أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بنعيسى احسينات - دراسة: المحددات الظرفية و الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في المغرب (2/2)















المزيد.....

دراسة: المحددات الظرفية و الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في المغرب (2/2)


بنعيسى احسينات

الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مدخل: أمام تعدد الملاحم المغربية، و تنوع البطولات و المواقف الحاسمة للشعب المغربي وملكه، ورغم رصيدنا الحضاري الثمين و الغنى و ثراء تاريخنا بالأمجاد و المفاخر، فإن ثورة الملك والشعب بكل المعايير الوطنية و المعايير التاريخية ستبقى على الدوام، معلمة متميزة، شديدة الخصوصية على طريق الكفاح الوطني قل نظيرها عند الشعوب و الأمم.
و حتى لا يكون الحديث عن ثورة الملك والشعب في المغرب خطابا وتكرارا لما قيل عن هذه المناسبة العظيمة، سأتحدث عن ثورة الملك والشعب لا من داخلها بكل جزئيتها وخصائصها، بقدر ما سأتحدث عن إطارها التاريخي العام، أي عن محدداتها الظرفية وثوابتها التاريخية، لأن ثورة الملك و الشعب أصبحت جزءا من تاريخنا، إنها تراثنا الحي الجدير بأن يكون حيا في ذاكرة الأجيال، الملتصق بالحاضر، المتمثل للماضي، و الملهم للمستقبل.
و دورنا اليوم، هو تخليد هذا التراث النضالي الذي يسجل كفاح أبناء الشعب المغربي ملكا و شعبا، من أجل الاستقلال و الكرامة و التقدم.

إن ثورة الملك والشعب، تتمثل، من جهة، في تحدي و تصدي المغفور له محمد الخامس، لغطرسة، و تهديدات " جوان" و " كيوم " و رفضه لكل تنازل أو مساومة لسلطات الحماية، مما أدى إلى خلعه و نفيه مع أسرته في 20 غشت 1953. و من جهة أخرى، انتفاضة الشعب المغربي، وقيام الثورة المقدسة الشاملة المنظمة و الموجهة سياسيا وايدولوجيا، المتمثلة في أعمال الحركة الوطنية السياسية و المقاومة المسلحة و حركة الفداء و جيش التحرير، التي انطلقت في خريف سنة 1953 بعد حوالي شهرين من نفي الملك الراحل محمد الخامس. و نعرف أن هذه الحركة قد انتهت عمليا في خريف سنة 1955 مع عودة محمد الخامس، و إعلانه الاستقلال إثر وصوله إلى المغرب بكلمته الشهيرة: " لقد انقضى عهد الحجر والحماية، و بزغ فجر الاستقلال و الحرية " .

لقد دامت حركة المقاومة إذن ثلاث سنوات فقط، إنها مدة قصيرة في حياة الشعب، ولكنها مع قصرها أنجزت مهمتها و حققت الأهداف المتوخاة منها، و هي: عودة محمد الخامس، رمز الوحدة و المشروعية الوطنية لدولة المغرب، و الاعتراف بالاستقلال.

و بذلك كان المغرب في مقدمة الدول الإفريقية، التي حققت استقلالها بقوة السلاح، وفي أسرع وقت و بأقل خسارة. و هذا الانجاز السريع، الهائل، هو نتيجة لتلاحم الملك والشعب، و نتيجة لفعالية تنظيمات المقاومة و بطولات رجالها و مؤازرة الشعب كله لها.

....................................................................................


II . الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في المغرب

فإذا كانت كل هذه المحددات الظرفية الداخلية و الخارجية تفسر نجاح ثورة الملك والشعب في تطبيق أهدافها بفعالية قصوى وفي أقصر مدة و بأقل خسارة فإنها لا تفسر أو على الأقل لا تكفي و حدها في الإجابة على السؤال الأساسي التالي:

ما الذي مكن ثورة الملك و الشعب لسنوات 1953-1956 من محدداتها الظرفية تلك؟ ما الذي جعلها فعالة عامة سريعة التطور، شعبية إلى أبعد حد، في وقت لم تكن فيه حركات المقاومة التي من هذا النوع، قد انتشرت بعد في العالم الثالث المستعمر آنذاك؟ إذن كيف نفسر خصوصية الفعالية و الشمول في ثورة الملك و الشعب موضوع حديثنا؟

هذا السؤال، هو في الأساس سؤال نظري، موجه إلى التاريخ، تاريخ المغرب وبعبارة أخرى، موجه إلى الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب، و نعني بهذه الثوابت، المرتكزات الثابتة التي لا تتغير بتغير الأحوال و الأحداث، و التي تشكل المقومات الجوهرية للكيان المغربي عبر تاريخه الطويل.

و من أهم هذه الثوابت:

1) تكوين الدولة الوطنية و استمرارها في المغرب منذ القديم، خصوصا، منذ الأدارسة إلى اليوم.
2) ثبات و أصالة الخريطة الجغرافية للمغرب.
3) الشرعية الوطنية للدولة في المغرب.
4) الطابع المحارب و المقاوم للدولة المغربية و للشعب المغربي.

هذه الثوابت الأربعة كامنة في وجدان و لا شعور المغربة جميعا، بل كامنة داخل خيالهم الجماعي، إنها جزء من شخصيتهم و هويتهم التي لا تتغير عبر التاريخ.

و مهمتها هنا ليس تحيل هذه الثوابت و تفسيرها بل سنقتصر على إبرازها و توجيه الاهتمام إليها من خلال تأثيرها في ثورة الملك و الشعب.

لننتقل الآن إلى هذه الثوابت، و كيف عملت كلها في نجاح ثورة الملك و الشعب، في تركيبها و فاعليتها و أهدافها، حتى نتمكن من الإجابة على السؤال الأساسي الذي طرحنه سابقا:

1. أول هذه الثوابت: تكوين الدولة الوطنية و استمرارها في المغرب منذ القديم، خصوصا، منذ قيام دولة الأدارسة، هذه الدولة كانت وطنية، بمعنى أن القائمين بها كانوا من سكان المغرب أنفسهم، و لم يكونوا قط دخلاء على المغرب، و لم يخضع المغرب قط لحكم أجنبي، كحكم البويهيين أو السلجوقيين في بغداد، أو الممالك في مصر أو الأتراك في الجزائر و تونس.

فالدولة في المغرب كانت دائما من أبناء المغرب، كانت دولة من المواطنين المغاربة، حتى المولى إدريس فقد قدم إلى المغرب كفرد. أو قد قامت الدولة الإدريسية على ساعد القبائل التي اتخذت منه رمزا دينيا و بالتالي زعيما سياسيا يرأس دولتها هي و ليس دولته هو، و لذلك كانت الدولة الإدريسية دولة سنية مالكية، أي على مذهب المغاربة و ليس على مذهب إدريس الشيعي.

و على كل، فإن الدولة المغربية إنما برزت مكتملة الكيان قوية السلطان مع المرابطين الذين نضجت على يديهم أهم الثوابت التاريخية في المغرب و في مقدمتها الدولة الوطنية و الوعي الوطني في المغرب.

إن الدولة الوطنية المغربية بوعيها الوطني، استمرت منذ الأدارسة إلى اليوم، على شكل سلسلة متصلة الحلقات، يتخللها ضعف و وهن، و لكنها لم تعرف انقطاعا. فلم يخضع المغرب بعد الأدارسة، لا للخلافة العباسية في بغداد، و ل للخلافة الأموية في الأندلس، و لا للخلافة الفاطمية، و لا للخلافة العثمانية.

و أكثر من ذلك، فإن التجزئة التي مارسها الاستعمار في المغرب، لم تصل إلى حد خلق كيانات داخل المضمون الوطني الوحدوي. بل لقد اضطر أن يحافظ له الاستعمار بموجب عقد الحماية و تحت نضال القوى الوطنية ، على وحدة كيانه، حتى الاستقلال.

و إذا نظرنا إلى ثورة الملك و الشعب في السنوات 1953-1956، على ضوء تكوين الدولة الوطنية و استمرارها في المغرب، فإننا سيتبين لنا بسهولة أن مهمة المقاومة، لم تكن إنشاء دولة، فالدولة كانت دوما قائمة و كانت ما تزال كسلطة شرعية معترف بها بموجب عقد الحماية نفسها.

و عندما اعتدت سلطات الاستعمار الفرنسي على هذه السلطة الشرعية، قامت المقاومة إلى جانب ملكها، من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، إلى استعادة السيادة كاملة. وهكذا على العكس من الكثير من حركات المقاومة و التحرير في إفريقيا التي قامت لتنشأ لم توجد من قبل أو كانت ثم انقرضت و لم تعد الرغبة في إحيائها، في عكس هذا فإن ثورة الملك و الشعب في المغرب إنما قامت من أجل استرجاع الشرعية للدولة الوطنية، و فك أسرها من حماية الاستعمار الأجنبي، و عندما أنجزت المقاومة هذه المهمة بعودة محمد الخامس طيب الله ثراه، و إعلان الاستقلال، وضع المقاومون السلاح و سلموه للسلطة الوطنية الشرعية المسترجعة. و عادوا للاندماج في المجتمع كما كانوا من قبل.

هذا بالنسبة للثابت الأول و أثره على ثورة الملك و الشعب.

2. والثابت الثاني وهو لا يقل عن الثابت الأول أهمية. و هو ثبات و أصالة الخريطة الجغرافية للمغرب أي ما نسميه بالمغرب الأصل الذي يحدده المؤرخون ضمن حدود ثابتة: المحيط الأطلسي غربا و البحر الأبيض المتوسط شمالا، و ما وراء ملوية إلى تلمسان شرقا و القبائل الصحراوية جنوبا، أقول القبائل الصحراوية لأن الصحراء لا تعرف الحدود الجغرافية بل الحدود فيها بشرية، تقوم على الولاء و البيعة للسلطة المركزية في المغرب، ضاربة في أعماق الجنوب، و المغرب الشرقي. هذا دون أن نتحدث عن امتدادات دولة المغرب شمالا، و جنوبا، و شرقا، في شكل إمبراطورية مغربية ذات سيادة.

وواضح أن ثبات و أصالة الخريطة الجغرافية للمغرب الأصل، هو الذي يعطي الدولة المغربية محتواها الوطني، بمعنى أنها تضم كل هذا الوطن الذي يشكله المغرب الأصل، و ليس دولة جهة من جهات المغرب الأصل وحدها. فالاعتراف الفعلي للدولة الوطنية في المغرب، لا يتم إلا عندما تصبح عمليا، و فعليا دولة المغرب الأصل كله.

وإذا نظرنا إلى ثورة الملك و الشعب، أي إلى المقاومة و جيش التحرير من زاوية الثابت الثاني، نجد أن الخريطة الجغرافية المغربية التي استرجعت عام 1956 كانت ناقصة جنوبا، سواء الجنوب الغربي أو الجنوب الشرقي بالإضافة إلى " سبنة و مليلية " و لذلك، نجد أن المقاومة التي انتهت مهمتها في جبال الأطلس، و الريف، و المدن، لأنها أصبحت كلها مناطق تحت السلطة الشرعية المسترجعة، فإنها بالعكس من هذا، كانت ترى، أن مهمتها في الجنوب لم تنته. و هذا ما يفسر بقاء جيش التحرير، بل انتقاله إلى الجنوب الغربي لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب.

و هكذا استرجعنا إقليم طرفية و إقليم سيدي افني، و لقد كان بقاء جيش التحرير في الجنوب المغربي و الشرقي إلى 1959-1960، تجسيما لإخلاص المقاومة المغربية، ملكا و شعبا، لثوابتها الوطنية التاريخية، و هي استعادة كاملة للرقعة الجغرافية الثابتة للمغرب، وهذا ما دفع الحسن الثاني، بتنظيم المسيرة الخضراء من أجل العمل على استرجاع الأقاليم الصحراوية المغربية.

3. والآن ننتقل إلى الثابت الثالث وهو: الشرعية الوطنية للدولة في المغرب، وهو امتداد للثابت الأول المتمحور حول استمرارية الدولة الوطنية في المغرب.

هناك في المغرب الشرعية الدينية دوما، و هي لم تكن موضوع نقاش، منذ تأسست الدولة الوطنية في المغرب، خصوصا منذ الأدارسة، فالمغاربة كلهم مسلمون، سنيون مالكيون فلا طوائف، و لا أقليات، و إنما شعب واحد، و مذهب ديني واحد، و بالتالي فالدولة دوما دولة إسلامية، سنية وطنية عربية أمازيغية.

إذن لم تكن الشرعية الدينية، في يوم من الأيام موضوع نقاش، و لكن اكتسابها كان يتطلب دوما الشرعية الوطنية، و هذه الشرعية كانت تكتسب بالبيعة، و البيعة كانت تقوم دائما، إما ضمنيا في ظروف السلم، و إما صراحة في ظروف الأهوال و الشدائد، مثال ذلك، تجديد بيعة سكان الصحراء بعد استرجاع الساقية الحمراء و وادي الذهب في 14 غشت 1979، بعد المسيرة الخضراء المظفرة.

هذه الشرعية الوطنية، قد ظهرت بارزة في تركيب المقاومة وجيش التحرير، المجسدة لثورة الملك و الشعب. لقد تقمصت حركة المقاومة و جيش التحرير، الشرعية الوطنية، هذه الشرعية، التي جعلت منها مقاومة وطنية فعلا، و ليست جهوية أو إقليمية. هذه ما يدعونا إلى التساؤل: لماذا لم تنجح المقاومة المسلحة بالمغرب طيلة 28 سنة تقريبا: من 1907 إلى 1934؟

و بعد استعراضنا مراحل النضال السياسي قبل أو بعد المطالبة بالاستقلال. يتأكد لنا، أن الذي كان ينقص المقاومة المسلحة في الجيل السابق، هو بالدرجة الأولى، الوعي الشعبي، و الشعور الوطني الوحدوي، إذ لو لم تكن توجد أحزاب سياسية أو هيئات فكرية تعمل على توعية الشعب بمصالحه، و حقوقه، و واجباته. و لم تكن هناك صحف، أو سجلات وطنية، تنشر، لتكوين رأي عام يتابع سير الأمور في الداخل و الخارج. لقد كانت حركة المقاومة، و جيش التحرير المجسدة لثورة الملك و الشعب، سنوات 1953-1956 تمثل المغرب كله بمختلف مناطقه. و لعل من أهم عوامل نجاحها و فعاليتها، إنها حرصت على أن تكون مقاومة وطنية في كل أجزاء الوطن، لقد حرصت قيادة المقاومة في هذه الفترة على أن يكون لها خلايا و فروع في جميع مناطق المملكة.

و عندما أسس جيش التحرير في الشمال، ظهر منذ المرة الأولى، كجيش وطني يمثل المغرب كله: من سوس إلى فكيك، إلى الأطلس، إلى دكالة، إلى طنجة، إلى الصحراء...فكان جيش المغرب كله. و لعل هذا ما أدخل الرعب و الفزع على المستعمرين. و من دون شك، فإن هذا كان أهم عوامل نجاح ثورة الملك و الشعب. بل إن هذا كان شرطا ضروريا لنجاحها لأن هذا ما منحها الشرعية الوطنية و الحماية الشعبية، و التضامن الجماهيري في كل جهات المملكة.

و هذا أقوى دليل على الفرق الكبير بين مستوى الوعي لدى الشعب في المرحلة الأولى من الاستعمار، و بين ما وصل إليه هذا الوعي بعد سنين طويلة من الكفاح السياسي والتوعية الوطنية.

4. بقي لنا الثابت الرابع و الأخير، وهو الطابع المحارب و المقاوم للدولة المغربية و للشعب المغربي. إذا أخذنا تاريخ المغرب من قديم الزمان إلى حديثه، فإننا نجده تاريخا يتسم بالحروب، و المقاومة، و النضال، حتى أن كثيرا من المؤرخين الأوروبيين أعجبوا و انبهروا أمام هذه الظاهرة الفريدة، فقالوا: " إن تاريخ المغرب هو تاريخ حربي أكثر منه تاريخ اقتصادي أو تاريخ اجتماعي أو تاريخ أدبي ".

إن المغرب، دولة و شعبا يخوض دائما حروبا لا تهدأ, إما في صورة جهاد في الأندلس، أو نشر الإسلام في الجنوب ( السودان ). و إما في صورة دفاع عن النفس و حماية الثغور من المهاجمين من الشرق، كهجمات الأتراك، أو من الغرب و الشمال، كهجمات الدول الأوروبية، و على الخصوص، إسبانيا و البرتغال.

هكذا، فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي، أي منذ سقوط الأندلس، أصبح المغرب هدفا لأطماع و انتقام، و غزوات الإسبان و البرتغال الذين ركزوا حملاتهم على الشواطئ المغربية و ثغورها.

و لقد كان على الدولة، و على الجماهير المغربية و قيادتها المحلية الدينية والوطنية، رد هجمات المهاجمين، و تحرير النقاط المحتلة هنا و هناك، و كان المغاربة ملوكا و شعبا ينتصرون انتصارات باهرة، كما كانوا ينكسرون انكسارات ساحقة، دون أن يخلدوا إلى الراحة، أو أن يستسلموا، أو أن يشعروا بالذل، و من أعظم انتصاراتهم، تلك التي حققوها في معركة وادي المخازن الشهيرة التي ذهبت بعز البرتغال...و هكذا كانت المقاومة المغربية مستمرة متواصلة برا و بحرا، منذ القرن الخامس عشر، مما أدى إلى تكوين الوعي الوطني عند المغاربة.

فانطلاقا من هذا الثابت الذي أبرزنا فيه الطابع المحارب و المقاوم للدولة المغربية و للشعب المغربي طوال تاريخهما، فإننا سنجد أن ثورة الملك و الشعب لسنوات 1953-1956 لم تكن حدثا يتيما، و لا طارئا، و إنما كانت حلقة من حلقات المقاومة المغربية على مدى التاريخ، فمنذ أن نزلت الجيوش الأجنبية ما تقدمت شبرا في تراب المغرب، دون أن يدافع عنه المغاربة. و أنه لا يوجد في المغرب شبر من التراب وصل إليه الفرنسيون أو الإسبانيون دون أن يسقيه المغاربة بدمائهم الزكية، هنا، أقدم اعتراف " كيوم " في أحد تقاريره، يقول: " لم تأت قبيلة واحدة بشكل تلقائي، و لم تستسلم قبيلة واحدة دون أن تقاوم، بل بعضها قاوم حتى نفاذ آخر وسيلة للمقاومة ".

و هكذا، كانت ثورة الملك و الشعب استئنافا مباشرا لثورة ابن عبد الكريم الخطابي في الريف، و موحى أحمو الزياني في الأطلس، و الهيبة في الجنوب... حقا كانت استئنافا لهذه الثورات المسلحة و تجاوزا لها في نفس الوقت...كانت تجاوزا لها، لأنها لم تقيد نفسها بحدود جهة من جهات الخريطة الجغرافية للمغرب، بل كانت ثورة من الجميع إلى الجميع...ولعل هذا ما جعلها تنتهي إلى النصر و لم تنكسر مثلما انكسرت الثورات الجهوية السابقة الذكر.

وواضح الآن، أن استحضار هذه الثوابت التاريخية و أثرها على نجاح ثورة الملك والشعب، بالإضافة إلى المحددات الظرفية التي سبق أن استعرضناها، بجعل في الإمكان الإجابة بسهولة على السؤال الأساسي الذي ألقيناه من قبل. هذا السؤال يتعلق بالعوامل التي جعلت ثورة الملك و الشعب لسنوات 1953-1956 فعالة و عامة، و التي مكنتها من تحقيق النصر في أقرب وقت و بأقل خسارة.

أما الجواب فواضح، حسب تحليلنا السابق، لأنها تمسكت بالشرعية الوطنية و تقمصتها وعملت في إطارها، فكانت مقاومة المغرب ككل.
و هكذا، نجحت ثورة الملك و الشعب، و عاد محمد الخامس، و معه استقلال المغرب، و انتهى عهد الحجر و الحماية، و بزغ فجر الحرية و الاستقلال.

و الواقع أن محمد الخامس كان رمز الثورة بمفهومها الشامل، فثورة محمد الخامس والشعب المغربي لم تكن فقط لطرد الاستعمار، و إنما كانت من أجل بناء المغرب في إطار تحقيق وحدة ترابه الكاملة. و هذا يتجلى في قولته المشهورة عند عودته، حيث قال: " إنني عدت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ".



#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحددات الظرفية و الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في ...
- سهر
- فتاة الطبيعة
- الفراشة ( قصيد للشاعر الفرنسي - لامرتين- )
- أهمية الوسائل التعليمية ودورها في الفعل التربوي التعليمي
- قصة حلم..
- عند المغيب
- حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم
- البحث التربوي: من الملاحظة العلمية وملاحظة الفصل إلى مناهج ا ...
- خرجوا مراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي بين الرغبة والحق ...
- كم أشتكي.. / بنعيسى احسينات
- حول ديداكتيكية الطرائق التعليمية في المجال التربوي التعليمي
- التدريس بالوسط القروي وظاهرة الأقسام المشتركة في المغرب
- شكوى
- التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب: من الاختلالات الق ...
- في ذكرى النكبة
- تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: من الأهداف إلى الكفايا ...
- أين نحن من .. معلم البرية
- علمنا التاريخ
- مكانة سيكوسوسيولوجية التربية في الفعل التعليمي التعلمي


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بنعيسى احسينات - دراسة: المحددات الظرفية و الثوابت التاريخية لثورة الملك و الشعب في المغرب (2/2)