أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان عاكف - المسلمون الأوائل وكروية الأرض - 3















المزيد.....

المسلمون الأوائل وكروية الأرض - 3


عدنان عاكف

الحوار المتمدن-العدد: 2348 - 2008 / 7 / 20 - 10:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


رأي الإمام الغزالي

" من لم تكن بصيرة عقله نافذة، فلا تعلق به من الدين إلا قشوره، بل خيالاته
وأمثلته، دون لبابه وحقيقته . فلا تـُدرَكْ العلوم الشرعية، إلا بالعلوم العقلية "
أبو حامد الغزالي

عدنان عاكف

لاحظنا في الحلقتين السابقتين كيف ان الكثيرين من كتابنا ما زالوا منشغلين في مسألة كروية الأرض ، بالرغم من انها لم تكن في يوم ما معضلة علمية أو دينية. وعرفنا أيضا ان أشهر علماء الدين في الماضي كانوا مجمعين على ان الأرض كرة. وقد وجدوا في القرآن آيات تدعم هذه الفكرة، وهي في الغالب نفس الآيات التي يستشهد بها أصحاب الكتب ومقالات الانترنيت.
لا يمكن إنهاء موضوع " كروية الأرض عند المسلمين الأوائل " بدون التوقف عند رأي الإمام الغزالي.
تناول الغزالي في " تهافت الفلاسفة " موقف علماء الطبيعة من ظاهرتي الخسوف والكسوف، مشيرا الى قولهم بأن " الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس، من حيث انه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة، والسماء محيط بها من الجوانب، فاذا وقع القمر في ظل الأرض، انقطع عنه نوره من الشمس؛ وكقولهم : ان كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة ".
ليس في هذا الكلام ما يتطلب الشرح والتفسير. الغزالي، كما هو واضح، لا يدعي انه من اكتشف ظاهرة كسوف الشمس والقمر، بل هو ينقل لنا رأي الآخرين. والآخرون هم علماء الهيئة،. ومن كلامه يتضح جليا الشكل الكروي للأرض، وهو أيضا لا يعترض على هذا الرأي... الذي يهمنا هي الفقرة التالية التي تبين لنا كيف تعامل رجل الدين الكبير مع معطيات العلم في عصره، وهو موقف حري بنا جميعا ان نتوقف عنده ونتأمله
، ولنحاول ان نقارن موقفه مع موقف الكثير من علماء عصرنا. يقول الغزالي معقبا بشكل مباشر :
" وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين وضعف أمره، فأن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها، حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف، وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذ قيل له: إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة، وهو كما قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل "....
لم يعر أحد من الباحثين في فكر الغزالي أي انتباه لهذه الفقرة، وضاعت في جعجعة الجدل الذي دار حول فكره الفلسفي ومواقفه الفكرية، وخاصة ما اشتهر به من معارضة شديدة للفلسفة والفلاسفة، والتي تجلت بقوة في كتابه " تهافت الفلاسفة ". لم يعيرها الدارسون أهمية لأنهم اعتبروها تتعلق بالعلوم الطبيعية، وخاصة علم الفلك. أما المهتمين بتأريخ العلوم الطبيعية فقد غابت عنهم، كما غابت كل كتابات الغزالي الأخرى التي تناول فيها العلوم الطبيعية
ما الذي تقوله لنا هذه الفقرة ؟ الغزالي من البداية يضع القارئ أمام حقيقة مهمة، وهي أن الموضوع الذي هو بصدده (كروية الأرض وكسوف الشمس و القمر ) لا يدخل ضمن تخصصه كعالم دين، إنما هو من اختصاص علما الطبيعة، مع انه ( الموضوع ) مطروح للجدل والنقاش بين علماء الدين، وهناك من العلماء من يناظر ساعيا الى إثبات بطلان فكرة كروية الأرض انطلاقا من ان ذلك يتعارض مع الدين. لكن الغزالي لا يرى أي سبب يدعو الى نكران تلك الفكرة ورفضها. ويذهب أبعد من ذلك حيث يحذر بقوة من أي محاولة لرفض الفكرة ، وتحذيره موجه بالدرجة الأولى الى علماء الدين، الذين يحاولون باسم الدفاع عن الدين، ان يقفوا بوجه البحث العلمي وتفعيل العقل عند مناقشة المواضيع الطبيعية. ولا يجد ما يمنعه من الإعلان بان المواضيع المطروحة للنقاش من اختصاص العلم، وليس من اختصاص، الدين لأن ( هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة ". ومما يلفت النظر ان الغزالي ركز على التحذير أكثر من تركيزه على المادة العلمية، التي تناولها. بمعنى انه تخطى الموضوع المطروح، وهو كسوف الشمس والقمر، وكروية الأرض، وطرح موقفه من القضايا العلمية بشكل عام ،وهذا بالذات ما يهمنا اليوم. لم تعد ظاهرة الخسوف والكسوف، وكروية الأرض تهم العلم منذ قرون، بعد أن تخطاها منذ زمن بعيد. ولكن ما يهمنا هو موقف الغزالي من العلم، ومفهومه للعلاقة القائمة بين العلم والدين، والمنهج الذي اتبعه لمعالجة وطرح هذه العلاقة، والتي كانت وما تزال تشكل واحدة من أعقد القضايا التي واجهة العلم والدين على حد سواء. ان أول ما يتبادر الى الذهن ونحن نتأمل موقف الغزالي هو تلك الظاهرة الغريبة التي تسيطر اليوم على عقول الكثير من الكتاب والباحثين والقراء، والتي تعرف بالاعجاز العلمي للقرآن. قامت هذه الفكرة على أساس فكرة أخرى جرى الترويج لها بقوة خلال العقود الماضية والتي تقول بان القرآن هو كتاب علم شامل يحتوي على جميع النظريات العلمية ويمكن ان تجد فيه جميع الاكتشافات العلمية التي تحققت أو التي سوف تتحقق في المستقبل . "ان القرآن الكريم انما هو كتاب علم ايضاً، وانه يسبق العلم في كافة ميادينه وفي كل عصر ... وان كل ما يكتشف انما جاء به القرآن" (المسلمون والعلم الحديث/عبد الرزاق نوفل). الغزالي يذهب أبعد من ذلك فهو يرى ان كروية الأرض والكسوف والخسوف، هي من اختصاص علماء الهيئة وليس من اختصاص رجل الدين، وعلى رجل الدين أن يأخذ بما يقدمه العلم المبني على البراهين والقياسات الدقيقة. بمعنى ان هناك فصل واضح بين العلم والدين، مع العلم نجده قد شدد وفي أكثر من مرة على ضرورة ان يأخذ رجل الدين بالمكتشفات العلمية، ليس من أجل ان يكون عالما، بل من أجل ان يفهم العلوم الدينية بشكل أعمق وأفضل. وهو القائل : "
" من لم تكن بصيرة عقله نافذة، فلا تعلق به من الدين إلا قشوره، بل خيالاته وأمثلته، دون لبابه وحقيقته . فلا تـُدرَكْ العلوم الشرعية، إلا بالعلوم العقلية "..
. لنتوقف عند الجزء الأخير من الفقرة :
" إذ قيل له: إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة ". لنحاول ترجمة هذا الكلام الى لغة العلم الحديث. الغزالي يحذر أهل الشرع من محاولة التشكيك من قضية تم إثباتها علميا، من خلال براهين هندسية حسابية لا يطالها الشك، لأن المقلد الأعمى وحده سوف يصدق ادعاءات أهل الشرع، في حين ان العاقل الذي يبحث عن الحقيقة العلمية سوف يأخذ بالبراهين الهندسية والحسابية. وبذلك فان الشك سيطال الشرع ذاته.. لذلك ليس كل من ادعى الدفاع عن الدين وصرخ وهدد واتهم من يخالفوه الرأي بالكفر والإلحاد هو المدافع عن الدين. الدفاع عن الدين يتطلب حجج وبراهين ومنهج علمي، وإلا فان الضرر الذي قد يصيب الدين اكبر بكثير من الضرر الذي قد يلحقه من الذي يشكك بالدين وفق منهج مدروس... ومن هنا يأتي المثل الجميل الذي استشهد به " عدو عاقل خير من صديق جاهل "...
ترى ما ذا كان سيحدث لو أخذ العقلاء منا بموقف هذا الإمام الجليل الذي عاش قبل الاكتشافات العلمية بشأن شكل الأرض وموقعها في الكون، وقبل أن ينطلق أول رجل فضاء في مركبته ليكون أول من رأى كرة الأرض وهي تسبح في رحلتها الأزلية حول الشمس ؟ ما هو مؤكد ان الكثير من المعارك الكبرى التي عرفها التاريخ بين العلم والدين ما كان لها ان تنشأ. فكم من عالم ومفكر اضطهدوا وحوربوا بتهمة الكفر والإلحاد، بسبب " الأصدقاء الجهلة " ، الذين انبروا للدفاع عن الدين وهم يمتطون أسلحة الجهل والتخلف ؟ وكان من الممكن أيضا ان لا تظهر النسبة العظمى من المقالات المتعلقة بكروية الأرض ودورانها على الكمبيوتر، لأن أصحابها سوف لن يجدوا من مقالاتهم فائدة للناس، وكانوا سوف ينصرفون لكتابة ما هو أنفع. كان من الممكن ان يساهم أصحاب هذه المقالات بتنويرنا- نحن أبناء هذه الأمة التي لم يعد بأماكننا ان نلحق بركب العلم حتى ولو ركبنا أسرع وسائل النقل- بأهم ما توصل اليه علم الفلك والفيزياء والجيولوجيا، بشأن الكرة الأرضية ، لا ان نبقى نجتر ما قد تخطاه أسلافنا من معارف. وجدير بالذكر ان الغزالي الذي دعا الى الأخذ بالقضايا العلمية التي " تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة " ، كان يسعى الى تجنيب الشريعة اتخاذ مواقف معارضة للدين ومخالفة للحقيقية، وبذلك يوقعون الدين في مأزق وفي تناقض مع العلم. وهذا هو الموقف ذاته الذي طالب به المغدور غاليلو بعد نحو ستة قرون، وهو يحاول ان يجنب الكنيسة عار التخلف والجمود ، عندما وقفت ضد كروية الأرض ودورانها. لكن الكنيسة لم تقتنع بكلام هذا الشيخ العجوز " الملحد " إلا بعد قرون، وبعد ان سالت الكثير من دماء الهراطقة، وأحرقت أطنان من الكتب، وكبل الفكر الإنساني بقيود من الخوف والرهبة منعته من الانطلاق نحو رحاب الكون الواسعة. ومما قاله غاليلو في الديالوغو " Dialogo : " احترسوا يا أساتذة اللاهوت حين تبدون رأيكم حول ثبات أي من الأرض أو الشمس، إذ قد تضطرون " في نهاية الأمر " الى إدانة من يقول ان الأرض ثابتة وان الشمس هي التي تتحرك ، واني قد استعملت تعبير، في " نهاية الأمر " ذلك انه قد يثبت في عصرنا ان الأرض هي التي تتحرك وان الشمس ثابتة ".. وبتعبير أحد علماء القرن العشرين، ان موقف غاليلو أمام محكمة التفتيش في مطلع القرن السابع عشر قد " أصبح في الواقع موقفنا نحن ؛ تجنيب الكنيسة الدخول في قضايا علمية وتفسير الكتاب المقدس تفسيرا حرفيا أو ضيقا "... وقد ترك غاليلو حكمة ثمينة للأجيال التالية لا تقل أهمية عن ميراثه العلمي العظيم. لكن مع الأسف أهملت من قبل الكثيرين من علماء الطبيعة وعلماء الدين على حد سواء، وإلا لكانت قد وفرت على البشرية الكثير من الوقت والآلام. قال غاليلو وهو يجابه معارضيه من رجال الدين والدولة على حد سواء :
" ان مهمة العلم ليست تلقيننا كيف الصعود الى السماء بل كيف هو حال هذه السماء...".
وهكذا، وكما يرينا غاليلو ان الحديث عن السماء له جانبان : الأول هو طريق الوصول الى السماء، وما يتعلق بذلك من العلاقة بين العبد والرب، و كل ما يقود الى الجنة والنار. هذه الأمور ليست من اختصاص العلم والعلماء، ولا تخضع للطريقة العلمية والقوانين العلمية، بل هي مهمة الدين، لذلك على رجال الكنيسة ان يشمروا عن أذرعهم ويعلموننا كيف نصل اليها عبر أقصر الطرق وأسهلها. آما تركيب السماء وما فيها من شموس وكواكب ونجوم وتوزيع كل هذا فهي بالتأكيد مهمة العلم... وهذه المهمة لا يمكن حلها ألا بالاستعانة بالعلوم العقلية، التي " تقوم عليها براهين هندسية حسابية " كما يقول الإمام الغزالي...





#عدنان_عاكف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون الأوائل وكروية الأرض – 2
- المسلمون الأوائل وكروية الأرض - 1
- ثورة تموز و - الديمقراطية الملكية -
- 14 تموز بين الموقف العاطفي و الموقف الطبقي
- 14 تموز: تلبية لإرادة الشعب أم تحقيق لمطامح العسكر ؟؟
- نحن وثورة الرابع عشر من تموز 1
- آينشتاين والاشتراكية


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عدنان عاكف - المسلمون الأوائل وكروية الأرض - 3