أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - الثامن من آذار 2008 يوم المرأة العالمي - لا للعنف ضد المرأة - وديع العبيدي - المرأة العربية.. خطوات جريئة إلى أمام (2)















المزيد.....


المرأة العربية.. خطوات جريئة إلى أمام (2)


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 11:24
المحور: ملف - الثامن من آذار 2008 يوم المرأة العالمي - لا للعنف ضد المرأة
    


(القسم الثاني)

المرأة والعولمة.. الرأسمالية والدين
من الغريب ان قضية المرأة ما زالت محور الجدل البيزنطي بين التيار المحافظ والتنويريين، على أعتاب ألفية جديدة وقرن جديد، دون أن يتحرك مستوى الجدل النقاط الرئيسية المتعلقة بمكانة المرأة ومكانها الصحيح (داخل/ خارج البيت).
لقد شهد القرن العشرون والقرن السابق له، منجزات عظيمة على صعد الحياة والفكر في مختلف المجالات، ومنها قضيا حقوق الانسان وقضايا المرأة والتحرر، وكان جوهر الحوار أن المرأة عنصر أساس وفاعل في الحركة الاجتماعية والانجاز الحضاري، وأن تنمية أي مجتمع وحضارته تبقى منقوصة ومشوهة بدونها. وقد قطعت مسيرة المرأة خطوات رائعة في مجال الحركة والسلم الاجتماعي، وسجلت حضورا فاعلا في مختلف ميادين الحياة. وكان الفكر البشري يتطلع إلى رؤية خريطة اجتماعية/ افتصادية جديدة تنقل المجتمع الانساني إلى مرحلة أكثر تقدما ونماء على أعتاب القرن الحادي والعشرين الذي تمّ التهليل له بكثير من شعارات الدمقراطية والرفاه. بيد أن صورة الواقع المتكشفة تنذر بالمزيد من التراجع لأنماط تفكير القرون الوسطى السلفية، حيث يتقاسم الاقطاع الامبريالي واليمين الديني دفتي مركب البشرية إلى احتمالات غير مأمونة، عناوينها الأولية ما يشهده العالم من ردة في الفكر والوعي، وانكفاء الحلم الانساني تحت وطأة عبودية الاقتصاد والميتافيزيك. فالتردي الذي يشمل قضية المرأة اليوم، انما هو جزء من صورة التردي العام الذي أصاب حركة التطور التاريخي للبشرية مع تسيّد الامبريالية الأميركية مقاليد السياسات الدولية والاقليمية، مسخراً لأغراضه أعتى ما بلغته تكنولوجيا الدمار والاتصال والتأثير عن بعد. هذا الاقتران غير الشرعي بين الامبريالية والدين (على نمط الامبراطورية الرومانية) يقف بالمرصاد لجملة حركة التحرر والتطلعات الانسانية، بدء من حرية تقرير مصير الشعوب وتنميتها إلى قضايا اليسار والتحرر والمرأة. وفي هذه الزاوية، سوف تتقارب هموم المرأة ومعاناتها في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، على طريق امتلاكها لكيانها وتعبيرها عن ذاتها، خارج الوصاية الاجتماعية والاقتصادية، المحلية والامبريالية.
عربياً، انجز التنويريون الأوائل بقيادة الطهطاوي ومحمد عبده وقاسم أمين البرنامج الأساس لتحرير الأنثى من ربقة التقاليد البالية ونير العبودية المتوارثة والمتداخلة في المجتمعات العربية. وكان لتلاقح الفكر الاصلاحي مع عقلية الدولة الحديثة على يد محمد علي أثر بارز في بناء أسس نهضة عربية شاملة في مختلف مجالات الحياة والفكر والاقتصاد، ما فتئت أن انكفأت مع صعود العسكرتاريا والتحول من قضايا البناء والتنمية إلى الاهتمام بالمحافظة على السلطة وخدمة الشعارات الشوفينية. وحين يتحدث عرب اليوم عن الشواهد والمعالم الحضارية المتقدمة لتاريخهم الحديث، انما يتأملون بكثير من الأسى وربما النكاية، تلك الرموز الخالدة خلود الاهرامات، التي كان لها دور أساس في الكثير من جوانب وتفاصيل الحياة العربية الراهنة، رغم كل ما تعرضت له من تشويه ومسخ.
*
المرأة ضحية الصراع السياسي
ان الظروف الصعبة هي التي تستنبت التجارب الصعبة، ومن هذه التجارب كانت الدولة الحديثة ومشروع الحداثة في القرن التاسع عشر. كانت مصر وبلاد العرب، وكثير من أصقاع البسيطة تحت هيمنة الامبراطوريات العظمى أو ما يسمى بالاستعمار القديم. وكان لدولة محمد علي الفضل في مواجهة المستعمرين المتكالبين على وادي النيل من فرنجة وانجليز وألمان وأميركان، ووضع مصر في مراتب الدولة المتقدمة في السياسة والاقتصاد والثقافة يوم كانت مجتمعات الشرق الأوسط تحت رحمة الأجنبي والاقطاع الداخلي. وبدلاً من أن تجد مجتمعات الشرق الأوسط في دولة محمد علي المتقدمة المحور الذي تلتف حوله للانتقال من التخلف والاستعمار إلى التحرر والتنمية، - كذلك، دور الاستعمار في عزل المجتمعات عن بعضها-، لعب التيار الديني المتشدد دورا في تشويه مفهوم النهضة والتحرر الاجتماعي عبر فهم منحرف يعتبر التنوير والمعارف جزء من المشروع الكولونيالي، مقدما بذلك خدمة مزدوجة للمحتل، اعلاميا وجيبوليتيكيا.
ضمن هذا المنظور، ظهرت حركة الاخوان المسلمين في مصر (1928)، مستفيدة من منجزات النهضة المصرية من جهة، ومناوئة له كحركة تصحيحية، تقف بالمرصاد لمبادئ الحرية والتحرر وقضية المرأة. ومن الطريف، أن هذا الانشقاق في الحركة الوطنية المصرية، يجد له صدى في انشقاق الجمعية النسائية العلمانية، لتظهر إلى جانبها جمعية الاخوات المسلمات. ان مصادرة الفكر والجهد الوطني لا يمكن أن يخدم الحركة الوطنية والتنموية، مهما كانت الشعارات من السعة والاغواء. ان مقتل قضية المرأة العربية، انحصر دائما في ذلك الانحراف الفكري الذي جل المرأة جزء من الايديولوجيا السياسية، وجعل قضيتها جزء من بورصة السباق والصراع السياسي. فإذا سقطت تلك الحركات وانكشفت ايديولوجياتها، تركت المرأة لوحدها تلعق جراحها، وتواجهه سادية المجتمع المهزوم.
ان رأس الحربة الاسلامية المعاصرة الموجهة إلى خاصرة قضايا المرأة، لما يزل حتى اليوم خاضعا لزاية الفكر الضيق الرابط التنمية والتحرر بالمشروع الكولونيالي والغرب. دون أدنى مراجعة موضوعية لمفهوم الغرب، وجدوى أدلجته العدائية تحت مظلة (الآخر). وصورة المرأة المتلفعة اليوم، بقدر ما هي نتيجة محاصرة دولة محمد علي ونهضته، انما هي وجدت زخما مضاعفا أثر تكالب هزيمة العرب (1967) وبدء مشروع الارتداد العربي العام بعد (1973) وتتويجه بفرية محاربة الارهاب والاحتلال الامريكي المباشر للشرق الأوسط (عراق 2003)، وما رافقه من تربع التيارات الدينية على سدة السلطة والمجتمع.
*
اخوان السنة.. شيعة العراق
حركة الاخوان المسلمين في مصر ضمن ظروفها السياسية والتاريخية، وحالة مرتبطة بالطوائف السنية في مصر وسوريا والاردن، يضاهيها حركة الشيعة في العراق ولبنان وايران. ففي حين يشكل الاخوان التيار الرئيسي في البلاد، تختلف نبرة الخطاب عنها في بلد كالعراق يخضع لهيمنة حركات شيعية، تتولى هي السطوة الاجتماعية على عاتق المرأة والرجل، بينما يظهر التيار السني أكثر اعتدالا ومرونة بالمقابل. تعكس هذه الصورة حالة المنافسة السياسية والصراع في الميدان الاجتماعي. وإذا كانت المصالح الذاتية وطبيعة الظروف السياسية عاملا رئيسا في توجيه الصراع وأدوات الخطاب، فأن موقف كل منها من الانسان عامة، ومن الانثى والحجاب يبدو واحدا إلى حد التطابق. وقد شهدت ايران عقب الثورة الاسلامية (1978) والعراق عقب الغزو الاميركي وتسلط الشيعة على مقاليد الحكم ممارسات وحشية ضد حركة النساء في المجتمع والمحلات النسائية الخاصة بالحلاقة او الزينة او الثياب وما شاكلها.
ان الاهتمام الرئيس هنا ينصبّ على الانسان، وهو أعظم آيات الخلق، وأكرم مخلوقاته، ومنه تستمد القيم والمعايير الانسانية التي تحفظ كرمة الخالق والمخلوق. واي انتقاص من كرامة مخلوق أو كيانه انما يمسّ مباشرة الذات التي أبدعته. وهو ما اختلفت فيه الاجتهادات الدينية ووقعت تحت طائلة القيم الاجتماعية البدوية والزراعية في بلورة النص الاجتماعي.
*
بين المسيحية والاسلام
تعود فكرة الوصاية إلى مراحل عريقة في القدم، سواء في بناء الجماعة أو الدولة. وكان ظهور (الدين) مرحلة متقدمة في التراتب التاريخي لتنظيم العلائق الاجتماعية. فالناموس، بالمعيار الديني، أو الوصايا المقدسة المحفوظة في (اللوح) المترددة في ملحمة جلجامش والتوراة والقرآن على التوالي، هي صورة للنظام الاجتماعي وخضوعه للذات العليا، أو الاقنوم المقدس للخير المطلق. فخضوع المجتمع لسلطة الناموس، أدى مع الوقت إلى وقوع الأفراد تحت نفوذ الطبقة المتحكمة أو المتنفذة في المجتمع. وتمثل التقاليد والعادات، التعبير المحور عن فكرة الناموس العبري. ولم تقدم المسيحية البولسية جديدا في بناء فكرتها اللاهوتية (المسيح رأس الكنيسة والرجل رأس المرأة)، معتبرا ان غطاء المرأة لرأسها دالة للخضوع والطاعة الكنسية. وتلتزم كثير من نساء الآرثوذكس والكاثوليك بتغطية رؤوسهن اثناء القداس كما هو شأن الراهبات. فالمرأة المسيحية، في الغرب أو الشرق، ليست خارج التراتبية الاجتماعية بالقياس إلى الرجل، وحسب النصوص الدينية. وهي خطوة أخرى، على طريق تقارب أوضاع المرأة، في الشرق والغرب.
*
السياسة والدين.. وجهان لعملة رديئة
ثمة قطيعة تاريخية في تاريخ الشرق الأوسط بين حقبتين زمنيتين، تلك هي حقبة ما قبل غزو الاسكندر المقدوني (333 ق.م.)، ومرحلة ما بعده. فتح غزو الاسكندر المنطقة لتاريخ من الغزوات والاحتلالات العسكرية والاستيطانية، السياسية والثقافية، وبالشكل الذي أودى بالهويات القومية والثقافية الأصلية وأحل بديلا عنها ثقافة الغزو والاستبداد. وعندما تتكشف صورة القطيعة بين الفرد والمجتمع، المواطن والدولة، وما يتعلق بها من ملامح اغتراب وفردية، فأن جذورها تعود إلى دولة الاستبداد والقرصنة، التي لم تعبأ ببناء عرى تواصل وانتماء حقيقي، فاستعاضت عنها بفلسفة الدولة الشمولية والدين الشمولي، جاعلة من الفرد (عبدا) في منظومتها، تتوجب عليه جملة من الواجبات والعقوبات الفوقية. في كل مكان من العالم تم تجاوز المرحلة العبودية على صعيد الاقطاع أو الدولة، إلا في الشرق الأوسط، حيث يولد الانسان ويموت خارج إرادته، ملاحَقا بسلسلة لا تنتهي من الواجبات والعقوبات، لا تنتهي بالموت حيث تنتظره سلطات ماورائية تقتص منه جزاء ما أتاه. هذا الارتباط الصميمي بين الشمولية والعنف يجد مغزاه في حالة الغزو (الخارجي). فالعنف لا يتولد من الداخل، كما أن البناء الداخلي يبدأ بالتفاصيل وقوم خطوة خطوة ومن قاعدة البناء. ما زالت المنطقة حتى اليوم تشهد سيناريوهات دولية وبرامج أيديولوجية اقليمية جاهزة مفروضة من فوق، تتولاها عنها عصابات مالية وشراذم مسلحة تنخر في طبقات المجتمع المسحوقة وتدفعها قرابين على مذابح المصالح والأطماع الفاشية. الدولة متسلطة على المجتمع، والدين يتسلط على الدولة، والمجتمع يتسلط على الفرد، والفرد وامجتمع يتسلطان على الأنثى. وتشكل ظاهرة (الحجاب) أبرز دالة على معادلة التسلط والخضوع. الانثى المتحجبة هي المطيعة والخاضعة والملتزمة، بينما غير المحجبة خارجة على الطاعة والخضوع الاجتماعي والالتزام الديني. ليس مهما هنا علاقة (الحجاب) بالنص الديني، قدر تسخيره لخدمة الطقس وتأكيد التراتبية الاجتماعية، الطبقية والجنسية والعرقية.
*
الحجاب والحساب
التمييز الطبقي هو المغزى الأول لاستخدام الحجاب (المبالغة في الثياب) في مجتمعات الاغريق والرومان القديمة. وكانت المرأة الغنتية تتظاهر على نساء الطبقات المعدمة بما لها من ثياب فاخرة وأنيقة، بينما تفتقد الفقيرة ما تستر به جسدها من عوارض الطبيعة. ثم مال الاهتمام لنوعية الأقمشة وطرز الثياب وأمور التحشية والتذهيب، التي ما زالت سائدة في مجتمعات الخليج والهند. وكانت العباءة الهندية تطوراً لفكرة الشال الاغريقي والسواحلي القديم، التي شكلت دالة تجاوزت النساء إلى رجال البدو والقرى في الخليج ومنها العراق. وتلعب العباءة الرجالية ونوعيتها والمادة المحشاة بها معيارا لتقييم مكانة الشخص وأهميته في النظام الاجتماعي والمعاملة، وهو ما ينطبق على النساء أيضا. وبين مصممي ومصممات الأزياء من يتفنن في تحوير الموضات وتسخير نوعيات الأقمشة لتقديم نماذج كتجددة من الحجاب والعباءة وما إليه، بعد أن كان التصميم النسائي يدور حول ثياب السباحة والستربتيز. انتصرت معركة الحجاب في مجتمعات الشرق الأوسط والغرب العلماني. وتحول إلى النمط السائد والشائع، والغريب هو ما خالفه. كوادر التلفزة والاعلان والأفلام والسينما تحجبت، وصارت المفاهيم الدينية والتقليدية جزء من المادة الثقافية بدلا من أفكار النهضة الفكرية والاجتماعية وتحرر العقل والوعي. تمردت زوجة أحد المراءين مرة وخلعت الحجاب رغما عن أنف زوجها، فعاد بها نحو المنزل وهو يقول: أشعر أنك عارية أمام الناس. متناسيا أنها كانت هكذا من قبل حين تزوجا وان تدينه (المحدث) وحجابها لم يمض عليه وقت ولم يطن لديها عن قناعة ذاتية. تقدم الذاكرة الاجتماعية اليومية أمثلة عديدة لمظاهر الازدراء والذم المباشر من قبل الحرس القديم والمرائين ضد النساء غير المحجبات، ضاربين عرض الحائط بلائحة القيم الانسانية واحترام كيان الانسان الذي خلقه الخالق في أحسن تقويم.
*
الحجاب والحجب المنزلي
كان الجدل السابق يدور مكان المرأة المحدد في بيت أهلها أو منزل زوجها. وكان خروجها من المنزل بغير محرم أو عذر شرعي خروجا على الطاعة والنظام الاجتماعي. لكن الفكر الديني لم يستطع مواجهة التحولات الاقتصادية والمدنية في المجتمع الحديث، والتي استوجبت خروج المرأة من المنزل للدراسة والعمل والمشاركة في الحياة العامة أو القيام بواجباتها المنزلية والاجتماعية اليومية. وهنا ظهرت فكرة الحجاب (الباكستاني) لوسيلة تلبي خدمة حجب المرأة عن المجتمع. فالحجاب في حقيقته هو صورة لبيت منغلق على نفسه، تتحرك داخله الأنثى، مثل ترس أو تابوت متحرك. هذا الحجاب أو التابوت، يمنع اتصال المرأة بالمجتمع أو الاحتكاك إلا عبر (ثقوب) محدودة. وبينما تتكيف المرأة المقهورة مع وضعها، فأنها نادراً ما تنتبه لوضع المتعامل معها. ان الحجاب في الشرق أو الغرب، لا يمثل اليوم سطوة المجتمع المتنكر لهذه الممارسات، وانما سطوة نفر من ذوي العقلية الاقطاعية المخالفة لوعي العصر. ومظاهر من مظاهر الرداءة التاريخية المحمولة على منصات العولمة لدفع مجتمعات الجنوب والشرق إلى مزيد من الانغلاق والقطيعة مع منطق الحداثة والتطور. لقد خرجت المرأة من المنزل، وساهمت في الحركة الاجتماعية، ولكنها خرجت محملة بقشرة التقاليد وسطوة اقطاعية الفكر اليميني المتحجر.
*
شرق وغرب المرأة
لقد تقلص معيار المفاضلة بين أوضاع المراة في الشرق والغرب، بأثر التغيرات الدولية الاخيرة وثقافة العولمة الرأسمالية. الأساسص في تقييم مكانة المرأة، هو نظرة كل الثقافة الرأسمالية والاقطاع الديني للانسان ككيان مستقل، يتمتع بحرية الفكر والرأي والتعبير. ان الردة الفكرية التي تعيشها مجتمعات شرق أوسطية في مقدمتها مصر، ليست بعيدة عن واقع الغرب في ظل احادية القطبية وغياب العالم الاشتراكي. بل أن غياب المعسكر الاشتراكي من الساحة العالمية، هو الذي فتح أبواب اليمين على كل مصاريعها في كل مكان من العالم. وقد وقعت المرأة، كأقدم ضحية في التاريخ، ضحية الوضع الدولي والتحول الخطير في الحياة المعاصر.
ان ما تتمتع به المرأة الغربية اليوم، ليس غير آثار متبقية من تراث الماضي، التي تتفنن الماكنة الرأسمالية في الاجهاز عليها. يختلف الغرب عن الشرق بتحرره من هيمنة التقاليد الاجتماعية، ولكنها لم يتحرر من هيمنة الآلة الرأسمالية. وخروج المرأة للعمل في ظل الرأسمالية، ليس أفضل من بقاء المرأة في البيت الشرقي. فهي ما زالت تعاني من التمييز الجنسي في قوانين العمل والمعاملة. فمعدل أجور المرأة العاملة والموظفة هي أقل من معدل أجور الرجال بما يقرب من 08%. وبعد أن تم حظر عمل الأطفال دون سن البلوغ والعمل اليلي للنساء في القوانين الغربية أثر المانفستو الشيوعي (1848)، عادت بعض الدول واستجابت لطلبات بعض المعامل والشركات بالسماح لها بتشغيل النساء ليلا، أو مواجهة قرار هاته الشركات بالاستغناء عن جهود النساء وتشغيل كوادر رجالية قادرين على العمل ليلا. وقد وافقت بعض النساء على هذا الاجراء مرغمات تحت وطأة تفاقم أعباء المعيشة. كما تتزايد من جانب آخر، حوادث الاستغلال الجنسي للنساء في مواقع العمل المختلفة، وتتعرض للطرد والاستغناء من تمانع أو تتقدم بالشكوى جراء ذلك. ويذكر أن التحرش الجنسي من المحظورات في قوانين العمل والحياة العامة. وفي ظل اتساع مجالات القطاع الخاص في الاقتصاد الراسمالي، تقع كثير من النساء تحت سطوة استغلال أرباب العمل الصغار في المطاعم والمتاجر والشركات الصغيرة، وهي مراكز تضعف فيها الرقابة الرسمية، وتخضع للمزاج الشخصي. ان مظاهر الاستغلال والنكاية، جانب آخر، لتمييز الانثى والنظرة اللا انسانية إلى الانسان.
*
مظاهر العصيان.. الحرية أو الفوضى
تختلف المرأة الغربية عن الشرقية في علاقتها بالمجتمع. وبالتالي فهي أكثر حرية في التعبير عن ذاتها وكيانها إذا استطاعت التحرر من عبودية المادة. بينما تبقى المرأة بحاجة للرجل من أجل ضمان العامل الاقتصادي عبر مبدأ (القوامة). لكن الكمال الاجتماعي أو الاقتراب منه لا زال بعيدا في الغرب، كما هو في الشرق. فالمرأة تعاني وتناضل، وان كانت الظروف أقل ضراوة في وجهها. كما أن احتماء ابعض النساء بسلطة الرجل (أب/ زوج) يمنحها جانبا من الحماية من افتراس المجتمع والماكنة الاقتصادية.
هذه المعادلة تسفر عن ظاهرتين.. مرأة بلا معيل أو قوامة في الشرق/ مرأة بلا عمل أو رعاية اجتماعية في الغرب.
ليست قوانين الرغاية الاجتماعية معمولا بها في كل البلدان، وليست هذه المؤسسات على نفس القدر من الكفاءة والمسؤولية.
وبالتالي.. فأن معدل الانزياح الاجتماعي، أو الزيغ النسائي على قدر ملحوظ في مجتمعات الغرب والشرق على حد سواء.
يقع العالم كله اليوم تحت رحمة الاقتصاد الرأسمالي والعولمة الامبريالية، وتفاقم الاعباء المعيشية والضريبية انعكس سلبا على الروابط الاجتماعية ومؤسسة الزواج كنواة تقليدية في بناء البناء الاجتماعي، ترتب على ذلك ارتفاع معدل العنوسة والعزوبة في كثير من المجتمعات، الشرقية والغربية. وتبدو هذه الظاهرة في الشرق أكثر خطورة منها مما في غيره. فالكثير من شباب الشرق يهاجرون إلى الخارج بحثا عن تحسين أوضاع المعيشة والعمل، بينما يبدو ذلك أكثر صعوبة للنساء. وتورد التقديرات وجود خمسة عشر مليون عانسا في مصر وشمال أفريقيا. وهي البلاد المشهورة بارتفاع معدلات الهجرة بين أبنائها. يترتب عليه آثار اجتماعية ونفسية جديرة بالملاحظة والمعالجة المبكرة.
*
البغاء والتحلل الاجتماعي
البغاء ظاهرة اقتصادية أولا ذات مردودات اجتماعية كثيرة. والبغاء ظاهرة اجتماعية ذات مردودات سياسية كثيرة. والبغاء ظاهرة شخصية ذات مردودات نفسية كثيرة ومعقدة. وفي كل الأحوال، يبقى المجتمع، إطار الظاهرة، والمسؤول الأول عن عواملها والتحكم بنتائجها.
في المجال الاقتصادي تقف أعباء المعيشة وهشاشة نظام الاسرة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية على رأس الأسباب. ان ضمّ البغاء تحت عنوان العمل الاقتصادي نقطة اشكالية في الاساس، لكن النظر إليها في إطار أشمل لممارسة القنانة والاتجار بالبشر والجنس الرقيق أو تجارة البغاء بإدارة أشخاص وعصابات تقليدية، يقرب المشهد من الواقع. ان انتشار الفقر والفوضى وكوارث الحروب والمجاعة ساهم بفعالية في رواج تجارة الجنس في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ومثلت مجتمعات الكثافة السكانية في الشرق وبلدان المعسكر الاشتراكي المنحلة المادة الرئيسية لها. فالبغي ليست سيدة نفسها ولا راغبة متطوعة قدر ما هي ضحية وضع اجتماعي اقتصادي سياسي، تفتقد من ينقذ منها.
الجانب للبغاء الاجتماعي يمت لطبيعى الظروف الاجتماعية المتردية وانتشار الفساد الاجتماعي والعنوسة والعزوبة، ما يفتح بابا سرية لتنفيس احتقانات اجتماعية ونفسية متعددة تحت عناوين مختلفة ولأغراض شتى. والأقرب لهذه الصورة البغاء الشخصي، النابع من أزمات شخصية واجتماعية، بعيدة عن مسارها الصحيح. وفي العموم، ان لكل حالة ضحاياها، وكل بغي هي ضحية اجتماعية قادتها لأذلك أسباب وظروف أو أشخاص، ثم تخلى عنها المجتمع أو المؤسسة، فلم تستطع التحرر من براثن المستنقع الذي وقعت فيه، بينما وقعت كثيرات، أسارى مؤسسات تجارية وأدوات متعة وتسلية شخصيات أرستقراطية أو سياسية وتجارية اعتادت التعامل مع اللحوم الطازجة والطرية أولا بأول، قبل أن تقذب لها إلى قارعة الطريق.
*
المرأة سيدة نفسها ومجتمعها
ان الخلاصة التي يمكن الخروج بها من تملي تاريخ حركة التحرر النسائي، ان المرأة لا تتحرر إلا بتحرير نفسها بنفسها، وليس بفعل عامل خارجي أو انتظار معونة شقيقها وندها الرجل. ولكي تتحرر المرأة فلا أن أن تتحر بعقلها وروحها من كل عبودية ووصاية خارجية. ان المرأة التي تنجب وتربي، وتتفنن في زينتها وثيابها، تترك الرجل يتحدث عنها ويخطط لها شؤونها، ويوقع بدلا عنها في المعاملات والمراجعات الرسمية. لقد انتظرت المرأة طويلا أن يفسح لها المجال لممارسة دورها الاجتماعي والتحرر من التراتبية الجنسية، ولكنها ستنتظر طويلا بلا أمل. لم تختر المرأة جنسها بنفسها، وليس للذكر جدارة في تميزه عنها. انما هما طرفا معادلة اجتماعية حضارية، كلاهما انسان في هذه المعادلة، وكل منهما انسان. ولا مكان لتاء التأنيث الملحقة بنهاية الكلمة العربية، إذا علمنا انها تحوير عن الغة الارامية التي تنتهي كثير من كلماتها بالفتحة أو الالف الممدودة، مثل بيتا، بشيتا، شاءا.
*
الثالث من مارس 2008



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العربية.. خطوات جريئة للامام.. (1)
- ضفاف داخلية
- صورة تخطيطية في حديقة
- النون : أيّ سرّ في هلالك وهلاكك؟
- اليسار والدمقراطية.. أوزار التاريخ والجغرافيا
- قصيدة [الوعل]لوسام هاشم.. دراسة صوتية – سوسيولوجية في مادة ا ...
- استحالات عدنان الصائغ
- ن تقاتل بلا أمل/ يعني أن تقاتل الحشيش
- فراشة سوداء
- الرصافي الخالد
- لزوميات نصيف الناصري
- صراع الذات والآخر في قصيدة داليا رياض (تطيش نحو السماء)
- - كفى تناسلاً أيها الخراب!-
- المرثاة في الشعر المعاصر
- عن المرأة والمدينة في ظل التحول الاجتماعي
- الشعر.. الرؤية الكونية.. وبشارة الحاضر
- إشكالية الخروج.. من الاغتراب الذاتي للاغتراب الوجودي
- نظرية التوا زنات الافقية في رواية دابادا
- خُوَاء
- جلولاء.. سيرة مكان.. (1 - 4)


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- المرأة النمودج : الشهيدتان جانان وزهره قولاق سيز تركيا / غسان المغربي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - الثامن من آذار 2008 يوم المرأة العالمي - لا للعنف ضد المرأة - وديع العبيدي - المرأة العربية.. خطوات جريئة إلى أمام (2)