أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - نجود وعائشة: فعلٌ واحدٌ وردُ فعل مختلف















المزيد.....

نجود وعائشة: فعلٌ واحدٌ وردُ فعل مختلف


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2267 - 2008 / 4 / 30 - 11:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-


هل جاءكم خبر الطفلة اليمينية ذات السنوات الثماني، التي زوّجها أبوها لرجل في الثلاثين من عمره؟

من المؤكد أن هذا الخبر قد هزَّ مشاعركم، وطأطأ رؤوسكم، وأصابكم بالغمِّ، والهمِّ، والغثيان.

ولكن لا بأس.

فهذه الحادثة، وهذا الخبر كنا بحاجة ماسة له، في سجالنا الديني مع الأصولية الدينية في العالم العربي، لكي نُثبت فيه للأصولية، بأن الحدود الشرعية التي جاء بها الإسلام قبل 15 قرناً، ليس تنفيذها عابراً للتاريخ والزمان. وأنها جاءت لمجتمع ما قبل 15 قرناً، ولا سبيل إلى الأخذ بها وتطبيقها هذه الأيام في مجتمعاتنا المختلفة، لأن الناس لم يعودوا ناس ما قبل 15 قرناً، ولأن القيم الاجتماعية الآن، لم تعد كما كانت قبل 15 قرناً.

فلكل زمان قيمه، ولكل ذنب عقابه وبحسب زمانه وناسه.

لقد كانت حدود وعواقب السرقة والزنا والقتل وخلاف ذلك من الجرائم في فجر الإسلام وما بعد ذلك، شديدة وقاسية جداً في رأينا الآن، عندما جاءت قبل 15 قرنا. ولكن كان يجب أن تكون على هذا النحو من القسوة والشدة في العقاب، لمجتمع كان أشبه بالمجتمعات "الهمجية"، وأشبه بمجتمع الوحوش في الغابات. وكانت غرائزه المنفلتة، أشبه بغرائز الحيوانات، فكان لا يليق به، ولا يستأهل، إلا تلك الحدود الشرعية القاسية والشديدة العقاب، كقطع الرأس والجَلد والرجم والتعزير.. الخ، لكي يرتدع الناس، وينصرفوا عن ارتكاب الجرائم. وهذا هو لُبُّ التيار التاريخاني النقدي، الذي يأخذ به معظم المفكرين الليبراليين في التفسير. حيث تعني التأريخانية Historicisme هنا، قراءة النص في إطاره التاريخي والثقافي فقط، واعتماد التاريخ كمبدأ وحيد لتفسير كل الظواهر المرتبطة بالإنسان، حيث تؤثر الإيديولوجيا وصراع القوى والقيم الاجتماعية في تشكيل النص، وحيث تتغير الدلالات وتتضارب، حسب المتغيرات التاريخية والثقافية.

فالتاريخ يكفي نفسه بنفسه.

وهنا يجب أن ننبه إلى أن التأريخانية Historicismeتختلف عن التأريخية. ففي حين تنفي التأريخانية أي تفسير خارج عن إطار التاريخ، فإن التأريخية لا تلغي التفاسير الأخرى للتاريخ. وكان الإمام محمد عبده، يرى أن أفضل مفسر للقرآن الكريم، هو الزمن.

-2-



فما كان يصلح لذلك المجتمع، ولذلك العصر "الهمجي"، لا يصلح لنا ولعصرنا، بعد أن أصبنا من المدنية والتحضر، النصيب الذي نحن فيه الآن. ولذا، فقد جاءت الأديان السماوية كلها قبل 15 قرناً لتردع وتهذّب تلك الأمم الخاشمة والهمجية. ولو كانت تلك الأمم راقية، وذات قيم رفيعة، وحسنة السير والسلوك لما احتاجت السماء للتدخل، والردع الديني القاسي والشديد، على النحو الذي هو في النصوص المقدسة.

والعربي الذي كانت غرائزه تهيج هيجان غرائز الحيوان، عندما كان يشاهد في الطريق امرأة سادلةً شعرها، ومتزيّنة، يفوحُ منها عبق العطر وأريجه، فتشتهيها نفسه، ويهمّ لو يخطفها، أو يعتدي عليها في الطريق، لو أمكنه ذلك( وهذا مبرر الحجاب في ذلك الوقت) قد تغيّر الآن، وأصبح أكثر تهذيباً، وأقل هيجاناً وغرائزية وشبقية من ذي قبل، وسيطر بعض عقله على بعض غرائزه.

ولكن معظم الفقهاء الآن يقولون لنا، إن هذه الحدود الشرعية عابرة للتاريخ، ولكافة المجتمعات الهمجية منها والمدنية، المتخلفة والراقية. ولذا، يسعى الأصوليون الدينيون السياسيون الآن، إلى قلب أنظمة العالم العربي والعالم كله، لإعلان الدولة الدينية، التي تستطيع أن تطبق هذه الحدود.

-3-



لقد أذكرني بكل هذا، حادثة الطفلة اليمنية نجود الأهدل، التي زوّجها أبوها من رجل في الثلاثين، بحادثة زواج الرسول عليه السلام بالطفلة عائشة، التي أصبحت فيما بعد "السيدة عائشة"، التي أمرنا النبي عليه السلام، بأن نأخذ نصف ديننا عنها (خذوا نصف دينكم عن هذه الحُميراء).

فالنبي عليه السلام، عقد على الطفلة عائشة، وهي في السادسة من عمرها، ودخل عليها، وهي في التاسعة عند البلوغ. ورغم هذا، فلم يستهجن العرب يومها هذا الحدث، لأن العرب في ذلك الوقت، كانوا يفعلون الفعل ذاته، وما فعله الرسول، كان في السياق العام للمجتمع. فلا استهجان، ولا استنكار.

ونجود الأهدل تزوجت في الثامنة من عمرها، وحين انكشف أمرها، استهجن واستنكر المجتمع الإنساني هذا الحدث، واعتبره جريمة نكراء في حق الإنسانية، اضُطر معها القضاء اليمني العادل إلى الاستجابة لقيم العصر، وإلى إبطال هذا الزواج كلياً، وليس إلى تطليق الطفلة فقط، لكي لا يعود زوجها إليها مرة أخرى. ودخلت المحامية اليمنية شذى ناصر، التاريخ اليمني من أوسع أبوابه، في دفاعها عن نجود الأهدل.

وكان الكاتب اليمني أنيس الحبيشي قد كتب في موقع "المؤتمر. نت" في 18/4/2008 يقول:

"نعم في القرن الحادي والعشرين عصر الطاقة النووية، ينتصر الإخوان المسلمون بإلغاء "السن العَلْماني" لزواج البنت من 15 سنة ليصبح بمقدور الأب تزويج ابنته لحظة ولادتها ممن يشاء. ولكنهم أيضاً، لم ينسوا أن يدهنوا هذا التعديل سيئ النية والضمير بدهان الكرامة وحفظ الاحترام للمرأة. فقد جعلوا على الزوج ألا يتم تمكينه من البنت حتى تكون صالحة للوطء."



-4-

وعندما قال لنا الطبري وابن كثير وغيرهما من المؤرخين الأوائل، أن الطفلة عائشة، جاءت إلى بيت الرسول عليه السلام بألعابها، وراحت طوال النهار تلعب وتلهو، ولا تعرف معنى الزوجية، وما يجب عليها أن تفعله، لم يكن ذلك مستهجناً بالقياس إلى قيم عصر ما قبل 15 قرناً.

ولكن عندما قالت الطفلة نجود، بأنها كانت تلعب في باحة البيت، فيناديها زوجها (فائز ثامر) لكي تدخل البيت لتمارس معه الجنس، اقشعرت أبداننا، ووقف شعر رؤوسنا، ومنّا من تقيأ، وأُصيب بدوار كبير، لأن ما فعله زوجها (فائز ثامر)، كان ضد قيم العصر الحاضر، وخارج سياقه الاجتماعي.



-5-

وعندما وافق سيدنا أبو بكر على زواج عائشة من الرسول عليه السلام، في هذه السن المبكرة، دون أن تكون لديه حاجة لمال، أو جاه، أو جِمال، من الرسول، لأن الرسول عليه السلام كان فقيراً، ولا يملك ما ملكه عمر بن الخطاب، عندما تزوج أيضاً الطفلة أم كلثوم (وكان بمثابة جَدها)، ابنة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، ودفع لها مهراً عشرة آلاف دينار.. عندما فعل أبو بكر ذلك، لم نستهجن الأمر، لأن هذا الأمر كان من قيم المجتمع العربي، في ذلك الوقت.

ولكن عندما وافق محمد علي الأهدل الفقير والمُعدم، ووالد الطفلة نجود، على زواج طفلته، من فائز ثامر مقابل 250 دولار (رُدت إلى الزوج بعد إبطال عقد الزواج) بُهتنا، وحدّقنا ببعضنا بعضاً، مكذبين غير مصدقين، مستنكرين غير موافقين، لأن ما قام به الأهدل الوالد، مستهجن ولا يُغتفر في هذا العصر، رغم أنه قد أكد للمحكمة، بأنه زوّج ابنته نجود، خوفاً من إملاق، وخشية من خطفها، كما سبق اختطاف أختيها من قبل، وهو أب لأربع بنات، لا يجد لهم عشاء كل ليلة.

فلم نغفر قط لمحمد علي الأهدل هذه الفعلة الشنيعة ببنته نجود، رغم فقره، وتعاسته، وحاجته إلى المال.

وغفرنا لسيدنا أبي بكر فعلته بعائشة، رغم عدم حاجته للمال في ذلك الوقت، وهو التاجر المعروف. وكان السبب في ذلك أن أبا بكر فعل ما فعله، ضمن سياق القيم العامة للمجتمع في ذلك الوقت، بينما لم نغفر لمحمد علي الأهدل رغم أنه يمني، ورغم أن اليمن كانت تعيش قبل ثورة 1962 في القرون الوسطى، وما زالت بعض تقاليد وقيم القرون الوسطى سارية فيها.

-6-

وكتّاب السيرة النبوية قالوا لنا، بأن الرسول عليه السلام، عندما تزوج الطفلة عائشة، كان عمره 53 سنة (منهم من قال 54، أو 55)، فلم نهيج، ونشتط، وننكر، ونعيب، وننتقد سلباً - كما فعل بعض المستشرقين من "أعداء الإسلام"، وكما يفعل بعضنا هذه الأيام للشهرة و(الفرقعة) الإعلامية، مستغلاً مثل هذه الوقائع، للهجوم على الإسلام - لأن ذلك كان من تقاليد، وأعراف، وقيم المجتمع العربي قبل 15 قرناً.

فلا غرابة ولا عجب منه.

ولكننا الآن هجنا، وأنكرنا، واستهجنا، من فائز ثامر، الذي تزوج وهو في الثلاثين، من طفلة في الثامنة من عمرها، وذلك لسبب بسيط، وهو أن هذا ليس من تقاليد وقيم وأعراف العصر الحديث المتمدن (ربما ما زال هذا العُرف وهذا التقليد قائماً في الأرياف والأطراف العربية)، الذي نعيش فيه الآن، بعد كل هذا التهذيب الذي نحن فيه. فمن الصعب جداً أن تحدث قصة نجود اليمنية في أوروبا، أو في المجتمعات المتحضرة، والتي لم تعد لديها المرأة حيّة (ثعبان) تسعى، وإنما هي حياة تسعى.



-7-



والسؤال الآن:

- لماذا نبرر، ونقبل، ونتمسك بالحدود التي جاءت لمجتمع همجي جاهلي – كما يصفه البعض ومنهم غالبية الأصوليين - قبل 15 قرناً، ونريد تطبيقها الآن على المجتمع المدني المتحضر، الذي يسعى الأصوليون لأسلمته، وننفر من قيم وتقاليد طُبقت قبل 15 قرناً، إذا ما كررها إنسان منا الآن، كالزواج من الأطفال في سن نجود الأهدل؟

- أليس هذا فصلٌ من فصول الكيل بمكيالين لدينا.

فلا تقولوا لي أن ذلك نبي ورسول معصوم، وهذا غبي ومسطول مشئوم .

فحادثة الماضي والحاضر تجمع بين رجلين ذكرين، وطفلتين أنثيين.

فالأعضاء واحدة، والفعل واحد، ولكن رد الفعل مختلف، والحكم على الفعل مختلف أيضاً. والسبب هو اختلاف القيم من عصر لآخر، مما يوجب أن يكون لكل عصر عقابه وثوابه ضمن السياق العام للمجتمعات.

فهكذا يجب أن نقرأ الإسلام كله، وكذلك بقية الأديان، قراءة تاريخية من داخل التاريخ، وليس قراءة حرفية من فوق التاريخ.

ولو فعلنا ذلك، لكان حالنا غير هذا الحال، ومآلنا غير هذا المآل. .




#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيقود الغلاء إلى حرب عالمية ضد الأغنياء ؟
- ما هي عوائق السلام في الشرق الأوسط؟
- الإعلام العراقي بين مطرقة الطائفية وسندان الإرهاب
- الهولوكوست الكُردي وأزمة الضمير
- -حرب الأفيون- بين إسرائيل و-حزب الله-!
- بين نابليون الفرنسي ونابليون الأمريكي
- ماذا استفاد العرب من الثورة المعلوماتية؟
- دور الديمقراطية في ترسيخ دعائم المجتمع المدني
- سيراً على خُطى -بلاد الشمس- إلى التقدم
- لماذا كسّرنا الأقلام وقطعنا الألسنة؟
- بؤس الحقيقة في العالم العربي
- ما حال العالم اليوم لو لم يظهر الإسلام؟!
- كوسوفو وفلسطين: تشابه الواقع واختلاف المصير
- قراءة لتقرير البنك الدولي الأخير حول التعليم العربي - لماذا ...
- قراءة سياسية نقدية لتقرير -فينوغراد-
- هل يعيش العرب الآن مرحلة -ما بعد الأصولية-؟
- الجنس والموت في انتحار الإرهابيين
- رئيس أسود في البيت الأبيض
- هل سيحارب عرب 1948 في جيش إسرائيل؟!
- هل ستجتاح ثورات الجوع العالم العربي في 2008 ؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - نجود وعائشة: فعلٌ واحدٌ وردُ فعل مختلف