أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - وجبة كبيرة














المزيد.....

وجبة كبيرة


مجدي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 2148 - 2008 / 1 / 2 - 08:31
المحور: الادب والفن
    



لمّا اشتد الحصار على غزة وطال حتى يئس عوض من الحصول على أي فرصة للعمل باع أسورة الذهب التي تزين معصم زوجته ، واشترى بثمنها كومة كبيرة من البطيخ . ثم صنع عريشه من جريد النخيل واخذ يمكث بها من الصباح حتى الليل . وهي فرصة أيضا للقاء أصدقائه للتسلية معهم في النهار والسمر حتى منتصف الليل .. وإن كان قد علَّقَ يافطة كبيرة من الورق المقوى وكتب عليها بخط رديء بالكاد يمكن قراءته : الدَّين ممنوع و العتب مرفوع والرزق على الله .
في جلسة عوض الأخيرة مع أصدقائه ظهر لهم من بعيد حمار هزيل برزت عظام مفاصله و بالكاد يستطيع المشي ، و يئن بحمل حمدان وقد اخذ يلكزه بعقب صندله كي يحثه على الإسراع . ما أن رأوه قادما حتى غرقوا في الضحك والقهقهة المجلجلة .. واخذوا يتذكرون نوادره التي قيلت أمامهم ملايين المرات . فذكر احدهم كيف أن حمدان خلال الانتفاضة الأولى وضع كيسا صغيرا من النايلون في منتصف الشارع مما استدعى الجيش إلى جلب خبراء المتفجرات من تل أبيب ليكتشفوا انه كيس مملوء بالزبالة . وذكر آخر كيف امسك به الجيش ذات يوم و هو يقذفهم بالحجارة فتظاهر بالجنون فأخلى الجند سبيله بعد أن أشبعوه ضربا ، فضحكوا كثيرا حتى أخذت موجات الضحك تتعالى مستدعية موجات أخرى وراءها.. أما عوض فذكر لهم كيف أن الجند داهموا الحارة ذات يوم أثناء قيام حمدان بكتابة الشعارات الوطنية على الجدران ، فارتبك و اختلطت عليه الأمور فبدل أن يهرب مبتعدا عن الجند جرى باتجاههم وارتطم بسيارتهم العسكرية فامسكوا به وسجنوه ستة شهور.. أخذت أجسادهم تهتز من شدة الضحك .. وضرب احدهم كفا بكف ناسيا أن بيده سيجارة فلسعته مما زاد من قوة تيارات الضحك العاتية المتعالية مع كل إشارة أو إيماءة أو كلمة من احدهم . على الرغم من احترامهم وحبهم لحمدان إلا أنهم كثيري التندر به ويحبون مداعبته واستفزازه في أحيان ليست قليلة .. مع إدراكهم تمام الإدراك مدى ذكاءه الحاد و دهاءه النادر وشجاعته الفائقة .
وصل حمدان وألقى التحية فردوها بحفاوة ، حاول احدهم كتم ضحكة مباغتة لكنها خرجت مكتومة كعطسة الخروف . ثم طلبوا منه النزول عن ظهر الحمار ليشاركهم الحديث .. و صبّ له احدهم الشاي . تعمد عوض استفزازه كعادته فقال له متظاهرا الجد : أنت اضعف من حمارك يا حمدان .. فتعالت الضحكات والقهقهات الصاخبة حتى كادوا أن يختنقوا بجرعات الشاي فنفثوها من أفواههم كالنوافير في وجوه بعضهم البعض .. احدهم سالت ريالته وهو يسعل وجحظت عيناه بحشرجة خشنة متقطعة . لاح وجه حمدان بنصف ابتسامة صفراء وقال متصنعا الهزل : دعني آكل من هذا البطيخ علّني اسمن .. قالها وشفرات الجوع تفرم معدته .
عوض : بإمكانك أن تأكل ما تريد .
حمدان : حتى اشبع أنا وحماري ؟!
عوض : موافق
حمدان : كلام رجال ؟
عوض : نعم . كلام رجال ! ... قالها وهو يبرم طرفي شاربه الكث .
حمدان : انتم شهود على هذا الكلام يا رجال .
قالوا جميعا بإيقاع واحد أنهم يشهدون على ذلك . شمر حمدان عن ساعديه واخرج من الخرج سكينا كبيرا و انتقى بطيخة ضخمة و شقها واخذ يأكلها بشراهة و يلقي بالقشور إلى الحمار الجائع الذي اخذ يلتهمها باطمئنان زائد وكأنه فهم الاتفاق ومراميه البعيدة . مدَّ حمدان يده وتناول بطيخة ثانية وفعل ما فعله مع الأولى . وهكذا استمر يتناول البطيخ واحدة إثر الأخرى ويأكل حتى امتقع وجه عوض وتخضب بالحمرة لكثرة ما أكل حمدان من بطيخ ، وهو الذي يمتاز ببشرة بيضاء وملساء مثل حبة الباذنجان . شبع الحمار من الأكل وانتفخ بطنه فأخذت تتكوم أمامه القشور .
توقف حمدان عن الأكل ففرح عوض وانبسط وجهه المشدود العابس .. لكن حمدان فك الزر عن بنطاله وعاود الأكل ثانية منتقيا البطيخات الكبيرات يشقها و يلقي بالقشور إلى نفس الكومة أمام الحمار الشبعان .. وعوض ينظر ويكاد أن تفقع مرارته وهو يحدق في حمدان وكأنه لا يصدق ما يرى .. وبقية الرجال يحدقون أيضا مشدوهون وقد حل بهم العجب ونال منهم الغيظ .. أما عوض فقد نسي لذهوله الاستمرار في عدّ ما يأكله حمدان من بطيخ .. آخر عدد يذكره هو تسعة ، و لكن هذا الرقم كان قبل أن يشبع الحمار .. مما زاد من حنق عوض على نفسه وعلى اليوم الذي باع به أسورة زوجته ليتاجر بالبطيخ ، وترجم حنقه إلى سيل من الشتائم طالت جدوده الأوائل وعصفت بشجرة عائلته كلها .
توقف حمدان مرة أخرى عن الأكل .. فشعر عوض بالارتياح الممزوج بالنكد . تناول حمدان إبريق الماء واخذ يشرب بنهم شديد .. ثم تابع شق البطيخ ليأكله والاحتفاظ بالقشور . صار عوض ينظر إليه بعيون شاردة وقد أحنى ظهره و وضع يده على بطنه كالممغوص .
توقف حمدان عن الأكل وخطا نحو قشور البطيخ يلملمها وعبأها في كيس كبير و ربطه بحبل مجدول .. ثم طلب من عوض أن يساعده في رفع الكيس على ظهر الحمار ، فساعده عوض وقد بدا على وجهه علامات النوم المغناطيسي .. همّ حمدان بالمغادرة لكن عوض زعق به ساخرا غاضبا متأففا: كلّ المزيد ! يبدو انك لم تشبع بعد ؟!
فعاد حمدان وتناول بطيخة أخرى وشقها واخذ يلتهمها قائلا بهدوء : سآكل هذه البطيخة من أجلك .. خشية أن تزعل .
ركب حمدان حماره وذهب وهو يضحك و يقهقه حتى اهتزت كتفاه .. واخذ يردد بصوت خافت : يا رب سامحني .. لا احد يعلم إلى متى سيطول الحصار .
[email protected]



#مجدي_السماك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون تنظر الى تحت
- أيام الخميس .. قصة قصيرة
- قبر من لحم
- ربع ساعة اخرى
- لعبة عروسة وعريس
- رؤية خريفية
- مملكة فنان ميت .. قصة
- بائع العلكة الصغير
- آهات وعرانيس ..قصة قصيرة
- آهات وعرانيس .. قصة قصيرة
- جهنم نحن وقودها
- الهوية الفلسطينية في الطريق الى الضياع


المزيد.....




- الأكاديمي محمد حصحاص: -مدرسة الرباط- تعكس حوارا فكريا عابرا ...
- مثقفون بلجيكيون يدعون لفضح تواطؤ أوروبا في الإبادة الجماعية ...
- مصر.. غرامة مشاركة -البلوغرز- في الأعمال الفنية تثير الجدل
- راغب علامة يسعى لاحتواء أزمة منعه من الغناء في مصر
- تهم بالاعتداءات الجنسية.. فنانة أميركية تكشف: طالبت بأن يُحق ...
- حمامات عكاشة.. تاريخ النوبة وأسرار الشفاء في ينابيع السودان ...
- مؤلَّف جديد يناقش عوائق الديمقراطية في القارة السمراء
- د. عبد القادر فرجاني يقدّم قصص سناء الشّعلان في مؤتمر جامعة ...
- الأكاديمية المتوسطية للشباب تتوج أشغالها بـ-نداء أصيلة 2025- ...
- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي السماك - وجبة كبيرة