أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - إدوارد سعيد قلب المكان















المزيد.....

إدوارد سعيد قلب المكان


أشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2310 - 2008 / 6 / 12 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


تمضي الحياة بسرعة 00 نلتفت يمينا ويسارا 00 فنري الأيام تجري مهرولة مسرعة، وكأنها تخشي شيئا ما يعدو خلفها00 قليلون ينتبهون إليها ويسابقون الزمن ليرسموا حكاوي في الذاكرة، لا تنضب ولا تجف00 تمضي الحياة سريعة، دون توقف، إلا في محطات رئيسية لا تستطيع تجاوزها00 لقد كان إدوار سعيد محطة من محطات الوطن00 وقفت عندها الحياة لتنحني في احترام ووقار00 إن الحياة رغم كل شيء 00 تعشق من يصارعها ويتفاعل معها00 وتكره المهمشين00 الذين يلوكون بالعبارات الضخمة طوال الوقت دون فائدة00 ولأنه كان يعشق الحياة، عشقته الحياة00
يصير الرحيل حكايات علي الشفاة يترجل الخطي حيث النهايات المحتومة00
يتوسل الأماني في زمن الكساد، ويتأمل في سعة من رحابة الأفق وبعد النظر00
يمشي إلي المقابر زاحفا00 راكضا00 لاهثا
يكتب آخر الكلمات بالألوان السوداء والبيضاء00
في الوداع الأخير00 الصمت يخيم علي المكان00 ويفرض لغة جديدة لا تقبل التأويل أو التفسير00
يلقي نظرة علي الدنيا00 ويطرح تساؤلا؟؟
في أي أرض نولد؟00 وفي أي أرض نموت؟00 ولماذا نموت في بلاد جليدية جامدة00 لا تحمل العيون فيها دفء المعاني؟00
لماذا يكون الموت بعيدا؟ حيث الجنازات الفقيرة، والسرادقات الصغيرة، وعبارات العزاء المعبأة، وكلمات التأبين جاهزة الصنع00 كان أولي أن يحملك أبناء شعبك في المشوار الأخير، وفاء لدين طوقت به أعناقهم00
هل صار خلفك نساء ينتحبن00 يولولن00 يصرخن00 يبكين من لوعة الفراق؟00 يمشين حفاة 00 يعتصرهن الألم، وتكويهن حرقة الفراق؟
هل وقف علي رأسك أبناء العمومة والخوالة يتلقون العزاء؟
أم كنت وحيدا في بلاد لم تنصب فيه أحزان!!
«كم كنت وحدك يا ابن أمي
يا ابن أكثر من أبي
كم كنت وحدك
القمح مر في حقول الآخرين
والماء مالح»
محمود درويش
وضعوك بعربة سوداء فارهة تمشي في شوارع نظيفة تغسلها الأمطار صباح كل يوم0 كنا سنحملك علي أعناقنا المنهكة وفي مقل العيون النازفة، ونغسل شوارعنا الحمراء بدموع الصبايا والأمهات00
في الغربة فاضت الروح 00 وتجمع الأطفال في الحوش الكبير00 تفحصوا وجوه بعضهم البعض00 وبعد لحظات انخرطوا في بكاء شديد00 شديد00 أقسي من تلك الغربة التي كنت تبحث لهم فيها عن بيت يلتف حوله سور حديدي يحميهم من الكلاب الضالة00
تجمع الصبايا في الحوش الكبير00 وأخفوا وجوههم 00 وارتكنوا الحوائط والزوايا يبكين بصوت خفيض00
لم تنسك بلاد البرودة00 حرارة الأرض المقدسية00 حيث ولدت 00 اختطفك الترحال دوما00 وكأن الحياة رحلة سفر ومحطات ومتاهات ومدن كثيرة00
لماذا تحملت فوق طاقتك؟؟ وغزلت من هموم وأوجاع أوطانك معطفا شتويا لازمك حيثما كنت00
كان أجدي بك أن تشفق علي جسدك النحيل المتعب المنهك من هذه الأثقال، وتترأف به00
من تملك منك 00 السرطان00 أم القهر الإنساني00؟
مازلت داخل المكان في صورة الوطن الكبري، موشوما علي جدران شوارع القدس القديمة ومبانيها التي تعبق الزمان برائحة مريمية00 تبرز ملامحك ناصعة شفافة، ويطل وجهك من الجرح ضاحكا باسما بشوشا00يلقي بالبذور في الحقول، وبالدروس في المدارس، وبالمواعظ في الكنائس، وينشد النشيد وترانيم الصلاة00 تنير أرجاء اللوحة، وتلتف حولك الزهور والورود 00 وبخور القدس العتيق 00
لم تغادر المكان 00 بل أنت قلب المكان00 تحتويه ويحتويك00 تحتمي به ويحتمي بك00 فقد كنت خير معين 00
في الشتات تتملك الحيرة الإنسان00 أحيانا تضعفه00 وتدفعه لتقديم تنازلات ليواصل الحياة00 لكنك شتت الحيرة00 وأبقيت داخل الكلمات حروفاً تنبأ بالأحداث 00 وتنازلت عن نفسك قربانا للوطن المطرود من جغرافيا الأمم البلاستيكية00
اخترت الصمت في زمن الطنطنة، وآليت علي نفسك ألا تسير في مواكب الموالد العشوائية، فقد كنت جوقة تعزف أعذب الألحان 00
لماذا في هذا التوقيت الرحيل، ما أحوجنا إليك00 ما أحوجنا إليك00
في الأساطير الفارس لا يموت، يظل للرمق الأخير يكافح ويناضل، ويطلق للريح أنفاسه 00 فماذا حدث00 يا أسطورة الوطن؟00
في الذاكرة تدفن00 ويواريك الثري00 تملأ الخيال00 وتشحذ الهمم00 آن لك أن تستريح الآن بعد عناء الرحلة، وآن للمغالين أن ينظموا قصائدهم الصماء اللقيطة وينشدوا أغانيهم وحكاويهم السفيهة00
عندما تيأس الروح من الرجوع إلي التراب الأصيل00 ترتضي الزوال 00 فهل يأست الضلوع والجوارح من الرجوع؟
خطيئتنا الوحيدة هي الحرية00 ندفع فواتيرها كل صباح00 في المنافي والمخيمات والمواني والمطارات، وعلي الحدود والجسور 00 خطيئتنا الوحيدة هي الحرية00 فهل الحرية جرم نستحق عليه كل هذا العناء؟
تتشابه الأشياء في بعض الأحيان00 فنراك أبا وأخا وصديقا00 ومثالا جميلا للالتزام والنبوغ والشموخ والثقافة والوعي0
مغروسا أنت داخلنا00 وتدا يصارع الأعاصير والرياح00
وأنت ابن المعاناة والمرارة00 لم تستطع أن تنفصل00 وكيف تنفصل ودماؤك مقدسية00
أرقك كثيرا البحث عن إجابات للأسئلة المستحيلة00 فبدأت باكتشاف نفسك ومواجهتها ، وكنت أحيانا تقسو عليها00 فكبدتها ما فاق الحد00 اخترقت الحواجز والحدود، ولم تعبأ بالتواطأ 00 حاولوا أن يرهبوك00 أن يخيفوك، لكنك لم تذعن لهلاوسهم الهيسترية، اقتحموا سكينتك، هددوا أولادك، لكنهم لم يتمكنوا من زعزعتك وإزاحتك00 لم يقهرك سوي الموت00
قدرنا أن نموت في أرض الشتات، فالغربة هويتنا الضالة00 نلفظ أنفاسنا الأخيرة وسط وجوه باردة 00 ونرحل دون عزاء00
الآن 00 آن لك أن تستريح 00 وتريح قلبك من المتاهات00 آن لجسدك النحيل أن يرتكن الجدار ويتأمل الرحلة الطويلة00 عندما تحن ساعات الرحيل، لا شيء يتحرك، فالصمت يسافر في المكان، والسكون يعزف اللحن الجنائزي علي ذاك البيانو الذي داعبت فيه أناملك ذكري الليالي الطويلة00
أثني عشر عاما من المرض 00 تسلل السرطان إلي جسدك النحيل ينخر في العظام، ويلوث الدماء ويستبيح الوعي الوهاج00 يفقده التركيز، ويشل حركته، مازال المكان يحفظ الدروس ويردد علي الأسماع آخر الإبداعات00 الحضور كبير 00 والتلاميذ يملأون قاعات المحاضرات00الصمت يسود المكان ويلف الأنفاس 00ينتظرون البروفيسير أن يدخل من باب القاعة ليلقي آخر الوصايا، تري هل ينتظرون كثيرا، ومن يلقي عليهم آخر الكلمات وآخر الوصايا في الجولة الأخيرة 00
آثرت الرحيل، وما أحوجنا إليك00
في المدن الصماء الحزينة00 يترصص الأطفال علي الأرصفة الأسمنتية المبتلة بالدموع، يحملون شموع الوداع في القداس الأخير، فينيرون المكان والزمان 00 بعد أن أضأت لهم غياهب الظلام00 ورسمت لهم ولأوطانهم أبجديات جديدة 00
ستبقي نخلة في البيداء تمطر تمرا للجوعي وللتاريخ وللوطن المحاصر في عيون الصغار00
آن لك أن تطير، حيث الأماكن الرحبة ، فلا تؤرق نفسك كثيرا بحالنا00 فالأرض التي أنجبتك، صالحة دوما للتكاثر، ليس بالضروري أن يكونوا مثلك00 فأنت حالة فريدة في زمن متكرر ومندهش00
لا تصرخ في قبرك 00 سنعي الكلمات ونرددها في طوابير الصباح0 وفي مواكب الشهداء00 وإن لم نفعل فسوف نكون نحن قاتليك 00 نحن قاتليك00



#أشرف_بيدس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمي الفلسطينية
- فرحة الدنيا
- العاشقة الصغيرة
- سمراء
- الموت00 ورائحة الياسمين
- تبت أياديكم
- ريم00 امرأة فلسطينية
- شهداء وعملاء
- فاتن حمامة : السير علي حافة الهاوية
- رسالة إلى امرأة غير استثنائية
- مارسيل خليفة: صوت البسطاء
- الراقصات والسينما


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - إدوارد سعيد قلب المكان