أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي خدر حجو - التطرف الديني ... و اندماج الاقليات















المزيد.....


التطرف الديني ... و اندماج الاقليات


صبحي خدر حجو

الحوار المتمدن-العدد: 2202 - 2008 / 2 / 25 - 07:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القيت هذه الكلمة في السيمنار الذي اقامه المجلس الشعبي ( الكلداني ، السرياني ، الاشوري ) في المانيا ، يوم السبت المصادف 23 / 02 / 2008

الاخوات والاخوة الكرام

شكرا جزيلا لكم على دعوتكم لنا للمساهمة بكلمة متواضعة في سيميناركم القيّم هذا.

اسمحوا لي ان اتناول في هذه الكلمة الموجزة والمتواضعة ، مسألة في غاية الاهمية في وقتنا الراهن ، تلك التي تتعلق بحياة ومستقبل الاقليات الدينية في الشرق الاوسط عامة والعراق بشكل خاص ، واركّز بشكل اكثر خصوصية على الاقلية الدينية الايزيدية ، كابرز مثال على ما تعانيه هذه الاقليات من مضايقات واضطهادات ومحن منذ مئات السنين ، وليومنا هذا ، وعلاقة ذلك بقضايا الاندماج التي تشكل شرطا ضروريا لتوفيراسباب الانسجام والسلم الاجتماعي بين المجتمعات البشرية الواحدة او المتعددة .

واذا ما اردنا ان نقيمّ قضية الاندماج ، ونلاحظ تأثيره بين المجموعات البشرية المختلفة قوميا ودينيا ومذهبيا ، نراه يشكلّ ضرورة قصوى لا يمكن الاستغناء عنه في اي وقت من الاوقات ، وهو شرط لازم لتوفير السلم الاجتماعي بين هذه المجموعات . من اجل ان يمارس الافراد حياتهم الطبيعية ويصبح بامكانهم ان يكونوا عاملا ايجابيا في ترصين المجتمع وتقدمه من جميع النواحي . والاندماج يعني اول مايعنيه ، هو الوصول الى درجة معقولة ومقبولة من التوافقات في جميع المجالات ، الاقتصادية والثقافية والنفسية والمصالح والقبول والتفهم المتبادل للاخر بكل ما يحمله من ثقافة او اعتقادات ، اي الاقرار ايضا بالمصالح المشتركة المتلازمة على جميع الصُعد ، وكذلك ، ان يسود السلم والوئام والانسجام بين افراد المجتمع ، وان تسود روح المودة والتفاهم والتوافق بينهم ، والاحترام المتبادل للراي والرأي المخالف ، وان تعالج الاختلافات في الرؤى والافكار والاعتقادات بما فيها الدينية بروح سمحة ومسالمة بعيدا عن التعصب او انكار الاخر ، واللجوء الى الاساليب التربوية والنظام والقانون والعدالة في معالجة اية اختلافات مهما كان نوعها حتى وان كانت تكتسب القدسية لدى البعض ، وبالتالي يعني ايضا ، وهذا هو الشيئ الهام جداً ، انتهاء خشية وخوف وفزع اية مجموعة اثنية او دينية من الاخرين. ،
.
والجميع يقرون بحقيقة تاريخية لا يمكن نكرانها ، ان الظروف والاقدارأو ضرورات دينية او علمية قد تسببت او ساهمت بان تتكون البشرية من قبائل وشعوب مختلفة ، لها لغاتها وعاداتها وتقاليدها المتمايزة عن بعضها البعض ، وهكذا الحال بالنسبةلاكثر الاشياء التي تكتسب اهمية فائقة لدرجة( القدسية) عند هذه الشعوب هو ما يتعلق بايمانها ومعتقدها الديني ايضا . فالكثير منها تشترك او تختلف في الاعتقاد والايمان الواحد ، ليس هذا فحسب ، وانما هنالك مجموعات بشرية تعتقد بمعتقد ودين واحد ، ولكنها تؤدي الطقوس لهذا المعتقد بطرق عديدة ومختلفة عن بعضها البعض .

واذا كانت تعاليم الاديان كلها تهدف كما يبشّر بها دعاتها والمؤمنون بها والقائمون عليها وعلى مؤسساتها ، الى نشر الخير والسلم والعدالة الاجتماعية ، وتعمل ضد الظلم والجور والطغيان وتدعو للوئام والسلم وتوحيد البشر وجمعهم حول كلمة الخير والمحبة ، فالواقع والاحداث التاريخية تحكي شيئاً آخراً مختلفاً في الكثير من فصول التاريخ البشري ، وبعض هذه الفصول المتسمة بالعنف باسم ( نصرة الدين ونشره ) طالت وامتدت ازماناً طويلة وصلت الى ايامنا الحالية . فالقائمون على بعض الاديان من رجال دين او مؤسسات صغيرة او كبيرة اوطبقة الحكام الذين جعلوا انفسهم ناطقين باسمها ، قد جعلوها ( الاديان ) في الكثير من الاحيان والازمان سيفاً بتاراً ورهيباً مسّلطاً على رقاب مجموعات بشرية اخرى تلك التي لا تدين بذلك المعتقد او لا تشاركهم طقوسهم .

وكانت الديانة الايزيدية ، اقدم ديانات الشرق الاوسط ، والتي تعبد الله الواحد ، كما تشير تعاليمها وطقوسها وعلمائها الى ذلك ، واحدة من اكثر الاديان التي طالها الظلم و التعسف والاضطهاد والابادات ، وقد اصبحت تلك الابادات الجماعية جزءاً ملازماً ولصيقا لاتباعها ولتاريخهم الموغل في القدم .

والكثير منا يطرح هذا السؤال ، منْ من البشر لا يرغب ان يعيش هو وعائلته واقرباؤه ومحبوه في وضع آمن ومستقر وبدون خوف او وجل ؟ بالطبع لا يوجد سوى استثناء واحد يتمثل بناسٍ غير اسوياء . واتباع الديانة الايزيدية هم ايضا كباقي خلق الله التواقين للخير والمحبة ونسج علاقات اجتماعية واقامة مصالح مشتركة واسعة مع كل المجموعات الاثنية والدينية التي حولهم وتجاورهم ، خاصةً اذا عرفنا امتيازهم بخاصية جديرة بالذكر فهي بحد ذاتها عنوان للرغبة الجامحة في السلم وطلب (الستر ) كما يقولون ، عندما تحّرم ديانتهم التبشير وقبول الاخرين من خارجها .

ولكن لماذا كان الايزيديون معزولون ومتقوقعون على انفسهم ويعيشون في المناطق النائية والمغاور والجبال في الازمان الغابرة ؟ هذا ما اكده كل الكتاب والبحاثة الذين كتبوا وبحثو في شؤونهم ، ونحن ايضا نقول ان ما كتبوه كان صحيحا ! ومَن قرأ و يقرأ ما كتبه هؤلاء سيخرج بنتيجة في غير صالح الايزيديين ، وكأن بالايزيدية مسٌ من الجنون ، او انهم لا يستطيعون الانسجام والتعايش مع الاخرين لعلةٍ فيهم .. هؤلاء الكتاب والبحاثة ركزوا على هروب الايزيديين واختفائهم في الظلمات دائماً ، تحدثوا عن وجهٍ واحد من المسألة ، ولم يتطرقوا الى الوجه الاخر منها ، أي الى الاسباب الحقيقية لعزلتهم واختفائهم في المناطق العصية .. فضلا انهم في ما دبجوه من مغالطات عنهم وما الصقوه من صفات ومزاعم عن تصرفات همجية وبدع غريبة...الخ أي اعطوا كل الاوصاف التي من شأن من قرأها او يقرأءها او يسمع بها يعطي الحق لا بل يشجع على اعلان حرب الابادة ضدهم . ، وعلى سبيل المثال كان منهم السائح و البحاثة التركي اوليا جلبي الذي كتب اواسط القري السابع عشر وصفا ( مقززا ) لعلاقة الايزيديين بالكلاب الى درجة يظهرهم كأنهم يقدسونها ويحلونها محل ابنائهم . .
وفعل الفعل نفسه او بدرجات اقل عباس العزاوي والدملوجي وسامي الاحمد وعبد الرزاق الحسني وغيرهم من الكتاب والباحثين . الذين شوهوا صورة الايزيدي المسالم امام الاخرين . مع الاسف لعب هؤلاء ايضا دورا تحريضيا كبيرا سواء عن جهل او عمد . .

لقد بدأت محنة الايزيديين الحقيقية منذ الغزو العربي الاسلامي لبلد السواد وما جاوره من المناطق الشمالية والشمالية الغربية ، صحيح ان الغزوات والفتوحات كانت قائمة قبل الغزو العربي الاسلامي ، وكانت تعاني شعوب هذه المناطق من عدم الاستقرار ودمار وضعهم الاقتصادي والمعيشي ويزيد من اعبائهم الحياتية ، ولكن كانت كل تلك القوى الغازية على الاقل تحترم ولا تمس مشاعر الناس في معتقداتهم الدينية ولا تحاول ان تفرض معتقدا معينا بذاته ، وكان الناس يؤدون الطقوس لمعتقداتهم بكل حرية بوجود الغازي ورضاه . وعند بدء الغزو العربي اختلف الامر تماما ، فقد نشروا معتقدهم بقوة السيف ، وفرضوه على الامم والبلدان التي تمكنوا منها . ولا يمكن ان نستغرب عندما لا يصبح بالامكان الخلاص من تأثيرات هذا الغزو الديني الجديد الاّ بالاختفاء والهروب والانزواء في الاماكن العصية ، لاسيما عندما نعرف حقيقة المكانة المقدسة لتلك المعتقدات عند تلك الشعوب والاقوام .خاصة في تلك الازمان .

العديد من الكتاب والباحثين المنصفين الحاليين الذين بحثوا وكتبوا في الشأن الايزيدي امثال الدكتور كاظم حبيب والقاضي والكاتب زهير كاظم عبود واحمد ملا خليل وآخرين ، اصابهم العجب واشادوا ايما اشادة بروح المقاومة والصبر والتحمل والاصرار لدى من تبقى من الايزيديين على التمسك وصون معتقدهم الديني ، ومتحملين كل تلك الابادات والمجازر بحقهم . .

بالطبع لا يتسع المجال هنا لذكر عدد حملات الابادة الجماعية والمجازرالوحشية التي اقيمت بحق الايزيديين في مناطقهم وقراهم النائية وفي عقر دارهم ، ولكن فقط ننوه الى ما كتبه الكاتب الشيخاني المرحوم احمد ملا خليل مشختي في مقالةٍ في مجلة روز العدد ( 6 ) لسنة 1998 بعنوان بانوراما الحملات المدمرة التي حلت علىالايزيدية . فقد اورد تواريخ موثقة لـ ( 52 )حملة ابادة ومجزرة كبيرة من اصل ( 72 ) كما يقول المعمرون الايزيديون ، واسماء قادة تلك الحملات وبعض نتائجها ، مبتدئة من حملة عمر بن الخطاب وانتهاءاً بأخر حملة سنة 1933 ، ويلاحظ المرء ان بعض الحملات كانت بشكل سنوي ، وكما قال الكاتب المذكور: نلاحظ مما سبق ، ما ان انتهت حملة ابادة ضد الايزيدية حتى بدأت اخرى ، ليس لسبب سوى انهم يعبدون الله كما يرون . وكان في تلك المقالة وصف كثير لمجرى ونتائج مأساوية اصابت الايزيديين ، نورد ثلاث وصفات في سبيل المثال ، اذ كانت جميع الوصفات الاخرى علىهذا الغرار :

ـ اورد مؤلف دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ما يلي :
قرر الوزير سليمان باشا ان يقود حملة ضد الايزيديين ، وحاصر قلاعهم واصلاهم ناراً حامية واقتحمها ودمرها الواحدة تلو الاخرى ووقع برجالهم قتلاً واسراً وسبي نساءهم وغنم اموالهم واقتلع بساتينهم واحرق مزارعهم وحزّ اعناق الكثيرين من رجالهم وارسل نحو ( 300 ) رأس منهم الى الاستانة ( 1 )
ـ حمل عليهم سليمان باشا والي بغداد 1750 م ، وطلبوا منه الامان ، فأمنهم ثم حمل عليهم وقتل ( ألف ) رجل وسفّر ( 3 ) آلاف منهم الى الاستانة . ( 2 )
ـ في سنة 1844 م شن حافظ باشا حملة قاسية على سنجار ، واباد ثلاية ارباع سكان سنجار ( 3 ) .
كيف لا يهرب الايزيديون ويختفون في الجحور المظلمة عندما تلاحقهم كل تلك الحملات الظالمة دون رأفة ووازع من ضمير ، وباسم الله ونصرة دينه !!؟
ثم لا يمكن نسيان حملة ( ميركور ـ الامير الاعور) امير منطقة سوران في كردستان عندما قاد حملة شعواء على مناطق الايزيدية عام ( 1831 ) م ، واسر اكثر من ( مائة ) ألف جلهم من النساء والاطفال وابادهم بالمدفعية دفعةً واحدة في تل ( قوينجغ ) قرب مدينة الموصل ، وسبى عشرة آلاف اخرين اغلبهم من النساء وتم تزويجهن للمسلمين .
طبعا اوردت هنا فقط رقم المجازر الكبيرة بحق الايزيديين ، اما المجازر الاصغر فحدث عنها ولا حرج فهي بالالاف ، ونقلا ً عن آبائنا ومنذ وقت قريب نسبياً ، كانت الفرق المختلفة من المسلمين المتطرفين تجوب اطراف قرى الايزديين والمسيحيين وتقتنص من يكون خارج تلك القرى نساءا او رجالا او اطفالا . وذكرت في المقدمة انهم يمكن ان يكونوا مثالا لما ارتكب بحق الاقليات الدينية الاخرى من مسيحيين ويهود وصابئة وغيرهم في جميع المناطق والبلدان التي طالها الغزو العربي الاسلامي ، وتلك المعاناة هي معروفة في كتب التاريخ وتعرض لها الكثير من الكتاب والبحاثة . ولقد عاصرت انا شخصيا منذ عهد غير بعيد ( خمسينات وستينات ) القرن الماضي المعاملة التي كان يلقاها غير المسلم في المدن العراقية كالموصل من استهزاء واهانة وشماتة وتحقير علني من قبل بعض مواطني تلك المدن . .
وهنا لابد ان يطرح السؤال نفسه ، كيف يمكن للايزيديين ولابناء الاقليات الدينية الاخرى ، الذين يعيشون في اجواء حملات الابادة والمجازر والخوف والرعب ، ان يندمجوا مع جيرانهم والمجتمعات المحيطة بهم ؟؟
وفي الحقيقة اشد ما يؤلم ابناء الاقليات الدينية حاليا هو ان عليهم ان يتجرعوا الحقيقة المرة التي تقول: بعد كل تلك الغزوات والمذابح والفرمانات ، حيث كان يحدوهم الامل بان الزمن قد طواها ولن يكون لها عودة ثانية ، بعد التطوروالتقدم الذي حصل في المعمورة والوعي الهائل لشعوب كثيرة ، ولكنهم الان يقفون على ابواب مرحلة جديدة لا تشبه الزمن السابق فحسب وانما اكثر قتامة وسوادا ، فاذا كان الوالي السابق او الباشا يبذل الكثير من الجهد والعناء لكي يقنع السلطان في الاستانة باصدار فتوى قتل وابادة " كفار" معينين ، واذا كان الذين يفتون هم معدودين ومعينين من قبل السلطان ، فالان لا يحتاج الامر الى قرار حاكم او والي او سلطان ، فالامر جاهز في كل ساعة ووقت للاقتصاص من " الكفار " بنظر المتطرفين الاسلاميين ، واصحاب الافتاء متواجدون في كل بيت وزاوية ، والكل لهم صلاحية الافتاء !! ، والاخطر من هذا ، ان التشدد والتطرف كان في الاوقات السابقة محصورا بافراد او فئات معينة ، بينما الان انتشر في كل ثنايا المجتمع المسلم بقسميه العربي والكوردي في العراق الحالي ، ولا اجانب الحقيقة عندما اقول وبألم، ان وجود الاقليات الدينية اصبح غير مقبولا ولا مرغوبا من اغلب المجتمع الاسلامي الحالي في العراق لاسباب كثيرة يصعب شرحها الان . .

وكان الامل كبيرا بعد سقوط النظام الدكتاتوري ، بان تتغير الصورة السابقة ، ويحل عهد جديد يحمل في طياته كل ما من شانه ان يزيد لحمة المجتمع العراقي بكل قومياته واديانه ومذاهبه ، ولكن الواقع الذي نعيش فيه مناقض تماما لتلك التوقعات ، فقد اشتد الصراع الطائفي الديني واشتد سعير الكراهية للاقليات الدينية بشكل علني لا سابق له حتى في الازمان الغابرة ، ولم يقتصر العداء على اصدار الفتاوي الكثيرة بالتكفير والقتل والابادة والتصريحات المعادية والاستفزازية ، وانما اتخذت الوجهة شكل حملات فعلية من القتل والاغتيالات وتدمير دور العبادة والتهديد بالتحول عن اعتقاداتهم الى الاسلام . والوقائع منشورة في كل وسائل الاعلام الرسمية والشعبية . وكان اخرها عمليات الابادة في سنجار والتفجيرات التي طالت الكنائس والاديرة في بغداد والموصل وكركوك .

ولابد ان نعترف ، ان الوضع السياسي الحالي المرتبك والشائك هو المسؤول حتما عن العديد من الظواهر غير الصحية والسلبية ، اضافة لعوامل اقليمية ودولية عديدة و لكن لوتفاءلنا وافترضنا جدلا ان الوضع السياسي سيتعافى بعد سنوات ، فان المعضلة الاكبرالتي ستجابه الجميع ، هي ان معالجةهذا التطرف سيحتاج الى جهود جبارة ولاجيال عديدة ، لانه لم يعد محصورا في بؤرة معينة وانما في اغلب اقسام المجتمع .

ففي مثل هذا الوضع الشاذ و الصعب للغاية ، كيف يمكن النظر الى قضية الاندماج بين مختلف شرائح المجتمع وبشكل خاص بين الاغلبية التي تنشّد الى التشدد يوما بعد آخر، وبين الاقليات الدينية التي ضحت وصبرت صبرا فاق صبر ايوب ، والتي لا ترنو للمثال في العلاقات ولكنها تحصر طموحها الان في ( برودة الكاع) كما يقول المثل الشعبي ، ولا تطلب غير ان تمر هذه الغيمة الثقيلة وهي قد قدمت اقل ما يمكن من تضحيات .

وبطبيعة الحال لا يمكن توفير الاندماج بقرار او بقدرة قادر ، وانما على المجتمع ومؤسساته وحكمائه وحكامه ان يوفروا الكثير من الاسباب والعوامل التي تشكل الاساس المتين له ، واهم تلك العوامل ، وضع خطط اقتصادية جيدة ، بامكانها ان توفر ضمانة لحياة معيشية ملائمة لافراد المجتمع ، تنتفي فيها البطالة التي تتسبب في انصراف الكثير من الشباب ولجوئهم لاستلهام الافكارالسوداء من معين وخزين ماضوي غير منتج ، و توفيرمؤسسات تعليمية تستند على افضل الطرق والافكار والمبادئ التربوية ، بحيث تخرّج اجيالا من المنتجين والمبدعين في مختلف قطاعات الحياة ، الاهتمام ببناء مؤسسات ثقافية تهتم بتوفير اجواء ومناخات ايجابية لنشر الوعي الثقافي المبني على روح التسامح ونبذ وتبشيع كل اشكال العنف والتعصب بدءاً من العشائري و القومي و الديني وانتهاءاً بالمذهبي ، وفي مقدمة تلك العوامل واساسها لا بل اهمها ، هو توفير النظام السياسي الديمقراطي الرشيد ، الذي يمكنه فقط ان يوفر كل تلك المستلزمات ، وعلى رأسها سيادة القانون والنظام وسواسية المواطنين جميعهم امامه . وهذا بدوره يقود الى ضمان الحريات العامة والفردية وصيانتها بما فيها ممارسة الشعائر الدينية ، دون تدخل او تهديد او اعتداء من احد .

وفي خضم هذه الاوضاع الملتبسة ، تطرح احيانا افكار ومشاريع ومقترحات من قبل بعض الساسة او الكيانات السياسية والقومية ، ومنها ممثلي الاقليات القومية والدينية ، كالمقترح الذي طرحه الاخوة في المؤتمرالشعبي (الكلداني السرياني الاشوري) حول امكانية تمتعهم بالحكم الذاتي وفق قواعد الدستور الجديد . اننا الايزيديون نؤيد مثل هذه المشاريع ، وهي جديرة بالدراسة والتمعن فيها ، ونرى فيها مصلحة مشتركة ، خاصة اذا جمع مثل هذا المشروع الاخوة المسيحيين والايزيديين معا لاسباب عديدة ووجيهة ، منها ايمان الطرفين بالروح السلمية المتأصلة لديهما في معالجة المشاكل ، كذلك ، عدم لجوء الطرفين الى التبشير الديني مما ينفي وجود رغبة او طموح لكسب الاخرين ، الى جانب الاشتراك في مناطق جغرافية واحدة او محاذية لبعضها البعض ، واخيرا العلاقات التاريخية الطيبة بين الجانبين وانتفاء اية اشكالية بينهما على مرالتاريخ ، وانما كانا عونا لبعضهما البعض في الايام الصعبة .

واذاما قبل الحكام وقياديو البلد بهكذا مشروع ، فانه حتما لن يكون الحل الامثل ، وانما يكون ملائما للوقت الراهن فحسب ، وسيساعد على تقليل الاحتكاك بالاغلبية المتشددة الى حد ما ، و لكنه سيكون على كف عفريت ، اذا لم يقترن بقيام نظام ديمقراطي علماني ليبرالي ، يستطيع ان يوقف كل اشكال التشدد ومنه الديني ، و يؤمن جميع المستلزمات التي تحّول الوطن الى ورشة بناء يساهم جميع ابنائه من جميع القوميات والاديان والمذاهب ، في بنائه وترسيخ دعائمه وازالة تركات الماضي بكل صورها المشوهة والمرعبة ، وتترسخ الاخوة الحقيقية بين ابنائه دون ضغينة او كراهية او اكراه في الدين ، وسينطبق آنذك المثل القائل الدين لله و الوطن للجميع .
ان الازمة العصيبة التي تمر على ابناء الاقليات الدينية في العراق هي من الشدة والخطورة بحيث ادت وتؤدي الى تشاؤم واحباط كبيرين ، مما يدفعهم الى اللجوء الى اسهل الحلول ولكن اخطرها وهي الهجرة الى بلاد الله على وسعها ولكنها ضاقت امامهم كثيراً .
ان محنة الاقليات هذه ، تستدعي من كل الخيرين والديمقراطيين والليبراليين افراداً وجماعات ومنظمات او حكومات في العالم ، وكل مؤمن بحقوق الانسان وكرامته وحقه في الحياة وفي العبادة بالطريقة التي يراها مناسبة ، الوقوف معهم بكل اشكال الدعم والتضامن ، اذ لا يمكن ان يكون هناك شرق اوسط بدون هذه الاقليات ، فقد كانت هي ، وما تزال من سكانه الاصليين ، فهم ملح هذه الارض . .



#صبحي_خدر_حجو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرة :المطالبة بتنفيذ الحكم الصادر بحق المدانين في عمليات ا ...
- الماركسية وان كانت بنظر البعض - عفنة - ولكنها مع ذلك صديقة ا ...
- مام جلال .. والكَسب الرخيص
- ايزيديو العراق .. في مفترق الطرق ..!
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 9 والاخيرة
- مكانة المرأة ... في المجتمع الايزيدي الحلقة 8
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 7
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 6
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 5
- شهادة للتاريخ .. تحية وعتاب
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 4
- صفحات حزينة من الانفال * 2
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي الحلقة 3
- صفحات حزينة من الانفال
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي 2
- مكانة المرأة .. في المجتمع الايزيدي
- الايزيدون .. لا يعيشون خارج التاريخ ، وانما في قلبه!
- نظرة على واقع ومعاناة الايزيدية - ح الاخيرة
- نظرة على واقع ومعاناة الايزيدية ، ومقاربة للحلول المناسبة وا ...
- نظرة على واقع ومعاناة الايزيدية ، ومقاربة للحلول المناسبة وا ...


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صبحي خدر حجو - التطرف الديني ... و اندماج الاقليات