهقه بصوت عال ويقذف المضارب بسيول من النيران التي ما فتأت
تلفظها عيناه المشتعلة حقدا !!؟؟
أشباح مخيفة - وأنا الجن الذي لا يخاف شيئا - كانت قد بدأت تدور حول رأسي , فما وجدت نفسي إلا وقد هويت مرة واحدة وبقوة .... لم أعرف كم لبثت إغماءتي , ولم أكترث حين صحوت لهول السقطة , بل قفزت إلى الكوة الرابعة لأرى أين ستصل حوادث تلك المأساة ؟
كانت النيران قد إنطفأت , وكانت الكلاب تربض في جحورها وعيونها ترقب الطرق والمسالك . وبين فترة وأخرى تهيم بحثا عن صيد جديد , وكأن الذي حصلت عليه لم يكفها بعد .. وكانت أفواهها لا تكل عن الحركة وسيل اللعاب
وهي تمضغ فريساتها بشهوة عارمة , وكانت وهي كذلك تقرأ في عيونها
آيات الشكر والخضوع لسيدها ( البوم ) وهو فوقها وقد إتشح بوشاح أحمر يضرب بجناحيه قاطعا الصحراء من أقصاها إلى أقصاها .. وحين يحط
بقربها فإنها تعفر وجوهها بتراب نعليه منتشية به كأنه نعيم الفردوس , وتقول له شاكرة : يا ولي نعمتنا , يا منار طريقنا , لك الحمد والشكر ."
فكان يبتسم إبتسامة صفراء , ويدوس رؤُوسها بنعليه , وعندما يغضب على أحدها , أو لمجرد الغضب , فإنه يمزق بمخالبه من تطوله هذه المخالب , أو
يسلط عليها أسرابه المحلقة خلفه , فتمص دمائها وتقذفها يابسة تنهشها الغربان وتذروها الرياح !!!!!..... لكن , وفيما كانت تلك الوحوش تعيش قمة نشوتها , بل قمة تخمتها , وهي ما زالت تهيم بحثا صارخة : المزيد ..
المزيد .... وفيما كانت ملامح نهاية المشهد قد أخذت تقترب , حدث أمر
غريب , فلقد أخذ نعيق بوم الشؤم يصك الآذان دون أن يظهر هو نفسه ,
فقط الأسراب التابعة له تخب التحليق بسرعة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق وحتى الغرب , كذلك إمتدت تلك الآثار إلى قطعان الكلاب , حيث أخذ
الوجوم والهلع يرتسمان على وجوهها , ثم أخذت أصواتها ترتفع , لكن
نباحها إنبرت تتخلله معمعة النعاج .. وكانت أصداء الكلمات قد بدأت تتردد
بين تجمعاتها معبرة عن الندم والحسره : لقد حذرونا فلم نتعظ, فلنتجرع
كأس المرارة .. المرارة .. ال... " .. فترتد أصوات أخرى : أية مرارة , إنه
كأس الموت .. الموت .. ال... " .... كان وضع غير طبيعي , أثار دهشتي
وتساؤلاتي : ماذا بهم ؟ .. وأين سيدهم البوم ؟ .. ولماذا صوته دون وجوده ؟ .. وماذا تعني كلمات الحسرة والندم ؟ .. هل شاهدو شيئا ؟ .. هل سمعو؟
لكن حيرتي لم تطل , فلقد ظهرت في الأفق الجنوبي قبل إنتهاء المشهد أسراب وقطعان أخرى , وكان يتقدم الركب طائر هائل الحجم يرتسم على واجهته وشم مربع ذو خطوط حمراء وبيضاء وفي ركنه الأيسر بالنسبة للرائي نجوم كثيرة .. وبدت هذه الأسراب والقطعان مع إقترابها , أنها شديدة التنظيم وأكثر عددا من قطعان الكلاب .
وينتهي بي المطاف إلى العين الخامسه ... إنبرى الوافدون الجدد يقتربون أكثر, وكانو كلما تقدموا إتضح مأربهم أكثر , وقبل الإنقضاض كانت جحور قطعان الكلاب التي إمتلأت بالأضاحي المفترسة , أخذت تهتز لزمجرة الأصوات المدوية لهؤلاء الجدد .. وهكذا حتى إنقضو على تلك القطعان ..
وإختلط الجمعان , وضاعا في خضم دخان النيران التي شبت في الجحور المظلمة ... وما مضى وقت على ذلك حتى غطت سحب الدخان السماء بظلال قاتمة , وإذا بقطعان الكلاب الوحشية تعود إلى نعاج تترنح مع تباطئ الأبخرة المتصاعدة نحو السماء - بين ممزق أشلاءا  , وبين من قطعت بعض أعضائه فأخذ يلعق جراحه , وبين من يُقبل أيادي وأرجل أعداءه
طالبا العفو والمغفره , وبين هارب على طول الصحراء وعرضها .. وإذا
بنعيق البوم يتهدج متناغما مع ترنح قطعانه .. إذ ذاك قطع المشهد , فأصابني غيض شديد , ثم أخذت تنتابني التساؤلات أثناء ذلك : هل هي
النهاية ؟ .. وماذا يعني بقاء صوت البوم دون وجوده الحقيقي , هل هو
بقاء شبحه أم بقاؤه الحقيقي ؟ .. لكن فجأة رجع المشهد .. فظهرت قطعان النعاج الهاربة تحث السير عائدة إلى حظائرها وهي ترتعد فزعا ويبرق شبح الموت في عيونها من هول ما رأت .. لكن, وفيما كانت على ذلك الحال
, بدأت تحدث أحداث هائلة في البقاع المحاذية لهذه الحظائر .. فلقد إندفعت
مجموعات بشرية وأعلنت التمرد والعصيان , ثم إنقضَت على مقرات الأسراب التابعة ل ( البوم ) .. وإمتدت هذه الأحداث إلى البقاع الأخرى ,
وأضرمت النيران في مراكز أصحاب البوم , ورُميت أشلاءهم في كل زقاق
وطريق .. وهكذا حتى بدأ صوت نعيق البوم يترنح ثانية في الآفاق ... ثم , وفي غمرة ذلك , وفي خضم المشاعل التي عُلقت في المداخل وعلى أطراف المعابر , ظهر ( البوم ) في ركن من الأركان وهو يبصق في وجه أحد تابعيه البارزين  ويقول له : جبان , رعديد , لكن الذنب ليس ذنبك , إنما ذنبي لأني إستوثقتك طيلة تلك السنين , مع أني أعلم أنك أغبى من حمار وأضعف من شاة . " .. ثم صرخ بوجهه : أغرب عن وجهي ولا تدعني أراك بعد الساعة , فوحق غانيات الغجر إن رأيتك لأجعلنك فرجة وعبرة لأمثالك ." .. وعندما
إنصرف عنه قال : علي بالسادن الجديد . " .. فدخل عليه : وجه كركدن
وعيون وأنياب ومخالب ذئب , ظهر عليه كأنه مصَ كل لُعاب الذئاب على الأرض

.. دخل وقال : لبيك سيدي , أنا رهن إشارتك  ." .. فقال له سيده :
لا داعي لشرح التفاصيل , أنت تعرف هؤلاء , يبدو أنهم لم يكفهم ما كرعت
من دمائهم فيطلبون المزيد , فإجعلها أنهارا لأكرع منها ما يطلبون , فإنهم
أعزاء على قلبي ولا أقدر على رد طلبهم ." ... فرد عليه قائلا : سأجعلها بحارا وليس أنهارا

 . " .... وعلى الفور خرج وهو يصطحب مجموعات من أتباع البوم  , وإتجهو نحو حظائر قطعان النعاج الهاربة , وفتحو الأبواب
وساقو النعاج إلى حيث يريدون .. وما مضت فترة  على مسير النعاج حتى
إنقلبت إلى كلاب وحشيه .. وبدأت تضرب بوابات بقاع العصيان والتمرد..
وولجت .. وأخذت تتسلل عبر المداخل والأزقة والقناطر ومنعطفات القبور
والصخور الجبليه .. لكنها إحترقت بنيران الغضب ... فأخذت تتقدم حشودا أكثر

, وتضرب بمخالبها وأنيابها بقوة ليس لها نظير , وتحرق وتنهب كل ماهب ودب في طريقها ..

حين ذاك سقطت المشاعل مطفية , وإحتل الظلام
الأقطاب الأربعة , وأخذت قهقهة البوم تصك الآفاق ثم ظهر الطير الهائل
الحجم وهو يراقب من بعيد ما جرى ويجري .. ثم إستدار وضرب بجناحيه
مبتعد , تتبعه أسرابه وقطعانه نحو أفق الغرب .
 
      رفحاء ..... 1991



#عادل_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوميو البترول المعاكس
- هل أصبح سعدي يوسف قوميا ؟ رد على موضوع سعدي يوسف : بم نباهي ...
- على خلفية القرار 137 المجتمع السليم نتاج لدولة القانون والحر ...
- الإرهاب .... نظرة تاريخية موجزة
- أُسطورة بلاد الثلج
- حكاية رجل الأنترنت الذي فقد عقله
- شجرة السلطان


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - رؤيا الخراف الوحشيه