نجيب المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 2060 - 2007 / 10 / 6 - 02:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بموازة وجوداتنا المادية تنتصب وجودات اجتماعية - وجدانية تتحايث معها منذ الطفولة وتتطور في حركة ذائبة لا تتوقف على شكل صراع متناقضات ينبثق من الحس العذري اولا في مرحلة التكينن الطفولي حيث بداية صياغة الارتباط الوجداني - الحسي باللا كينونة( العالم ، الغير ) ليتعمق مع تشكل الوعي الفردي شيئا فشيئا وتتواصل رحلة الشقاء الوجداني في التطور و لا تستقر نسبيا الا في مرحلة الشيخوخة ، تلك الرحلة التي يخوضها كل واحد منا لفك العزلة وحصار النقص عن فردياتنا الخاصة بنسج علاقات اجتماعية وجدانية وفي الان ذاته اشباعها بمقاومة الارتباطات بالاغيار او محاولة انهائها. تتقوم هنا جدلية الانسان الوجدانية بين تناقضات عديدة من قبيل : الامتلاء/ الانفراغ ، النقص/ الكمال ،الانفتاح / الانسحاب ،الخلود / الفناء ، الانية / الغيرية........
تقود هذه العلاقات الوجدانية -الاجتماعية الى تمييع تفردن الانسان الخاص لصالح انفراغ غير محسوب في الغيرية يحصد معه احباطات و جراحا موغلة لا تندمل بسهولة فيظل قابعا بزنزانة فرديته التي يشيدها داخل سجن المجتمع متوهما امكانية التحرر من خطرالموت . يؤرقه الصراع بين الداخل و الخارج : بين انيته المنقسمة تلك التي تفتقد على الدوام لكلية مستقلة خاصة مكتفية و بين ذاته الاجتماعية المتشظية و التي تسبب تلاشيا لكل امكانية وجود فعلي خالص للذات.
و عبر هذه السيرورة تحول المرارات المتتالية و قساوة الواقع و انتهاكاته الفرد الى جثت متصلدة تتعقبها شتى انواع الاخصاءات و العقابات !.لكن الاستعداد للفرح و معانقة كل طيف امل متهلل بالصدق لا ينفك يوقد فيه شرارة حياة تتحرك على حدود الحلم و الامل . ضن هذه الدينامية الكلية نجد ان اي انطواء تسببه اكراهات الواقع المادي في الخارج يعوض باستمرار بانبساط آلي للحاجات و الرغبات بالداخل على هيئة حلم او حلم يقظة او عبر أشكال ترميزات استبدالية اخرى . و يتاسس هنا صراع بين ارادتين متناقضتين هما : ارادة الانصهار في الغير و استبعاده عن الذات في نفس الوقت. يظهر هنا ان الروابط الاجتماعية الوجدانية ليست سوى اسقاطات و توسطات لتحقيق التكينن الفردي الخالص الذي يعكس الوجود المادي و شروطه التي تعتقل الانسان داخلها فينزاح بمحايثته عبر التجربة المباشرة الى تمثلات فكرية و وجدانات. الحب بهذا المعنى لن يكون شيئا اخر غير ارادة اتحاد لتعويض ما على شكل صراع ! . وعلى نقيضه يبرز الكره لا كفعل حر موجه نحو حاجة بل اساسا كانفعال بحاجة لذلك يتمظهر كانفصال في شكل اقصى للنبذ او كرد فعل مشق و مزعج للغير .لكن كون الحب اتصالا و الكره انفصالا لا يعني أبدا انهما لا يتشكلان في اعماق الوجدان كوحدة صراع للنقيضين ، حيث ان كليهما يستوعب شيئا من الاخر ويحاول بالوقت ذاته افناءه !.
أ
ان جذر الماساة كما اقول دائما كامن في قدرية انوجادنا ككائنات مقذوف بها الى هذا العالم بلا حرية ، فهذا هو اصل كل هشاشة لاحقة لوجوداتنا. فاغترابنا المؤسس على شعور عميق بالضعف و التمزق لا يمكن فهمه الا بالتقرب من مبدأي الكاوس و الفجيعة . هذين المبدأين الاساسيين الذين يكادان يفسران رحلة السقوط و التيه و الكابة و العبث التي لا تستقر ابدا الا بختم الموت . و على هذا الاساس يمكن ان ننظر الى الحب و الصداقة وكل التعلقات الاخرى كمحاولة يائسة لانتشال الذات الخاصة من الاحساس بالعجز و الفقر الانطولوجي ، لذلك فمهما بدا الحب و الصداقة كلاهما يختلف عن الاخر الا انهما معا ليسا سوى تعويضين عن النقص الاصلي كمبدأ اساس يؤرق طمانينتنا و يجر كينوناتنا الى اللجوء الانطولوجي للاخر لملء بعض فراغاتنا و سد مؤمل للحاجات ، فنجد انفسنا ازاء كل علاقة يسدد لنا وهم على شكل تسوية زائفة فيبدو كما لو اننا تتحررنا نهائيا من التشظي و وجدنا في الاخر حتما اشباعا لما نفتقده في ذواتنا ، لكن النتيجة تنتهي بخذلانات و احباطات مختلفة في الدرجة و العمق يعقب اسوءها ارتداد اعمق يحول انفتاحنا الى انحسار او اقلاع ! .
ان جوهرية هذا الديالكتيك العاطفي بما هو وحدة صراع بين تخارجات و تداخلات لا تنتهي و لا تتغير الا كنفي في الشكل ، تكمن في الواقع في عملية التحول من الكم الى الكيف فهنا بالضبط تتقوض السعادة و تنتعش حرقة الالم و يتفجر الشقاء الوجودي . فالاحاسيس المسورة بالغربة و الضياع تتحول مع مرور الوقت الى سؤال الجدوى من الاستمرار الوجودي ذاته ! و يسببان فيما يسببه تفاقمهما المتحول من التراكم الكمي الى التطور النوعي عبر دينامية صراعهما مع الشعور بالامان و الاصالة ، قتلا لكل اغراء بما فيه وهم نفي استحالة الاستطاعة والتعويض وكفالة الهجران الوجودي الى الغير . و يطبق هذا اليأس الجذري تبعا لذلك على كل امكانية خلاص من الضعف و التهديد و يصل في مرحلة الشيخوخة اقصى تمثلاته عبر هيمنة فكرتي الفزع من المصير المجهول و القلق ازاء حتمية التحطم و الموت .
لا افهم انطلاقا من هذا مختلف العلاقات الغيرية التي تمنع و تعطل التفردن الانساني الكامل الا كاحتماء من عدو وحيد أعلى و هو الموت بما هو السالب الذي تفيض عنه كل الاوهام بما فيها : وهم فكرتي الله/الشيطان و البعث !. و تبعا لهذا تصبح الصداقة و الحب و الجنس وو … مجرد هروبيات مفروضة كثرات سلوكي جمعي تستدمجه انياتنا جميعا و تعيد انتاجه داخل انساق الانتظام الاجتماعي التاريخي المختلفة ، لتضعه قرابين ورود لموت نأمل بكل سذاجة تأجيله . فتكون السعادة المذعورة بالقلق و الاستقرارالمهدد بالنفور والعدم والحيرة المربكة هاهنا تصالحا مؤقتا مع جذرية الهشاشة ، فيما يمكن تفسيراشباعية الجنس و محتواه اللذوي خصوصا ، كرغبة يائسة لقهر الموت عبر الاكتفاء بالاغتباط المؤقت بالقدرة على منح الحياة .
#نجيب_المغربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟