أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - وجه شارد..قصة














المزيد.....

وجه شارد..قصة


مجدي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 2163 - 2008 / 1 / 17 - 10:18
المحور: الادب والفن
    



الجدار مليء بآثار مسامير قديمة وثقوب ، بجوار الجدار طبلية ورثها عن أبيه ، لها ثلاثة أرجل أما الرابعة فحل محلها علبة سمن فارغة ، وإلى الطبلية تصوب عينان مفتوحتان صامتتان ووراء صمتهما أسئلة تدق من زمن بإلحاح .. هو إلحاح رافقه مذ جاء إلى الدنيا بصمت في هذا البيت العتيق .. وحين تصمت العيون تعمى الآذان وتُصمًّ القلوب .. أو تتظاهر بالموت وقت الكلام .. فيتحول الكلام إلى صمت فعال .
فوق الطبلية تلفزيون قديم غطاءه مثبت بواسطة حبال من مصيص ، وأسفل الطبلية شبشب دائم التحول إلى عضاضة في فم طفل رضيع يحبو .. وبجانب الطبلية طشت قديم فارغ إلا من طفل في الرابعة من عمره يتربع في قاعه ويلهو بلا أي أداة للهو .
بعد أداءه صلاة المغرب بسرعة كأنه في سباق تمدد على الكنبة الممزق قماشها وما زالت قطرات ماء الوضوء تبلل خصلات شعره الناعم كفرشاة طلاء جديدة .. أخذ يشاهد مباراة كرة القدم بكل ما لدى جسده من خلايا قادرة على المشاهدة ، خلايا بصرية أو غير بصرية .. بعينيه يشاهد ، بعقله يشاهد ، ويشاهد بخلجات قلبه الذي يدق بقوة مع كل ركلة للكرة .. مما استدعي تقلب عضلات وجهه من لحظة إلى أخرى ما بين تقطيب وانبساط .. وما بين تكشير وابتسام .
زوجته في المطبخ غارقة بين تلال الأواني المتسخة تنظفها و دوي ضجيجها يعلو على صوت التلفزيون مرة و يخبو مرة . ها هو ذا طفل آخر يمسك ثوبها بيد ، واليد الأخرى تمسك بصحن به بقايا طبيخ ملوخية وقد أخذ يلحس قاعه بلسانه الصغير حتى دهن بها وجهه ، فبدا كمن يلبس قناعا .. قناع من الملوخية أفضل ألف مرة من أقنعة المواقف و الكلمات .
وقفت زوجته بجانبه متعبة و حبيبات الماء تقطر من أطراف أناملها قائلة بملل مضن :
- لقد فرغت زجاجة سائل الجلي .. لم استطع تنظيف كل الأواني .
- إني أشاهد المباراة .. لا استطيع الآن الخروج لشراء أي شيء .
- وصنبور المياه لا يعمل كما يجب .. يجب عليك أن تصلحه .
- قلت لك أنني أشاهد المباراة .. ألا تفهمين ؟
- هل المباراة أهم من مسؤوليات البيت واحتياجاته ؟
لم يحفل بكلامها . فظلت واقفة كشجرة البلوط .. ثم حدقت قليلا في شاشة التلفاز فاغرة فمها وغرزت أطراف أصابع كفها خلال أحراش شعرها المنكوش وحكت مؤخرة رأسها بهمة حكات سريعة متعاقبة ، وشبكت ذيل فستانها في خاصرتها بعد أن مسحت بكمه شلالات العرق عن وجهها المتجهم الرفيع الأسمر ، وعادت تزعق بعصبية وتوتر:
- أيعقل أن تتفرج على شباب يجرون وراء كرة مثل الأطفال في الشارع ؟!
- هذه مباراة فاصلة يا غبية ! أنت لا تفهمين بهذه الأمور .. قالها وقد ارتسم على وجهه تكشيرة صارمة كما الجنرالات .
- ليتك تنظر إلى وجهي مثلما تنظر إلى المباريات !
- وجهك ؟! وجهك مثل بوز طائرة الأباتشي !
رغم أنها لم تر في حياتها طائرة الأباتشي إلا أنها شعرت بواسطة قرون استشعار داخلية بالإساءة ، فانقبض وجهها وارتعش خدها الأيسر وارتفع ليضغط على جفن عينها ليغمضها نصف غمضة ، و زمت شفتيها صانعة بهما ثقبا صغيرا في وسطهما ونفثت منه بحرقة كما طنجرة الضغط كل ما احتواه صدرها من هواء حار مكبوت وغاضب .. تناولت بيدين مرتجفتين طفلها الرضيع وانتبذت به جانبا وأخرجت ثديها وألقت حلمته في فمه فأخذ يشفط منه الحليب كما "الطلمبة" .
على حين ظل زوجها غارقا في مشاهدة المباراة .. انتهت المباراة بالتعادل دون أهداف فتمّ اللجوء إلى ضربات الجزاء الترجيحية .. فصار بأعصاب مشدودة و قد أخذ كفه بالانقباض والارتخاء بلا شعور منه ، وما انفك وجهه يتقلص وينبسط دواليك حتى نفخ من فتحتي أنفه عاصفة اهتزت لها كومات الشعر الملفوفة و المتشابكة كالعش في أنفه الكبير المنفوخ كحبة الكوسا المقوّرة.
في هذه الأثناء ، وعلى حين غرة انقطع التيار الكهربي ليحرق الأعصاب حتى التفحم ويُغرق الدنيا في السواد . وامتلأ وجهه كله بالعبوس حتى لم يعد هنالك متسع لذرة عبوس واحدة ، فأخذ يصيح بزوجته ويصرخ :
- أمبسوطة يا وجه البوم ؟
- لا ذنب لي ! إسرائيل هي التي قطعت التيار الكهربي .. قالت ذلك وهي تشعل شمعة صغيرة .
- إسرائيل قطعت الكهرباء لأن وجهك نحس .. وجهك يقطع الكهرباء والخميرة من الدنيا كلها .
- هي فرصة كي تخرج وتجلب لنا ما نحتاجه .
خرج من البيت منغص المزاج ، وقد داهمه الغضب حتى تحول إلى كتلة ملتهبة من السأم والنكد .. وأخذ يقول بصوت لا يسمعه أحد سواه : إنها حقا غبية . هي تعتقد أنني مولع بالمباريات إلى هذا الحد ، إلى درجة أن أهمل شؤون البيت ، كأنها لا تعلم أنني لا استطيع النظر في وجوه الناس لكثرة ما تراكم علىّ من ديون لهم .. لكن الآن عتمة ، وفي العتمة تعمى العيون .
Majdy2008.maktoobblog.com مدونة
[email protected] إيميل



#مجدي_السماك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجندية المجهولة
- وجبة كبيرة
- عيون تنظر الى تحت
- أيام الخميس .. قصة قصيرة
- قبر من لحم
- ربع ساعة اخرى
- لعبة عروسة وعريس
- رؤية خريفية
- مملكة فنان ميت .. قصة
- بائع العلكة الصغير
- آهات وعرانيس ..قصة قصيرة
- آهات وعرانيس .. قصة قصيرة
- جهنم نحن وقودها
- الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع


المزيد.....




- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش
- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- المقاطعة، من ردّة الفعل إلى ثقافة التعوّد، سلاحنا الشعبي في ...
- لوحة فنية قابلة للأكل...زائر يتناول -الموزة المليونية- للفنا ...
- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - وجه شارد..قصة