أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالجليل الكناني - الأنا الحاضرة














المزيد.....

الأنا الحاضرة


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 05:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لو أن واحدا ، واحدا فقط يقرأ ما كتبت فان رسالتي قد وصلت .

حين استيقظت صباحا رحت استرجع أحداث الأمس فـأنا قد ارتكبت حماقة كبيرة بانحيازي الأعمى لأفكار هيمنت على عقلي منذ سنين حتى صارت دستورا لا أحيد عنه وقد تجلى ذلك بالنقاش الحامي الذي دار بيني وبين صديقي ولكنني في هذه اللحظة ، لحظة استيقاظي ، وجدتني هادئا مسترخيا مستعدا للمهادنة ، ولكم شعرت ، دون انزعاج ، أنني بالأمس قد كنت بعيدا عما أنا عليه الآن وما يجب أن أكون عليه . وضحكت من صورتي وأنا أذود بحماس عن أفكار لم تكن لتستحق ذلك العناء بل كان حريا بي أن أستمع إلى آراء صديقي ولا أقاطعه كل تلك المقاطعة ومع أنني لا أشعر بالخجل من سلوكي ذاك إلا أنني على استعداد تام حين التقي به مساء اليوم أن أسخر معه مما كنت عليه وقد نضحك كلينا من التعليقات التي سنوردها .
تركت الفراش وقد مررت يدي خلال شعري فمن المؤكد كما اخاله الآن وكما في كل صباح مبعثرا باتجاهات تنحتها مخدتي طيلة الليل كما أن وجهي سيبدو أكثر انتشاءا بتفاصيله المعتادة لأتأمل الغضون التي جعلت تحفر فيه . إلا أنني لما رفعت رأسي أطل علي من خلل المرآة رجل آخر لم أره من قبل مع أنني قد عرفته فهذا الرجل هو (أنا) ولا يمكن أن يكون غيري .
أدركت أن من ارتكب حماقات الأمس لم يكن أنا ولو دار بيني وبينه اليوم نقاش حول المواضيع التي تحدث عنها لأوقفته عند حده ولأريته كم هو غبي متعصب .
ولكن كيف سالتقيه اليوم ؟ فهو لم يعد موجودا سوى في ذاكرتي ؟ .
فهل هو أنا ؟ طالما أنني لست كذلك ؟

هل هو حقيقة ؟ . هل يمكنني أن أثبت وجوده ؟ أو أنه ،على ما هو عليه وبكل ما فيه ، قد كان موجودا في الواقع ؟ .
ربما أستطيع الكذب على الآخرين وأتحدث عنه وقد أضيف إلى شخصيته من مخيلتي . ولكن ما أقوله لن يكون كلاما مثبتا بالبرهان القاطع لأنني ببساطة لا أستطيع استحضاره. ومن حقي إنكاره فهو لا يشبهني كما لا يفكر مثلي. ولو كان كذلك يشبهني ويفكر مثلي فلعله ليس أنا إنما مجرد وهم زُرع في ذاكرتي خلال نومي.
وحين التقيت صديقي أدهشني أنه لم يلتقيني أمس. ولعلي كنت أقرأ أحدى الروايات وأصابني النعاس فاختلطت علي الأحداث. قلت :- لا ، كنت أكتب . فهذا الذي ظننته أنا هو أحد أبطال قصتي. فقال: – أبطال الرواية هم شخوص الكاتب.
لم يكن أحد أبطال قصتي لقد كذبت على صديقي كي لا يظنني مجنونا ، ورغم أني أنكره على ذاتي لكن ذاكرتي تخبرني أنه كان أنا. أقول:- كان أنا ولم يعد كذلك.
ولصديقي رأي آخر حين يقول:- الصفات التي ذكرتها لا تطابقك بل أنها ولجت ذاكرتك بطريقة ما، ربما، بفعل فاعل.
- تذكرت، ذلك الحوار دار بيننا قبل سنتين. ولقد أصبحت غيري الآن
حاولت أن أذكِّر صديقي دون جدوى.
فقال :- كلنا نتغير تماما . فالطفل الذي كناه قد بنينا فوق أنقاضه، بل أننا حتى لم نبقي من أنقاضه شيئا.
- إذن نحن نتغير بكل شيء خلال مسيرة حياتنا ، بهيئتنا وكل مكونات بناء دواخلنا وبأفكارنا وبرغباتنا وبطموحاتنا نتغير خلال حياتنا ، فما هي اللحظة التي نكون بها غير ما كنا؟
- قال :- ليست هنالك لحظة محددة . فقلت :- ربما كل لحظة ، كل لحظة نتكلم فيها هي غير سابقتنا ، وأنا لا أكون إلاّ أنا اللحظة التي أتكلم بها وما قبلها ليس سوى رموز في الذاكرة أفسرها بما تملك ذاكرتي ذاتها على أنها أحداث واقعية أكون امتدادا حيا لها ولكنني في الواقع لا أفعل سوى قراءة كتاب منسوخ في كومبيوتر الدماغ . و لو أن هناك من يغذي دماغي بالأحداث أولا بأول، أو أنني أسير عالم افتراضي، لما أدركت ما أنا عليه.
- وما جدوى تلك الخيالات القصصية ؟
- ليست خيالات قصصية أنني أقوم بتمثيل واقعنا كما يفعل علماء الفيزياء . ومن ذلك قولهم لو أنك داخل مركبة في الفضاء وشعرت بأنك قد أخذت تلتصق بقاع المركبة بقوة جذب معينة فانك لا تعرف أن كانت المركبة قد بدأت بالتعجيل أو أن جرما سماويا مر بقربها وقام بجذبك ولا تبقى غير حقيقة واحدة ثابتة وهو انك في ذلك الوقت تنجذب إلى ارض المركبة بقوة معينة . فالحالتان تعطيان نفس النتيجة بالضبط.
وانأ أبدل المركبة بكامل جسدي والراكب فيها بالأنا في تحليلي التالي ، فان كنت قد اكتسبت ذكرياتي من خلال التجربة الفعلية وبالمعايشة ، أو أنها ذكريات وهمية منسوخة غُذِّيتُ بها، أو أنني في عالم افتراضي فالنتيجة ذاتها وليست هنالك غير حقيقة واحدة ثابتة وهو أنني أنا الذي يفكر ويتحدث في ذات اللحظة الحاضرة .
ماذا أريد ؟
وهنا قد يسأم صديقي مما يراه خيالا مرضيا وكذلك أي قارئ فيقول لي :- وما جدوى خيالاتك هذه . أقول في الواقع أن الأنا نوعان الأولى هي الأنا الكلية والتي تدخل فيها ذكرياتنا حول أنانا بارتباطها بالمكان والزمان المنسوخ في الذاكرة فتكون الروح والأرض والجسد من مكوناتها الأساسية وهي غير مثبته بكل مكوناتها. والانا الحاضرة وهي الأنا الخالصة المثبتة أنا اللحظة التي تفكر فيها وتتفاعل بها مع العالم الخارجي بغض النظر عن الحقائق الأخرى غير المثبتة وغير الحاضرة في تلك اللحظة . لابد لكيانك أن يشغل ذات الزمان وذات المكان لتكون أنت بالذات .
ولو أن أيا منا ، بعد ألف عام ، وكان حيا ، قد سؤل عن أناه لفكر انه مازال يذكر الأحداث التي مرت به قبل ألف عام ومنها أنه قد قرأ مقالة اتخذت شكل قصة ، حول الأنا الحاضرة ولم يستسغ ما جاء فيها ، إلا أنه لم يمت ، ولا يعرف كيف حصل ذلك ؟ وما علاقة بقائه كل هذه الأعوام بأناه الحاضرة ؟ فهو مازال يستيقظ كل يوم ويجد نفسه حيا وبصحة تامة وذكريات الأمس حاضرة في ذهنه .
فيقول :- لا أعرف سر بقائي حيا حتى هذه اليوم وبنفس حيويتي وشبابي ولكنني أؤكد لكم أنني أنا ولم أمت .
هل يعقل ذلك؟ غير أنه ليس هو إنما منظومة تحمل ذكريات ؟.
من نحن ؟
من أنا غير الذي يكتب الآن، والآن فقط في لحظة تدفق الافكار ، ويرى أنه أنا ؟



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه
- صناعة الخرافة ... خرافة العلم ، وخرافة الجهل
- الامريكا يحتفل ....... أحداث في ذاكرة طفلة ، في الرابعة من ع ...
- راعية السلام والحرية
- مقدمة لسمفونية الحياة
- إنّا رجال الوطن الآتون من النار
- الغرباء
- الخيانة ... خيانة الذات
- القصيدة تتشظى في فضاء الروح
- بين دواب القاع وبين مروج السطح
- سلام يا وطن
- الملاذ الأخير
- العودة الى الحياة
- قصة من الواقع - من قتل الجايجي ؟؟
- قصة من الواقع
- رائحة القتل زكية
- عاد ومازال الابن ضالا
- قصة قصيرة
- ستة أيام خارج الزمن
- الديمودكتاتورية - الدكتاتورية الشعبية


المزيد.....




- إيلون ماسك ينتقد مجددا مشروع قانون الإنفاق الذي اقترحه ترامب ...
- مقتل 20 شخصًا بينهم أطفال في غارة على سوق مزدحم في مدينة غزة ...
- بالصور: المشاهير يتوافدون على البندقية لحضور حفل زفاف جيف بي ...
- عودة 36 ألف لاجئ أفغاني من إيران في يوم واحد
- مظاهرات تطالب بإسقاط الرئيس الصربي بشبهة فساد
- جيش الاحتلال يلقي منشورات في غزة تتضمن آيات قرآنية
- مظاهرات إسرائيلية ترفض صفقة تبادل جزئية
- المجلس الإسلامي السوري يعلن حلّ نفسه
- أنباء عن تقدم بمفاوضات غزة وزيارة نتنياهو لواشنطن مشروطة
- محللون: مستقبل نووي إيران بات غامضا وإسرائيل ستعتمد التعامل ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالجليل الكناني - الأنا الحاضرة