أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب المغربي - ارتباكات على مرآة اللّيل !..















المزيد.....

ارتباكات على مرآة اللّيل !..


نجيب المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 04:15
المحور: الادب والفن
    


(أيــا هذا الحزن شُقّ بنصلك شاهد شتاتي .. اضرم الآن خرابي بما ترسّب من هبوب آخر الحريق)

حذاري أن تطمئنوا الى تجـــاويف أرواحكم الكئيبة ، عليكم بملء مساحتها السائبة بالحلم أو بالهذيان كل مرة .. حتى لا يبتلعكم ثقب الصمت فتصيروا عبيده .. حتى لا تكونوا مجرد نتوءات للحزن قولوا أي شيء .. اسخروا من رحلة المأساة.. من الرعب الداخلي الذي يتهدّم فينــا .. بلا هوادة .


أتكئ على الطاولة ، بقربي علبة السّجائر و بعض اوراق تنتظر رغبة لم يوقظها صفير الذاكرة و لا أكداس الافكار و الصور المتزاحمة بي .. الأرق توغل فيّ أنفاسه .. يتنزّل بي كل مرة كلعنة حاملا مزاجه كحجر صوان .. بدأت الكلمات ترتمي فاترة.. تــأتي في آخر لحظة ضاجّة بترانيم النحيب .. أصوات المعزوفة المقدسة تتصاعد .. أحسّها تتمزق قربي .. تنبت من فوران الطبيعة .. الهذيان بدأ يحتقن ..



لست سوى نشيد ألم تردّده نهاراتي العابرة .. ليلي البارد الذي يغيّرني لأتحلّل من عفة الألم لم يعد كما كان .. صار مجهدا بالحيرة .. بالفراغ تبرز طرقات غريبة .. أقف وسط فضاء هلامي .. مشدودا الى جدران عتيقة .. أغرز عيناي بغصون متشابكة .. أدسّ وجهي بشوكها .. فتنكسر بجوف جسدي .. تنهمر نافورات دمي طافحة بلون غريب .. يتفتت في سيلانه .. أشعر بالاختناق .. أتمتم وحيدا بكلمات ترتجف : .. أيّها الرب لما تركت الجوع يوخزني ؟ .. لماذا تركتني عاريا ؟ .. لماذا تتيبس صلاتي لك كلما حاولت الانحناء ؟ .. أرى نارا تتوقد قرب نهر قديم .. مضيت نحوها .. أناس مصلوبون على أشجار تتناثر عائمة وسطه .. أترصّد عيونهم المحدقة بي .. تبدؤ في التشقق .. يحاصرني حريق يكاد يأكل وجهي .. يتصاعد متوهّجا من أفواه جرار طينية .. تتنادى اليّ أصوات جثت تتماوج محاولة الوقوف .. تتراجع خطواتي بطيئة .. تنسحب الطرقات مسرعة .. أفقت فاذا بعيني مبتلتان بالبكاء .. الرّيح لا تزال تحوك عويلها بالخارج .. سحنة الليل بدأت تندثر .. ينفث نهايته اذن .. أهمس .. السماء لا يزال وجهها ملوّنا ببثور داكنة ..

يحترق الآخرون في هذا اللّيل .. ربما .. أنا لا أحترق بوحدتي .. لكني أعيش دوما على حافة الأسئلة .. أغمس كل شيء برحيل دائم الى الحقيقة .. أحاول الاستماع الى نبض الزمن الذي يندثر فينا .. لذلك لا أمجّد النسيان .. لأن الموت وحده من يعرض سرّه .. أما الحياة فقد أتينا اليها بلا تاريخ .. من باب يخرجنا مرتجفين الى ذاكرة تتملّكنا .. تشكل خطوطها سيرمآسينا الخاصة .. رغم أننا نحاول مراوغة فداحاتها .. حينما نصير هلوعين .. فنحن نفشل في تقدّمها الى القبر .. رغم أنّنا نأمل دائما بتحنيط انفلاتاتها .. نفشل في حبس نجيعها .. في سحق قوة الأشياء بداخلها .. مالم يجمّدها الموت .. فنحن لا نحسن لا التّذكر و لا النّسيان .. لاشيء غير حفظ توافق انكسارتهما .. عرائهما المتآكل ..


تترنّح عيناي .. أهمس ان في الموت سرّا .. لا يعرفه الاّ الموتى .. حين يرقدون بملامحهم الباردة .. آنذاك يصمتون طويلا حتى يخفوه عنّا .. يهرع اليّ هذا الليل بما لا أعرف .. أهمس .. ربما هو الهذيان ذاته الذي ينوء به ذهني حينما أُعزَل .. لا أستطيع دفعه الى التلاشي .. يقيم له بيتا بشقوقي كلها .. حتى مخابئي يشنّ عليها غزواته .. يربكها فتستسلم له .. الى أن يتسلّقها .. يتسرّب اليها و تتشرنق حوله ..


يلمع ضوء النهار من النافذة .. يوقض تعبي الذي بقي غافيا حتى الآن .. أسراب المارة قوّضت خواء الشارع بخطواتها .. هبّات نسيم بارد تتسلّل الى الغرفة .. تنفخ فيّ احساسا زائدا بالجوع .. تمتصّ الصقيع الذي كاد يجمّد اطرافي .. تطايرت أوراقي مجدّدا .. أحكمت اغلاق النافذة .. ما أكتبه بدا مبحوحا .. أو مخنوقا .. تقلّباتي تتصاعد .. تتشخّص بالحكاية .. ألملم آخر كلماتي المتقطّعة .. نظرت الى سيجارتي .. تخيلت الموت ممدّدا فيها .. يرتدي خودة ملطخة بالدم .. بيني و بين التسمّم بباروده لا تزال هناك بضع سنوات .. تمتمت كمن يكتشف حيلة ما .. لا أقدر أن اقطع الوريد الواصل بيني و بين الاحساس بالقلق .. أن أطمره بعيدا .. لذلك أحصد كلماتي من قاموس التوابيت .. من معزوفة الاحتضار ..


أحس النهار غريبا .. كأنه زمن ليس زمني .. أشعر أني أتهدم فيه .. يطردني من دورته .. رغم ما أحيطه به من توسلات متكرّرة .. الليل هو آخر بيوتي المقدّسة .. مع الفجر دائما أحس الأصوات تجتاحني .. كمراثي تصل الى أذنيّ .. لذلك صرت أفضل أن أنفى .. أعني أن أغادر جلجلته الى النعاس ..


في المرايــــا حلم أسود

و نبــوءة عــــرّاف

موتي .. وأنا أسوق روحي

مـــا بينهما يتهيؤ نصل

يـــدان مقيدتان بالحجر

هو سفري بخاتمته فصل:

لا تخرج بالنهار او في الليل

اكتفي بعينين لا يوقظهما الفجر

غط في الماء لا تتحرك و قل:

سأبدأ الخروج مع أول الريح

سأنشد آخر تعازيمي بمعبد

غذا أكفّن ببقايا هذا الوحل



انّي أرى تابوتا و خشبا و بحر

جثتي ينهبها ملح .. و رمل

لم أرى بابا يوصد .. لم أرى دم

جسدي وحده فوق الصخر

يُجرّ من جناحيه الى الأرض

مطر مرتعد يغسل شاهد قبر

و برق ينثر ضوءه بالطريق

و ما تبقى من عينيّ يصير مرآة

تردّ ريح عالية عزف الحكاية :

هو ذا المصيــــر

تابوتك يندفع الى هنا

هو ذا نزعك الأخيــــر



دمك الأزرق و هذا الجسر يقين

عمّدهما الله ذات يوم

قد حــان الوقت فقم و اخرج

اكشف لوح النّـــار الآن

هناك قارب يكفي كلّ الموتى

الماء يشرع أبوابه و التراب ليس مغلق

أثقب الصمت الطويل بما يتهدّم من صوت

قل وداعا و مرّ

تسلل من آخر الذكرى

تكون لك ظلال لا تضيع

أعبر الى أعلى المدافن لتشمّع

أعبر البحر

..

كلّ الخطى كاذبة

و المحطّات كانت محض وهم

فلماذا لا تصعد الى رؤياك ؟

من هنا تمرّ كباقي الغرباء

يحمل الريح جنازتك

سلام على كلّ من يأتي اليّ

أنا منحتك قربان المحو

هذا صوت الرّب يخرج من مغارته

الارض لا تسعك بعد اليوم.. يهتف

غذا تموت غريقا .. فلا تتوسّل

قم انّ في ما تراه سرّك

اليك يمضي الخريف

بعد أن ترتّل آخر الصراخ

ستموت .. كما تعرف

كما تنبؤك مرآة اللّيل
( انّي أحدس الموت فخّا يرقد ممدّدا بأيامنا.. يكمن عند آخر مشهد ينهار فينا )



#نجيب_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باقة حجريّة لمدينة غير مكتملة ..
- هذيان بطعم الصداع ! .
- شذرات فلسفية ! .
- لا… ليست هذه آخر طلقات الصّمت الثقيل .
- ...و للموتِ فينا بياتٌٌُ أبديّ
- تأملات فلسفية جدلية ! .
- تأملات فلسفية دياليكتيكية ! .
- شذرات عرفانية صادمة ! .
- دياليكتيك الوجدانات : الحب كرمز مكثف لفراريتنا من حتمية المو ...
- دياليكتيك الانطولوجيا الوجدانية : الحب كرمز مكثف لفراريتنا م ...
- دياليكتيكية الانطولوجيات الوجدانية : الحب كرمز مكثف لهروبيتن ...
- موضوعات لاجل فلسفة مستقبلية ! ( 2 )
- افكار من اجل فلسفة مستقبلية !
- الحركة الشيوعية المغربية وبناء الخط الطبقي في مواجهة الانتها ...


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب المغربي - ارتباكات على مرآة اللّيل !..