أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - بدأت ليلة الزفاف















المزيد.....

بدأت ليلة الزفاف


مجدي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 09:49
المحور: الادب والفن
    



ألآن بدأت ليلة الزفاف . صار فواز عريسا ، قد لا يعرفه من يراه بشعره المصفف النظيف اللامع والمدهون بالكريم ، وبدلة الفرح السوداء التي اشتراها من البالة ، رغم أنها مستعملة لكنها تبدو جديدة وقد غيرت شكله وقلبته رأسا على عقب ، وإن كان في جيبها الجانبي ثقب صغير لا يظهر لأحد ، ثقب ابتلع قطعة نقود صغيرة إلى جوف البدلة ويئس فواز من التقاطه بعد محاولات عديدة ، فأحال أمره إلى وقت آخر ريثما ينتهي من مراسيم الفرح وطقوس ليلة الدخلة ، هذه الليلة التي انتظرها من سنين طوال ، وكاد قلبه أن يتوّرم من أجلها .. فهو متشوق إلى درجة أنه فكر بصرف المدعوين وتقديم عقارب الساعة ، كي يختصر الساعات ويصل بسرعة إلى ليلة عمره .
ما أن أصبح فواز وعروسه سهير داخل بيت الزوجية الضيق كعلبة السجائر ، حتى حملها بين ذراعية القويين والرفيعين كساقي خروف ، وبقدمه اليمنى بدأ خطاه متجها بها إلى غرفة النوم النظيفة والمرتبة بعناية ، مبتسما ، وقد لاحت في عينيه نظرات لها بريق أخاذ .. بريق به دفقات من خفايا قلبه ووراءه رعشة حياة ، وهي نظرات تقول كلاما فصيحا بلا أي كلمات ، وقد فهمتها سهير وسبرت أغوارها .. من المؤكد أنها فهمتها .. فهي من الراسخات في معاني الصمت ، بل ليس بمقدورها ألا تفهمها ، رغم ما غشيها من توتر ، وما حل بها من حياء .. فألذ أنواع الكلام إلى قلبها وأفصحه إلى عقلها هو ذلك الذي لا يقال .. بل هي على يقين أن للقلوب السنة لا تسمعها الآذان .
وضع كفا أسفل خاصرتها فوق عظمة الحوض ، وكفا على كتفها ، وأمال رأسه إلى الأمام لينال قبلة ساخنة من فمها المنتظر بشوق ، والملسوع بالرغبة ، لكنها رفعت رأسها قليلا بلا شعور منها ، فسقط فمه على أحد ثقبي أنفها الصغير، فغرقت بالخجل الذي تلبد به وجهها الأسمر والمدّور كقرص البيتزا ، وبالكاد ظهر على وجهها ابتسامة مكسوفة ، فطأطأت رأسها وقد أمالته قليلا إلى اليسار ، ليرتفع كتفها الأيسر قليلا عن كتفها الأيمن في محاولة منها لإخفاء الحياء وكتم الخجل ، وراح هو بالضحك الواني ، المتبوع بابتسامات عريضات ملأت كل أصقاع وجهه الطويل من أوله إلى آخره ، فبرز كل ما به من هضاب وتلال .. طبيعي أن يضحك الآن ، فهو الذي كان يتمنى أن يصاب بعاهة العمى أو الطرش ، أو حتى أي عاهة ، في سبيل أن يصبح عريسا لابنة حلال جميلة و طيبة مثل سهير .. ها هو الآن معها عريس لها بلا أي عاهة ، وإن كان جسمه نحيلا كالمّسلة ، ورغم ما قاساه من شقاء عندما كان يجمع النقود قليلها إلى أقلها حتى وصل إلى غايته ، ونال هذه الليلة المبتغاة .. فهو مثل بقية شبان الحارة ، بالعادة يتزوجون ، وبالعادة ينجبون ، وبقوة إرادة الحياة يعيشون .. هكذا هم .. يأخذون الدنيا غلابا .
دخل فواز إلى الحمّام ، ثم تخلص بسرعة ولهفة من كل شيء يستر جسده النحيل ، لم يبق سوى ساعة يده المقاومة للماء ، التي اشتراها من يومين بخمسة دولارات ، وأخذ بشدة يفرك أسنانه المتباعدة بالفرشاة المغطاة بمعجون له طعم النعناع ، فأنعش فمه ورطب حلقه حتى أطراف بلعومه ، فأزال من فمه رائحة دخان السجائر الساطعة كرائحة ألفنيك ، فصارت أسنانه تلمع مثل الزجاج المغسول ، ثم مدّ يده و فتح صنبور الماء لينعم بحمّام ساخن ولذيذ ، كي يزيل ما علق بجلدة الخشن كورق الصنفرة من عرق ، ويخفف ما يسري بجسده المنهنه من تعب .. بهمّة أخذ يدعك جسمه بقطعة ليف جديدة محاطة بالقماش ، اشتراها خصيصا من أجل ليلة العمر هذه ، فتغطى جسده برغوة الصابون وفقاعاته ، حتى بدا كأنه وسط كومة من القطن الأبيض المندوف المستعمل في العيادات ، ثم راح يفرك رأسه بشامبو له رائحة الفراولة ومخلوط بالفيتامين ، فخرجت الرغوة من بين أصابع كفيه كالعجين .. في هذه الأثناء على غفلة منه بسبب تسرعه وقلة صبره ، تزحلق ووقع أرضا فارتطم رأسه بالحائط ، لكنه وقف ثانية ميتا من الخوف كالملدوغ من عقرب ، ومقطوعة أنفاسه من الفزع والهلع ..
- يا سهير .. يا سهير .. أين أنت .
- نعم .. أنا هنا .
- لقد عميت .. لا أرى شيئا .. حتى أصابع كفي لا أراها .
- لا تقلق . الكهرباء .. لقد قطع التيار الكهربي .
- " الله يلعن أبو الكهربة على أبو يومها " .. وبعدين مع هذا الحال ! من سنين وأنا انتظر هذه الساعة .. أشعلي شمعة !
لكن سهير حديثة العهد في هذا البيت ، فلا تعرف أماكن الأشياء ، فأخذت تمشي بهدوء متخبطة و تتلمس الأشياء كالعمياء ، تحسس بيديها في هذه الظلمة الحالكة لليل ساكت ، فشبك طرف فستان الفرح الأبيض الناصع مثل اللبن الزبادي بطرف مسمار بارز في كرسي خشبي فشقه ، سمعت صوت تمزقه وكأنه شرخ في قلبها ، فهو فستان مستعار بالأجرة لهذه الليلة المنتظرة من سنين ، فجلست جانبا مستكينة ، صامتة ، كأنها تحصي أنفاسها اللاهثة المتقطعة ، وتبني على خديها بمناديل من الورق الناعم سدودا تصد بها تيارات الدموع المتدفقة من عينيها الجميلتين .. على حين أخذ هو يحاول بعصبية فتح باب الحمام ، الذي تعطّل ولم يفتح أبدا ، فقد خرب الزرفيل .. وصار مثل الحمار الذي يحرن عن المشي .. ها هو الوقت قد جاوز منتصف الليل بكثير ، والدنيا نائمة في عتمة داجية ، والنهار بعيد ، والصمت جاثم على الصدور ، صمت لا يقطعه سوى صمت آخر هو صوت الليل الممطوط المعتم بإصرار عنيد .
وقع في يد سهير قطعة شمع بحجم عقلة الإصبع ، فأشعلتها واستبدلت الفستان الأبيض بملابس أخرى .. بينما جلس فواز في الحمام على كرسي بلاستيكي واضعا وركا فوق ورك ، بعد أن اضطر لارتداء نفس ملابسه المتسخة بالعرق ، وأخذ يخفف عن سهير مصابها بالفستان المشقوق ، ووعدها أن يشتري لها مثله عند خروجه بالسلامة من الحمّام ، رغم يأسه من امتلاك ثمنه في يوم من الأيام ، إلا أن كلامه كان لقلبها بلسما ، فهدأت أعصابها بعد أن تأوهت تأويهة طويلة وساخنة كالصهد .
بينما هو كذلك حثها على الاقتراب من باب الحمّام ، وأخذ ينقر بطرف سبابته محددا بقعة تضع عليها خدها كي يقبلها من خلال خشب الباب ، وأخذ يرسل قبلات لها صوت أشبه بزامور دراجة هوائية ، طربت لها سهير حتى سرت في جسدها رعشة وأغمضت عينيها بوله هائمة كالمخدرة بالبنج ، وهو متيقن أن خدها وفمها يقعان في المجال الحراري للقبلة .. ثم تسلل كفه إلى جيبه فعثر على حبتين من الملّبس ، فأرسل إليها واحدة من تحت عقب الباب ، فهّرستها بلين بين فكيها ، أما هو فوضع الحبة في فمه وأخذ ينقلها من جانب إلى آخر ويطرب لقرقرة اصطدامها بأسنانه .. وتحفز للكلام فراح يحدثها عن المستقبل ورغبته بإنجاب ولد يعلمه الصحافة ، أو المحاماة ، وأن يختار له اسما ناعما كالموسيقا الهادئة ، بينما عبرت هي عن رغبتها بإنجاب بنت تختار لها اسمها وتعلمها المحاسبة ، ثم أخذا يضحكان كثيرا ، نوبات متتابعة من الضحك الصاخب حتى أمطرت العيون .. لكن الصمت ساد من جديد ، فشعرت سهير بالوحشة ، مما اضطره إلى مؤانستها بالمزيد من الحديث الجميل عن المستقبل ، وأخذ يقول لها نكات جعلتها تضحك حتى سالت على خديها قطرات الدموع باردة كحبيبات الثلج .. لكن ذلك لم يمنعها أن تسأله ..
- إلى متى سنبقى بلا كهرباء ؟
- إلى أن تمدنا إسرائيل بالوقود .
- ومتى ستمدنا إسرائيل بالوقود ؟
- عندما .. لمّا .. الله اعلم !
بدأت الشمس ترسل أولى خيوطها .. نادت سهير أحد الجيران ليكسر باب الحمام ، فكسره وعاد مسرعا ، فخرج فواز من الحمام كعصفور فلت من قفصه ، فتمتمت سهير بأرق : حمدا لله على سلامتك ، هيا ننام .. فحملق بها فواز وضمها إلى صدره بعد أن أخذها بين ذراعيه ، وزعق زعقة قوية مدهشة : ننام .. أي نوم .. قال نوم .. الآن بدأت ليلة الزفاف .
[email protected]
Majdy2008.maktoobblog.com مدونة



#مجدي_السماك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنطلون المبلول
- وجه شارد..قصة
- الجندية المجهولة
- وجبة كبيرة
- عيون تنظر الى تحت
- أيام الخميس .. قصة قصيرة
- قبر من لحم
- ربع ساعة اخرى
- لعبة عروسة وعريس
- رؤية خريفية
- مملكة فنان ميت .. قصة
- بائع العلكة الصغير
- آهات وعرانيس ..قصة قصيرة
- آهات وعرانيس .. قصة قصيرة
- جهنم نحن وقودها
- الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع


المزيد.....




- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - بدأت ليلة الزفاف