أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - مملكة فنان ميت .. قصة














المزيد.....

مملكة فنان ميت .. قصة


مجدي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 2105 - 2007 / 11 / 20 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


كان فنانا حاذقا ، أو هو الفن .. القاصي والداني يشهد ببراعته ، نبغ في نحت التماثيل و إعطائها ما يليق بها من رونق وبهاء ، يخيل للناظر وكأنها إنسان حقيقي .. هي قمة في الإبداع أو هي الإبداع بعينه .. أكسبته الحياة خبرة لا مثيل لها في كافة فضاءاتها ، مما كان له الأثر العميق على ما تخرجه يديه من حسن و جمال ، و يكاد تمثاله أن يحدثك عما يجول في خاطره .. وضع كل ملكاته الإبداعية في تمثاله الأخير بعد عمل مضني وجهد جهيد ، كان يعمل ليلا ونهارا حتى يخرجه إلى الوجود.. تمثال يولد بعملية قيصرية ، مات قبل انجاز هذا التمثال وإعطاءه شكله النهائي .. فغدا تمثال ينقصه الكثير من الأعضاء و الأجزاء .. ينقصه يد وقدم وعين وأذن وانف .. و أصبح تمثالا يتيما .
الجميع حزن على موته ، طاقة إبداعية خلاقة واراها الثرى و راحت ترقد في باطن الأرض للأبد ، بقي التمثال وحده .. ينتظر من يكمله ويعطيه حقه بما نقص من مكونات ..وقف أبناء الفقيد أمام التمثال يحدقون بإعجاب وحسرة و خوف .. أعجبهم أيما إعجاب ، أحبوه حبا جما ، فعزموا أمرهم على انجاز التمثال وإكماله بما يليق بحسنه .. و إخراجه بأجمل شكل ممكن.
اختلفوا فيما بينهم و تعددت آراؤهم ، و انقسموا إلى فريقين .. كل فريق يريد التمثال له وحده و يدعي انه الأقدر على إكماله و إعطاءه الشكل الأجود .. لعلعت المشادات الكلامية والشتائم فيما بينهم .. و جدت البغضاء طريقها إلى قلوبهم ، أخذت الأيام تحصي نفسها يوما وراء يوم .. والتمثال ينتظر من يكمله و كأنه في شوق إلى فنان بارع و حضن دافيء .
الأبناء في شقاق و انقسام وتوتر .. بدأ العراك بينهما و تطور لقصائد هجاء مقذع بين الفينة والأخرى ، حتى أصبح الهجاء شغلهم الشاغل و كأنهم من اجله خلقوا .. انقسم أهل الحي إلى قسمين بين الفريقين المتعاركين .. التمثال ينتصب في المنتصف بينهما ، و أصبح يتعرض لما جادت به قريحتهم من مدح وذم وغناء .. تم تسخير كل بحور الشعر لإغراضهم ، وكل أغراض الشعر من فخر و هجاء وحماسة و غناء تقذفه أفواههم .. بعض أبيات الشعر المنظومة على بحر الهزج من طراز الذم أصابت أذن التمثال الوحيدة .. كلاهما تبادل الاتهامات و حمل الأخر مسؤولية قطع الأذن .. أخذت الأيام تتابع .. و الشعر يتواصل ، وبحوره تموج بأمواج عاتية تتلاطم .. تسونامي يجتاح قلوبهم .. بعض القصائد أصابت جسم التمثال بالقرب من قلبه و كأنها سهام حاقدة ، و أخرى خرقت عينه الوحيدة .. دمه ينزف ، صرت أخشى عليه من الموت .
الآن هدوء ، ما قيل من شعر يكفي لإرجاع الأندلس .. اخذ التمثال يتنفس الصعداء ، و الناس تسير على هواها و رغبتها .. ما هي إلا أيام معدودة حتى تجددت المبارزات الشعرية بين الإخوة من جديد .. أبيات من بحر السريع و قصائد من بحر الطويل تخترق أجسامهم و التمثال يصرخ مستغيثا ، شعرهم يقتلهم في كل مبارزة ، منه العباسي و منه الأموي .. منافسة حامية الوطيس .. التمثال يئن وتتصاعد صرخاته و كأن نارا أضرمت به .. وأخذت تتطاير من جسمه الشظايا مع كل وابل من الكلام المقفى .. صار خائر القوى .. مال التمثال ليسقط أرضا لولا حائط قصير أسنده .. حائط لم يكتمل بناؤه حال دون وقوعه .. أصبح مضرجا بدمائه .. أخذت أغمغم : هل يتفتت التمثال إلى شظايا من الحصى تدوسها الإقدام و رمالا تذروها الرياح ؟ لا اعلم شيئا ، و لكن التمثال يصرخ ودمه ينزف بقصائد أصحابه ، و زخات قصائد الشعر تتجدد مع كل ساعة .. قد تكون سيارة الإسعاف قادمة في الطريق.. ستنقله إلى غرفة الإنعاش ، إن عاش. [email protected]



#مجدي_السماك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بائع العلكة الصغير
- آهات وعرانيس ..قصة قصيرة
- آهات وعرانيس .. قصة قصيرة
- جهنم نحن وقودها
- الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع


المزيد.....




- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - مملكة فنان ميت .. قصة