أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شاكر النابلسي - ماذا استفاد العرب من الثورة المعلوماتية؟















المزيد.....

ماذا استفاد العرب من الثورة المعلوماتية؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 11:07
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


-1-

عندما قامت الثورات السياسية والصناعية في أمريكا وفرنسا في القرن الثامن عشر، وقامت الثورة الصناعية في بريطانيا في القرن التاسع عشر، كان العرب تحت الحكم العثماني. وكانوا داخل سور أشبه بالستار الحديدي الذي أقامه الاتحاد السوفيتي لعزل نفسه عن الغرب. وكان السور العثماني العظيم الذي أقامته الإمبراطورية العثمانية حول نفسها، وعزلت نفسها عن الغرب عزلاً علمياً وثقافياً يكاد يكون تاماً، ما عدا بعض المدارس العسكرية داخل الإمبراطورية العثمانية التي كانت تُدار من قبل مدرسين فرنسيين وإيطاليين، وما عدا بعض البعثات التدريبية في الشؤون العسكرية. وبلغ انغلاق الإمبراطورية العثمانية حداً، أن لا من رعايا الإمبراطورية العثمانية سمع بالثورة الأمريكية أو الثورة الفرنسية، كما ذكرنا في كتابنا (عصر التكايا والرعايا، 1999). كما بلغت العزلة العثمانية حدها الأقصى، أن لا سلطان عثمانياً خرج في زيارة لبلد آخر قريب أو بعيد. وعندما دعا الخديوي إسماعيل والإمبراطور نابليون الثالث السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني (1861-1876) عام 1863 لزيارة مصر وفرنسا بمناسبة إقامة معرض صناعي وتجاري بباريس، تجرأ هذا السلطان المنفتح ولبّى الدعوة وذهب لزيارة مصر في طريقه إلى فرنسا بحراً. ولكن عند عودته، تمَّ خلعه من قبل الانكشارية العثمانية والمؤسسة الدينية التي كانت قائمة في ذلك الوقت، ومات مسموماً بعد أيام من خلعه. وهذا دليل تاريخي ساطع على مدى الانغلاق الحضاري الذي كانت عليه الإمبراطورية العثمانية والأقطار العربية التي كانت تحت حكمها، طيلة أربعة قرون خلت (1517-1918).

-2-

كثير من الباحثين يعتبرون ثورة المعلومات (شبكة الانترنت) التي قامت في الربع الأخير من القرن العشرين، أهم بكثير من الثورة الصناعية الأوروبية التي قامت في القرن التاسع عشر. ورغم ذلك، فإن العرب لم يستفيدوا من هذه الثورة الاستفادة المرجوة، كما أنهم لم يستفيدوا من الثورة الصناعية السابقة، إلا بما أنتجته من سلع استهلاكية في شتى مجالات الحياة. ولم يستطع العرب إضافة أي إبداع علمي أو تقني إلى هذه الثورة، لتصبح الثورة الصناعية ثورة إنسانية يشارك فيها معظم شعوب الأرض. ولكن هذا لم يتم. فظلت الثورة الصناعية ثورة أوروبية بامتياز.

ونحن اليوم أمام ثورة أضخم وأعظم وأشمل من الثورة الصناعية، وفي ظروف سياسية أفضل مما كنا عليه في القرن التاسع عشر، عندما كان العالم العربي كله تحت نير الاستعمار العثماني لمدة أربعمائة سنة. فقد تخلصنا من الاستعمار الغربي، ورحل آخر جندي أجنبي من الخليج عام 1970 باستقلال الإمارات العربية المتحدة. كذلك فقد تحسنت أحوالنا المادية، وبلغ متوسط دخل الفرد العربي السنوي خلال العقدين الماضيين أكثر من أربعة آلاف دولار. بينما لم يكن في ظل الاستعمار العثماني يزيد عن 150 دولار. كما أن هامش الحرية قد ازداد عما كان عليه في السابق، لعوامل إقليمية وعالمية مختلفة لا مجال لذكرها هنا.

-3-

فلماذا لم نستفد حتى الآن من ثورة المعلومات الحالية، الاستفادة المرجوة؟

يمكن للجواب أن يكمن في الأسباب التالية:

1- كان موقفنا من ثورة المعلومات موقفاً أخلاقياً سلبياً محضاً، كموقفنا تماماً من الحضارة الغربية، باعتبار أن ثورة المعلومات هي منتج من منتجات الحضارة الغربية البغيضة لبعضنا. بمعنى أن نزنُ الانجازات الحضارية الغربية بميزان قيمنا الأخلاقية فقط. فكان موقفنا ينطلق من ضرورة التركيز على سلبيات هذه الثورة، وليس على ايجابياتها. فمن المعروف أن لكل ثورة ولكل حركة إبداعية أو تجديدية في التاريخ حدّان، حدٌ سلبي وحدٌ إيجابي. ولا يوجد في التاريخ أية حركة أو خطوة صناعية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية لها حد ايجابي واحد دون حدها السلبي. والشعوب الأخرى ومنها الأوروبية شربت الكأس المرّة للتقدم والحداثة مجبرة، وهي تعلم أن المرارة هي الدواء للداء الذي كانت هي فيه.

2- نتيجة لعدم توفر التجهيزات الأساسية لاستقبال وتوزيع هذه الخدمات المعلوماتية، والتي تتطلب استثمارات مالية ذات مردود مادي طويل الأجل، فقد تم اقتصار هذه الثورة المعلوماتية على الدول العربية الغنية بالدرجة الأولى وهي دول الخليج. في حين أن نطاق هذه الثورة ظل محصوراً بالنسبة للدول العربية الفقيرة - وهي دول الغالبية العظمى - على النخب الثقافية والعلمية والدوائر الرسمية، وخاصة الإعلام والأمن.

3- ساعد انتشار الأمية الأبجدية في العالم العربي بمعدلات تتراوح بين 20-60% على عدم الاستفادة المرجوة من ثورة المعلومات. فما فائدة أمكانية الاستفادة من بنوك المعلومات المنتشرة حول العالم ومكتبة الكونجرس مثلاً لمواطن في الريف المصري أو الأردني أو المغربي؟

4- بما أن ثورة المعلومات قد حملت لنا هذا الكم الهائل من المعلومات، وحملت إلى جانب هذا الكم كماً آخر من سلوكيات الأمم الأخرى الاجتماعية، وخاصة ما يتعلق بالمرأة والجنس الآخر إلى حد غير مسبوق، بحيث أصبح كل شيء.. كل شيء مباحاً ومتوفراً، وهو ما لم يعتد عليه العربي ولم يعهده في أي عصر من العصور وفي أي مكان من العالم العربي.. تجاه كل هذا أصيب المواطن العربي (ما عدا نخبه المختلفة) بلوثة وانبهار وذهول نتيجة لما يقرأ ويشاهد على شاشة الانترنت، مما دعا دولاً كثيرة في العالم العربي إلى وضع شبكات الانترنت تحت الرقابة والمراقبة بداعي عدم إفساد الأجيال.

5- نتيجة لوجود عدد كبير من الجماعات الدينية المتطرفة التي تقوم في معظم الأحيان بالسطو على مواقع حداثية على شبكة الانترنت، فقد تم بواسطة هذه الجماعات تعطل وإغلاق الكثير من المواقع الإليكترونية غير المُعناة بتسويق الجنس وبيع أجساد النساء، وحجب كم هائل من المعرفة عن المتلقين، بغض النظر عن قيمتها الإخلاقية.

-4-

لقد تحوّل الإنسان في مختلف أنحاء الكرة الأرضية (القرية الكونية) من "حيوان ناطق" كما سبق ووصفه أرسطو منذ آلاف السنين، إلى "إنسان عارف" على حد وصف عالم الأحياء المعروف كارل لينيه في القرن الثامن عشر، ثم تحول أخيراً بفضل ثورة المعلومات إلى "إنسان رقمي" كما وصفه العالم الأمريكي نيوكلاس نيغروبونتي في كتابه الذي يحمل هذا العنوان "الإنسان الرقمي". فهل بعد هذا التحول الهائل، ما زال العربي يصرُّ على حداثة خالية من الدسم الاجتماعي الأخلاقي الغربي؟

إن الحضارات والثورات العلمية والمعلوماتية هي ابنة مجتمعاتها التي أنتجتها، وهي تحمل قيم هذه المجتمعات أينما توجهت إلى العالم الآخر. والمهم في الأمر أن نملك القدرة الكافية على فرز نتاج هذه الثورات واستبعاد قيمها الاجتماعية والأخلاقية، وذلك هو الصعب والعسير علينا، حتى الآن.




#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الديمقراطية في ترسيخ دعائم المجتمع المدني
- سيراً على خُطى -بلاد الشمس- إلى التقدم
- لماذا كسّرنا الأقلام وقطعنا الألسنة؟
- بؤس الحقيقة في العالم العربي
- ما حال العالم اليوم لو لم يظهر الإسلام؟!
- كوسوفو وفلسطين: تشابه الواقع واختلاف المصير
- قراءة لتقرير البنك الدولي الأخير حول التعليم العربي - لماذا ...
- قراءة سياسية نقدية لتقرير -فينوغراد-
- هل يعيش العرب الآن مرحلة -ما بعد الأصولية-؟
- الجنس والموت في انتحار الإرهابيين
- رئيس أسود في البيت الأبيض
- هل سيحارب عرب 1948 في جيش إسرائيل؟!
- هل ستجتاح ثورات الجوع العالم العربي في 2008 ؟
- حماس.. إلى أين ومتى؟
- العرب لا يملكون صكَّ مُلكيّة هذا الكوكب
- هل كانت بوتو ضحية الغباء الأمريكي؟
- هل سنشرب نفطنا في عام 2020؟
- السوق الخليجية المشتركة : وحدة الجيوب قبل القصور
- بدأت عودة الروح للعراق
- حاضنات الإرهاب الدافئة


المزيد.....




- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...
- منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سب ...
- استمرار الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية ...
- بلينكن ناقش محادثات السلام مع زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- الجيش الأميركي -يشتبك- مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر
- ضرب الأميركيات ودعم الإيرانيات.. بايدن في نسختين وظهور نبوءة ...
- وفد من حماس إلى القاهرة وترقب لنتائج المحادثات بشأن صفقة الت ...
- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - شاكر النابلسي - ماذا استفاد العرب من الثورة المعلوماتية؟