أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نقاشات فكرية وسياسية مع الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث العراق التاريخية والأستاذ الراحل كامل الجادرجي 6 & 7& 8















المزيد.....



نقاشات فكرية وسياسية مع الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث العراق التاريخية والأستاذ الراحل كامل الجادرجي 6 & 7& 8


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 2338 - 2008 / 7 / 10 - 10:34
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الحلقة السادسة
انقلاب العقداء الأربعة وموقف الجلبي منه

كتب السيد نضال الليثي في استعراضه لمحاضرة الدكتور فاضل الجلبي التي قدمها في العام 2002 والذي نشره في جريدة الزمان اللندنية ما يلي: "ورصد المحاضر حركة أيار (مايو) حركة وطنية ورطت نفسها باللجوء للجيش والدخول في معركة خاسرة مع بريطانيا أدت إلى احتلال العراق مجدداً" . فهل كان لانقلاب الذي قاده العقداء الأربعة انقلاباً وطنياً أم كان قومياً شوفينيا مع نزعة فاشية؟ وهل تورطت الحركة القومية حينذاك باللجوء للجيش , أم أن التحرك بالأساس كان عسكرياً؟ دعونا نتحرى عن طبيعة حركة أيار/مايو وعواقبها والموقف المناسب , كما أرى منها.
كان القوميون العرب في النصف الثاني من العقد الرابع من القرن العشرين في بداية نشاطهم القومي وكانوا ينتظمون بطريقة ما في نادي المثنى الثقافي لإلقاء المحاضرات الفكرية والسياسية وتعبئة الناس حول أفكار وسياسات النادي , ولكن بعضهم كان يتحرى عن فرصة مناسبة لتشكيل تنظيم حزبي سري أو علني يساعد على تحقيق الأهداف التي كان هذا البعض يسعى إليها. راودت هذه الفكرة أذهان العسكريين الذين قادوا الحركة ونفذوا انقلاب أيار مايو 1941 فيما بعد , وخاصة صلاح الدين الصباغ , ويونس السبعاوي ومحمد حسن سلمان منذ العام 1937, علما بأن السبعاوي كان قد قام قبل ذاك بترجمة ونشر كتاب أدولف هتلر الموسوم "كفاحي" إلى العربية منذ العام 1933 إعجاباً وتيمناً بشخصية هتلر وفكره وحزبه وشعاراته . وتكرست هذه الرغبة أكثر فأكثر منذ مجيء الحاج محمد أمين الحسيني , مفتي الديار الفلسطينية , ومعه مجموعة من الفلسطينيين الذين أجبروا على أو اختاروا مغادرة فلسطين , إلى بغداد. وتحت تأثيره ودوره المباشر اتخذت حركة القوميين العرب مساراً جديداً بعدة اتجاهات أساسية , وهي:
1. تشكيل لجنة التعاون بين البلاد العربية التي ضمت "رشيد عالي الگيلاني وناجي شوكت وناجي السويدي ويونس السبعاوي والعقداء الأربعة والعقيد إسماعيل حقي من العراق , وشكري القوتلي وعادل أرسلان وزكي الخطيب من سورية , ويوسف ياسين وخالد الهود من العربية السعودية" . وهي لجنة علنية اعتبرت قاعدة لنشاطها العلني بين الأوساط العراقية ولتعزيز تحركها الشرعي على الأقطار العربية الأخرى.
2. تأمين غطاء حزبي سري ينظم ويوجه العملية السياسية في العراق لصالح أهداف الجماعة. وفي ضوء ذلك تقرر في شهر شباط/فبراير من العام 1941 , وقبل تسلم رئاسة الوزارة من قبل رشيد عالي الگيلاني , تشكيل حزب سياسي سري باسم "حزب الشعب" كما منح كل عضو في هذا الحزب اسماً حزبياً سرياً . وأعطيت القيادة لمفتي الديار الفلسطينية الحاج محمد أمين الحسيني , واسمه الحزبي (مصطفى) , كما كان في عضويته كل من رشيد عالي الگيلاني , واسمه الحزبي (عبد العزيز) , وصلاح الدين الصباغ , واسمه الحزبي (رضوان) , ويونس السبعاوي , واسمه الحزبي (فرهود) , وفهمي سعيد , واسمه الحزبي (نجم) , ومحمود سلمان , واسمه الحزبي (فارس) ,وناجي شوكت , واسمه الحزبي (أحمد) .
في الأول من شباط/فبراير 1941 بدأت من الناحية الفعلية الحركة الانقلابية للقوى القومية بقيادة العقداء الأربعة والتنظيم الحزبي السري , بعد أن انتشرت قوات عسكرية في بغداد "واحتلت دوائر البرق والبريد والتلفون , ومسكت بعض مداخل الطرق العامة واتخذت التدابير لصيانة الجسور والمعابر , ومحافظة سائر المرافق" . كما توجه العقيد فهمي سعيد إلى دار العميد الهاشمي ومعه وكيل رئيس أركان الجيش محمد أمين زكي لإبلاغه قرار العقداء الأربعة بضرورة استقالته وتكليف رشيد عالي الگيلاني بتشكيل الوزارة الجديدة. اضطر طه الهاشمي على كتابة رسالة استقالة تقدم إلى الوصي عبد الإله تسلمها منه فهمي سعيد , الذي غادر بعدها دار الهاشمي. إن هذا الكتاب الذي أخذ عنوة من الهاشمي اعتبر في واقع الأمر بداية عملية الانقلاب التي استغرقت الفترة اللاحقة.
بادر العقداء الأربعة , وبالتنسيق الكامل مع التنظيم السري , إلى الاجتماع والاتفاق على ثلاث نقاط أساسية هي:
"(1) تشكيل مجلس للدفاع الوطني ينظر في شؤون المملكة طيلة غيبة الوصي.
(2) النظر في أمر الوصي إذا رفض الرجوع عن غيه وبقى مصراً على وضعه المخزي في أحضان الإنكليز في معسكر الحبانية.
(3) توقيف صالح جبر وجلبه إلى بغداد , وفصل تحسين علي , وتوقيف محسن أبو طبيخ ورايح العطية وجلب الأول إلى بغداد , وإبعاد الشريف فواز والشريف حسين إلى شرقي الأردن لأنهما جاسوسان للإنكليز في البلاط. وفصل باقر سر كشك مدير التشريفات في البلاط لأنه منافق يدعو للإقليمية العراقية ولا يحمل عقيدة عربية , وتعيين نوري بن سعيد سفيراً للعراق في أمريكا , وإسناد وظائف مماثلة خارج العراق لكل من جميل وجودت , وإبعاد جلال بابان خطيب الإنكليز في المجلس" .
لقد نشأ وضع غريب في البلاد. فمن جهة لم تسقط وزارة الهاشمي وبقيت تمارس عملها الروتيني , في حين أخذ مجلس الدفاع الوطني يمارس عملاً في إطار اللاشرعية , ولكنه كان يسعى إلى تثبيت أوضاعه لتمكين قيام وزارة برئاسة الگيلاني. واتخذ المجلس جملة من القرارات التي تضعف الوزارة القائمة وتمنعها عملياً من ممارسة عملها وقيام المجلس بأداء مهمات الوزارة. ونشير فيما يلي إلى أبرز تلك القرارات:
 المحافظة على المعاهدة العراقية - البريطانية والابتعاد عن استفزاز بريطانيا.
 الإبقاء على وزارة الهاشمي فترة أخرى ليتسنى نضوج اتجاه معين في الأوضاع يخدم أغراض القوى القومية.
 الامتناع عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا , وعند إصرار البريطانيين على ذلك يفترض أن يعرض الموقف على مجلس نيابي يتمتع بالحرية لاتخاذ القرار المناسب.
 تأمين إمكانية حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة للتخلص من أعوان الاستعمار البريطاني.
 التخلص من نوري السعيد وجميل المدفعي وعلى جودة الأيوبي بتعيينهم سفراء في بلدان أخرى.
 تحديد صلاحيات الوصي على العرش في الدستور العراقي لكي يبقى مصون غير مسؤول.
 التحري عن أسلوب لتحسين العلاقة بين الوصي على العرش وقادة الجيش الأربعة.
 عند فشل طه الهاشمي بتحقيق هذه المهمات يطلب منه تقديم الاستقالة.
 في حالة الاستقالة يكلف رشيد عالي الگيلاني بتشكيل الوزارة الجديدة.
 في حالة إجراء انتخابات حرة ونزيهة يتعهد الجيش بعدم التدخل في شؤون الحكومة.
كانت النتيجة واضحة , إذ كان الوصي على العرش يبذل جهوداً حثيثة لعقد اجتماع لمجلس الوزراء في البصرة , إذ اعتبر ذلك انقلاباً , في حين كان مجلس الإنقاذ الوطني يعرقل وصول الوزراء إلى البصرة , وبالتالي وجد طه الهاشمي نفسه أمام حل واحد لا غير هو الاستقالة من رئاسة الوزارة ليتخلص من:
• ضغط الإنكليز عليه ليمارس السياسة التي تشترطها معاهدة 1930 في حالة دخول بريطانيا في حرب ضد دولة ثالثة.
• ضغط الوصي عليه ليرفض شروط العقداء الأربعة والبقاء بالحكم والتوجه إلى البصرة لعقد اجتماع لمجلس الوزراء بحضور الوصي.
• ضغط العقداء الأربعة في الدعوة إلى حل المجلس وعدم الاستجابة لمطالب بريطانيا العشر من والبلاط الملكي.
أمام وجود حكومتين عملياً وجد مجلس الدفاع الوطني نفسه أمام حل واحد هو دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد واتخاذ قرار باستقالة وزارة الهاشمي وتشكيل وزارة جديدة برئاسة رئيس مجل الدفاع الوطني. إلا أن الوصي رفض هذه الدعوة باعتبارها غير شرعية. ومع ذلك عقد مجلس الأمة اجتماعه واستمع إلى خطاب رشيد عالي الگيلاني وآخر لناجي السويدي ثم خرج بقرار واحد هو:
• إلغاء وصاية عبد الإله على العرش وإسنادها إلى الشريف شرف. وتم ذلك بالإجماع.
ثم جرى الاتفاق على مسألتين هما:
• الموافقة على استقالة وزارة طه الهاشمي.
• الموافقة على تشكيل وزارة جديدة
وبعد اجتماع مجلس الأمة بادر الشريف شرف بتوجيه رسالة إلى رشيد على الگيلاني لتشكيل الوزارة الجديدة . وبهذا اعتبر الانقلاب قد تحقق فعلاً , ولكن الأزمة لم تنته بل تفاقمت واشتد أوراها وتكثفت الجهود لحسم الصراع إلى أحد الطرفين. وفي الثاني عشر من شهر نيسان/أبريل عام 1941 شكل رشيد عالي الگيلاني وزارته الرابعة , حيث قررت قيادة التنظيم الحزبي السري للحركة القومية أسماء الوزراء والحقائب الوزارية التي يشغلونها , وكانت على النحو الآتي:
رشيد عالي الگيلاني رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة
ناجي السويدي وزيراً للمالية
ناجي شوكت وزيراً للدفاع
موسى الشابندر وزيراً للخارجية
علي محمود الشيخ علي وزيراً للعدل
محمد علي محمود وزيراً للأشغال والمواصلات
محمد يونس السبعاوي وزيراً للاقتصاد
رؤوف البحراني وزيراً للشؤون الاجتماعية
محمد حسن سلمان وزيراً للمعارف" .
استقبل العراقيون تشكيل الوزارة الجديدة بارتياح كبير , إذ وصلت إلى بغداد وفود كثيرة من مختلف الألوية للتهنئة بمناسبة نجاح الانقلاب العسكري , كما وردت مجموعة من برقيات التهنئة من شخصيات سياسية واجتماعية وأدبية , إضافة إلى هيئات وجماعات وأحزاب سياسية مؤيدة للخطوات التي اتخذتها الحكومة والتي تحتاج إلى تأييد ومساندة .
وارتبطت هذه الفرحة الكبيرة بمجموعة من العوامل المهمة , التي لم تستطع الحكومة البريطانية استيعابها أو القبول بها والتحري عن أساليب أخرى للتعامل مع العراق , ونعني بها:
• رفض العراقيون منذ البدء الوجود البريطاني الاستعماري في العراق , كما رفضوا المعاهدة التي فرضت عليهم في العام 1930 , واعتبروا هذا الانقلاب بمثابة الخطوة الأولى على طريق الخلاص من الإنكليز والمعاهدة في آن واحد.
• رغب العراقيون التخلص من عبد الإله , الوصي على العرش , الذي لم يكن محبوباً عند العراقيين , إذ اعتبروه متآمراً بارزا مع الآخرين في قتل الملك غازي الذي حظي بحب العراقيين , وشخصية مؤمنة بفضل الإنكليز على عائلته.
• الكره الشديد عند الغالبية العظمى من العراقيين لنوري السعيد وجميل المدفعي وغيرهما من الساسة الذين هربوا إلى خارج بغداد أو إلى خارج العراق , باعتبارهم من أعوان بريطانيا المقربين.
• الحلم بالحصول على الحرية والديمقراطية والتمتع بثروات العراق وضمان الاستقلال والسيادة الوطنية.
أبدت الحكومة البريطانية امتعاضها الشديد من الانقلاب الذي قامت به القيادة العسكرية في بغداد وعزل الوصي على العرش , وقررت اتخاذ التدابير الضرورية لإحباطه من خلال إرسال قوات هندية وبريطانية إلى العراق , إذ لم يمض سوى بضعة أيام على تشكيل الوزارة الگيلانية الرابعة , أي في يومي 17/18 نيسان/أبريل حتى كانت القوات العسكرية البريطانية قد نزلت إلى البصرة. وأصدرت الحكومة العراقية مدعية أنها تعرف بذلك وأن هذا قد تم في ضوء معاهدة 1930. ثم طلبت بريطانيا من الحكومة العراقية إنزال قوات جديدة يتراوح تعدادها بين 2000 إلى 3500 شخص إلى البصرة أيضاً . رفضت الحكومة العراقية هذا الطلب , واعتبرته غير ضروري , ثم طالب بانسحاب القوات التي نزلت قبل ذاك إلى البصرة. ورغم قرار المنع نزلت القوات البريطانية الجديدة في 30 نيسان/أبريل 1941 إلى البصرة. وبدأت بريطانيا عملياتها العسكرية ضد العراق في موقعين أساسيين , في الحبانية حيث توجد قاعدتها العسكرية وحيث تم تجميع قوات عراقية قريباً منها , وفي البصرة حيث قامت القوات البريطانية باحتلالها. وأصدر السر كورنوالس بياناً شرح فيه موقفه من الأزمة وحمل الحكومة العراقية مسؤولية وقوع أي ضرر لمواطن بريطاني يعمل في العراق .
أصدر رشيد عالي الگيلاني , رئيس الحكومة , بياناُ موجهاً إلى الشعب العراقي مشيراً إلى قيام بريطانيا بعملياتها العسكرية العدوانية مطالباً الشعب بالوقوف إلى جانب الحكومة العراقية والجيش العراقي في دفاعه عن الوطن. كان ذلك في يوم 2 مايس/أيار 1941. ومن هنا جاء اسم الحركة الانقلابية , حركة مايس , أي منذ بدء المعارك مع القوات البريطانية.
ومع بدء احتلال البصرة والمعارك في الحبانية أصدر العلماء المسلمون فتاوى للجهاد ومكافحة الوجود البريطاني في العراق. وجاءت البيانات من أئمة الشيعة والسنة في آن واحد. ففي الوقت الذي أصدر أبو الحسن الموسوي الاصفهاني ومحمد حسين آل كاشف الغطاء والعلامة عبد الكريم الجزائري فتاوى تدعو إلى الجهاد ضد الظالم والكافر المحتل , كما أصدرت مجموعة من علماء الدين ورؤساء المؤسسات الدينية وأئمة الجوامع والمدارس الدينية السنية في بغداد بياناً دعت فيه المواطنين إلى الجهاد المقدس ضد الإنكليز الغدارين الذين عمدوا إلى احتلال العراق والإساءة إليه وشن حرب عليه. واعتبر رشيد عالي الگيلاني أن العراق أصبح بعد الغزو البريطاني وخوض المعارك ضد الجيش العراقي في حل من معاهدة 1930. واستمرت المعارك بين الطرفين حتى التاسع والعشرين من شهر مايس/أيار تحمل الجيش العراقي ضربات قاسية وهزائم متعاقبة , رغم المقاومة الكبيرة التي أبداها الجنود وصغار الضباط.
انتهت الحركة الانقلابية بمغادرة مجموعة القيادة العسكرية والسياسية البلاد , وخاصة القيادة الحزبية التي قادت العملية سياسيا وعسكرياً وكانت تقف على رأس الحركة أثناء العمليات العسكرية بين القوات البريطانية والقوات العراقية. وعقد آخر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة رشيد عالي الگيلاني في 27 مايس/أيار من عام 1941 , ثم صدر عنه القرار رقم س 3646 بتاريخ 28/5/1941 القاضي بتشكيل "لجنة الأمن الداخلي في العاصمة والطوارئ" , حيث تم انتخاب أمين العاصمة رئيساً لها , وهي التي وقعت اتفاقية الهدنة مع القوات البريطانية والتي بدأت مفاوضاتها لوقف زحف القوات البريطانية على بغداد والتي تمت في 31/5/1941. وفي التاسع والعشرين من مايس/أيار غادر رشيد عالي الگيلاني بغداد , وكذلك المفتي باتجاه إيران. ويبدو أن آخر من غادر العراق من المجموعة القيادية كان السياسي البارز والمتميز في الحركة الانقلابية ووزير الاقتصادي يونس السبعاوي. إذ أنه واصل العمل في بغداد وأعلن نفسه حاكماً عسكرياً لمنطقة بغداد والمنطقة الجنوبية , وطالب باستمرار المقاومة للقوات البريطانية. ولكن لجنة الأمن الداخلي استطاعت إقناعه بعدم جدوى المقاومة وطلبت منه مغادرة البلاد باتجاه إيران . بدأت بعدها بمفاوضة القوات البريطانية على الاستسلام. وعلى أثر ذلك حلت كتائب الشباب , ومنها مجموعة الدفاع عن السبعاوي (حرس السبعاوي-الفدائيون) . وجدير بالإشارة أن السبعاوي عمد إلى تشكيل ثلاث منظمات شبابية شبه عسكرية لحمايته والدفاع عن الحركة الانقلابية والتصدي للقوات البريطانية الزاحفة صوب بغداد , وهي "كتائب الشباب" و "الحرس الحديدي" و"فدائيو يونس السبعاوي" .
أعلن في بغداد عن انتهاء الانقلاب وسيطرة القوات البريطانية على بغداد وعموم العراق وعودة عبد الإله إلى العاصمة. وبدأت عملية تقديم المسؤولين عن الحركة , بعضهم كان ما يزال في بغداد وبعضهم الآخر كان قد غادرها , إلى المحاكمة , حيث حكمت على المسؤولين المباشرين بالإعدام , وهم العقداء صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان , وفيما بعد , كامل شبيب , ثم يونس السبعاوي , حيث نفذ الحكم بهم في أوقات مختلفة. وحكم بالإعدام على رشيد عالي الگيلاني الذي لجأ إلى السعودية وبقي فيها ونجا من الموت . كما أصدرت المحكمة أحكاما أخرى بالسجن لفترات مختلفة على عدد غير قليل ممن اتهموا بمشاركتهم بالحركة الانقلابية أو بسبب تأييدهم لها ودفاعهم عنها , علماً بأن الاعتقال والتقديم إلى المحاكمة قد شمل أشخاصاً كانوا لا يمتون إلى التيار السياسي القومي مباشرة أو ممن شارك في أحداثها فعلياً .
وقبل مغادرته العراق نظم يونس السبعاوي , كما تشير إلى ذلك الكثير من المعلومات , واسمه الحزبي كان "فرهوداً" الفرهود ضد اليهود في بغداد والذي وقع في العشار (البصرة) أيضاً.

تقييم حركة شباط - مايس عام 1941
تساعد الوثائق التي توفرت منذ ذلك الحين حتى الوقت الحاضر على إعطاء تقييم أكثر واقعية وموضوعية عن نشوء وتطور هذه الحركة القومية التي تميزت بتعقيدات وتشابكات كثيرة وملابسات غير قليلة وعن تغيرات في إيديولوجيتها ومراميها السياسية , وكذلك حول مواقف القوى المختلفة بشأنها. فلم تكن المجموعة العسكرية والسياسية التي تشكلت منذ منتصف أو حتى قبل ذاك متجهة للقيام بانقلاب عسكري , وكانت تسعى للاستفادة من النخبة الحاكمة التي كانت متنوعة الاتجاهات والأغراض والمصالح لصالح وجهتها الفكرية والسياسية القومية ولصالح قضية تحرر العراق من ربقة الاستعمار البريطاني ومن أجل تحرير فلسطين وسوريا وتأمين اتجاهات جديدة صوب الوحدة العربية. وكانت تجد في النظام القائم نظامها السياسي المطلوب مع ضرورة تعزيز الاتجاهات المناهضة لبريطانيا , إذ كانت تحتل مواقع مهمة في قيادة الحكم وفي القوات المسلحة. كما كانت لها علاقات حميمة مع عدد كبير من أقطاب النخبة الحاكمة والبلاط الملكي. ولكن هذه القوى فوجئت بالانقلاب الثلاثي العسكري الذي نظمه وقاده الثلاثي الفريق بكر صدقي واللواء عبد اللطيف نوري وحكمة سليمان , وبدعم وتنسيق مباشرين من جماعة الأهالي. وإزاء هذا الوضع قررت التعاون مع قوى عديدة للخلاص من هذا الانقلاب وتقريب وجهات النظر في ما بين النخب الحاكمة , وكانت هي جزء منها. وتحقق للمجموعة العسكرية من الجماعة القومية بعد انهيار انقلاب بكر صدقي مركزاً قويا في السياسة العراقية ودورا وتأثيرا مباشرين على تكوين الحكومات المختلفة. واندفعت هذه المجموعة , وهي ترى كيف تتآمر بريطانيا على فلسطين وما تقوم به فرنسا في سوريا ولبنان أو في المغرب العربي , نحو تبني اتجاهات قومية أكثر تطرفاً وميلاً متزايداً نحو اليمين , إذ بدأت ترى في ألمانيا الهتلرية نصيراً لها في النضال ضد بريطانيا منطلقين من موقعين هما: الجانب الفكري والجانب السياسي التكتيكي القائل "عدو عدوي صديقي". وتجلى هذا الاتجاه في عملية التثقيف الدؤوبة التي مارسها نادي المثنى بن حارثة الشيباني في بغداد , وكذلك الكتب والكراريس التي أصدرتها للتثقيف القومي والتكوين العسكري. وتفاقم هذا الاتجاه بعد مجيء الحاج محمد أمين الحسيني إلى بغداد. وكانت للمفتي قبل أن يصل إلى بغداد علاقات متينة مع ألمانيا , إذ كان يهدف من وراء تلك العلاقة إيجاد قوة دولية قادرة على مساندة موقفه المناهض للصهيونية وأهدافهم في فلسطين , وضد بريطانيا المتحالفة مع الصهيونية العالمية والعاملة على تحقيق هدف الصهيونية بشكل حثيث. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية كان موقف هذه القوى القومية أكثر وضوحاً في رفضها تقديم أي شكل من أشكال الدعم لبريطانيا , كما كانت تسعى إلى عرقلة ما يمكن أن يقدمه العراق لمساندتها في الحرب ضد ألمانيا وإيطاليا وفق معاهدة 1930. وكان هذا الموقف كافياً لإثارة بريطانيا والتحري عن سبل للخلاص من هؤلاء.
تبنت القوى القومية في العراق تدريجا فكر ومواقف الحاج أمين الحسيني , وكانت الأرضية في فكر وممارسات هذه المجموعة العسكرية والمدنية متوفرة. وكان طبيعياً أن تعتمد في نشاطها على تشكيل حزب سياسي قومي يشرف على نشاطها فكرا وسياسة وممارسة يومية. وتأسس هذا الحزب على أساس فكر "قومي اشتراكي" يميني , أي باتجاهات فاشية ملموسة. وترأس هذا الحزب الأب الروحي للحركة القومية العربية في فلسطين الحاج أمين الحسيني , مفتي الديار الفلسطينية. وبمرور الزمن تعززت أواصر هذه المجموعة واتجهت للاستفادة من علاقات المفتي الحسيني مع الدولة الألمانية الهتلرية لتأمين مصالح العرب في العراق وفلسطين وسوريا ولبنان , وفي ضوء ذلك نشأت علاقات مباشرة بين الجماعة القومية , أو حزب الشعب والألمان على المستويات الدبلوماسية والحزبية والإعلامية. وحسب أقوال ناجي شوكت , وكان وزيراً للدفاع في وزارة رشيد عالي الگيلاني وقام بتنشيط العلاقة الدبلوماسية المباشرة مع سفير ألمانيا في تركيا فون بابن باقتراح وتشجيع من المفتي , أقيمت قبل ذاك صلة لاسلكية بين المفتي وبرلين في دار شفيق الحداد , إضافة إلى نشاط الإذاعة العربية في برلين والموجهة للمنطقة العربية , حيث لعب جهاز الإذاعة , ومعه المذيع يونس بحري , دور الداعية المروج للأفكار والسياسات الألمانية في الدول العربية والمحبذ للاتجاهات النازية في العراق والدول العربية , والمحرك للفعاليات المناهضة لبريطانيا وفرنسا والداعي إلى معاداة اليهود والسامية في المنطقة العربية.
يؤكد محمود شبيب , في كتابه الموسوم "محمود سلمان طريق المجد إلى أرجوحة الأبطال" , الجهود التي بذلتها حكومة رشيد عالي الگيلاني من أجل عقد اتفاقية سرية بين العراق وكل من ألمانيا وإيطاليا تدعم نضال العرب في سبيل الحرية والاستقلال وتقف على الحياد في الحرب بين الحلفاء والمحور , إذ كتب , مستنداً في ذلك إلى وثائق إنكليزية وعربية وألمانية , يقول: "واقترحت الحكومة العراقية عقد اتفاقية سرية بينها وبين الحكومتين الألمانية والإيطالية , توضع فيها جميع تفاصيل التعاون الودي المنشود , وأن تلتزم الدول العربية الأخرى التي سيعلن عن استقلالها جانب الحياد التام , وجرى إخبار الألمان أنه جرى الإعداد لانتفاضة مسلحة في شرق الأردن وفلسطين وأنه ينبغي تزويدها بالأسلحة من جانب إيطاليا من مخازن الجيش الفرنسي في سوريا , إذ تولت إيطاليا تنفيذ الهدنة مع فرنسا في سوريا ولبنان , وأوضحت اللجنة أن الانتفاضة المتوقعة بحاجة إلى 30000 جنيه إسترليني من الذهب شهرياً أبدت استعدادها لتوفير 10000 منها بينما وقع على الألمان عبء تزويد الثلثين الآخرين , وفي النهاية جاء في المقترحات: "أنه إذا فسرت إنگلترا الحيلولة دون مرور القوات الإنگلو-هندية أو إرسال وزير ألماني إلى بغداد على أنه استفزاز وردّت على ذلك باستخدام القوة , فأن العراق مستعد للدفاع عن حياده ضد أنگلترا بجميع السبل. إن الحكومة العراقية مستعدة للسماح بأن يدخل بلادها جميع الوكلاء أو الخبراء الألمان اللازمين لهذا الغرض. ومن المحتمل أنه سيكون من قبيل الحكمة إذا هم قدموا , في الوقت الراهن , بجوازات سفر محايدة" .
ومن هنا يتبين أيضاً بأن قيادة الحركة كانت قد قطعت شوطاً بعيداً بتأييد الألمان , إذ كلما حاولت القوى العراقية الحليفة لبريطانية الضغط على الوزارة لاتخاذ إجراءات مناهضة لألمانيا , كانت تعمد الحكومة العراقية إلى تعزيز علاقاتها بالألمان. وتسبب هذا الواقع لا في نشوء خندق عريض يفصل بين الجانبين , بل تبلور على الساحة السياسية في العراق معسكران متقاطعان: معسكر القوى الراغبة في التحالف مع ألمانيا والساعية إليه , ومعسكر القوى المتحالفة أصلاً مع بريطانيا. وفي هذا الصراع أجبرت الكثير من القوى المناهضة للفاشية وألمانيا أن تتخذ إما موقف الحياد من المجموعتين أو حتى تأييد وزارة رشيد عالي الگيلاني بسبب التأييد الجماهيري الواسع لحكومة رشيد عالي الگيلاني بسبب مناهضته لبريطانيا ودعوته المبطنة للخلاص من الهيمنة البريطانية. ولعبت السياسة والدعاية الألمانية الخبيثة الداعية إلى استقلال العرب ووحدتهم وإلى التخلص من السيطرة البريطانية والفرنسية على الدول العربية وكراهية اليهود , إضافة إلى المشكلة الفلسطينية , دورا مهما في تأمين ذلك التأييد. كتب محمد مهدي كبه , وكان في حينها نائباً لرئيس نادي المثنى , حول موقف القوميين من ألمانيا والسبب وراء تعاون الحكومة الگيلانية الانقلابية معها يقول , وفق ما جاء في كتاب عبد الله الجيزاني: "لقد تولدت لدى العرب قناعة بأن انتصار ألمانيا في تلك الحرب سيؤدي حتماً إلى القضاء على مشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين , وسيتحقق حينئذٍ انتشال فلسطين من أنياب الصهيونية العالمية والاحتفاظ بعروبتها كما كانت منذ آلاف السنين , فاتجهت مشاعر العرب وخواطرهم نحو ألمانيا , وتمنوا لها الانتصار في الحرب على دول الحلفاء , وكانت جميع العناصر القومية والوطنية في العراق , تشعر بهذا الشعور كما تشعر به البلاد العربية الأخرى ومن جملتهم ضباط الجيش الأحرار" . وكان محمد مهدي كبه على حق حين قال بأن بقية القوى الوطنية كانت هي الأخرى مؤيدة للانقلاب ومساندة بهذا القدر أو ذاك لإقامة تلك العلاقات مع ألمانيا. فالحزب الوطني منح تأييده لرشيد عالي الگيلاني لا بسبب مواقفه من ألمانيا الفاشية , بل بسبب مواقفه من بريطانيا حيث نقل محمد جعفر أبو التمن هذا الموقف إلى رئيس الوزراء حينذاك . وكان موقف الحزب الشيوعي العراقي لا يختلف كثيراً عن موقف الحزب الوطني , إذ أصدر الحزب بياناً ربط مدى تأييده للوزارة الگيلانية بما ستقوم به من إجراءات , ولكنه لم يؤيد إقامة العلاقات مع ألمانيا , وفق ما ورد في بيان الحزب حينذاك. وكشف السير ونستون تشرشل , رئيس وزراء بريطانيا في سنوات الحرب , عن المعلومة المهمة التالية , وأهميتها تكمن في فهم موقف ألمانيا من جهة , ورد الفعل البريطاني على هذا الموقف في العراق من جهة أخرى: "كانت الأوامر الصارمة التي تلقاها الجنرال الألماني فلمي في بغداد من هتلر مؤرخة في 23 أيار , وهو التاريخ الذي دفن فيه أي أمل لتدخل المحور. تعليمات هتلر رقم 30 "الشرق الأوسط" عن المقر العام 23 أيار 1941.
"إن حركة حرية العرب في الشرق الأوسط هي حليفتنا الطبيعية ضد بريطانية. وعليه فإن قيام الثورة في العراق له أهميته الخاصة. إن ثورة من هذا القبيل ستمتد عبر الحدود العراقية لتؤازر الجيوش المعادية لإنگلترا في الشرق الأوسط فتعرقل خطوط المواصلات البريطانية وتشل القوات البريطانية وطاقة الشحن البحري البريطاني فتؤثر تأثيراً سيئاً على الميادين الحربية الأخرى ولهذا قررت دعم الحركات في الشرق الأدنى وتوسيعها , وذلك بمد يد المساعدة للعراق. أما الإمكانية والشكل الذي يتم به تحطيم وضع البريطانيين بصورة نهائية بين البحر المتوسط وخليج فارس استناداً إلى هجوم ضد قنال السويس فأمر لا يزال بيد الإله" . إن هذه المعلومات عجلت من هجوم بريطانيا على القوات العراقية , حيث بدأ في 27 من أيار/مايس عام 1941 .
بادرت الحكومة العراقية وقادة حزب الشعب أو اللجنة السرية إلى اتخاذ عدد من الإجراءات لتأمين مواجهة فعالة ضد القوات البريطانية , ومنها:
• تعبئة الرأي العام العراقي والعربي والجيش العراقي ضد بريطانيا والقوات البريطانية لمواجهة مختلف الاحتمالات.
• طلب الحصول على أسلحة لتسليح الجيش العراقي من ألمانيا وإيطاليا , إضافة إلى استمرار محاولتها للحصول على أسلحة من بريطانيا وفق معاهدة 1930.
• طلب الحصول على دعم عسكري من جانب ألمانيا لمواجهة القوات البريطانية في العراق , وكانت ألمانيا وإيطاليا قد بدأتا بتأمين أولي لذلك , ولكنهما عجزتا عن الاستمرار به.
• المماطلة قدر الإمكان مع بريطانيا باتجاه كسب الوقت وعدم الموافقة على تقديم التسهيلات لقواتها في العراق.
ولكن كما بدا واضحاً لم تكن كافية لتحقيق ما كان يصبوا إليه الانقلابيون. كما لم يكن الموقف الذي اتخذته القوى الديمقراطية صائباً إزاء تلك الحركة ليس بسبب طبيعتها المغامرة , بل كان المفروض أن يكون انقلاب بكر صدقي العسكري درساً لها ترفض خوضه ثانية أو تأييد القائمين به. فعلى أساس المعطيات المتوفرة عن طبيعة الحرب العالمية الثانية , التي كان يفترض أن تكون منذ البدء واضحة للقوى الديمقراطية , يمكن القول بما يلي:
1. لم تكن الحركة القومية العربية اليمينية المتطرفة عادلة في موقفها من الحرب العالمية الثانية , بسبب طبيعة الحركة من جهة وطبيعة ألمانيا من جهة أخرى , إضافة إلى طبيعة الحرب من جهة ثالثة. وكان يفترض أن يكون هذا الموقف قائماً حتى قبل غزو ألمانيا للاتحاد السوفييتي ودخوله الحرب طرفاً فيها , إذ أنها كانت حرباً استعمارية ذات عقيدة شوفينية وعنصرية- فاشية وعسكرية مقيتة من جانب ألمانيا ومعها كل من إيطاليا الفاشية واليابان العسكرية للاستحواذ على العالم واستغلاله واستعباده لصالحها. وبالتالي فهي كانت حرب مقاومة لتلك السياسات الاستعمارية الألمانية بشكل خاص من جانب الدول الأخرى , بغض النظر عن طبيعتها الرأسمالية أو الاستعمارية , إذ كان النضال ضدها قد قطع شوطاً مهماً وحقق مواقع طيبة للقوى الديمقراطية في مختلف البلدان , ومنها العراق , رغم المصاعب التي كانت تواجه المناضلين وحركات التحرر الوطني حينذاك.
2. وإذا كان لهذه الحرب أن تنهي السيطرة الاستعمارية البريطانية على العراق أو بعض الدول العربية , كما تصورها القوميون , وربما كثرة من الوطنيين أيضاً , فأن ألمانيا كانت تريد في الواقع العملي إخضاع كل الشعوب للسيطرة الاستعمارية الألمانية وتحت هيمنتهم العنصرية , إضافة إلى هيمنة يابانية وإيطالية في مواقع أخرى من العالم.
3. وكانت القيادة القومية تخوض لعبة خطرة وغير مدركة لطبيعة المعركة وميزان القوى على الصعيدين الداخلي والعربي وكذلك على الصعيد الدولي , وبالتالي , عجزت عن فهم المتغيرات وزجت بالعراق في معركة غير متكافئة وغير عادلة في آن واحد , رغم أن النضال ضد الحكومات المتعاقبة وضد الهيمنة البريطانية كانت في جوهرها عادلة ولكنها ليست بالأهداف والوسائل والقوى التي تمت بها هذه المعركة , وكان الفشل مطروحا منذ البدء.
4. وزاد في الطين بلة واقع الفقر الفكري والسياسي وقلة الخبرة الدبلوماسية للقائمين بالحركة وعدم التمييز بين المصلحة العراقية والمصالح العربية بما يساعد في أن تكون الأولى في خدمة الثانية. وكانت حركة مغامرة وانقلاباً عسكرياً لا يختلف من حيث المبدأ عن الانقلاب الذي سبقه , والذي فقد بوصلة النضال الوطني , وإذا كان الأول قد ارتدى زياً ديمقراطياً ويسارياً ثم كشر العسكر عن أنيابهم العسكرية اليمينية والاستبدادية بعد فترة وجيزة وارفضاض الوطنيين عنه , فأن الانقلاب الثاني قد ارتدى لبوساً معادية للإنكليز وضد التوسع في تفسير معاهدة 1930 لصالح بريطانيا واستخدام القوات البريطانية لقواعدها العسكرية في العراق , ولكنه سرعان ما كشف عن طبيعته القومية اليمينية المتطرفة ونزعات بعض عناصره الفاشية والمناهضة للديمقراطية , كما أن بعض قوى الانقلاب كانت متواطئة مع دول المحور , وخاصة مع ألمانيا وإيطاليا بشكل لا يقبل التأويل.
5. ولم يكن التأييد الذي حصل عليه انقلاب مايس عام 1941 من القوى السياسية الوطنية العراقية تأييدا يستند إلى العقل والوعي بالظروف القائمة حينذاك , بقدر ما عبر عن عاطفة متهيجة مناهضة للاستعمار البريطاني الذي أذاق الشعب العراقي مرارة الاحتلال والدوس على الكرامة والتدخل الفظ في الشؤون الداخلية وفرض مصالحه عليه منذ دخول قواته العسكرية إلى العراق في أثناء الحرب العالمية الأولى.
6. ولم تكن الحركة القومية في كل الأحوال معادية للعائلة المالكة أو للدولة الملكية في العراق , بل كانت ترتبط بهذا القدر أو ذاك بروابط التحالف مع عائلة الشريف حسين , شريف مكة , وتريد استمرار التعاون معها واستمرار وجود العراق تحت السيطرة الهاشمية. وهذا الاتجاه يبدو بوضوح كبير في الموقف من الوصي على العرش , عبد الإله في المهمات العشر التي التزمت بها الجماعة كما وردت في كتاب الصباغ , رغم أن القوميين كانوا يدركون مدى ارتباط عبد الإله بالإنكليز.
توجت القوى القومية اليمينية المتطرفة وبعض الأوساط الشعبية غير الواعية سياسياً , التي كانت على صلة مباشرة أو غير مباشرة بقوى الانقلاب , أي تلك القوى التي تأثرت كثيرا بالدعاية الفاشية في العراق والتي أصابتها خيبة انهيار الانقلاب وعودة قوات الاحتلال البريطانية للسيطرة الكاملة على العراق وتوقيع العراق على اتفاقية الهدنة , بعملية إجرامية منظمة , شرسة وبشعة انطلقت في الأول من حزيران عام 1941 ضد المواطنات والمواطنين اليهود في ما سمي فيما بعد بواقعة "الفرهود" . وكان المشاركون في عملية الاعتداء العنيف وممارسة الفرهود , أي السلب والنهب ضد العوائل والمحلات والمصالح اليهودية في العراق , يهزجون في شوارع بغداد "حلو الفرهود كون يصير يومية" , وكذلك أثناء قتل اليهود ونهب وسلب بيوتهم وحوانيتهم وإشعال الحرائق فيها. ولم تكن جمهرة من الجنود وحدها وراء هذه العمليات الإجرامية فحسب , بل وبعض الشرطة والمدنيين وبتأييد من بعض الضباط وبعض رجال السياسة من المعسكر القومي الشوفيني , إضافة إلى كتائب الشباب التابعة للحركة الانقلابية. وجاء في تقرير لجنة التحقيق الحكومية عن الخسائر التي وقعت في يومي 1 و2 حزيران/يونيو 1941 ما يلي: "أما جميع القتلى فبالنظر لما جاء في إفادة حاكم التحقيق أنهم مائة وعشرة , بضمنهم ثمانية وعشرين امرأة , وهم من إسلام ويهود , ولم تعرف هويات قسم كبير منهم. وأما الجرحى فكانوا مائتين وأربعة , وهم كذلك من الإسلام واليهود. أما رئيس الطائفة فيدعي بأن القتلى والجرحى أكثر من ذلك". كما يبدو من التقرير وحسب قول رئيس الطائفة الموسوية في العراق "بأن الحوانيت والمخازن المنهوبة عددها خمسمائة وستة وثمانين محلاً , وأن ثمن ما نهب يبلغ (271402) ديناراً. ويدعي أن الدور المنهوبة عددها (911) وتقطن هذه الدور (3395 عائلة , ومجموع أفرادها (12311) نسمة , وأن الضرر الذي لحقهم يبلغ (383878) دينارا" . ويلاحظ هنا أن التقرير يدمج بين عدد القتلى والجرحى من المسلمين ومن اليهود لا لأنه لا يميز بين المواطنين , بل ليغطي في واقع الأمر على حقيقة أن النسبة العظمى من القتلى والجرحى كانت من المواطنين اليهود في هذه الجريمة البشعة.
رابعاً: العوامل الكامنة وراء فشل انقلاب شباط - مايس 1941
كانت كثرة من الدلائل تشير منذ البدء إلى أن الحركة الانقلابية للقوى القومية اليمينية , بما فيها القوى المتطرفة , التي قام بها التنظيم السياسي الجديد في العراق , حزب الشعب أو اللجنة السرية بقيادة الحاج محمد أمين الحسيني , غير قادرة على تحقيق النصر في العراق لأسباب كثيرة , رغم التأييد الواسع نسبياً الذي حظيت به الحركة من الأوساط الشعبية المختلفة في العراق ومن بعض القوى السياسية العراقية من غير القوميين , إضافة إلى الدعم الشعبي على النطاق العربي. وسنحاول في أدناه الإشارة إلى بعض أهم تلك العوامل , سواء أكانت الداخلية منها أم العربية أم الدولية:
• كانت قوى الانقلاب جزءا من النظام السياسي العراقي القائم التي ساهمت بفعالية في مختلف الوزارات التي تشكلت قبل ذاك , وبالتالي لم تكن في حركتها الانقلابية ذات مصداقية بما يمس عملية التغيير المنشودة بالنسبة للمجتمع العراقي. كما أن الحركة أوجدت انشطاراً في القوى الحاكمة , إذ كانت الغالبية العظمى من السياسيين ضد الحركة بغض النظر عن التصويت الذي جرى في مجلس النواب لتغيير شخص الوصي عبد الإله وتنصيب الشريف شرف مكانه , إذ أنها صوتت بعد سقوط الحركة وبالإجماع تماماً ضد الانقلاب.
• لم تكن الحركة تعبيرا عن استقطاب اجتماعي وسياسي واقتصادي داخلي , وبالتالي حاجة داخلية فعلية , بقدر ما كانت معبرة عن رغبات الحاج محمد أمين الحسيني لتسلم الحكم والتحالف مع الدولة الهتلرية , إذ أن الظروف الموضوعية والذاتية لاستمرار العملية لم تكن مواتية في كل الأحوال , رغم نجاحها المؤقت في تسلم الحكم. ولم يكن تسلم الحكم من جانب الانقلابيين ومغادرة الوصي إلى خارج العراق التعبير الفعلي عن ضعف النخبة الحاكمة , بل كان مؤامرة لإسقاط الانقلاب ووضع الحكم وجهاً لوجه مع بريطانيا ومع تنفيذ بنود معاهدة 1930.
• لم تكن موازين القوى العسكرية مؤهلة لأي مقاومة فعلية للقوات البريطاني , رغم أنها لم تكن تمتلك قوات كافية في العراق , ولكنها كانت تمتلك الأسلحة والتدريب الجيد والانضباط العسكري والوحدة في الموقف , وكانت أغلبها مفقودة في الجانب العراقي.
• ورغم حصول تأييد للانقلابيين من الشارع العربي , فأن الحكومات العربية كلها كانت ضد الانقلاب ولم يحصل على تأييد أو اعتراف به من جانب تلك الحكومات ولا من الدول المجاورة. وكان الحكم مطوقا بدول وقوات معادية له.
• ولم تعترف دول العالم عملياً بالحكم الجديد في ما عدا العلاقات مع دول المحور وإقامة علاقات مع الاتحاد السوفييتي في أيار/مايس من عام 1941 والتي لم تكن ذات نفع كبير للانقلابيين.
• ويبدو أن الاختلاف والصراع والتردد داخل القيادة العسكرية والمدنية قد لعب دور في سرعة انهيار الحركة , خاصة وان القياد العسكرية والمدنية كانت أول من يَمَمَ وجهه صوب الخارج للنجاة بنفسه وترك القوات العراقية تقاتل دون قيادة فعلية من قادة الانقلاب الأساسيين. وكان لهذا رد فعل ملموس في القوات المسلحة , إضافة إلى أن بريطانيا قد حظيت بتأييد الدول العربية ودول العالم في معاركها ضد العراق وإسقاطها للانقلابين.
• ولا شك في أن انكشاف أهداف الانقلابيين وأيديولوجيتهم القومية اليمينية المتطرفة والفاشية المساندة لدول المحاور والمتحالفة بصيغة ما معها قد منع عن الانقلابيين التأييد الدولي , كما حرمها تدريجاً من بعض التأييد الفعلي الداخلي.
• عجز الدولة الألمانية والدولة الإيطالية عن تقديم الدعم العسكري الذي كان الانقلابيون بحاجة إليه , إذ كانت القوات الألمانية والإيطالية تواجه مصاعب كبيرة في أفريقيا وعلى الجبهتين المصرية والليبية.
لهذا الأسباب وغيرها كان الانهيار سريعاً والعواقب على قادة الانقلاب شديدة الوطأة وخاصة العسكريين منهم.
ومن المفيد هنا أن نشير على رأي أحد قادة الحركة الديمقراطية في العراق والحزب الوطني الديمقراطي الأستاذ الراحل محمد حديد حول طبيعة قيادة حركة الضباط في العام 1941 وحكومة رشيد عالي الكيلاني حيث كتب في كتابه الموسوم "مذكراتي , الصراع من أجل الديمقراطية في العراق" ما يلي:
"حين تأزم الوضع بين العراق وبريطانيا , وألف الكيلاني ما سمّي حكومة الدفاع الوطني , أجمعت الأطراف الوطنية كافة على تأييد الحكومة العراقية في موقفها من المطالب البريطانية التي تمس السيادة الوطنية. وقد كان موقف "جماعة الأهالي" منسجماً مع هذا الاتجاه العام , مع علمنا الذي يستلزم التحفظ , بأن ضباط الجيش الذين هم القوة المحركة لموقف الحكومة العراقية في تلك الأزمة , كانوا مؤيدين لقوى المحور (ألمانيا وإيطاليا) , ليس من الناحية العسكرية فحسب , بل أيضاً من الناحية السياسية والعقائدية. أو بكلمة أخرى , كانوا فاشستيين في النهج. وأن أي نظام سياسي يقيمونه لا بد أن يكون شديد الوطأة على الحريات العامة والنظام الديمقراطي" .
إزاء هذا الانقلاب , الذي اعتبره الجلبي بعد مرور أكثر من 67 سنة عليه انقلاباً وطنياً أخطأ في قضية واحدة هي ارتباطه بالجيش , في حين أثبتنا بأن الحركة بدأت بالقوات المسلحة. وفي حينها لم يمنح الأستاذ كامل الجادرجي تأييده لهذا الانقلاب , كما لم أعثر على موقع يؤيده أو يقف ضده. ولكن المعروف عن الجادرجي أنه كان ضد الفاشية والنازية وكتب الكثير عن مناهضته لها , وبالتالي لا يمكن أن يكون إلى جانب انقلاب عسكري يربط العراق بألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان العسكرية , في وقت يخوض العالم نضالاً ديمقراطياً ضدها.
8/7/2008 كاظم حبيب
ملاحظة: كان المفروض أن تكون هذه هي الحلقة الخامسة والتي قبلها أن تكون الحلقة السادسة , ولكن بسبب تأخر انتهائي من هذه الحلقة أصبحت الحلقة السادسة.
انتهت هذه الحلقة وستليها الحلقة السابعة.



**********************
نقاشات فكرية وسياسية مع السيد الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث العراق التاريخية وحول دور ومكانة الأستاذ الراحل كامل الجادرجي في الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية 7
كاظم حبيب

الجادرجي والحركة الوطنية والديمقراطية في العراق
حين يكتب تاريخ العراق في القرن العشرين سوف لن يكون في مقدور أي باحث تجاوز مجموعة من الشخصيات السياسية العراقية التي لعبت دوراً كبيراً في الحياة السياسية العراقية , سواء أكان هؤلاء من أركان الحكم العراقي في العهد الملكي والعهود اللاحقة , أم كانوا من أركان المعارضة السياسية العراقية. وإذ يحتل عبد الإله بن علي ونوري السعيد وصالح جبر وسعيد قزاز وخليل كنة والجمالي والسويدي ورشيد عالي الگيلاني وأحمد حسن البكر وصدام حسين , موقع الصدارة في قائمة النخبة الحاكمة على سبيل المثال لا الحصر , سيحتل محمد جعفر أبو التمن وكامل الجادرجي ومحمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم وحسين جميل ويوسف سلمان يوسف (فهد) وكامل قزانجي وعزيزي شريف وملا مصطفى البارزاني وإبراهيم أحمد ومحمد مهدي كبة وفائق السامرائي وصديق شنشل وحسين الرضي (سلام عادل) والحيدري , على سبيل المثال لا الحصر , الصدارة في قائمة الشخصيات السياسية المعارضة في العراق. ولم يكن هذا الدور الذي لعبه كل طرف بإرادته حسب , بل وبسبب الأوضاع التي سادت البلاد في القرن العشرين. فلا يمكن أن يؤخذ على إنسان وقف في صف المعارضة العراقية على امتداد عمره الطويل , مع استيزار لمرة واحدة مثلاً , أنه كان يرغب في المعارضة من أجل المعارضة , إذ أن مثل هذا التفسير للواقع النضالي لقوى المعارضة يجانب الحقيقة والصواب.
كتب الدكتور فاضل الجلبي منتقدا الأستاذ كامل الجادرجي بما يلي : " وهكذا قضي الجادرجي حياته السياسية بالمعارضة السياسية من أجل المعارضة دون أن يسهم بأي مساهمة ايجابية في العملية السياسية في العراق لا في العهد الملكي ولا الجمهوري ..." (خط التشديد من عندي , ك. حبيب). (راجع: فاضل الجلبي. دور خلافي للجادرجي في ثورة تموز العراقية". هذا القول ليس فقط غير منصف وغير واقعي , بل متحيز ويحاول الإساءة المباشرة لمن لعب دوراً إيجابياً كبيراً في السياسة العراقية وفي النضال من أجل الحرية والديمقراطية.
لم يكن السياسي كامل الجادرجي شخصية سياسية يمثل نفسه فقط , رغم امتلاكه للاستقلالية الفكرية والسياسية , سواء أكان عضواً في القيادة أم على رأس الحزب , بل كان ولفترات طويلة من حياته السياسية يمثل حزباً سياسياً , سواء أكان ذلك قبل أو بعد التحاقه بجماعة الأهالي , أم في الفترة التي أعقبت تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي. وكان لهذا الحزب برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتعليمي والثقافي على الصعيد الداخلي , إضافة إلى احتواء البرنامج على أهداف الحزب في السياسة العربية والإقليمية والدولية على الصعيد الخارجي. وكأي حزبي ديمقراطي يفترض أن يلتزم بما يتقرر في الحزب في الموقف من الحكومة وبرنامجها وسياستها. وقد شارك الحزب الوطني الديمقراطي بأكثر من وزير في الحكومات التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية حين توفرت فرصة لذلك , أو حين شارك الحزب الوطني الديمقراطي في حكومة قاسم وكان يتمنى أن يتم التغيير والتحول من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية في الحكم. وحين فقد الأمل بذلك , قرر اتخاذ موقف المعارضة للحكم وعدم المشاركة فيه , ولكنه لم ينشط للإطاحة بنظام حكم قاسم , وبقى يمارس النقد أينما تسنى له ذلك. ولكي يبرهن الدكتور الجلبي على أهمية ما اتخذه قاسم من إجراءات من جهة , والبرهنة على معارضة الجادرجي الدائمة لقاسم بالرغم من كل تلك الإنجازات من جهة ثانية , أورد المقطع التالي:
" عينا الجادرجي لم تر جوانب ايجابية كثيرة في حكم عبد الكريم قاسم ففي الوقت الذي انصف الفقراء سكنة الصرائف المسحوقين اجتماعيا غضب فقد وفر الاجواء والتشريعات لخدمة وتشجيع البرجوازية الوطنية الصناعية والتجارية. ان بناء مدينة الثورة وإنقاذ الفقراء بمنحهم بيوتيا ومدارس ومستشفيات تجعل منهم بشرا بعد ان كانوا يعيشون دون البشر وجعل منهم قوة عاملة فعالة في التطور الاقتصادي والاجتماعي، ان ذلك البناء يمثل انقلاباً اجتماعياً بجانب الغاء الاقطاع وبنفس الوقت اصدر الكثير من التشريعات لتشجيع الصناعة والتجارة خاصة عن طريق تعريق الشركات والبنوك وشركات التأمين الاجنبية وطرح اسهمها للجمهور لاجل الاكتئاب الفردي وتقديم التسهيلات المصرفية بحيث حدثت طفرة اقتصادية كبيرة خلال السنوات الاربع التي سبقت مأساة 8 شباط 1963. هناك امور ايجابية كثيرة في ذلك العهد لم تكن تهم الجادرجي الذي لم يساهم باي عمل بنائي من اجل المصلحة الوطنية سوي رفع شعار الديمقراطية الفارغ من محتواه دون ان يكون هو ديمقراطي في سلوكه كما اوضحت في مقالات الحياة آنفة الذكر. قبل اكثر من سنيتن. علي العكس من ذلك فأنه بسلوكه السلبي ومطالباته التعجزية البعيدة عن الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي ومهاجمته العهدين الملكي والجمهوري القاسي دون تفريق بين ما هو ايجابي وسلبي فيهما، لعب الجاردجي دوراً تخريبياً في الحياة السياسية في العراق مما ساهم بصورة كبيرة في إنهيار البلد ووصوله الي المستنقع الحالي" (فاضل الجلبي. نفس المصدر السابق).
ليس هناك من إنسان منصف يرفض ما قام به قاسم من إجراءات كثيرة في هذا الاتجاه , بما في ذلك القانون رقم 80 لسنة 1961 الخاص بالأراضي التي استعيدت من شركات النفط الأجنبية , لأن الجلبي كان ضد هذا القانون , كما أن الجادرجي لم يكن ضد تلك الإجراءات. ولكن الجلبي , وهو يدرك لماذا كان الجادرجي ضد ما كان يجري في البلاد , ولكنه يتغافل عن ذلك ويقلب القضية كأي مشوه للمواقف , حين كتب عن الجادرجي أنه لم يفعل شيئاً إيجابياً " .. سوى رفع شعار الديمقراطية الفارغ من محتواه دون أن يكون هو ديمقراطي في سلوكه". ألا يحق لنا أن نسأل: لماذا عارض الجادرجي المسألة المركزية في حكم قاسم , وليس تلك الإجراءات السياسية الصائبة؟ لقد عارض الجادرجي جملة من المسائل في فترة حكم قاسم التي أدت كلها في المحصلة النهائية إلى سقوط قاسم في انقلاب دمي شرير , وهي:
1. رفضه التحول إلى دولة تستند إلى دستور ديمقراطي علماني وحياة برلمانية حرة ونزيهة , دولة مؤسسات وقانون. وبالتالي توقف عن استكمال مهمة وضع الدستور الدائم للبلاد وتوقف عن التقدم وحل الركود الذي سبق الانقلاب.
2. رفضه تسليم الحكم إلى المدنيين وتحديد فترة للانتقال وضمان التطور السلمي والديمقراطي للبلاد. وبالتالي واصل الحكم بقيادته ولم يتخل عن ملابسه العسكرية.
3. لم يصدر التشريعات في ضوء الدستور لتنظم الحياة السياسية والاجتماعية وبعيداً عن القرارات الفردية والعفوية والمزاجية أو الإرادة الذاتية.
لقد كان قاسم إنساناً وطنياً ونزيهاً وصادقاً مع عقليته وأسلوب تفكيره , ولكن ليس مع ما يحتاجه الواقع العراقي حينذاك لإرساء أسس التقدم والتطور والثبات. لم يرس قاسم أسس نظام ديمقراطي في البلاد ولم يضع اللبنات الضرورية لمثل هذا النظام , بل اتخذ إجراءات طيبة ومهمة ولكنها تبخرت في لحظات , بسبب غياب الأساس المادي الذي تستقر عليه تلك السياسات والإجراءات , أي نظام حكم دستوري وديمقراطي.
لم يكن كامل الجادرجي وحده يطالب بذلك , بل كانت معه الكثير من القوى السياسية العراقية , بمن فيها الحزب الشيوعي العراقي , الذي طرح منذ البدء أهمية وضرورة إقامة حكم مدني دستوري وديمقراطي برلماني , ولكن في خضم الأحداث والصراعات هيمنت الرغبة في تحقيق المكاسب للناس على القضية المركزية في حكم قاسم , مخاطر الفردية في الحكم على مجمل الوضع في البلاد , إذ كان أكبر مكسب للمجتمع قد تحقق , لو كان قاسم قد أرسى أسس النظام السياسي الديمقراطي في العراق.
لم ينتصر الانقلابيون الدمويون في الثامن من شباط 1963 إلا بسبب غياب الحياة الديمقراطية والدستورية ولم تنفع الإجراءات التي نفذها في مساعدة الفقراء في إيقاف زحف الجراد الصفر على البلاد والتي أودت بحياة قاسم قبل غيره على أيدي أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن الديمقراطي والشعبي القح الدكتور فاضل الجلبي لم يجد في مطلب الأستاذ الجادرجي بإرساء أسس الحياة الديمقراطية ورفض الفردية في الحكم سوى الحب في المعارضة ومعاكسة قاسم , وليس التعبير عن التجربة الغنية التي اكتسبتها الحركة الوطنية العراقية طيلة سنوات النضال الجديد الذي بدأ مع تشكيل الحكم الوطني في العام 1921.
كلنا كنا نفرح حين كان قاسم يتخذ إجراءات إيجابية لصالح الشعب , سواء أكان في مجال النفط أم التصنيع أم التجارة أم التعاون مع الاتحاد السوفييتي أم إلغاء معاهدة 1930 أم غيرها من القضايا السياسية , أم كان ذلك في مجال بناء دور السكن والمستشفيات والمستوصفات في الأحياء الفقيرة , أم إيصال الماء الصالح للشرب أم الكهربا للريف أم في مجال التربية والتعليم ... الخ , ولكن فرحتنا ماتت أيها السيد الجلبي وتيبست بسمتنا على شفاهنا وجفت الدموع في مآقينا حين سقط قاسم وطاهر والجنابي وطه الشيخ أحمد والمهداوي مضرجين بدمائهم , وحين سقط سلام عادل والحيدري والعبلي وتوفيق منير ومتي الشيخ وصبيح سباهي والبراك وكاظم عبد الكريم والموسوي والمخموري والمئات من خيرة مناضلي العراق تحت التعذيب الهمجي , وحين تبخرت كل تلك المكاسب التي تحققت مع نجاح الانقلاب الأسود. والسؤال الذي يفترض أن يطرحه على نفسه كل إنسان صادق مع نفسه ومع شعبه ووطنه هو: ألم يكن السبب وراء ذلك تلك السياسة غير العقلانية التي مارسها قاسم والتي ابتعدت عن أي أفق في إقامة الحكم المدني الديمقراطي والدستوري في العراق , إضافة إلى أسباب أخرى؟ كم أتمنى أن يجيب كل منا ما يقرره ضميره وما يفترض أن يكون درساً للحاضر والمستقبل. لقد نجح الإرهابيون في القفز على دست الحكم لأن الفردية والعفوية والفوضى وغياب الدولة ومؤسساتها قد سيطرت على وضع البلاد , ولأن موت قاسم كان يعني انتهاء ذلك العهد , ولأن الديمقراطية والحياة الدستورية كانت غائبة حقاً. وكان قاسم أول ضحايا ذلك الوضع. ليس غريباً أن يتآمر مناهضو النظام , فهذا دورهم وديدنهم وهذه مهمتهم , ولكن الغريب حقاً هو أن يوفر المُستهدف للمتآمرين مستلزمات نجاح تآمرهم! وهذا ما حصل في العراق في أعقاب انتصار ثورة تموز بفترة وجيزة حتى نجاح المؤامرة والوصول بقطار أمريكي–بريطاني-فرنسي (شركات نفط أجنبية) إلى دست الحكم. وكان الثمن دماء ودموع الشعب ...
أتمنى على الدكتور فاضل الجلبي , وبعيداً عن معاكسته الفجة ورفضه لآراء ومواقف الأستاذ الراحل كامل الجادرجي , فالراحل الأبدي لن يسمع ما سيقوله أو يقرأ ما يكتبه الجلبي , وبعيداً عن المزايدة السياسية , أن يعيد النظر بما كتبه بشأن هذا الموضوع ويستعيد توازنه المفقود في البحث عن الحقيقة الغائبة عنه. نحن لا نكتب لأنفسنا , بل نكتب للآخرين , وعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين.



***********************************************

الحلقة الثامنة
الصراعات الفكرية والسياسية وعواقبها في العراق

يطرح الدكتور فاضل الجلبي موضوعة أو فكرة مهمة تستحق النقاش وتستوجبه , مفادها أن ممارسة العنف والقوة موجودان في الفكر السياسي العراقي. (قارن: فاضل الجلبي. العراق... ديموقراطية بلا ديموقراطيين (2 من 3) ديمقراطية الجادرجي مهدت الطريق لاستيلاء العسكر على السلطة. الحياة في 31/5/2005). في العام 2006 صدر لي عن مؤسسة حمدي في السليمانية كتاب تحت عنوان "الاستبداد والقسوة في العراق" بحثت فيه هذا الموضوع من جوانب عدة , إضافة إلى تناولهما تاريخيا والعوامل الكامنة وراء تشكل هاتين الظاهرتين. كما أشرت قبل ذاك وفي كتابي الموسوم "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة" , الذي صدر في بيروت في العام 1995 إلى موضوعة أخرى مفادها : إن بعض السمات السيئة التي يتميز بها صدام حسين , بل وأكثرها سوءاً , نجدها في شخصيات كثيرة من قوى المعارضة العراقية , وكنت أعني بذلك سمات الاستبداد والقسوة وجنون العظمة. وكررت ذلك بصيغة أقوى وأوضح في كتابي الموسوم "المأساة والمهزلة في عراق اليوم" الذي صدر عن دار الكنوز الأدبية ببيروت في العام 2000. فظاهرة القوة والعنف موجودة حقاً في الفكر والممارسة السياسية في العراق. ولكن هل يمكن مقارنة سياسات ومواقف وأساليب حكم نوري السعيد مع ممارسات قوى المعارضة العراقية في داخل أحزابها حينذاك. حين درست فهد أشرت إلى أن القائد الشيوعي ينتمي إلى المدرسة اللينينية والستالينية , وبالتالي كان يميل إلى عبادة الفرد إزاء لينين وستالين , ولكن مارس ذلك نفسه في حزبه أيضاً وربما دون أن ينتبه إلى ذلك. وقد برزت هذه الظاهرة السلبية بوضوح كبير في سياسة الحزب وفي الخشية العفوية من توجيه النقد له من جانب الشيوعيين حتى بعد مماته بسنوات طويلة. ولكن كل المؤشرات كانت تشير إلى أن الجادرجي لم يكن كذلك , في ما عدا صراعه مع اليسار إذ كان يخشى من تأثيرهم اليساري على حزبه وبالتالي تصدى لوجودهم في الحزب ومارس سلطته الحزبية في التخلص من بعضهم الأكثر بروزاً والأكثر قرباً من الفكر الماركسي – اللينيني. وإذا ما وجد شيء من هذا القبيل لدى الجادرجي , فهل يمكن مقارنته بنوري السعيد واعتبارهما طرفين متماثلين وأن اختلفا في المواقع. كتب الجلبي يقول:
"إن ما ذكرناه بشأن تسلط نوري السعيد، واستعماله العنف والقوة من جهة، وتسلط الجادرجي على حزبه من جهة، مجرد أمثلة تعكس حالات تطرفية ، ولكنها تشير إلى أمر موجود في الفكر السياسي العراقي. فلسان حال السياسي العراقي يقول: أنا أفكر هكذا وإذا خالفتني في الرأي إذاً أنت عدوي، ومن حقي أن اتهمك بالعمالة وبالفساد، وإلى آخره من التهم ، والتشنيع بالطرف الآخر! لمجرد أنه لا يقبل، أو يعتمد في رأيه على نظرية أخرى". راجع: فاضل الجلبي. نفس المصدر السابق).
أختلف مع السيد الجلبي في هذا التقييم بسبب معرفتي بالمبادئ التي اقتنع بها الجادرجي من جهة , ومعرفتي من جهة ثانية بطبيعة وسياسات وسلوك نوري السعيد حيث عشت تجاربي الشخصية مع نظام حكمه , وبسبب اتصالي بالكثير من قادة وكوادر الحزب حينذاك بشأن مواقف الجادرجي في الحزب من جهة ثالثة , إذ لم أكن عضواً أو قيادياً في الحزب الوطني الديمقراطي لكي أعطي رأياً باتاً بالأمر , ولكن السيدة بلقيس شرارة , التي أثق بموضوعيتها وأسلوب مناقشتها لأفكار الجلبي والحجج الموثقة التي قدمتها بشأن سلوك الجادرجي في حزبه , قد تناولت هذه المسألة بشكل جاد وموضوعي. وصلتني رسالة من المخرج العراقي المتميز الأخ الأستاذ قاسم حول بشان حلقات المقال الجارية يقول فيها بصدد الأستاذ الجادرجي ما يلي:
"العزيز الدكتور كاظم حبيب
عندي مقترح على ضوء قراءتي لحوارك مع الجلبي .. أن يصار من هذه الحلقات التي كانت ضرورية أن تستخلص منها وتخلصها من الحوار مع الجلبي لإصدار كتاب منها عن تجربة ثورة تموز وقراءة للحقبة الملكية ولحقبة الثورة فكلاهما الحقبتان مع بعضهما في كتاب أظن سيكون أهم إصدار سياسي ثقافي بقلمك الجميل .. شيء عن الخطأ والصواب في التجربتين .. مجرد رأي.
يندم المرء أحيانا على فترات الصبا عن أحداث مرت به وهذه الفكرة التي مررت بها تعكس الكثير من المفاهيم والأخطاء والتربية السياسية.
في بداية صباي كنت معجبا في شخصية الجادرجي ومقالاته في الأهالي ويوما أجريت معه مقابلة عن سياقة السيارة في شارع الرشيد فقال أن قيادة مظاهرة في شارع الرشيد أسهل عندي من قيادة سيارة في هذا الشارع.
تغلق جريدة الأهالي أو هو أغلقها ثم عادوا إعلاميا في صحيفة المواطن البديل عن الأهالي وكان يرأس تحريرها المحامي عبد الله عباس ومدير تحريرها الكاتب والصحفي المرموق مجيد الونداوي ومديرها الإداري المحامي عبد الإله البزاز ومسؤولها المالي أبو فايق وكلهم شخصيات مرموقة في الحزب الوطني الديمقراطي.
كانوا يريدون مسؤولا ثقافيا وفنيا للجريدة فعملوا ما يشبه المسابقة وقدمت أنا مع المتسابقين وكنت طالبا في معهد الفنون نموذجا للصفحة الثقافية الأدبية والفنية. وفزت بالمسابقة وصرت منذ صدور الجريدة حتى آخر عدد وكان يوم الجمعة في الثامن من شباط، كنت مسؤولها وكانوا يدفعون لي عن كل صفحة تصدر في يوم الجمعة دينارين ونصف أي مرتبي الشهري عشرة دنانير.
كان الجادرجي يقوم بالاجتماع مع المحررين كل أسبوع وكان يبدي إعجابه بالصفحة الثقافية ويبعث لي بالتهاني. وكنت أنا قريب من الشيوعيين جدا وعندما كان يسأل عن سبب عدم حضوري الاجتماعات أعتذر عن الذهاب للاجتماع لأنهم كانوا على خلاف مع الشيوعيين. ويوما دعاني لمشاهدة صوره الفوتوغرافية وتملصت من الموعد. ثم حصل الانقلاب وكان قد قال للمحررين يوما ستمر على العراق أيام كالحة السواد فقالوا له بعد الانقلاب كيف توقعت ذلك. فأجابهم لا أقصد هذا الانقلاب!!!!
نعم عزيزي الدكتور كاظم .. كان الجادرجي مؤكدا يقصد هذه الأيام وليست تلك .. يقصد الحقبة التي نعيشها الآن.
يوم رحل الجادرجي أقيم له حفل تأبين في أربعينيته في قاعة الخلد وغصت الصالة بالناس وفتح المسرح من جانبه الخلفي على الحدائق لكي يستوعب الحضور وقد حضر من لبنان كمال جمبلاط وقال في كلمته لقد تعلمنا الديمقراطية من مدرسة كامل الجادرجي. كنت يومها من منظمي الحفل التأبيني وندمت ندما شديدا أني لم ألتقيه ولم أتصور معه .. كان ذلك من مساوئ تربيتنا السياسية.
ويوما كنت وحدي في جريدة المواطن وأعددت الصفحة الثقافية وكنت أكتب كلمة قصيره للصفحة وخطر على بالي أن أكتب عن سبب تكرار ظهور صورة عبد الكريم قاسم في التلفزيون بشكل غير طبيعي فكتبت الموضوع ونشر ولم يقرأه لا عبد الله عباس صاحب امتياز الجريدة ولا الونداوي. وعندما ظهر العدد في اليوم التالي أستدعي عبد الله عباس إلى وزارة الدفاع وسئل عن المقال وسبب التعريض بشخص الزعيم وهو لم يكن يدري وعرف أني أنا كاتب المقال فقال لهم لا أستطيع أن أخبركم باسم كاتب المقال وأنا نفسي كلفته بكتابة هذا الموضوع وأتحمل المسؤولية فتسلمت الجريدة إنذارا بذلك !!!
هذا من أخلاق هذه المؤسسة الديمقراطية التي لم نفهمها وشكرا لأنك تنصف العادلين الغائبين منهم والأحياء ودم في كتاباتك الجميلة .. أخوك .. قاسم حول 8/7/2008 ". (الرسالة في حوزتي ووضعت في أرشيفي وهي في حوزة الأستاذ قاسم حول طبعاً).
أدرك حقاً بأن قوى المعارضة العراقية حينذاك قد ارتكبت أخطاءً كثيرة , ولكن لا بد من التمييز بين ثلاث مسائل جوهرية , وهي:
1. من المسؤول عن وقوع المعارضة العراقية في تلك الأخطاء , أليس نظام الحكم الذي غيب الديمقراطية عن المجتمع والأحزاب , وبالتالي جعل الأحزاب ذاتها تعاني من بعض أمراض الحكم.
2. هل يمكن المساواة بين سياسات وأخطاء نظام الحكم التي تقود إلى ملاحقة الناس والتجسس عليهم وحرمانهم من الحرية والديمقراطية التي منحها الدستور العراقي , وإلى سجن وتعذيب وتشريد ومحاربة بالرزق والقتل وأحكام الإعدام , وبين قوى معارضة تحتج وتتظاهر ضد مثل تلك السياسات المنافية لأبسط حقوق الإنسان والتي تجاوزت على المبادئ التي تضمنتها الوثيقة الدولية التي ساهم العراق في وضعها وإقرارها والمصادقة عليها , وأعني بها اللائحة الدولية لحقوق الإنسان التي صدرت في العاشر من شهر كانون الأول/ديسمبر 1948.
3. وهل يمكن رمي كل قوى المعارضة العراقية في سلة واحدة واعتبارها جميعاً كانت مسؤولة عن أخطاء بعضها الآخر. إن هذا التعميم خاطئ , وكان على الدكتور الجلبي أن يتجنبه , كما أرى.
"كتب الدكتور الجلبي تحت عنوان "التسلط والفكر السياسي" ما يلي: " بعد أيام من الثورة نشأ صراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، وجاء البعثيون بشعار الوحدة الفورية مع مصر، وهو شعار سياسي قابل للحوار بالطرق السلمية، ولكن حزب البعث الذي كان طرفاً صغيراً في الجبهة الوطنية العام 1957 اتجه إلى العنف لفرض هذا الرأي السياسي، وذلك في محاولة قتل عبد الكريم قاسم عام 1959". ثم يواصل الكتابة فيقول: "وكان الشيوعيون، من جانبهم، يرددون شعار الاتحاد الفيديرالي، وليس الوحدة الفورية. ومارس الشيوعيون العنف أيضاً، وسفك الدماء واللجوء إلى لغة الحبال لمحاورة الطرف الآخر، مما أفسد أهداف 14 تموز. وحاول القوميون، من ناحية أخرى، التعبير عن رأيهم في موضوع الوحدة مع مصر في محاولة الانقلاب على عبد الكريم قاسم، ما كانت تسمى حركة الشواف في الموصل. وكانت حصيلة تلك السياسات صراعات دموية وعداوات عميقة، في مسألة هي مسألة سياسية نظرية في جميع الأحوال. ولم يقم القوميون، حتى بعد استلام السلطة في زمن عبد السلام وعبد الرحمن عارف، بأي خطوة باتجاه الوحدة مع مصر. لكن كان التفرد بالرأي، والتسلط على الآخرين، واستعمال العنف، واللجوء إلى الأعمال اللاقانونية هي السائدة في الحوار السياسي، وليس التفاوض، أو المحاورة السلمية للوصول إلى نتائج مرضية لكل الأطراف. ويفسر هذا حلول التدهور الكبير بوصول صدام حسين إلى السلطة". (راجع: فاضل الجلبي. الجادرجي (في الوسط) مع عبد الناصر. العراق... ديموقراطية بلا ديموقراطيين (3 من 3): معارضة من أجل المعارضة ... مهدت طريق «التدهور الكبير» جريدة الحياة. 1/06/2005).
اتفق مع الدكتور فاضل الجلبي في ثلاثة أمور وأختلف معه في بعض آخر:
اتفق مع الدكتور الجلبي :
* أن قضيتي الوحدة والاتحاد مطروحتان كمسألة نظرية بحتة , سواء أكان الموضوع وحدة أم اتحاداً , وكان بالإمكان معالجة الموضوع من الناحية النظرية وعبر الحوار والنقاش السلمي والديمقراطي. وكان الصراع قد وقع بين حزب البعث والقوميين من جهة , والشيوعيين من جهة أخرى , رغم تأييد القوى الأخرى والغالبية العظمى من الشعب العراقي لموضوعة الاتحاد الفيدرالي وليس للوحدة.
* وأن هذا الاختلاف و ضمن قضايا أخرى , قد اتخذ صيغاً غير قانونية وتجاوزاً على الحياة السياسية العامة وإضراراً بالمصلحة الوطنية.
* وأن ممارسة القوة والعنف قد حصل من الجانبين بشكل عام وأدى إلى عواقب وخيمة للمجتمع بأسره , وكانت هناك رغبة متبادلة في إقصاء الآخر والحلول مكانه.
ولكني أختلف مع الدكتور فاضل الجلبي في قضايا أخرى , سواء ذكرها أم تجنب ذكرها , ومنها:
1. لم تكن البداية في تفجير الخلاف من جانب قائد الثورة ورئيس الحكومة عبد الكريم قاسم , بل كانت من نائبه ووزير الداخلية عبد السلام محمد عارف. ولم تكن إثارة الخلاف عملية عفوية أو عبثية , بل كانت مطلوبة وموجهة من جانب القوى القومية والبعثية في العالم العربي , ولكن بشكل خاص من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وحزب البعث بقيادة ميشيل عفلق.
2. مارس البعثيون ليس محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم حسب , بل مارسوا عمليات اغتيال واسعة للشيوعيين وأتباع قاسم.
3. لم يمارس الشيوعيون القتل والسحل في الشوارع , بل كان من صنع الرعاع لا غير , ومن المؤسف أن الحزب الشيوعي لم يدن هذه القضية مباشرة بل بعد وقوعها في العراق وبعد أن اتهم بها. وهنا أروي حادثة حصلت لي في مدينة كربلاء. غادرت العراق للدراسة في خريف عام 1958 وعدت في بيع 1959 لزيارة العراق وذهبت إلى مدينة كربلاء لزيارة عائلتي. كنت أتجول في شارع العباس ومعي الصديق ورفيق النضال المبكر جاسم الحلوائي (أبو شروق) , وكان في حينها مسؤول منظمة الحزب في كربلاء. ونحن في الشارع وقرب دائرة البريد شهدنا مظاهرة قادمة باتجاه محلة العباسية, ويهتف المتظاهرون المتهيجون بشعار يدعو إلى قتل وسحل السيد هاتف الشامي مدير دائرة العمل في كربلاء. سألت الصديق الحلوائي , هل هي مظاهرة ينظمها الشيوعيون. نفى ذلك باعتباره مسؤولاً عن المنظمة ولم يتعرف على أي شيوعي فيها. ثم عرفنا بأنها المتظاهرين هم من عمال الطابوق البؤساء الذين جاءوا يطالبون بزيادة الأجور ويعتقدون بأن هاتف الشامي يرفض زيادة أجورهم والاستجابة لمطلبهم . واجهت المظاهرة وارتقيت على دكة مرتفعة قليلاً وطلبت منهم الكف عن هذا الشعار وحل المشكلة مع السيد هاتف الشامي بالمفاوضة وأني مستعد والحلوائي أن نذهب معهم لحلها. إلا أن الهياج كان مرتفعاً ولم يكن بينهم شيوعي واحد يمكن تحريكه للتأثير عليهم من خلاله. ولم تمض لحظات على طلبي منهم بالهدوء وإذا بأحدهم يوجه ضربة من عصا طويلة فيها قطعة حديدية إلى قمة رأسي مباشرة مستنكراً طلبي بحل المظاهرة والكف عن طلب قتل السيد هاتف الشامي , الذي كان يميل إلى الاتجاه والفكر القومي حينذاك , وهو من معارفي الطيبين. تدفق الدم من رأسي , هجمت بسرعة على الشخص الماسك بالعصا واختطفته منه وبدأت أدافع عن نفسي دون أن أصيب أحداً منهم واستطعت إبعادهم عني , إذ أن منظر الدم يثير ويحفز على المزيد من الاعتداء, ثم أسرعت إلى مستوصف الطلبة القريب من دائرة البريد طلباً للعلاج وإيقاف نزيف الدم. عولجت في حينها , وأثر الضربة ما يزال يذكرني بتلك الحادثة. طلبوا مني إقامة الدعوى رفضت ذلك , إذ لا جدوى منها , ولكن اتفقنا على أن تبدأ عملية تثقيف في المدينة ضد السحل والحبال. ولكن في اليوم الثاني ظهرت إشاعات تقول بأن الشيوعيين كانوا وراء المظاهرة , وهي إشاعة مجافية للحقيقة. وجميعنا يتذكر ما كتبه البعثي السابق السيد حسن العلوي حين قال بأنهم كانوا يحرقون أو يمزقون القرآن ويتهمون الشيوعيين بذلك لإثارة الناس ضد الشيوعيين واتهامهم بالإلحاد والزندقة والهرطقة وما إلى ذلك , إضافة إلى تهمة الشعوبية. لا أريد هنا أن أنفي عن الشيوعيين ممارسة العنف والقوة أو الإساءة بالضرب للمخالفين لهم بالرأي في الجامعة أو في المحلات , ولا أنكر دور وأخطاء المقاومة الشعبية في هذا أيضاً , فهي معروفة ولا أنفيها. من المفيد هنا العودة إلى تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصادر عن الاجتماع الموسع في أيلول/سبتمبر 1959 ليتعرف على طبيعة الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الحزب واعترفت بها وأدانتها والتزمت بعدم تكرارها.
4. لم يكن الشيوعيون هم الذين قتلوا وسحلوا في الموصل , بل قوى أخرى هو أدرى بها , ولكن كان خطأ الشيوعيين هو الإصرار على عقد مؤتمر السلام هناك واستفزاز القوى الأخرى بقطار السلام والمظاهرات والمهرجانات غير الضرورية , وخاصة في ذلك الظرف الحرج الذي شهد توتراً شديداً في العلاقات بين القوى السياسية وخاصة بين الشيوعيين والتقدميين من جهة , البعثيين والقوميين من جهة أخرى. وهكذا الأمر مع كركوك , بل مورس ذلك من قبل قوى أخرى غير الحزب الشيوعي العراقي , رغم إنجرار بعض الشيوعيين إلى تلك العملية , ولكن ليس الحزب كله. حين اعتقلت في تموز من العام 1978 من قبل لأجهزة الأمن البعثية وبقرار من صدام حسين عرض عليّ فيلم عن أحداث في الموصل وكركوك وطلبوا مني تقييمها أو إدانتها. رفضت ذلك بإصرار وقلت لهم ثلاث مسائل: أ. لا أدري مدى صحة هذا الفيلم ودقة المعروض من الصور واللقطات؛ ب. ليس من حقي أو واجبي أن أعطي تقييماً عن فيلم وأنا معتقل لديكم وفي قبضتكم؛ ج. لا يجوز أخذ أحداث الموصل وكركوك بمعزل عن كل الأحداث التي حصلت في العراق منذ انتصار ثورة تموز حتى وقوع تلك الأحداث وما بعدها.
5. في أعقاب انقلاب شباط 1963 أصدر نظام البعث البيان المشؤوم رقم (13) الذي سمح بقتل الشيوعيين أينما وجدوا. ولم تكن كلمة الشيوعي تطلق على الشيوعيين وحدهم , بل كل التقدميين واليساريين والديمقراطيين , وبالتالي كان القتل يمكن أن يشمل عدداً كبيراً من البشر. وقبل إذاعة هذا البيان عرض تلفزيون بغداد فيلماً بعنوان "حمامات الدم" عن أحداث كركوك يعرض فيها لقطات عن جماعة تحمل حبالاً وعصياً , ولكنه في ذات اللحظة يعرض لقطات لقتلى ووجوه مشوهة لأناس معذبين بحيث يعطي انطباعاً وكأن حملة الحبال هم القتلة هم الذين يمارسون التعذيب وتشويه الوجوه. وبعد فترة اكتشف الأستاذ قاسم حول بان تلك اللقطة للوجوه المشوهة هي من فيلم وثائقي جزائري يفضح فيه ممارسات السلطة الفرنسية وفرقة المرتزقة أو الأجنبية في الجزائر. وهي ليست سرقة حسب , بل وتزويراً وتشويهاً للحقائق. رغم أن حمل الحبال والعصي بحد ذاته شيئاً سلبياً ومرفوضاً , بل ومداناً في آن واحد. وكتب الأستاذ قاسم حول يقول:
"قبل إذاعة البيان عرض فيلم وثائقي عنوانه (حمامات الدم) ليمهد للبيان ويمهد للانتقام وكان هذا الفيلم يعرض صور قتلى عراقيين في كركوك والموصل. وجوه مشوهة ومضرجة بالدم وبلقطات كبيرة بحيث لا يمكن معرفة المكان ولا الملابس،. فقط وجوه مشوهة وقبل عرض هذه الوجوه تظهر على الشاشة مظاهرة شعبية وبعض المتظاهرين يحملون الحبال ويلوحون بها.
يقول إيزنشتاين المخرج الروسي حول نظرية المونتاج "إذا أضيفت لقطة إلى لقطة ثانية فإنها تعطي معنى ثالثا" ولذلك ففي هذا الفيلم عندما يرى المشاهد أشخاصا في مظاهرة يلوحون بالحبال وتعقبها لقطات لقتلى مشوهين فالمشاهد سوف يتلقى انطباعا بأن هؤلاء حملة الحبال هم الذين قتلوا أصحاب الوجوه المشوهة. وبعد الفيلم أذيع البيان السيئ الصيت بيان رقم 13 علما ومن سخريات القدر أن يكون الانقلاب في شهر رمضان ويدعون فيه إلى قتل المواطنين بدون محاكمة وبدون وثيقة اتهام فنسمع بعد البيان أغنية الانقلاب "يا ربي يا حنان يا منان .. يا منزل القرآن في رمضان" وتظل محطة التلفزيون تعرض فيلم حمامات الدم الذي يدعو الشعب العراقي لقتل قواه التقدمية والديمقراطية والليبرالية.
وملاحظاتي كسينمائي على هذا الفيلم الذي يعتدي على مفهوم الوثائقية في السينما مثلما يعتدي على حياة الناس أن المظاهرة التي يلوح بها مواطنون بالحبال "وهو تصرف غير حميد ومرفوض مؤكدا" هؤلاء هم مواطنون يفتقدون إلى الوعي ويعود تأريخ اللقطة إلى الأيام الأولى لثورة 14 تموز حيث تم وللأسف سحل رجالات العهد الملكي بالحبال وهو تصرف وحشي لا يليق بالإنسان. ولكن، لا علاقة بين اللقطة مع أحداث كركوك والموصل التي يتحدث عنها الفيلم، حيث هناك فارق زمني بين تأريخ المظاهرة وتأريخ أحداث كركوك والموصل". (جزء من رسالة للأستاذ قاسم موجهة لي حول ما أشرت إليه في أعلاه بتاريخ 9/1/2008).

6. لم تتخذ حكومة عبد الكريم قاسم أي إجراء لإيقاف السفر إلى الموصل بل شجعت على ذلك , وكان قاسم يعرف العواقب المحتملة. ولم يتخذ قاسم إجراءات لتطهير أجهزة الأمن التي كانت تمارس الاعتقال والعنف والتعذيب ضد المعتقلين من الشيوعيين والديمقراطيين , أو قبل ذاك من البعثيين والقوميين و رغم أن قلة من البعثيين والقوميين قد تعرضوا للتعذيب. كما لم يمارس دوره في إيقاف التداعيات في كركوك.
7. لم يكن للحزب الوطني الديمقراطي أي مشاركة في كل ذلك , في ما عدا أن ممثلي الحزب في الحكومة حينذاك لم يلعبوا دورهم في التأثير على قاسم لمنع وقوع جملة من تلك الأحداث. ولكن الأستاذ الجادرجي كان بالضرورة ضد كل ما يجرى من صراعات حينذاك.
من هنا أود أن أشير إلى أن تلك الخلافات والصراعات السياسية والنزاعات والتآمر الداخلي من جهة , وسياسات قاسم التي وفرت الأرضية الصالحة للتآمر من جهة أخرى , والتآمر الخارجي العربي والإقليمي والدولي على الجمهورية الأولى من جهة ثالثة , كانت الأسباب المباشرة لتدهور الأوضاع أكثر فأكثر وإلى انهيار الوضع ونجاح الانقلاب الفاشي ضد حكومة قاسم , وليست أخطاء كامل الجادرجي كانت سبباً في تدهور الأوضاع السياسية وسقوط نظام حكم قاسم.
10/7/2008 كاظم حبيب
انتهت الحلقة الثامنة وتليها الحلقة التاسعة.










#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صيدنايا بين وَله الشعراء بها وبين قسوة الدكتاتورية عليها!
- نقاشات فكرية وسياسية مع السيد الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث ...
- نقاشات فكرية وسياسية مع السيد الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث ...
- نقاشات فكرية وسياسية مع السيد الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث ...
- إيران والعراق والاتفاقية العراقية-الأمريكية 3
- حول محنة الصابئة المندائية في العراق
- إيران والعراق والاتفاقية العراقية-الأمريكية 2
- إيران والعراق والاتفاقية العراقية-الأمريكية1
- قراءة في الجزء -النظري- من كتاب -نحو ثقافة تأصيلية- -البيان ...
- حول الاتفاقية العراقية - الأمريكية المقترحة
- بهاء الدين نوري, المناضل الصلب , لا يستحق هذه الجفوة!
- مقدمة كتاب الفاشية التابعة في العراق
- هل يتعظ التيار الصدري ومليشياته بدروس السنوات المنصرمة؟
- هل تستجيب بنود الاتفاقية المقترحة مع الولايات المتحدة الأمري ...
- هل تستجيب بنود الاتفاقية المقترحة مع الولايات المتحدة الأمري ...
- هل تستجيب بنود الاتفاقية المقترحة مع الولايات المتحدة الأمري ...
- هل يحق لنا أن نسمح بمثل هذا الوضع المالي المزري لفنانات وفنا ...
- حكومة الوحدة الوطنية ... التغيير والترسيخ
- اتجاهات ومواقف فكرية وسياسية للصادق المهدي على هامش الجمعية ...
- نتائج احتفالية الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المنظمة العربي ...


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - نقاشات فكرية وسياسية مع الدكتور فاضل ألجلبي حول أحداث العراق التاريخية والأستاذ الراحل كامل الجادرجي 6 & 7& 8