يكثر الحديث ويشتّد هذه الأيام من قبل الشعب الكوردي وأحزابه السياسية المناضلة وقطّاعات واسعة من المواطنين على إختلاف مشاربهم وأفكارهم السياسية حول الفيدرالية ضمن العراق الديموقراطي التعددي الفيدرالي الموّحد، وهناك طروحات عديدة حول الفيدرالية التي يطالب الكورد بها والفيدرالية الإدارية التي يطالب بها البعض ممّن كانوا حتى الأمس القريب يؤيّدون وبحماس الفيدرالية القومية والجغرافية للشعب الكوردي.
قبل كل شيء من الضروري الإشارة إلى الأصوات الناعقة والأحقاد الشوفينية المتعّصبة التي تصدر من الأعراب وحكام بعض الدول العربية ودول الجوار، وبالأخّص أيتام أتاتورك الذين يزعمون ليل نهار بأنّ الكورد يسعون إلى تقسيم العراق، ولا يقف هؤلاء عند غلهم الأسود وهجومهم الشرس على الشعب الكوردي الأبي الذي قدم التضحيات الجسام من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة، بل يذهبون إلى نسج الأكاذيب واللجوء إلى الإسطوانة المشروخة لإيهام شعوبهم والضحك عليهم والزعم بأن الكورد يريدون تأسيس " دويلة " على غرار إسرائيل، وبمساعدة من الدولة العبرية والحركة الصهيونية !!، لكن الشرفاء من العرب والأتراك والقوميات الأخرى في كل مكان يقفون بالضد من تخرصات وأكاذيب الأعراب وقادتهم ودول الجوار، ويفضحون زيفهم وأكاذيبهم، وهنا يجب أن نقول لهم ونذكرهم بأن القطار قد فاتهم، وأن الكورد لا يصغون لهم، وانهم مصممون على بناء الفيدرالية التي يريدونها، وإنّ العار سيلاحق أعداء الكورد وكوردستان.
إنّ الأخوة العرب وأبناء القوميات الأخرى من العراقيين الذين شاركوا في مؤتمرات المعارضة العراقية وقفوا دائماً إلى جانب مطالب الكورد في الفيدرالية القومية، ولكن الغريب هو ما يحصل الآن حيث أنّ البعض منهم وبعد زوال نظام المجرمين السفلة في العراق وإلقاء القبض على رأس النظام العفن المجرم صدام حسين أخذوا يبتعدون شيئاً فشيئاً عمّا اتفقوا عليه من وعود سابقاً.
إنّ الكورد يؤكدون على ضرورة توحيد الجهد والكلمة ونبذ الخلافات في الظرف الراهن، لأنّ الخلافات تؤدي إلى تمزق الصفوف وتبعثر الجهود في هذه المرحلة الحرجة التي يمّر بها العراق، إذ أنّ نظام البعث قد انهار، وترك لنا عراقاً مليئاً بالخراب الإقتصادي والأمني والفكري والاجتماعي والأخلاقي، وممّا لا شك فيه أنّ هذه العوامل ستخلف من ورائها دماراً شاملاً لا يقوى بعدها العراق على النهوض إلا بعد سنوات كثيرة، الأمر الذي يستدعي تظافر جميع الجهود لكي تبني وتعّمر وتتطلع لمستقبل أفضل، خصوصاً وأنّ أعداء العراق لا يتركوننا وشأننا، بل يستمّرون في تآمرهم وعدائهم لنا، ويشغلوننا بمعارك هامشية وجانبية لكي لا نقوى على النهوض، ولكي نبقى فريسة سائغة لهم.
إنّ الأعداء يسعون لإشاعة اليأس بين العراقيين وتشجيع الجماعات التي تنتمي لأفكار البعث المنهار ومطايا وأرامل " الرئيس " الساقط صدام حسين لخلق أزمات وتوترات في المجتمع العراقي، والوقوف ضد الكورد وحقوقهم العادلة، وإثارة العناصر الموتورة والزعم بأنّ الكورد يحاولون تقسيم العراق وإنشاء دولة كوردية.
إن الكورد يطالبون بالفيدرالية ضمن عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي موحد، وهذا لا يعني أبداً تقسيم العراق، وينظر الكورد بأن التقسيم كذبة افتعلها اليائسون لغاياتهم الدنيئة، وأنّ التقسيم إحتمال غير واقعي، لا لشيء سوى لأنّ نشوء دولة كوردية في العراق أمر بعيد في ظل الظروف السياسية المعّقدة في المنطقة، وأن الحركة القومية الكوردية صاحبة الشأن لم تطرح مثل هذا المطلب، إذ أنّها تؤكد دائماً على الفيدرالية ضمن عراق موّحد.
ويعلم الكورد بأنّ الدول المجاورة وبعض الأطراف الدولية لن تسمح بنشوء دولة كوردية، والأكثر من ذلك فانّ بعض هذه الأطراف ترفض حتى الإقرار بوجود شعب كوردي، وعلى سبيل المثال فإنّ تركيا الطورانية مثلاً لا تعترف بوجود الكورد الذين يقارب عددهم العشرين مليوناً ويعيشون على أراضي آبائهم وأجدادهم والملحقين قسراً بها، وتصرّ على تسميتهم بـ " أتراك الجبل " ورغم ذلك فإن أطماع تركيا في العراق معروفة، وظروف البلاد ومخلفات النظام الصدامي البائد تخلق ما يشجع هذه الأطماع، أمًا جمهورية إيران الإسلامية فترفض الإعتراف بحقوقهم القومية متذرعة بترديد " لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى " و " ان اكرمكم عند الله أتقاكم " وكأنّ الإقرار بهذه الحقوق سيفرّق بينها، وأمّا سوريا العربية فإنّها تحرم الآلاف من الكورد حتى من حق المواطنة بعدم منحهم الجنسية السورية.
إن موقف الكورد هو النضال دون هوادة دفاعاً عن وحدة العراق واستقلاله وسيادته، إنّهم ضد تقسيم البلاد، وضد أية إنقسامات طائفية وقومية، وهم في نفس الوقت ضد الإحتلال ويعملون مع سائر القوى الوطنية العراقية على إنهائه، وعلى الآخرين الذين يكثرون من التشدق بتغنّيهم بـ " العراق الموّحد " زوراً وبهتاناً بمناسبة أو بأخرى التحلي بالأخلاق الفاضلة، والركون إلى لغة المنطق والواقع عن طريق إحترام الحقوق العادلة والمشروعة للشعب الكوردي، وإذا ما أصّر هولاء الوقوف ضد مطامح الكورد، فإنّ أحوالهم سوف لن يكون أحسن من حال " قائد الأمة وباني مجدها " الجرذ صدام حسين، لأنّه سيحق للكورد المطالبة بإجراء إستفتاء عام في كوردستان، وعندئذ سيصّوت الكورد وسيقولون نعم للإستقلال.
إنّ صيانة العراق كوطن تستند إلى أساس تاريخي متين، قوامه وحدة شعوبه المتآخية من العرب والكورد والتركمان والكلدوآشوريين والأرمن، وبالكفاح المشترك الذي تعمّد بالدم والتضحيات لجميع المناضلين من القوميات المذكورة أيّاً كانت إنتماءاتهم وعقائدهم وطوائفهم، وقد تكلل تكاتفهم ونضالهم في إزالة النظام البعثي الفاشي وهزيمة آخر قلاع القومجية العربية.
ليس خافياً على أحد بأنّ الكورد قد غيّروا لهجتهم، لأنّهم يواجهون حملات شرسة من الاعداء، وهم يصّرون على ثوابتهم الوطنية والقومية، ولا يقبلون بإملاءات الآخرين، ويقولون بصوت واحد : يجب أن يتضمن الدستور المزمع العمل به في العراق حقوق الكورد في الفيدرالية القومية، وتحديد وتثبيت حق تقرير المصير للشعب الكوردي، وأخذ الواقع الجغرافي بنظر الإعتبار بتحديد حدود كوردستان.
إن مطالب الكورد، هي مطالب القومية الكوردية قبل كل شيء، وليست مطالب هذا الحزب أو ذاك كما يدّعي البعض ومثلما يحلو لهم الترويج ببضاعة كاسدة وتوجيه الإتهامات الباطلة لقادة الأحزاب الكوردستانية المناضلة العاملة على أرض كوردستان، ولا بد هنا من الإشارة بأنّ عدداً من الأحزاب العراقية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي لهم مواقف معادية للشوفينية ازاء طموحات الشعب الكوردي القومية العادلة.
إن الكورد ناضلوا وما زالو يناضلون في سبيل حل قضيتهم القومية بالترابط مع النضال من اجل الديمقراطية لعموم العراق والحقوق القومية للشعب الكوردي وفي مقدمتها الفيدرالية، وهم يؤكدون بأنّ الفيدرالية تعني تأمين الوحدة الحقيقية القائمة على إحترام إرادة الشعب الكوردي في إختياره للفيدرالية، ولا تعني التقسيم وهي إطار مناسب للوحدة الوطنية في العراق.
ويتعين على كل القوى السياسية ان ترتفع الى مستوى التحديات الجسام التي تواجه الشعوب العراقية والوطن وأن لا ترتكب أخطاء كبيرة بحق الديموقراطية، ومن الأجدربالجميع التصدي للمنافقين وأعوان النظام البعثي المنهار والعصابات الظلامية المجرمة، والعمل معاً لتخليص الشعب من آثامهم وشرورهم وبناء دولة القانون والديموقراطية التي من شأنها زرع الثقة بين أبناء القوميات المتآخية في العراق، وتعزيزشراكتهم في الوطن الواحد، وتقوية الأواصر الأخوية فيما بينهم، وبهذا تعلو قيم الكفاح المشترك بين العرب والكورد والتركمان والكلدوآشوريين والأرمن وغيرهم لبناء عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي موّحد.
19 -01 -2004