يا أبناء شعبنا العراقي العظيم!
أيها العمال والفلاحون وشغيلة اليد والفكر والطلبة، والكسبة والحرفيون!
عرباً وكرداً وتركماناً وكلدوآشوريين!
أيتها الرفيقات ... أيها الرفاق
يستقبل حزبنا الشيوعي العراقي في الحادي والثلاثين من آذار القادم الذكرى السبعين لتأسيسه. ونغتنم هذه المناسبة النضالية المجيدة لنتوجه إليكم، حيثما كنتم في أرجاء وطننا وخارجه، مجددين العهد على مواصلة النضال من اجل الأهداف النبيلة: إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة والاستقلال، وتحقيق الديمقراطية والازدهار الاقتصادي والعدالة والتقدم الاجتماعي والسلام، وبناء وطن متحرر من كل أشكال العسف والهيمنة والاستغلال.
في آذار الربيع والفرح تتجدد طموحات أبناء شعبنا وآمالهم بمستقبل أكثر إشراقاً، آمال كبيرة أودعت بذورها في تربة عراق الخير كوكبة من خيرة أبناء شعبنا في يوم 31 آذار 1934، لتثمر وعياً وطنياً يجسد النضال اليومي المتجدد من أجل عراق حر وشعب سعيد.
وطيلة تلك السنوات من النضال المثابر المفعم بالتضحيات والبطولات الفردية والجماعية، لم تهن همة الشيوعيين في اقتحام الصعاب، ولم تكل عزيمتهم على مواصلة النضال من أجل مصالح الشعب الأساسية. إن تلك السنوات هي وسام شرف وفخر على صدر حزبنا، بكل ما تحمله من خبرات غنية وصعوبات وأمال، رغم ما ما اعتورها من إخفاقات، إذ أن الثوريين الحقيقيين هم اولئك الذين يتعلمون من إخفاقاتهم مثلما يستفيدون من نجاحاتهم للتقدم إلى الأمام.
بين آذار 1934 وآذار 2004، مسيرة حافلة بالعطاء والتضحيات والآمال والتحديات. بدأ الحزب منشورا سرياً وجريدة تتداولها الأيدي خفية، ثم ارتقى عبر معارك ونضالات وطنية وطبقية، حتى اصبح اليوم جماهير تفتح الطريق، و تشارك في صياغة الراهن وصنع المستقبل.
لقد بدأ الرواد الأوائل ملحمتهم الثورية الكبرى يوم كانت الطبقة العاملة في العراق وليدة، تتلمس طريقها للتو إلى الحياة. كوكبة مقدامة من الشيوعيين الأوائل بدأت مسيرة النضال والبلاد تئن تحت سياط الإقطاع وحراب بريطانيا والنظام الملكي، وناهبي ثروات شعبنا نفطاً وقمحاً. في ظل تلك الظروف انبثق حزبنا كحركة سياسية من صميم حركة شعبنا الوطنية وحركة طبقته العاملة الفتية، يتبنى الفكر الاشتراكي العلمي ويسترشد بالماركسية، وبرز بوجهه الوطني الناصع عبر نضال لا يكل من أجل:
ـ الاستقلال والسيادة الوطنية، لتخليص الوطن من سيطرة الاستعمار ومعاهداته الجائرة، وإجلاء جيوشه وتصفية قواعده.
ـ تحرير ثروات البلاد الوطنية، وفي مقدمتها النفط.
ـ القضاء على النظام الإقطاعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين.
ـ حقوق العمال وحرياتهم النقابية.
ـ الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب وأحزابها الوطنية.
ـ الحقوق القومية للشعب الكردي والحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى، تركمان وكلدوآشوريين وغيرهم.
ـ نصرة الشعوب العربية المناضلة من أجل التحرر والديمقراطية والوحدة، ومساندة نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الإمبريالية والصهيونية.
ـ دحر الفاشية وحماية السلم وأمن الشعوب.
هكذا إذاً، من المنشور المحرض، إلى الكلمة الداعية، إلى التنظيم الصلب، نما حزبنا وكبر فكبر به الوطن، وكبرت به الطبقة العاملة وحلفاؤها من الفلاحين وجماهير الكادحين وشغيلة اليد والفكر. وفي مرحلة النضال الوطني تلك، ربط الحزب بإبداع النضالات الطبقية، نضال العمال ضد أرباب الأعمال والشركات الاستعمارية، وكفاح الفلاحين ضد الإقطاع، بالنضال في سبيل التحرر الوطني والديمقراطية.
وبدأت الثمار بالنضج منذ الأربعينات، مروراً بالخمسينات. وخلال هذه الفترة توالت المعارك التي كان للشيوعيين دور ريادي فيها: وثبة 1948، انتفاضتا 1952 و 1956، اضرابات عمال النفط في كاورباغي وحديثة، وعمال السجائر والموانئ والسكك، وانتفاضات آل زيرج ودزه ئي، وعشرات غيرها من المعارك الطبقية والوطنية المجيدة.
ومع بدء هذا النهوض وضع النظام الملكي، وحماته في الخارج، قطع رأس الحزب على جدول الأعمال. ويوم واجه قادة الحزب الاماجد، فهد وحازم وصارم، بصمود فذ المشانق في قلب بغداد، حلت بالحزب فجيعة كبرى سرعان ما تحولت الى فعل ثوري. وكانت الجماهير على موعد مع ساعة الصفر فجر 14 تموز 1958، حين اندلعت الثورة التي لعب حزبنا دوراً بارزاً ومشهوداً في الإعداد لها والمساهمة فيها والدفاع عنها.
غير أن العديد من القوى المحلية والخارجية التي أرعبها هذا الحدث العظيم، اقامت حلفاً غير مقدس لقطع الطريق على تطوير الثورة. وهكذا جاء انقلاب شباط 1963 الأسود يدعو إلى ذبح الشيوعيين ببيان رسمي مشؤوم يحمل الرقم 13، فاستبيحت الدماء في أقبية التعذيب. بيد أن "مهندسي" الانقلاب لم يتمكنوا من تحقيق أحلامهم ولا أحلام أسيادهم ما وراء الحدود. فقد تولى الحزب قيادة المقاومة الجماهيرية الواسعة للانقلاب الفاشي. ورغم استشهاد الرفيق سلام عادل، سكرتير الحزب، والعديد من أعضاء اللجنة المركزية ومكتبها السياسي، والمئات من كوادره وأعضائه، واعتقال عشرات الآلاف من أعضاء الحزب ومؤازريه، ومن الوطنيين والديمقراطيين، تمكن الحزب، رغم الجراح، من مواصلة النضال ليقف مرة أخرى في الخط الأمامي من المعارك الوطنية والقومية والطبقية.
وفي عام 1978 جرب الدكتاتوريون الجدد، الذين عادوا إلى السلطة في 1968، أن يعيدوا سيناريو الماضي الأسود ولكن بحذاقة ومكر هذه المرة. غير أن أساليبهم لم تستطع أن ترغم الجماهير على الخنوع والاستسلام. لقد تناسى هؤلاء عِبر التاريخ ودروسه الثرية، فرغم شراسة الإرهاب ووحشية القتل ودهاء التضليل وشراء الذمم، واللجوء الى أخس الأساليب وأكثرها دناءة، لم تتحقق أحلامهم المريضة بتصفية حزبنا.
ماذا كانت النتيجة؟ رغم قساوة الظروف، ووسط برك الدم، نبتت زهرة حمراء، ومن الزهرة نمت بندقية ثائرة. فخاض انصار حزبنا الكفاح المسلح في ربى جبال كردستان، الى جانب اخوانهم البيشمركه. و بنى الحزب ركائز جديدة في مدن العراق، من جنوبه إلى شماله. وفي غضون سنوات قلائل تحول حزبنا إلى قوة فاعلة تلعب دوراً بارزاً في الحركة الوطنية والديمقراطية، حتى غدا قطباً للمعارضة المناهضة للدكتاتورية.
ها قد رحل النظام الدكتاتوري إلى مزبلة التاريخ، والقي القبض على رأسه في جحر مظلم. انها نهاية "تليق" بطاغية ودكتاتور جلبت سياساته لبلادنا وشعبنا الحروب والدمار والحصار والاحتلال والخراب . أما حزبنا الشيوعي العراقي فها هو اليوم مرفوع الرأس في سوح النضال، نخلة باسقة تنغرز جذورها في أعماق ارض العراق التي رواها الوف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم على طريق التحرر والعدالة .. يحمل راية النضال وهي تخفق في سهول الفرات حيث سقط الحسين شهيداً من اجل العدالة والدفاع عن المثل ورفض الركوع أمام الطغاة .. وحيث نهض القرامطة في سواد الكوفة، وارتفعت رايات ثورة العشرين المجيدة .. وها هي رايات حزبنا تخفق في بطاح الجنوب حيث ثار الزنج، وفي بغداد مركز الوثبات والانتفاضات الشعبية العارمة، مدينة العلوم ومركز حركات الفكر .. تعلو في ارجاء كردستان وذراها التي تعانق السماء، موطن كاوة الحداد الذي رفع مطرقته بوجه الطاغية.
إن الشيوعيين العراقيين إذ يستعرضون، في هذه الذكرى المجيدة، الصفحات المشرقة من تاريخهم النضالي في خدمة شعبنا، ودروهم الفعال في كل النضالات التي خاضها، فإنهم لا يفعلون ذلك من اجل التذكير بما تعرفه الجماهير، وبما عاشته وتعيشه اليوم مع أبنائها وبناتها من الشيوعيين أتراحاً وأفراحاً، بل من اجل ان يستمدوا العبرة من الماضي، بنجاحاته وإخفاقاته، ويستفيدوا من تجاربه الغنية، ويستلهموا العزم على مواصلة النضال من أجل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.
واليوم، ونحن على أعتاب العيد السبعين لميلاد حزبنا، نستذكر ونتدبر ونتعلم ونحتاط .. ولم يعد في الوقت متسع لاجترار المسلمات واليقين الجامد وصنمية الفكرة المطلقة. إننا نواجه مهمات جديدة يفرضها عالم جديد، واصطفاف جديد، من اجل مستقبل جديد. نحن بحاجة إلى إعمال العقل الجماعي لحزبنا، لندرس تاريخنا ونستخلص منه الدروس بما يتيح لنا أن نفهم، على نحو أعمق وأدق، تعقيدات الواقع الراهن واشتراطات الظرف الملموس من دون أن نستسلم لهما. إذ بقدر ما يكون الشيوعي ابناً باراً للواقع فانه يكون جديراً بتغييره.
وعلى طريق النضال المخضب بالدماء والحناء يواصل حزبنا اليوم سعيه الدائب من دون كلل، سوية مع القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية، داخل مجلس الحكم الانتقالي وخارجه، من اجل مواجهة كل استحقاقات المرحلة الجديدة التي تجمع بين إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة والاستقلال من جهة، وتدشين عملية تحولات ديمقراطية تنطلق من تصفية آثار الدكتاتورية المقبورة وآثامها وصولاً لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، من جهة أخرى.
لتكن الذكرى السبعين مناسبة لوقفة إجلال وإكبار، لشهداء الحزب والوطن الذين جادوا بأرواحهم فأضاءوا لنا الدرب. ولا نستثني أحداً ممن سلكوا دروب الكفاح والاستشهاد. إن الدماء التي أرخصوها هي خلاصة المحبة، والوعي، والإرادة الصادقة، والشجاعة وروح الاقتحام.
لقد أراد أعداء حزبنا أن يجتثّوا نبتة عصيّة ليس من عادتها التنكر للتربة العزيزة ولا للهواء المضمخ بالعراق ولا للشمس الخالدة. ولكن هؤلاء اندحروا، فظل الحزب نخلة باسقة في سماء العراق، الجميل بأبنائه وبناته، وبشهدائنا الذين أودعوا رفاقهم ورفيقاتهم كلمة السر، وتعاهدوا على أن " الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق "، ومشوا إلى خلودهم عزّلاً إلاّ من إرادة النضال، من أجل " وطن حر وشعب سعيد ".
اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
10/1/2004