أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بنعيسى احسينات - التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب: من الاختلالات القاتلة إلى البدائل المرغوب فيها















المزيد.....

التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب: من الاختلالات القاتلة إلى البدائل المرغوب فيها


بنعيسى احسينات

الحوار المتمدن-العدد: 2316 - 2008 / 6 / 18 - 08:57
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يتوقف سبيل الشعوب والأمم إلى النهضة المرتقبة، على مدى نجاعة نظامها التربوي وفعالية استراتيجياتها التكوينية والتعليمية في مجال إعداد الإنسان، وتأهيله لمواكبة تطورات العصر الجديد وتحدياته، وخاصة في مجال التقدم الرقمي العنكبوتي وتكنولوجية المعرفة والإعلام.

إن النظام التربوي التعليمي في المغرب يتخبط في متاهات لا متناهية، من مشاكل وصعوبات التي غالبا ما تحكم على خططه واستراتيجياته بالتعثر، وعلى وعوده وجهوده بالارتجال، وعلى آفاقه وتوجهاته بالغموض، لأن محددات هذا النظام ما تزال تقليدية في محتوياتها ومضامينها، محافظة في أسسها ومبادئها، جامدة في توجهاتها وآفاقها، ورافضة لمنطق التغيير والتجديد والتحديث. فهذا النظام في سعيه الحثيث نحو الابتكار والتغيير للرقي إلى ما هو أحسن وأفضل، يجد نفسه أمام جملة من قيود الواقع ومعوقاته وإكراهاته. فهو أمام واقع اقتصادي هش في معظمه يعرقل انطلاقته، وتركيب اجتماعي، في جزئه الكبير، أمي متخلف يشل حركته، ووضع ثقافي هزيل يشد مسيرته إلى الوراء ويحول جهوده ووعوده إلى خطابات فارغة وأحلام خادعة.

لنعطي مثال على ما قلناه بحالة التعليم بالعالم القروي في المغرب الذي يعيش وضعية مزرية رغم المجهودات المبذولة في تطويره وتحسينه، ما دام يعاني من التهميش والتشتت والعزلة وهيمنة الفقر والجهل والأمية والتخلف، إلى جانب الاختلالات التربوية والتعليمية ذات طابع مادي ونظري وبنيوي وبشري، مع طرح البدائل الممكنة، والتي تحتاج إلى نقاش وبحث وقرار سياسي واجتماعي.

فنجاح التعليم يتطلب حدا أدنى من الحداثة والتحضر؛ فزرع مدرسة في قرية نائية في الجبل، معزولة عن العالم، لا يعني تقريب التعليم من المواطنين، وليس تعيين مدرس أو مدرسة في أقصي البوادي التي تعيش عزلة قاسية على جميع الأصعدة، هو المساهمة في تعليم أبنائهم وتقريب الحضارة إليهم، بقدر ما نقتل في هذا المدرس أو المدرسة الضمير المهني وروح المبادرة، ونهيئ لهما الظروف لنسيان ما تعلمهما وما اختبراه، ويستسلما للواقع الجديد الذي كله تخلف وحياة بدائية، فيخضعا في أحسن الأحوال، لمقولة "من عاشر قوما أربعين يوما أصبح منهم"، إن لم يصابا بخلل، ويقعا ضحية الاضطرابات النفسية والعقلية، كما هو الشأن بالنسبة لكثير من المدرسين والمدرسات في العالم القروي، خصوصا في المناطق النائية. لا يمكن أن ننتظر من مدرسة أو مدرس يقاسي من ظروف الطبيعة القاسية وظروف العيش الشحيحة وظروف العمل الغير الملائمة، بالإضافة إلى الاحتقار والإهمال باعتباره رقما يملأ فراغا ما فقط، أن يكون صالحا مجدا ومخلصا في عمله، محبا لمهنته وتلامذته. فالوطن الذي يقسو على رجاله ونسائه يبادله هؤلاء الكراهية واللامبالاة والتفكير في الهجرة والرحيل عند أول فرصة، والوطن الذي لا يحترم ولا يقدر رجال ونساء التعليم محكوم عليه بالجمود والانحطاط لا محالة.

لتحقيق النجاح المطلوب لابد من العمل على تقريب أبناء سكان القرى من المراكز الحضارية وشبه الحضارية، حتى يستطيع التعليم أن ينجح ويحقق أهدافه. فبدون ذلك لا يمكن أن نجني منه إلا الخسارة تلو الخسارة، بضياع الوقت والمجهود وهذر الطاقة البشرية والموارد المالية وتعميق التخلف والفقر والجهل...

ولتجاوز هذه الوضعية في إطار تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي نادى بها محمد السادس ملك المغرب أخيرا، لابد على الدولة بجميع مكوناتها والمجتمع المدني بكل أطيافه وفعالياته، أن يفكرا مليا، بعيدا عن السياسة الترقيعية وأسلوب التماطل والتسويف والارتجال، في إيجاد حل نهائي لمعضلة التربية والتعليم بالعالم القروي، الذي يعاني من اختلالات كبيرة وكثيرة، على مستوى التجهيز والبنيات التحتية والموارد البشرية ووضعية السكان.

فعلى مستوى التجهيز والبنيات التحتية، يبقى مشروع المركبات التربوية والتعليمية في العالم القروي هو الحل والبديل، رغم تخوفات الدولة من هذه التجمعات في إطار هيمنة الهاجس الأمني والعمل على استقرار الأوضاع التي يجب أن تبقى على حالها حتى تسهل مراقبتها، ولو على حساب التغيير البناء. لقد راجت فكرة المركبات التربوية التعليمية هذه، بشكل محتشم منذ سنوات لفترة قصيرة جدا، ثم دفنت قبل أن تخلق نهائيا، لأنها لا تخدم مصالح المخزن والمستفيدين من سياسته، الذين لا يحبون الخير لهذا البلد الأمين. فماذا نعني بالمركبات التربوية والتعليمية في العالم القروي؟

نعني فيما نعنيه بهذه المركبات، بناء قرى تربوية تعليمية في أمكنة مناسبة تخضع لمقاييس جد دقيقة، تعتمد أساسا على الكثافة السكانية وشبكة المواصلات وسهولة تحركها، حيث تستفيد منه جماعة أو جماعتين أو مجموعة من الجماعات القروية، حسب عدد السكان وقوة الإنجاب بها. وهي عبارة عن مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية وتكوين مهني بداخلياتها( الإيواء للذكور والإناث ) وضيعتها التطبيقية ( الحقول الزراعية حسب طبيعة المنطقة)، وسكنى المدرسين والإداريين ودار الطالبة ( إيواء الإناث)، إلى جانب مرافق أخرى جماعية وإدارية وصحية وخدماتية وتجارية...

هذه العملية ستجعل حدا للاختلالات التي يعيشها التعليم بالوسط القروي، حيث تشجع على التمدرس بشكل كامل وسليم، وخصوصا تمدرس الفتاة القروية، وتقضي على الهذر المدرسي في صفوف التلاميذ القرويين الذين يعانون من ضغط الظروف القاسية ومتطلبات الأسرة، كما تقضي على ظاهرة الأقسام المشتركة أو الأقسام متعددة المستويات التي يطلق عليها في منطقة الجنوب المغربي"السمطة " أو " السلسلة " عندما يسند إلى المدرس أو المدرسة أربع أو ست مستويات لتدريسها بالعربية أو الفرنسية، وفي الغالب هما معا مرة واحدة. كما تعيد الثقة إلى دور المدرسة ودور التعليم بالعالم القروي، وتوفر للدولة ملايير من الدراهم، وتحقق الجودة والمردودية المطلوبتين، وتساهم في تنمية البلاد وتقدمه.

أما على مستوى الموارد البشرية، يمكن اقتصاد المدرسين والإداريين إذا ما عملوا بالمركبات السالفة الذكر، وكذا توفير الشروط الذاتية والموضوعية، من حيث الاستقرار والرضا النفسي للقيام بواجبهم خير قيام. وهذا أمر يوفر للدولة الكثير، ويحد من الاختلالات المادية والبشرية والتعليمية التي ترهق كاهل الدولة وكاهل الساكنة القروية وأبنائهم وبناتهم، وتدمر معنويات رجال ونساء التعليم العاملين بالوسط القروي الذين يعانون من قسوة ظروف العمل.

أما من حيث وضعية الساكنة، فهي لا يمكن النهوض بها إلا إذا تخلت الدولة أولا عن منطق المخزن الذي تتعامل من خلاله مع الساكنة المتمثل في التمييز بين المغرب النافع والمغرب الغير النافع الذي ورثناه من المرحلة الاستعمارية، وثانيا فك الحصار والعزلة عنها عن طريق بناء الشبكة الطرقية والمسالك، وتشجيع القرويين على التجمعات السكنية وإيجاد حلول للمشاكل العقارية المزمنة، وتزويدهم بالتجهيزات الضرورية كالماء الصالح للشرب والكهرباء، ووضع إستراتيجية التنمية المناسبة والمستديمة، تعمل على إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة حسب نشاط المنطقة، وابتكار طرق استعمال الطاقة المتجددة، وطرق استغلال عقلاني للموارد الطبيعية والبشرية.

بهذه الكيفية نفك الحصار والعزلة على العالم القروي ونجعله يساهم في التنمية الشاملة المستدامة، والتقدم المرتقب للبلاد ككل، إلى جانب إنجاح المركبات التربوية التعليمية التي تعمل هي الأخرى على تطوير وتقدم العالم القروي، دون أن ننسى إعادة النظر في الميثاق الوطني لسد ثغراته واختلالاته على مستوى التنظير والتطبيق والتفعيل، تساهم فيه كل القوى الحية في البلاد وعلى رأسها رجال التعليم، خصوصا الباحثون منهم والميدانيون العارفين بخبايا ومواطن الضعف والقوة في التربية والتعليم، ويحضا في النهاية بإجماع وطني بعد مناقشته ونقده وتعديله وتصحيحه، والابتعاد عن كل الرؤى الضيقة المرتجلة في الغالب، والمزايدات السياسوية والانتهازية المصلحوية التي سرعان ما يفتضح أمرها أمام الجميع.

هكذا نكسب رهان التنمية المستدامة والتقدم المنشود لهذا البلد الأمين. ولتحقيق هذا لا نحتاج إلا إلى النيات الحسنة، والقرار السياسي الموضوعي الواضح، والعمل الجاد المسئول المستمر النابع من أخلاقيات ديننا الحنيف وسيرة نبينا الكريم، وما توصل إليه العلم الحديث والتكنولوجية المعاصرة من نظريات وتقنيات وبرمجيات رقمية وأساليب متطورة في التنمية البشرية.

ملحوظة:
هذه الورقة عبارة عن ملخص لمشروع بحث. المراد من هذا الملخص فتح نقاش أمام الباحثين والمهتمين بشؤون التربية والتعليم، خصوصا في العالم القروي، قصد اقتراح بدائل أو تعميق فكرة المركبات التربوية التعليمية بالوسط القروي بالآراء النيرة والمساهمات والمناقشات الموضوعية الرصينة، المشبعة بروح الوطنية والمواطنة الحقيقية، حتى يتم إشراك الجميع في الموضوع، ويبدأ الحوار وطنيا حول هذه المسألة.



#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى النكبة
- تخطيط الوضعيات الديداكتيكية والتدريس: من الأهداف إلى الكفايا ...
- أين نحن من .. معلم البرية
- علمنا التاريخ
- مكانة سيكوسوسيولوجية التربية في الفعل التعليمي التعلمي
- بلادي
- حول سوسيولوجية التربية
- وبدأت.. الحياة
- فلسفة التربية وعلوم التربية؛ أية علاقة؟
- رحيل الطود الشامخ
- صرخة مهاجر
- لماذا علوم التربية؟
- شعر: لا.. وألف لا.. وكفى..
- غزة.. في محنة.. يا للعار
- الطفولة والمراهقة وإشكالية التربية في الوطن العربي
- شعر: في ظل فتنة الردة
- أسلوب التربية وحاجات الطفل في المجتمع العربي
- النمو وحاجاته في مرحلتي الطفولة والمراهقة
- غدا إن لم نفق من إرث سباتنا
- المجال التربوي وأخلاقيات المهنة


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بنعيسى احسينات - التربية والتعليم بالعالم القروي في المغرب: من الاختلالات القاتلة إلى البدائل المرغوب فيها