أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2197 - 2008 / 2 / 20 - 10:54
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
من الواضح أن الدول ، ككيان إعتباري ، تتشابه في طبائعها مع الإنسان ، كفرد ، ليس فقط في دورات حياتها ، كما ذكر العلامة ابن خلدون ، بل و أيضاً في السلوك ، و لو كان سلوك مرذول ، فكثير من البشر لا يتذكرون أيام فقرهم ، أو ضعفهم ، و هوانهم على الناس ، فبمجرد أن يعطيهم الله ، ينسون ، و يجحدون ، و يتكبرون ، و كذلك بعض الدول .
يوم الأحد الماضي ، أعلنت كوسوفو ، أو كوسوفا ، إستقلالها ، و الذي جاء بعد طول معاناة ، و بعد كفاح مرير ، دموي ، و دبلوماسي ، و لكن هناك من الدول ، و بخاصة في أوروبا ، من ينكر على شعب كوسوفا حقه في الإستقلال .
القاعدة التي إفتتحت بها المقال ، تنطبق على معظم تلك الدول ، و التي عارضت إستقلال كوسوفا .
أولاً اليونان : أول بلد عرف معنى الديمقراطية ، بل إن تلك الكلمة التي دخلت معظم لغات العالم ، هي يونانية الأصل ، اليوم اليونان تنكر على الكوسوفيين حقهم في الإستقلال ، و تتعنت في الإعتراف بكوسوفا ، كدولة مستقلة ، متناسية أن كفاحها، أي كفاح اليونان ، للإستقلال عن الدولة العثمانية ، لم يكن ليصل لنتيجة لولا ضغط شعوب أوروبا على حكوماتها لتتدخل لصالح اليونانيين ، بعد أن تم سحق قوات الثورة اليونانية على أرض الواقع ، و لعل اليونانيين يتذكرون معركة نافارين البحرية .
اليونان لم تحصل على إستقلالها إلا بمساندة الدول الكبرى، وقتها ، عسكرياً ، و سياسياً ، و اليوم تنكر ، على شعب عانى الأمرين ، حق مماثل للحق الذي طالب به الشعب اليوناني في الربع الأول من القرن التاسع عشر .
ثانيا سلوفاكيا : هي تلك الدولة التي ولدت فقط في الأول من يناير من عام 1993 ، بعد إصرار السلوفاك الإنفصال عن التشيك ، و حل دولة تشيكوسلوفاكيا .
لقد شاء القدر أن يكون من حسن حظ السلوفاك ، في بدايات عقد التسعينات من القرن الماضي ، إنهم عاشوا في ظل دولة ديمقراطية متحضرة ، لم تجد مبرراً لإجبار مجموعة سكانية على البقاء في ظل دولة لا يرغبون فيها ، فكان الإنفصال المتحضر ، الذي لازال يعتبر مثالاً نادراً ، و رائعاً ، على كيفية تسوية تلك النوعية من المشاكل بإسلوب راقي .
اليوم سلوفاكيا تنكر على الكوسوفيون حقاً ، طالبوا هم به ، و حصلوا عليه ، منذ فقط عقد و نصف تقريباً .
ثالثا رومانيا : هي كذلك لم تتشكل ، بشكلها الحالي ، إلا بموافقة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ، فقد أرادت بريطانيا ، ممثلة في لورد كيرزون ، وزير خارجيتها آنذاك ، مكافأة الدول الحليفة في منطقة البلقان ، و بخاصة رومانيا ، و بخاصة أنه كانت هناك روابط قرابية قوية تربط بين العرشين الروماني و البريطاني آنذاك ، فكان أن أعاد لورد كيرزون رسم خريطة البلقان ، و سمح للقوات الرومانية ، أن تعبر جبال الكربات ، لتضم ترانسلفانيا ، أو أرديال ، إلى رومانيا ، بعد أن كانت جزء من إمبراطورية النمسا و المجر ، و تضم بذلك الرومانيين القاطنين في أرديال ، و الذين يشكلون غالبية سكان ذلك الإقليم .
الإدارة الرومانية الحالية ، نسيت فضل القوى العظمى على رومانيا ، في توحيد معظم الرومانيين في ظل دولة واحدة ، و تناست إنه لولا بريطانيا لربما بقيت ترانسلفانيا ، أو أرديال ، حتى اليوم جزء من المجر .
رابعاً قبرص : التخوف القبرصي من الإستقلال الكوسوفي ، كما هو معلوم ، سببه الدولة التي أعلنها القبارصة الأتراك في قبرص ، و لكن الحكومة القبرصية تتناسى ، على ما يبدو ، أن القبارصة الأتراك كانوا جزء من الدولة القبرصية الموحدة منذ إستقلالها ، وإلى عام 1974 ، و إنهم لم يسعوا إلى الإنفصال في بادئ الأمر ، و كانت كل مطالباتهم تندرج في المطالبة بمزيد من الحقوق ، و لم تتأزم الأمور ، لتصل إلى ما وصلت إليه في عام 1974 ، إلا بسبب غلاة دعاة الهيلينية ، الذين يتشابهون مع الصرب اليوم .
حل المشكلة القبرصية يأتي بالتفاوض مع القبارصة الأتراك ، و ليس بالتعنت ، و ليس بإنكار حق شعوب أخرى في تقرير مصيرها ، و على القبارصة اليونانيين ، أن يسارعوا لحل المشكلة ، فعليهم عدم الإرتكان على التجاهل العالمي لدولة القبارصة الأتراك ، فمن يدري ، فربما تتغير الظروف ، و يصبح الحال اليوم حلم .
خامساً روسيا : إنها دولة لم ترسمها يد وزير خارجية ، و لم تنل عطف الدول الأخرى لتكون على ما هي عليه الأن ، و بالتالي لا يمكن تشبيه سلوكها بسلوك البشر الذين ينسون أيام ضعفهم و هوانهم ، و لكن على روسيا ألا تنسى أنها لم تبلغ ذروة أيام مجدها ، و التي كانت أيام الإتحاد السوفيتي ، إلا بفضل مناصرتها لحركات التحرر في العالم ، فنالت إعجاب و تقدير شعوب العالم الثالث ، حتى تلك التي لم تعتنق نفس العقيدة السياسية السوفيتية ، و إنها ، أي روسيا ، أو الإتحاد السوفيتي ، لم يبدأ في الإنحدار ، إلا حين بدأ في التحول إلى قوة إستبدادية ضاغطة ، بعد أحداث المجر في الخمسينات من القرن الماضي ، و قمع ربيع براج في تشيكوسلوفاكيا ، في ستينات القرن الماضي ، ثم إحتلال أفغانستان ، في نهاية سبعينات القرن العشرين .
روسيا ، و منذ تولى بوتين السلطة ، و لها هدفين متوازيين ، رفع مستوى السكان المعيشي ، و إستعادة دورها العالمي ، و هي لن تصل إلى الهدف الثاني ، بلعب نفس الدور ، الذي تلعبه الولايات المتحدة اليوم ، كقوة قمعية في معظم دول العالم ، تناصر الفاسدين ، و المستبدين ، و الرجعيين .
روسيا ، و لكي تصل إلى ما تبتغيه من إستعادة مكانتها العالمية ، عليها أن تكون بديل الولايات المتحدة ، فتكون نصيرة لحركات التحرر من البغي ، و الإضطهاد ، و القمع ، و الفساد .
سادساً الإدارة المصرية الحاكمة : و لم أسمها الحكومة المصرية ، أو مصر ، كما قلت روسيا أو سلوفاكيا أو اليونان أو قبرص ، لأن مصر شيء و الإدارة الحاكمة شيء .
شعب مصر شيء ، و حكامه شيء أخر .
أقول للإدارة الحاكمة المصرية ، أن عليك المسارعة بالإعتراف بإستقلال كوسوفو ، فهذا أبسط تكفير تقومين به ، على جريمتك في تسعينات القرن الماضي ، حين إخترقت جدار الحظر الإقتصادي ، و الذي فرضته الأمم المتحدة على الصرب ، فصدرت لهم النفط المصري ، ثم إستمرار التعاون بين شركة النصر لصناعة السيارات ، و شركة إنتاج السيارات في يوجوسلافيا ، آنذاك ، برغم الحظر و الحرب ، و هي الفضائح التي تفجرت على المستوى العالمي ، و إنكارك لها آنذاك لن يجعلنا ننسى جريمتك تلك .
الإعتراف بدولة كوسوفا ، هو نوع من غسل بعض الدماء العالقة بيديك ، حين أصبحت شريكة في جريمة الإبادة التي شنت ضد البوسنيين ، و من قبلهم الكروات .
أما كمواطنين مصريين ، فعلينا أن نرسل إعترافنا الشعبي بالإستقلال و فورا ً ، فهذا أبسط تكفير عن سكوتنا على جرائم نظامنا الحاكم ، مثلما إعتراف بجميل الألبان علينا في معركة رشيد ، في 1807 ، حين شاركوا بنصيب وافر ، تم محوه ، في هزيمة حملة فريزر البريطانية ، و تأجيل الإحتلال البريطاني لمصر ، مثلما علينا أن نرسل تحياتنا الشعبية للكوسوفيين ، و بخاصة للمناضلين منهم ، الشهداء و الأحياء ، الذين توج كفاحهم ، بإعلان الإستقلال الكوسوفي ، و الذي يستحق التقدير ، بتركيزه على المستقبل ، و على إنشاء دولة ديمقراطية ، و ضمان حقوق جميع المواطنين ، بما فيهم الأقليات ، و منها الأقلية الصربية ، فلم يحمل خطاب الإستقلال أي علامات للتشفي ، أو الحقد .
لقد توج الكوسوفيون كفاحهم بالأمس القريب ، أما نحن فعلينا أن نبدأ مسيرة الكفاح العملي السلمي ، من أجل تأسيس جمهورية مصر الحرية و الضمير ، الجمهورية المصرية الثانية .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟