نبيل الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 02:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مواجهات عنيفة جرت في معتقل وسجن صيد نايا السوري , والتي يبدو أن ذيول أحداثها لم تنته تماما رغم التعتيم الرسمي وتناقض البيانات , ولكن الواقع أن هنالك المئات إن لم نقل الألوف من الموقوفين لأسباب ليس منها جنح أو جرائم, خارج إطار السياسة والمعتقد وتطبيقاتها على الأرض , الأمر الأهم كما قيل إن أكثرية الموقوفين هم من الإسلاميين والأكراد , ولو (فسرنا) الحديث ونقلناه إلى الواقع الفعلي لقلنا ببساطة أن أكثرية السجناء هم من الطائفة السنية العرب زائدا الأكراد , وما ينشر ويقال عن إسلاميتهم قبل طوائفهم حاليا هو تحليق في الخيال وابتعاد عن الحقيقة المرة الساطعة التي أساسها أن في بلدان مثل العراق وسورية ولبنان , لا يوجد إسلاميين أو حتى أحزاب إسلامية بالمطلق , بل طوائف إسلامية مختلفة التوجهات , يتمحور قادة كل منها حول عمود الدين , بينما خندقهم وجماهيرهم ومناصريهم هي الطائفة وأفكارها وتحالفاتها , المنكرة غالبا لأفكار ومعتقدات الطوائف الإسلامية الأخرى التي تعيش معها في نفس البلد والمدينة والحي والقرية .
- سجناء صيدنايا في غالبيتهم من السنة العرب والأكراد , وهم استطرادا غالبية الشعب السوري إلى حدود ال75% , وفي المقابل هنالك معسكر الحكم المتمثل بالطائفة العلوية وتحالفاتها المذهبية الأقرب أليها , لا تتجاوز نسبتهم أل 10 % , ليبق الوضع هشا , ومذكرا بآخر أيام نظام صدام حسين وتحالفاته العشائرية المناطقية السنية الضيقة ضد الشيعة والأكراد , انفجرت وتحللت على أثره وتناثرت (وطنية ) المكونات العراقية لمصلحة التمركز القومي الطائفي الجديد , الذي يتطلب له سنوات من الجدل والاحتكاك والتراضي ليعود إن عاد وطنا فدراليا ديمقراطيا كما يحلم المتفائلين .
- نعود إلى أحداث سجن صيدنايا , وتركيبة المجتمع السوري ,حيث حكم وراثة الأقلية , أول إفرازاته سجون ومعتقلات مليئة بأبناء الأغلبية ولمختلف الأسباب , دفعهم الاستبداد نحو التطرف , وصولا حتى إلى سجناء الرأي الآخر رغم تواجد البعض من أهل الأقلية والأغلبية العلمانيين واضعي الوطن قبل الطائفة بينهم .
ولكن مايتوجب الإقرار به أن وضع كهذا غير قابل للاستمرار الأزلي رغم القبضة الحديدية للنظام الوراثي الاسدي , ولكن أين موقع السعودية من هذا كله , والدخول الحديث لملكها عبد الله على الخط اللبناني السوري في آخر تصريح منقول له , في صحف وفضائيات الإعلام السعودي الخارجي , يتوعد فيه مثيري الفتن في لبنان , ثم يتسع في حديثه وكأن لديه أوراق جديدة , ليهاجم أشرار المنطقة والإقليم ويتنبأ لهم بالنهاية المحتومة , فهل شغب صيدنايا بداية معلومة ؟ فالحديث ليس من باب المماحكة ولا ينطلق من فراغ مما يستوجب العودة للوراء قليلا وفحص عناصر الصراع بين قوى النفوذ في المنطقة ومدى اختلافهم وأين تلاقيهم .
- في لبنان تتقاطع السعودية مع النظام السوري , فسياستها المعلنة تساند قوى الأكثرية الليبرالية المتمثلة في تكتل 14 آذار الحاكم , ولكنها في واقع الحال تستثمر نفوذها من خلال التزام وتمويل إحدى القوى السنية المؤثرة والممسكة بالقرار السياسي داخل طائفتها , ممثلة بالحريري الأب أولا , ولكنها أي السعودية لم تحرك ساكنا , بغير عبارات التنديد واللهجة الغامضة والتعابير الدبلوماسية , عندما اغتال السوريون السيد رفيق الحريري , لأنه أصبح اكبر من مجرد ممثل لطائفته , ليتحول إلى زعيم وطني , تلتف حوله القوى المطالبة بالسيادة , ورحيل كل محتل ولو كان الشقيق السوري , وهنا تتلاقى الرغبتان السورية والسعودية في وئد وتدمير حلم لبنان الديمقراطي الحر العلماني , كما كان في الستينات وبداية السبعينات , ملتقى للمفكرين والفكر العربي الحر , وملاذ لأحرار العرب , المحاربين في بلدانهم , والمعارضين وفي مقدمتهم القادمين من سورية والسعودية , وهنا تظهر حقيقة أن التمحور والاحتراب الطائفي اللبناني , له أسبابه الخارجية المرتبطة بأفعال أنظمة شمولية وثيوقراطية , تريده مرتع لتصفية حساباتها , ومكان تنطلق منه أبواق صنائعها ممجدة ومادحة , لا منارة إشعاع تضيء لتكشف المستور من عيوبهم .
- نعود لحديث الملك عبد الله و( ساعة غروب من أراد الشر بلبنان والمنطقة تدنو ) , ولا حاجة للتوضيح بأنه يقصد النظام السوري , لان التطرق لإيران مثلا , اكبر من حجمه وحده , واكبر من أي (قدرة ) له على الفعل , فكل مايملك ويستطيع التصرف به هو مال نفطي متراكم أدهشته وهزت كيانه كميته المتراكمة في المصارف , يمول بها البعض أي كان ليقتلوا, أو ليمدحوا أو يهجو ا البعض الآخر, فليس له ولنظامه فكر أو امتدادات سياسية بنيوية , اوحتى شعب حي متحرك فيه العلماء والأدباء والمفكرين والفنانين من كلا الجنسين , بل نخبته فقط أهل فتاوي القتل والإجرام بحق من هو خارج الملة , فهكذا ملك نظام بائس حضاريا لاقدرة تحسب له على عقد تحالفات خارج التمويل , يستطيع من خلالها العمل والتكتيك , فهو صفر ومملكته على المستوى الستراتيجي , وفي القضايا الكبيرة عندما تستجد , فلا تضيع عنده طريق البوصلة المتجهة أمريكيا , ليبدأ تحريك القوات الصديقة , كما حصل سابقا مع أزمة نظام صدام , وما سيحصل لاحقا مع إيران , وتتحول السعودية ثانية إلى القاعدة والمنطلق .
- التساؤل البسيط ولكن المحدد والواضح , لماذا لاتدعم السعودية سنة سورية وتساند قواهم الفاعلة بوجه السيطرة العلوية الهشة , ولماذا لاتتدخل بالمال والسلاح والإعلام كما فعلت في العراق ؟ في محاولة لمنع ماتعتقده هيمنة شيعية على سنة العراق ومقاليد السلطة والحكم ! , وإرسالها بالتنسيق مع السوريين والقاعدة والصداميين , المال والسلاح والانتحاريين لتدمير كل أمل للنهوض الوطني وقيام دولة عراقية مستقرة ديمقراطية !, القضية إذن سياسية لا طائفية .
- الصورة واضحة أمام الملك السعودي ونظامه لو حاول مساندة شعب لبنان وغروب أعدائه , وهو التأسيس الديمقراطي لسوريا , ودعم مشاريع الأكثرية المغيبة المعارضة في سورية , ومد أحزابها بما تحتاجه من تعريف وتمويل , تمهيدا لانتخابات حرة في ارض الشام , تضع أي نظام قادم على أرضية صلبة لاحاجه له وقتها إلى تصدير أزماته الداخلية , فلماذا لا يفعلها السعوديون ؟ ألا يعني نظام ديمقراطي في دمشق يقوده سنة أل 75% انتصارا للسعودية ومذهبها وفتاويها , أم ستعتبره اندحار لها على المدى البعيد !؟
- نعود إلى نقطة البدء ولنتصور نظامان ديمقراطيان في لبنان وسورية ! لهما جذور قوية في التحزب والعلمانية وحرية الصحافة والآداب والتعبير , يتلاقى ويتمازج معهما شعب الجزيرة , المتطلع شمالا جغرافيا وتاريخيا , و الأقرب إلى استيعاب أفكارهما والمتعطش إلى ماينقذه من جهالة السلفية الوهابية التي لازالت تناقش ولحد اليوم مسألة قيادة المرأة للسيارة وهل هي حلال أم حرام !! .
- أي معنى لحديث الملك إذن غير الاستهلاك الخارجي , وإشعار مناطق نفوذه بأنه غير ساه عنها , في وجه المؤامرات الاسدية , كما أنها ضربة تحت الحزام لنظام دمشق لاتغيير موقف , لتذكير هذا النظام بان للآخرين القدرة على إيذائه , لو تجاوز المرسوم والمعترف به من الخطوط الحمراء الصالحة لبقاء الأنظمة , ضمن التفاهمات الفوقية الرسمية الدكتاتورية , المميعة والمشوهة والرافضة لتطلعات الشعوب في التغيير الحر نحو المجتمع الديمقراطي .
#نبيل_الحسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟