مع شكرنا و أمتنانا الشديدين للسيد دونالد رامسفيلد و لوزارته و لجيشه الذي لعب دوراً مهماً و أساسياً في تخليصنا من صدام و نظامه الهدام لكل أشكال الحياة في العراق .. الا أن هناك ملاحظات و حقائق يجب ذكرها و تنبيه السيد رامسفيلد أليها ما دام مصراً مع بعض مساعديه على معاملة صدام كأسير حرب لدى القوات الأمريكية .
أن أسير الحرب له ميزات خاصة في التعامل لا يستحقها وحش و مجرم كصدام حسين لأنها و ببساطة وضعت و صيغت للتعامل مع أسرى الحروب من البشر و صدام و كما يعرف القاصي و الداني ليس من عينة البشر أصلاً .. فلو كان من البشر و لديه ذرة من الأنسانية لما فعل ما فعل طيلة ثلاث عقود مع أبناء شعبه الذين هم بالأضافة لكونهم من أبناء جلدته فهم قبل ذلك من البشر .. فصدام و أزلامه لم يؤثر فيهم يوماً من الأيام بكاء طفل على أمه التي غيبتها السجون و أستباحتها ذئاب الطاغية .. أو نحيب أم على ولدها الذي أنتزع من أحضانها من دون ذنب و عاد أليها أشلائاً مقطعة .. أو توسلات أب يرى فلذة كبده يساق كالذبيحة الى ساحات ( الوغى ! ) في أيران و الكويت أو الى حفلات الأعدام الجماعي التي كان يقيمها صدام و أزلامه لضحاياهم من الأبرياء .. فكيف بعد كل هذا يعامل صدام كالبشر ؟
ثم أذا أفترضنا جدلاً أن صدام من البشر ولو أن هذا من سابع المستحيلات فأية حرب هذه التي يريد السيد رامسفيلد أن يكون صدام أسيرها ؟ حيث أن تعبير أسير حرب أصطلح عليه لحالة أسرى الحروب التي تحصل بين الدول و جيوشها و التي تؤدي بالتالي الى أسر أعداد هائلة من البشر لا ناقة لهم و لا جمل في هذه الحروب لذا و ضع هذا التشريع من قبل المنظمات الدولية لحماية هؤلاء و لتنظيم طريقة التعامل معهم لحين البت في أوضاعهم بعد أنتهاء الحروب .. لكن كلّنا نعلم و من ضمننا السيد الوزير بأن ما حصل في العراق في آذار / نيسان الماضيين هو غير ذلك و لم يكن ما حصل حرباً بالمعنى الحقيقي للكلمة خاصة و أن الشعب العراقي بمعظمه كان قد قال كلمته الفصل في هذه المعركة منذ زمن و قرر الوقوف الى جانب قوى الخير التي جائت لمساعدته في الخلاص من صدام و نظامه و أن كانت قد تأخرت كثيراً .. نعم نستطيع القول أنها كانت كسابقتها في أفغانستان حرباً بين الحق و الباطل .. أو بين الخير و الشر .. و كان من الممكن أن تكون حرباً بالمفهوم التقليدي للحرب لو كان صدام و أزلامه قد قاوموا على الأقل الدبابتان اللتان كانتا تتبختران على جسر الجمهورية يوم التاسع من نيسان المجيد ولم يختبؤا في الجحور فلو أسروا حينها كان من الممكن الحديث عن مثل هذه الترهات أما و قد ألقي القبض على صدام مختبئاً في جحر للفئران بعد عشرة أشهر على أعلان الرئيس الأمريكي بوش أنتهاء الحرب و وقف العمليات العسكرية لذا فالحديث عن مثل هذا الموضوع غير وارد أطلاقاً .
يبدوا أن السيد وزير الدفاع الأمريكي و الكثيرين من أعضاء وزارته ممن يدفعونه لتبني مثل هذا الرأي قد فاتهم بأن الشعب العراقي لم يحارب بل و لم يقاوم الأمريكان بأستثناء شراذم هنا و هناك و لو كان قد قرر ذلك لما تمكن الجيش الأمريكي من الوصول الى بغداد في ثلاثة أسابيع و دخولها دخول الفاتحين وسط ترحيب حذر من قبل العراقيين .. فنحن نرى مالذي تفعله شراذم من بقايا النظام بالجيش الأمريكي الذي يمتلك أحدث تقنية علمية و أكبر قوة عسكرية على و جه الأرض بل و في تأريخ البشرية .. أذ و في يوم واحد فقط أسقطت هذه الشراذم طائرة أمريكية و قتلت من فيها و أجبرت طائرة أمريكية أخرى على الهبوط أضطرارياً .. فكيف أذاً لو كان الشعب العراقي بأجمعه كان قد قرر أن يحارب الأمريكان و يقاوم دخولهم الى العراق ؟ في أعتقادي لو كان ذلك قد حصل لكان سيناريو الحرب قد تغير كثيراً و أصبح أشد قتامةً و سواداً مما يحدث الآن و لما تحدث الأمريكان عن نصر حاسم و سريع و مؤزر بطريقة ( الصدمة و الرعب ) على صدام و نظامه .. لذا و كما يقول المثل المصري ( خلّي الطبق مستور ) و يجب على الأمريكان أن يتذكروا دائماً و أن لا ينسوا بأن شركائهم في هذا النصر بل و العنصر الحاسم فيه هم العراقيون و لولاهم لما تحقق هذه النصر الذي كان السبب الأساسي فيه هو رفض العراقيين للدكتاتورية و الظلم و الأستبداد متمثلةً بصدام و نظامه و من ثم جاء دور الأسباب المساعدة و الضرورية الأخرى و المتمثلة بنصرة قوى التحالف لأخوانهم في الأنسانية من العراقيين في الخلاص من هذا النظام و رأسه العفن .. لقد كان لدى الأمريكان تصور كامل عما حدث و عما كان من الممكن أن يحدث في العراق و كانوا يعلمون جيداً عندما قرروا المضي في هذه الحرب بأنهم لن يخوضوا حرباً بالمعنى الصحيح ضد دولة بشعبها و جيشها و أن حاولوا مرات عديدة أضفاء مثل هذه الصبغة على مهمتهم في العراق فهم يعلمون جيداً بأنهم قد جاؤوا الى العراق للقيام بعملية جراحية لأجتثاث صدام و نظامه و بعض أزلامه من السلطة في العراق و كان الشعب العراقي بكل فئاته الخيرة حليفهم في هذه العملية الأنسانية التأريخية التي نتمنى أن لا يُضيّع الأمريكان معناها و هدفها السامي الذي ستذكره الأجيال القادمة بفخر ببعض تصرفاتهم المتسرعة و الغير مدروسة و التي بدأت تجعلهم بنظر بعض العراقيين محتلين بعد أن كان أغلب الشعب العراقي ينظر أليهم كمحررين .
هناك مسألة مهمة أخرى يبدوا أنها غابت عن ذهن دعاة معاملة صدام كأسير حرب و هي أن صدام بل و العديدين من رموز نظامه البائد هم مجرموا حرب بحسب ألوف أن لم نقل الملايين من الوثائق و المستندات التي تثبت تورط صدام شخصياً في أصدار أحكام و تنفيذ المئات من حالات الأعدام في العراق بحق العراقيين بدئاً من أقرب الناس اليه مروراً برفاقه في الحزب و برموز العراق الدينية و العلمية و الثقافية وصولاً لأبسط أنسان في شعب العراق الصابر .. هذا بالأضافة الى مسؤوليته الجنائية المباشرة كرئيس للجمهورية و رئيس لمجلس قيادة الثورة و قائد عام للقوات المسلحة عن حرب الثمان سنوات ضد الجارة أيران و ما حصل فيها من حصد لأرواح الملايين من أبناء الشعبين الجارين المسلمين و عن غزو الجارة الشقيقية المسلمة الكويت في ليلة ظلماء و ترويع شعبها و أستباحة أراضيها و هتك حرماتها بطريقة و حشية و بربرية يندى لها الجبين الأنساني .. و لا ننسى طبعاً قتله لأطفال العراق لعرضهم على شاشات التلفزيون و مئات المقابر الجماعية التي تضم رفات مئات الألوف من أبناء العراق الغيارى و هدره لأموال العراق على حروبه العبثية و نزواته السادية هو و الموتورين و المقبورين من أفراد عائلته و أخيراً و ليس آخراً تشريده للملايين من خيرة أبناء العراق العظيم و ألخ .. ألخ .. ألخ مما لا تكفي لذكره ألوف المجلدات و الكتب .. أن كل هذا و أكثر موثق لدى العديد من المنظمات الأنسانية التي تصدت طيلة السنوات الماضية للدفاع عن حقوق الشعب العراقي والوقوف بوجه جلاديه أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ( منظمة أندايت ) و ( منظمة الدفاع عن حقوق الأنسان في العراق ) التي يرأسها السيد صاحب الحكيم بل أن الكثير من هذه الجرائم موثّق و مسجَّل لدى المنظمة العالمية لحقوق الأنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة .. فكيف بعد كل هذا و بكل بساطة يتحول صدام فجأة من مجرم حرب مع سبق الأصرار و الترصُّد الى أسير حرب ؟ و ما المغزى من مثل هذا الطرح الشاذ و الغريب ؟
رجائي أن يعيد السيد رامسفيلد حساباته و أن يراهن على الشعب العراقي لا أن يراهن على هذا و ذاك ممن يدفعونه الى تبني هذه الفكرة المضحكة بمعاملة صدام المجرم كأسير حرب .. فأمريكا و بعد ما حدث في العراق قد وضعت كل بيضها و بيض جيرانها في سلة العراق و شعب العراق و ليس لها ألا أن تراهن على هذا البلد و هذا الشعب فقط لأن حاضرها و مستقبلها و مستقبل مصالحها و مصالح أجيالها القادمة مرهون برضى العراقيين .. فحذاري ثم حذاري من أغضابهم و خسران و دّهم .