أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - شمعة حبلي بالنور















المزيد.....

شمعة حبلي بالنور


أشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2313 - 2008 / 6 / 15 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


يتكون الجنين في رحم أمه علي صوت الخوف الذي يتردد ويشيع حوله00 تنمو أعضاؤه ويكتمل نموه في غشاء الفزع والرهبة00 يتكون محيطه من صدي المدافع والقنابل0 يخرج للدنيا بطلقات نارية00 يصرخ من هول ما ينتظره وما تخفيه الأيام00 يفتح عينيه علي غبار المنازل المقذوفة ودخان الإطارات المنتشر هنا وهناك00 ينتفض 00 يحبو 00 يقفز 00 يتعلم حروف الكلام الأولي من شفاة ظمأي أكلها العطش 00يرقب من حوله ويحصيهم00 ثم يبدأ عداد الموت يحصد في الأرواح، ويبدأ هو في العد التنازلي للغائبين00 يدرك منذ نعومة أظافره أن الاشياء تمضي في النقصان، وأن الحياة قصيرة00 ينسحب الأمل ويجرجر ما تبقي من هدوء وسكون 00 ويطلق البوق صفاراته يمينا ويسارا، فتتحول الدنيا في لحظة إلي ركام وأنقاض00 وتستبيح الفوضي غير مظاهر الحياة00 للموت أبناء يولدون00 وللموت يذهبون ولا يعودون00 تصلب قواهم وتحملهم أقدامهم علي الأرض المبللة بالدموع والدماء، وعندما يخطون أولي خطواتهم في الطرق المتعرجة غير الممهدة، تصطدم أقدامهم الطرية بالجثث وبقايا الإنسان المنتشرة في المكان00
الصامدون الصامدون00 الساعون الساعون00 الصابرون الصابرون00 المؤمنون المؤمنون00 الحاملون علي أعناقهم كلمات الله الحسني ودرر القرآن المجيد00 يرددون حي علي الفلاح00 حي علي الجهاد00 الله أكبر 00 الله أكبر00
تحيط الأسلاك والجرافات والدبابات والبوابات والممنوعات والمحظورات المدن المحصورة المذبوحة، وتبدأ دروس التلقين والمشاهدة اليومية، فالأحداث هم الذين يصنعونها ويطورونها ويعايشونها0
«ولدان في القبر الجماعي الحبيب
طفلان من موت ونعناع
أحن إليهما00 وأحن
ينتظران عودتي القريبة بالدفاتر والزبيب
ويحن لي موت قريب في القبر الجماعي الحبيب
وأنا قتيل في الحياة
قتيل أوباش الشعوب
سميح القاسم»
رغم ما يعانون يطوف التوهج المدهش في العيون يثير الأسئلة 00 يحير الكثيرين طوفان البراءة ومخزون الصدق؛ ويجيب عن الاستفسارات00 في خضم الفوضي يولد الإصرار يرتب الهمجية ويفسر الدروس النبيلة في العصور الأمية، يقتات من الآلام زاد التواصل والمثابرة00 ويخترع طرقا جديدة للمقاومة، ينتقلون من حدقه لمقلة ، ومن كف طفل لضفيرة بنت، ويرددون أغنية الشهيد ، فتصير الحياة رحلة قصيرة مفعمة بالوفاء والتضحية 00 يختزلون الأحلام والأماني00 فهم ليس لديهم وقت للتفكير، كل الأشياء قدرية واجبة التنفيذ مدفوعة الأجر من سنوات عمرهم00 يعطون كل ما لديهم 00 ولا ينتظرون شيئا00وليس هناك من يدفع شيئا00 يعطون للوطن للأرض دون مقابل00 يظلون يعطون ويعطون ويعطون00 حتي إنهم لم يعتادوا علي مقابل الكلمة00
سكب الزيت في القنديل0 فاضاءت العتمة دروب الحياة وتشابكت الكلمات بالكلمات والحروف بالحروف والمعاني بالمعاني، لتواجه أسلاك الحصار وسلاسل المنع والقمع والردع00 وحاصرو الحصار وسجنوه، فرضوا عليه الجهاد رغما عنه، شرعوا لهم مفردات جديدة تزين بها عوالمهم الناقصة الباهتة الكاذبة00 سكب الزيت في القنديل وغرد العصفور فوق جسد الشهيد ورافقه في المشوار الأخير0
للموت معنا حكاية عجيبة00 وصداقة قديمة، دائمة مستديمة00 فهو يزورنا كل صباح كل مساء في مواقيت الصلاة، وفي أفراح البنات00 يحفظ وجوهنا وملامحنا وساعات لعبنا ولهونا ، يعرف متي نخرج ومتي نعود، حتي تلك الأماكن السرية التي نزاول فيها نواقصنا يعرفها جيدا، يعرف أماكن الحانات والبارات ولديه اسرار الشفرات والجوالات والحقائب الحديدية00 يأتينا بغير ميعاد ، أصبح البيت بيته، وكأنه أحد أفراد الأسرة المواظبين علي موائد الغداء والعشاء، تعودنا عليه واعتاد هو وجوهنا00 أحيانا نسأل أنفسنا في دهشة إذا مرت ساعة دون مشاهدته في أحد الأرجاء 00 ونقول اللهم اجعله خيرا00
لم تكف جدران البلدة00 ما أكثر عبارات التنديد ، وصور الموتي في الطرقات تهيم00 ما أكثر الاناشيد ووصايا الآباء للابناء00 لم تكف الأوراق والأحبار00 مازالت القصص تتلا والبطولات00 فلنحكها ولنحفظها ولنرددها حتي لا تصدأ ذاكرتنا00 ونعيدها في كل الأوقات0 نخشي أن يأتي صبح غريب تمحي فيه الذاكرة والتاريخ والإنسان0
تدور الساعة المعلقة علي الجدران الصماء الصامتة00 تهرول عقاربها وتجري دون توقف تخترق الوقت، تهرب من عين الحارس والسجان00 لكن ميعاد الوعد لم بأت بعد00 فالساعة المعلقة تدور عقاربها بأوامر صارمة، لا يجدي معها الهزل أو الهذيان00 تتآكل شموع النار وتخفت00 لكن الشمعة الحبلي بالنور تتوقد تتأجج بقبس من نور إلهي لا يطفئه صراخ الأشباح00
يطوف لحن الشهيد علي بيوت المقاتلين يوقظهم ويلقي عليهم بالأوامر00 يقرع البيوت ليستقبل الأطفال البشارة00
تصدر القرارات بإبادة مناطق كاملة00 بأحيائها، شوارعها00 حواريها00 أزقتها00محلاتها 00 مدارسها00 مساجدها00 كنائسها00 يشوهون معالمها وملامحها00 يقتلعون ذكريات الناس بالجرافات الكاسحة00 يسوون الحياة النابضة بالأرض00 يقذفون المرافق00 يضربون محطات المياه ويقطعون أسلاك الكهرباء00 ويسقطون الطير والحمام00ويفتشون عن الأشياء الباقية ليحصدونها في طريقهم00
تفتح الأبواب المغلقة علي مصاريعها00 ويفترش الناس الشوارع 00 وتصبح الأمة عارية00 يلقي عليها الغادي والرائح نظرات الشفقة والحسرة والأسف00 يتكوم العجزة علي أطلال المأساة يحملون الصور والتذكارات، ممسكين بأثواب الشهداء وبالأكفان00 كل الأشياء تجتاح00 نحن في عصر لا تصون فيه الحرمات00 عصر يعيش فيه الناس في العراء00 يأكلون00 يشربون 00 ينامون 00يقضون حاجاتهم حتي ما إذا أتت الكاميرات ترصد عورتنا وصندوق ملابسنا وأوانينا وكتب الأطفال00
تقف طوابير المشردين والمبعدين والمطرودين علي نواصي التاريخ تنتظر عربات الإغاثة أو سيارات الإعانة00 يطول الانتظار00 لا شيء يأتي00
تستدعي الأحداث أبطالها00 وكأن التاريخ يكرر نفسه بشخوص جديدة تمضي في طريق الآلام 00 أشواك علي الأرض وفي الأقدام00 انصال في كل مكان تغرس في القلب وتغوص في الأحشاء00
في قريتي المهدومة المهجورة المنهوبة، يتواعد الفتية أن يلتقوا بعد غروب الشمس علي أنقاض بيت تهدم، وتمضي الشمس، يتأهب الفتية للميعاد ويخرجون يحملون فرحة اللقاء ويتوجهون حيث البيت المهجور لكنهم لا يلتقون ، فكل منهم أخذ وجهة مختلفة، ثم ما أن يلتقوا حتي يكتشفوا أن بيوت قريتهم جميعها مهدمة ومهجورة فيضحكون ويبكون00
ستة وخمسون عاما علي النكبة00 ومازال الجرح مفتوح يعربد فيه المحتل، لكنه رغم البلطجة التي يمارسها لم يهنأ بشيء، ولن يهنأ، فهو دائما منهك، مضطرب، يفقد توازنه، وسرعان ما تنتابه حالة الجنون فيبدأ بتوجيه مدافعه وصواريخه في كل مكان، يحاول أن يخيفنا: فيفزع من صوت الدوي ويهرب ليختبئ من نفسه00
الغائبون سيعودون00 بإرادتهم 00 رغما عنهم 00 سيعودون، في القمح والملح والريح والماء00 في الطير والشجر والحجر00 سيعودون لأنهم لم يبرحوا الأرض00
يتوهم جلاد أخرق أن كثرة ضرب سياطه ستثنينا عن أحلامنا00
يتوهم سجان أرعن أن كثرة الأقفال علي قضبان السجن ستفقدنا حريتنا00
يتوهم جندي معتوه أن إمساكه بقرص الشمس سيجنبه الرمضاء00



#أشرف_بيدس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدوارد سعيد قلب المكان
- أمي الفلسطينية
- فرحة الدنيا
- العاشقة الصغيرة
- سمراء
- الموت00 ورائحة الياسمين
- تبت أياديكم
- ريم00 امرأة فلسطينية
- شهداء وعملاء
- فاتن حمامة : السير علي حافة الهاوية
- رسالة إلى امرأة غير استثنائية
- مارسيل خليفة: صوت البسطاء
- الراقصات والسينما


المزيد.....




- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - شمعة حبلي بالنور