|
قمة تحت خط العجز
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2233 - 2008 / 3 / 27 - 11:11
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
وسط الضجيج الإعلامي الرسمي الهادف إلى إظهار انعقاد مؤتمر القمة العربية في دورته العشرين بدمشق ، على أنه بحد ذاته كسب سياسي هام للنظام السوري ، لاغنى عن القول بداية ، أن اختيار دمشق مكاناً للمؤتمر ، قد تم حسب التسلسل الأبجدي لأسماء الدول العربية . وحسب هذه القاعدة ، ليس للمكان أهمية متميزة إلاّ في الشكل وفي القدرة على توظيف آليات أكثر ا ستجابة لحركة المؤتمر وتوفير الراحة .. والسياحة .. للمؤتمرين ، فكل العواصم العربية هي مهمة من حيث الانتماء القومي ، وهي أهل ، إذا صدقت العزائم ، لاحتضان أهم القرارات المصيرية والتاريخية . وليس للحاكم ، في زمن الانحطاط العربي المريع ، أهمية متميزة ايضاً ، فجلّ حكام الأمة باتوا ، من حيث عزلتهم المتعددة الأسباب عن شعوبهم ، سواء . فالبعض منهم له ارتباطاته العلنية بالمخططات الإقليمية والدولية الشرق أوسطية ، والبعض الآخر ، إضافة لذلك ، متصالح مع الكيان الصهيوني منذ سنين طويلة وله مع هذا الكيان لقاءات وتفاهمات وتحالفات ، والبعض الثالث بين ممانع للحصول على شروط أكثر ضمانة لمصالحه وديمومته ، وبين فاقد للمناعة مستسلم لأقداره المرسومة في الأجندة الصهيو - أميركية .. وجلهم إن لم يكن كلهم يمارسون سياسة إقصاء الآخر المعارض سياسياً وأحياناً جسدياً .
وقد كان أجدى لموجهي أعمال المؤتمر ، إن وجدوا في أنفسهم الجدية والشفافية ، أن يقللوا من هذا الضجيج ، والتركيزعلى المواضيع المدرجة في جدول أعمال المؤتمر ، أو تلك التي تعتبر أهمّ هموم الشعوب العربية في المرحلة الراهنة ، لعلها ، وإن لم تأخذ حقها في تداولات وقرارات المؤتمرين ، أن تأخذ طريقها إلى مساحة الضوء بهذه المناسبة . فالمواطن العربي قد ملّ هذا الضجيج الأجوف .. إنه يريد الطحين أولاً .
بإيجاز شديد ، إن الأهمية لأي مؤتمر بمثل هذا المستوى تكمن بمدى مصداقية ومطابقة القرارات مع الحاجات والاستحقاقات القومية ، وبمدى الالتزام بها والقدرة على تنفيذها . بيد أن مايجده الإنسان العربي لدى إضاءة مشهد القمة العشرين بدمشق ، ليس هو الاستمرار في التعامل مع صيغة القمم السابقة ، التي لم تكن على مستوى رجاء الشعوب العربية وحسب ، وإنما يجد الاصرار اللاعقلاني على عدم إعطاء التناقض الجدي المكشوف ما يستحقه من الاهتمام ، الذي يواجه المؤتمر ، وهو التناقض بين جدول الأعمال الذي يحمل عناوين كبيرة وفي مقدمتها " القضية الفلسطينية وتطوراتها ، والصراع العربي الاسرائيلي ، ومبادرة السلام العربية ، وقضية الجولان السوري المحتل ، والأمن القومي العربي ، وتطورات الوضع في العراق ، ودعم السلام والتنمية والوحدة في السودان ، ودعم الصومال وجزر القمر ، وبلورة موقف عربي موحد لاتخاذ خطوات عملية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية " وبين خيارات وإلتزامات معظم الأنظمة العربية مع المخططات الأميركية الاسرلئيلية والأطلسية ، لاسيما تلك الدول المنوط بها حصرياً الالتزام بالقرارات النوعية الأساسية التي ستصدر عن أعمال المؤتمر ، بين التدخل الخارجي الأخطر في تاريخ المنطقة لإعادة بسط الهيمنة الاستعمارية على الجيو - السياسية - البترولية العربية وبين العجز البنيوي العربي ، وأثر هذا التناقض على المؤتمر نفسه وعلى قراراته . بمعنى أدق ، يجد الانسان العربي الإصرار على التعاطي بخفة ملحوظة مع الصراع الناشب بشراسة تصادمية مدمرة في المنطقة ، الذي يتجسد بالحرب البشعة في العراق وفلسطين ولبنان والصومال والسودان كمرحلة أولى ، ومن ثم حسب مآلات هذه الحرب سوف تدخل المنطقة برمتها في مرحلة أخرى بكل المقاييس .
وإزاء هذا الحجم من الصراع ، فإن مؤتمر القمة العشرين بمكوناته الراهنة ، التي تمثل أنظمة معزولة وشعوباً مقموعة ، هو أقل قدرة بكثير من مستوى التصدي المطلوب لخوض هذا الصراع ، أو لإعادة توزيع مربعاته واصطفافاته ، وبالتالي هو تحت خط العجز الذي يحول دون حسم هذا الصراع لصالح البلدان العربية حتى لوبلغت قراراته الرقم الألف .
وعيه ، فإن الشعوب العربية ، التي تكابد أكثر الأوضاع ظلماً وشراً وبؤساً نتيجة سياسات وممارسات حكامها الرجعيين والمستبدين ، تنظر بأسى بالغ إلى أنظمتها المتصارعة فيما بينها والمتهافة على كسب " السلام " مع الكيان الصهيوني وكسب رضا المستعمر الأميركي وملحقاته الدولية . وبعد فقدانها الرجاء بمسلسل مؤتمرات القمة ، تقف الآن ، رغم الضجيج الاعلامي ، غير مكترثة بمهرجان القمة بدمشق ، لأنها لاتجد فيه مقومات التجديد في الواقع العربي الكارثي وفي واقعها البائس ، بل وتضعه علىلائحة مؤتمرات القمة السابقة ، التي نقلتها على مدار خمسين عاماً من سيء إلى اسوأ ، فضلاً عن أنها لم تر تطبيق الحد الأدنى من قرارات هذه المؤتمرات ، لم تر ، ولو شكلياً ، أية مراجعة أوتقييم لماذا لم تطبق اللاءات الثلاث ( لاتفاوض ولااعتراف ولاصلح مع إسرائيل ) التي اقرها مؤتمر الخرطوم عام 1967 ، بل إن ما جرى هو العكس ، فقد اعترفت كل من مصر والأردن وموريتانيا بإسرائيل ، وهناك عدد من الدول العربية تمارس العلاقات التجارية وتتبادل الزيارات السرية وغير السرية مع إسرائيل ، بل ونشأ حلف " الاعتدال العربي " لتعميم ال " نعم المثلثة " لصالح إ سرائيل ، ولم يجر تقييم لماذا فشلت مبادرة الأمير فهد ولي العهد السعودي ( قبل أن يصبح ملكاً ) للسلام مع إسرائيل ، التي أقرها مؤتمر الخرطوم عام 1981ولماذا فشلت ؟ وإنما جرى الإمعان بدون مسوغ ، إلاّ التذرع بالعجز الكاذب إزاء موازين القوى ، في التصميم على خيار " السلام " مع العدو الصهيوني ، وأصبح هذا السلام خياراً ا ستراتيجياً تتباهى به قبائل الأنظمة العربية قاطبة ، وتم طرح مبادرة سلام الملك عبد الله آل سعود مع إسرائيل ، التي تحولت إلى مبادرة سلام عربية في مؤتمر بيروت عام 2002 ، التي تكرر طرحها ، رغم العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 في مؤتمر الرياض عام 2007 . إضافة إلى عدم الالتزام بالتضامن العربي إزاء المواقف العدوانية ضد البلدان العربية ، وعدم الالتزام بمعاهدة الدفاع المشترك إذا تعرضت إحدى الدول العربية للعدوان الخارجي .
إن الأمر الذي يثير عدم مصداقية مؤتمرات القمة العربية كتعبير عن وحدة الأمة والمصير ، وبالتالي عدم اكتراث الشعوب العربية بمناسباتها وطقوسها ، هو المفارقة المستفزة ، التي يجسدها انقسام البلدان العربية إلى قسمين ، قسم يسبح فوق بحيرات من الذهب الأسود ويستمتع بتلال من الذهب الأصفر تبلغ قيمتها آلاف المليارات من الدولارات الموظفة بالمصارف الأجنبية حيث يعود القسم الأعظم من عوائدها إلى الدول الأجنبية ، التي تناصب الشعوب العربية العداء السافر ومنها الكيان الصهيوني ، وقسم يكابد الفقر والتخلف والمجاعات والاقتتال والموت تزاحماً على أبواب الأفران للحصول على الرغيف الرخيص الأسود .
الأكثر تعبيراً عن حالة عدم القدرة والعجز ، مع الاعتذار من الحالمين الشرفاء وذوي النوايا الحسنة من السياسيين ، هو أن ذات الأنظمة المكونة لهذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات ، التي أوصلت البلدان العربية إلى هذا المستوى من التردي والانحطاط ، بصراعاتها البينية وبقمعها لشعوبها ونهبها وتهريبها للثروات الوطنية ، وارتهنت ، بعد أن تنازلت عن قرارها المستقل ، لإرادات ومصالح القوى الدولية ، التي يشترط هذا العجز مواجهة أطماعها ومخططاتها العدائية إزاء البلدان العربية ، هي ، أي الأنظمة ، التي يفترض أن يعول عليها في مؤسسة القمة معالجة العجز القطري ( الوطني ) والقومي .
هذا لايعني أن الشعوب العربية ضد مؤتمرات القمة من حيث المبدأ والضرورة ، فهي تدرك باصالة انتمائها القومي وتجاربها التاريخية جدلية القطري ( الوطني ) والقومي ومدى تأثير هذه الجدلية على مصيرها ، إن في مواجهة مخططات الخارج العدوانية ، أو مواجهة التخلف والضعف ومشاكل التنمية والتقدم الاجتماعي ، إنما هي مسألة معاناة طويلة موجعة مع الأنظمة التي تجلدها وتنهبها في بلدانها ، ثم تزعم أنها تمثلها وتتحدث وتقرر باسمها تحت سقف مؤتمرات القمة العتيدة .
مايمكن تسجيله لمؤتمر القمة بدمشق ، بمعزل عن ضجيجه وطروحاته ، أنه أضاء مجدداً ارتباط البعد القومي بمشروع التغيير الوطني الديمقراطي واقتحامه معادلة داخل / خارج في الصراع مع الاستبداد . بيد أنه ليس مرتبطاً بأطر النظام العربي الرسمي ومتفرعاته السلطوية ، وإنما بأطر قوى التغيير الوطني الديمقراطي القومي في البلدان العربية عامة أو على مستوى البلدان العربية الأساسية .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى تنهض المعارضة وتحقق التغيير
-
يوم المرأة العالمي وسمات المرحلة الراهنة
-
انتصاراً لشعب غزة البطل
-
وتبقى المعارضة عصية على القمع وعلى الانتهاء
-
حول وحدة الطبقة العاملة والحركة النقابية
-
المواطنة و- هيبة الدولة - والرعب
-
ليس من طريق آخر للفوز بالحرية
-
الأعزة في غزة لستم وحدكم
-
الحرية والحياة لعارف دليلة
-
السؤال الجدي في المشهد المعارض
-
دفاعاً عن الوطن والديمقراطية
-
غزة تحت حصار النار والموت
-
التحدي الديمقراطي وإرهاب السلطة
-
في التحالف ضد الاستبداد
-
مع - الحوار المتمدن - .. مع اليسار والديمقراطية والعلمانية
-
- أنابوليس - .. ورد الشعوب الثوري
-
نحو حركة نقابية مستقلة
-
سوريا على دروب الآلام
-
ستبقى منارة ثورة أوكتوبر .. شامخة .. متوهجة
-
من أجل سوريا الحبيبة
المزيد.....
-
دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازون
-
لماذا فشلت إسرائيل في كسر إيران؟
-
انقسام في الكونغرس بعد أول إفادة بشأن ضرب إيران
-
البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
-
اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا
...
-
بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا
...
-
الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا
...
-
كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
-
-نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض
...
-
البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-
المزيد.....
-
النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط
/ محمد مراد
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|