في الوقت الذي يؤكد جميع الكورد على حرصهم الشديد على وحدة العراق وإشاعة جو التعايش والالفة والمحبّة بين أبناء القوميات المختلفة في الكيان العراقي الواحد، فهم يطالبون في نفس الوقت وبإصرار وعزم بالعمل يداً بيد من أجل بناء عراق دستوري ديموقراطي تعددي فيدرالي، مفّندين بذلك كل المزاعم والمغالطات التي تطرح حول نيّتهم في الإنفصال أو التقسيم، والتي تساق كتلميحات وطروحات يطلقها البعض وخاصة من العنصريين والشوفينيين بهدف دفع الأموربالضد من إرادة الشعب الكوردي، وخلق أزمات أمام العراقيين الذين رزحوا في الخمسة والأربعين عاماً الماضية تحت نير الدكتاتورية الصدامية المتوحشة.
لا بدّ من الإشارة إلى حقيقة دامغة والقول بصراحة بأنّ المجتمع العراقي منقسم بصدد الحقوق القومية للشعب الكوردي إلى إتجاهين رئيسيين، فقسم منهم يؤّيد الفيدرالية، ويقف بقوة مع حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره ضمن عراق ديموقراطي مستقل وموّحد وبما يضمن المصالح المشتركة للشعبين العربي والكوردي والحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدوآشوريين والأرمن وغيرها وضمان مساواتهم في الحقوق والواجبات وإقرار ذلك دستورياً، والقسم الآخر يقف بالضد من هذه الحقوق، ويعمل بكامل ثقله من أجل إعاقة أالوصول إليها !.
ويقف عدد من الشوفينيين ومن ضمنهم بعض المرتزقة الكورد وعناصر تطلق على نفسها لقب رجال الدين من السنة والشيعة كانت حتى يوم أمس بعيدة عن العراق ونضال قومياته بالضد من الفيدرالية ورفضها بإعتبارها بذرة لتقسيم العراق كما تزعم.
وعندما يكون المجتمع العراقي منقسماً على نفسه بصدد الفيدرالية، يتساءل الكورد :
هل ان الفيدرالية مرعبة لهذه الدرجة ؟ وإذا كان هذا هو حال المجتمع فالعديد من أبناء الشعب الكوردي يتساءلون : هل العراق بلد عربي ؟..أين إذاً صوت الشعوب العراقية الأخرى؟ هل نقبل بالفيدرالية ؟.. ولم لا نطالب بدولة مستقلة؟
يزعم البعض من الذين يريدون إخفاء الحقائق بأنّ مستقبل العراق وشعبه هو من إختصاص كل " الشرفاء " من أبناء " أمتنا العربية المجيدة " وليس من إختصاص "عملاء " أمريكا !، ويذهب هذا البعض في غيّه ليزعم بأنّه بالرغم من ان " فكر " البعث كان ولا يزال علمانياً إلا أنّ الأغلبية الساحقة منهم المؤمنين بمبدئه القومي والوحدوي ، هم من المسلمين من السنة والشيعة، وان حزب البعث إنطلاقاً من إيمانه بالإسلام أعطى " الأكراد " الحكم الذاتي"!، ويضيف هذا البعض قائلاً : ماذا يريد ون أكثر من هذا ؟.
الكل يقف في خندق معاداة العراق !، فمن ملوك ورؤساء وحكام الدول العربية، وأيتام وأرامل المجرم صدام حسين من " المثقفين العرب " المرتزقة، وإلى الجوقة العاهرة التي استفادت من كوبونات النفط كلهم يقفون ضد أماني وطموحات العراقيين، ويأسفون على ما حدث لصديقهم وولي نعمتهم الدكتاتور صدام حسين، ولا يذكرون الشعب الذي تم ذبح الآلاف المؤلفة من أبنائه والتنكيل بهم، ولا يذكرون المقابر الجماعية التي تغطي أرض العراق، ولا يستطيعون أن يقولوا بأن صدام حسين كان مجرماً متعسفاً استخدم أقسى أساليب البطش والقهر ضد العراقيين جميعاً، علماً بإنّهم يتذكرون جيّداً بأنّ الطاغية صدام كان دائماً يشكل مصدراً للتهديد والعدوان المتواصل عليهم جميعاً إذا وجد أي فرصة سانحة له لتنفيذ ذلك.
ليس خافياً على أحد بأنّه تجري اليوم وبنطاق واسع في كوردستان وفي جميع بقاع العالم حيث يتواجد الكورد وأصدقاؤهم نقاشات وتبادل للرأي بين مختلف قطاعات الشعب وفي مقدمتها قطاع المثقفين حول العراق وموقع الكورد فيه، ويطالب الكثيرون منهم إجراء إستفتاء عام وإبداء الرأي حول شكل العلاقة التي ينبغي إقامتها بين كوردستان والمركز.
منذ فترة ليست بقصيرة تنشط فعاّليات وتعقد اجتماعات موسعة، وندوات تلفزيونية بمشاركة الفضائيات الكوردية ( كوردستان تي. في وكوردسات ) لمناقشة موضوع الاستفتاء العام، حول مستقبل العراق، وحق تقرير المصير للكورد نظراً للتطورات الحاصلة في العالم، والمتغيرات الناتجة عنها بخصوص العراق وكوردستان ووجود أرضية خصبة وصالحة للنقاشات وتبادل الآراء بالإعتماد على الديموقراطية التي تتسع مساحتها يومياً.
يقول البعض بأن الفيدرالية قد شاخت وعلينا إيجاد صيغة أخرى تدفع بالقضية الكوردية إلى الأمام بحيث تنسجم وتتناغم مع مستجدات الوضع الراهن، وان الأحزاب والقوى الكوردستانية وبعد صراع مرير ونقاشات حادة بدءاً من مؤتمر واشنطن ولندن واجتماعات شقلاوة والناصرية وبغداد، وحتى ولادة مجلس الحكم ، وبتأييد ومؤازرة القوى الديموقراطية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان أستطاعت من تثبيت الفيدرالية للكورد. إلا أنّ الملفت للنظر وبعد خوض تلك النضالات المريرة وحل العقد العديدة التي عرقلت ولادة الفيدرالية، نرى وجود نظرتين لأصحاب الفيدرالية، فالقسم الأول ينادون بفيدرالية لامركزية، وكما يطلق عليها الإدارة المحلية لتمشية معاملات إدارية روتينية عادية بحتة، ويقف الكورد بالضد منها، وأمّا القسم الثاني وهو ما يطالب به الكورد والديموقراطيون والقوى التي تحترم حقوق الانسان من فيدرالية جغرافية أو قومية سياسية، إلا أن قطاعات كبيرة من العراقيين يقفون ضد هذا الميل، أو هذا النوع من الفيدرالية !.
ان دكتاتورية صدام حسين البغيضة وخلال السنوات الماضية استطاعت التأثير على عقول جماهير واسعة من العراقيين والعرب، وأن تحّولها إلى شراذم تخدم غاياتها وتسبح بحمده، ولكن الغريب في الأمر أن يرى المرء وبعد أن تمّ قبر النظام الصدامي العفن رؤية الحشرات الضارة التي تروّج لحد الآن لبضاعة الدكتاتورية المقيتة، وعلى سبيل المثال لا الحصر يطالب نفر ضال ممن لا كرامة ولا شرف لهم الكورد بالتخّلي عن كلمة كوردستان !، وتذهب زمرة من الزمر الحاقدة لتحصر تسمية " كردستان " بالسليمانية وجبالها، وعدم ترديد كلمة كوردستان واستبدالها بـ " الشمال العزيز "، لأنّ هذا يدخل الطمأنينة الى قلوب العراقيين!، ولكن هؤلاء الجهلة نسوا بأن " باني الأمة ورمزها الخالد " نفسه ورغم كل جرائمه ضد الشعب الكوردي أقّرّ في السبعينيات بـ ( كوردستان ) مرغماً.
ان الكورد يسعون سعياً حثيثاً لبناء عراق ديموقراطي دستوري تعددي فيدرالي موّحد، ومن أجل ذلك يجري نقاش واسع بين المثقفين الكورد حول كوردستان العراق ، وكيفية تنظيم العلاقة مع المركز، ويرون بأنّه من الضروري التأكيد على وجود نص في الدستور الجديد يؤّكد على العراق يتكّوّن من أقليمين عربي وكوردي، وعدم التطرق إلى أنّ العراق جزء من الأمة العربية، ولا بأس من الإشارة إلى أنّ الجزء العربي من العراق هو جزء من الأمة العربية، وهناك عدد غير قليل من المثقفين الكورد يدعون إلى الإنفصال عن العراق، وإعلان الدولة الكوردية المستقلة وذلك عبر التصويت لإستفتاء شعبي في كوردستان.
ترتفع هنا وهناك أصوات، وخاصة من القوميين العرب الشوفينيين مطالبة بإجراء إستفتاء عام في العراق إذا ما طالب الكورد جميعاً بدولة مستقلة !، وفي المقابل يرفض الكورد إستفتاءً عاماً يشارك فيه العراقيون جميعاً، لأنّ حالة الإستفتاء تظهر مدى فاعلية وقوة المشاركة الكوردية وصولاً إلى غاياتهم السامية في الإستقلال أو عكس ذلك. ويرى الكورد بأن عددا كبيراً من الذين يعيشون خارج كوردستان غير ملم بالوضع ولا يعرف شيئاً عن حقائق الماضي وما حلّ بالكورد من كوارث ونكبات، كما يوجد عدد آخر يحمل روح العداء للكورد، وهذا لا يعني قط عدم وجود عراقيين وطنيين من كافة القوميات والأديان والمذاهب ومن الأحزاب الدينية والعلمانية وقوفهم إلى جانب الكورد ونضالاتهم وحقوقهم القومية، ومعرفتهم التامة عن تاريخ وجغرافية العراق والمنطقة.