صفحات حزينة من الانفال * 2

صبحي خدر حجو

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:24
المحور: حقوق الانسان
    

لم يكن قرار العفو الصادر في 6 أيلول نهاية لقصة الانفال كما اوحت بذلك تجربة الايزيديين والمسيحيين . وكما سنرى ، استمرت عمليات الاعدامات الجماعية للاسرى المعتقلين قبل قرار العفو . واستمرت لجنة استقبال العائدين التابعة للحزب في عملها حتى شباط 1989 على الاقل ، مرحّلة عوائل الاكراد الى المجمعات الموجودة في سهل اربيل "1" . بالاضافة الى تعهدات المقيمين المذكورة آنفاً ، كان على " العائدين الى الصف الوطني " التعهد ب: 1ـ العيش في المساكن المحددة لهم وعدم تغيير عناوينهم ! 2 ـ عدم المشاركة في اية نشاطات تخريبية؛ و3ـ "النضال من اجل بلدهم "، وذلك تحت طائلة العقوبة كما ينص عليه القانون "2"

كان مجمع بير حوشتر الجديد ، الواقع الى الشمال من مدينة اربيل ، مشرعا للعائدين في 27 تشرين الثاني 1988، (3) واستمر ترحيل عوائل البيشمركة المشتبه بهم في قرية كرده جال المجاورة لستة او سبعة اشهر على الاقل بعد ذلك (4) ويبدو ان النظام كان شكل (لجنة متابعة ) لتنفيذ بنود برنامج العائدين ، وسيل من الاوامر الصادرة من الامن والاجهزة الاخرى ، تحض قوات الامن كي يكونوا اكثر يقظة وحذرا في المجمعات . كما اصدر الامن ايضا تصاريح اعتقال بحق اي شخص كان يغادر المجمعات بدون ترخيص او ينتهك شروط اسكانه في المجمع . يبدو انه في حالة واحدة على الاقل ، احيت لجنة مكافحة النشاط المعادي لمحافظة اربيل نموذجا اكثر تمييزا لسنوات السبعينات لترحيل العوائل الكوردية الى جنوب العراق ( 5 ) .
من الواضح ان المجيد شعر بانه كان يواجه مأزقا دقيقا , فمن جهة ، لم يستطع ان يبدو لينا ، لان من شأن ذلك ان يشجع البيشمهركة . ولكي يحول دون ذلك ، اصدر اوامره للاجهزة الامنية باتخاذ اجراءات شديدة القسوة، يجب استعمال " القوة والقسوة فقط " في الصراع ، سيكون هناك رد فعل ( فوري ) وقاطع لاية حوادث يمكن ان تحدث ، مع كون ردة الفعل غير متناسبة مع حجم الحادثة ، ، ولا يهم كم ستكون الاخيرة تافهة ".
لم يبق غير مئات قليلة من القرى سالمة في المحافظات الثلاث التي تكون منطقة الحكم الذاتي . وفقا لتقرير اعدته وزارة الاعمار والتنمية للحكومة الكردية الجديدة * ، كانت 673 قرية ما زالت قائمة في المحافظات الثلاث : اربيل والسليمانية ودهوك ؛ ودمرت (4049) قرية . تركز ثلثا القرى التي بقيت سالمة في ضواحي مدينة اربيل ومخمور وعقرة ، وهي مناطق كانت استثنيت بمجموعها من الانفال .(12)
مع ذلك ، لم يكن هناك ضمان لديمومة الامن والطمأنينة للقرى القليلة التي نجت من حملة الانفال ففي 15 نيسان 1989، فوض القرار المرقم 3448 الصادر من مكتب الشمال بـ " اخلاء وجمع" عدد غير محدد من القرى العائدة الى عشائر البرادوست والدولمري وذلك لافساح المجال امام بناء سد على نهر الزاب الكبير في بخمة ، وكان ذلك مشروعا اعد التخطيط له منذ الخمسينيات . كانت عشيرتا البرادوست والدولمري مواليتين ومخلصتين للحكومة . باميال قليلة فقط الى الجنوب من قرى البرادوست والدولمريين ، محقت 14 قرية اخرى في هجوم مشترك لقوات الجيش والامن في كانون الاول 1988، ورحل ساكنيها الى مجمع( باسرمة) المجاورة . الذريعة المزعومة في هذه المرة ، لم يكن مشروع سد البخمة ، لكنها كانت عمليات الثورة المضادة ضد الجيوب المتخلفة من البيشمركة المقاومين (14) . كانت سه ركه ند خيلاني احدى القرى التي تعرضت لتلك الحملة ، وكانت عبارة عن مكان كبير نسبيا يسكنها ما يقارب الف نسمة من السكان. لقد نجت القرية من الانفال ، لكن قوات الجيش انقضت عليها بالمدفعية وطائرات الهيليكوبتر والقوات الارضية ، اضافة الى العملاء الكرد من المفارز الخاصة (15) وفي اعقاب الهجمة ، سويت سه ركه ند خيلاني مع الارض واعتقل معظم القرويين . نقل الجميع الى بلدة شقلاوة حيث قضوا الليلة مسجونين داخل شاحنات الايفا في قاعدة الجيش، ومن هناك نقلوا الى باسرمة ؛ باستثناء خمسة اشخاص اقتادهم الامن بعيدا داخل سيارة جيب منفصلة وكانوا هؤلاء ، كل من زوجة واخ والبنت اليافعة لزعيم القرية ، اي المختار.
اعتقل المختار نفسه من قبل الامن في اوائل 1989 ، واحتجز لمدة سبعة اشهر في دائرة امن اربيل وتعرض للتعذيب بصورة متكررة : لقد عذب بالاسلاك الكهربائية و علق من خطاف في السقف ، نقع بالماء وتعرض الىالصدمات الكهربائية في شحمة اذنه. وفي فترات متكررة ، اقتيد زملاؤه في السجن لاعدامهم . لكن الغريب في الامر ، انه خلال الجلسات الطويلة من التحقيق التي بقي المختار فيها ، لم يذكر القرويون المختفون الخمسة من قرية سه ركه ند خيلاني الا بشكل عابر . لقد ابلغ بانهم كانوا مخربين ولن يشاهدهم احد مرة اخرى قط . بعد مضي سبعة اشهر ، وبدون اي تفسير اطلق سراح المختار. وبعدما وصل الى مجمع باسرمة ، استلم وثيقتين من قسم الاحصاء والصحة لوزارة الصحة في اربيل . كانت تلك شهادات وفاة للرجلين اللذين اختفيا. اما التاريخ الذي كانتا تحملانه فهو 20 شباط ؛ واعطي سبب موتهما هكذا " الاعدام باطلاق الرصاصات " . لم يستلم الرجل قط خبرا عن مصير النساء الثلاث ، برغم ما جاء في الوثائق التي وجدها البيشمركة خلال انتفاضة عام 1991 واصفة اعدامهن (16) .
اعدامات جماعية متواصلة :
الجريمة ، وبكلمات اخرى تلك التي تشمل الاعدامات الجماعية ، كانت على الدوام اداة اساسية في يد النظام عند تعامله مع الكورد ، برغم ان الانفال كانت الان قد انتهت واصبحت معظم المناطق الريفية غير مأهولة . اذ كان اي شخص يوجد في المناطق المحظورة معرضا للقتل ، وكما الحال بالنسبة لاي شخص يشتبه في نشاطاته مع البيشمركة في القرى القليلة التي كانت باقية . كانت بعض اوامر هذه الجرائم من القتل تصدر من قبل مكتب الشمال لحزب البعث ، ويبدو ان علي حسن المجيد كان يراقب شخصياً وعن قرب عمليات التخلص من الوطنيين البارزين . ففي مذكرة مكتوبة باليد في شهر ايلول لسنة 1988 صادرة من مدير امن شقلاوة ، تنقل تمنيات وتهاني المجيد الى العملاء والمسؤولين عن تصفية كادر من الحزب الشيوعي وحرق جثته : كتب رئيس * مكتب الشمال " سلمت ايديهم ! ليباركهم الله على ايمانهم واخلاصهم ".
4/ ايلول / 2006
الهوامش :
من كتاب جريمة العراق في الابادة الجماعية ( حملة الانفال ضد الكورد) *
1ـ محضر اجتماع لجنة العائدين التابعة لحزب البعث في 1شباط 1989
2ـ عثر على افادات التعهد التي تحمل تواريخ مختلفة في اواخر عام 1988بين اضبارات في مقر البعث في اربيل.
3ـ رسالة غير مؤرخة لحزب البعث وجدت في ملفات الحكومة العراقية في اربيل.
4ـ كان قد اعدم بعد استسلامه فعد العفو ، وجد قبره في دهوك ، اذ كان يحتوي على رفاته ، والقبر كان خارج مقبرة بلدية دهوك التي بدت انها تحتوي على ما يقرب من 45 قبرا آخر.( مقابلة HRW/ME، دهوك 4 حزيران 1992.
5ـ تشير المعلومات والوثائق الى تسفيرهم (37) شخصا الى الناصرية في2 حزيران 1989.
12ـالرسالة المرقمة س ت / 17922،من امن اربيل الى امن شقلاوة، 21تشرين الثاني 1988.
14ـتقع ال14 قرية هذه بين بلدة خليفان ونهر الزاب الكبير، واسماؤها مسجلة في تقرير امن اربيل ليوم 11كانون اول 1988.
15ـ عن المفارز الخاصة ووحدات الجحوش الاخرى ، انظر الفصل (1) .
16ـ مقابلة HRW/ME، مجمع باسرمة 11 ايلول /1992.

#صبحي_خدر_حجو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات