أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ميخال شفارتس - جدار عند آخر الطريق المسدود















المزيد.....

جدار عند آخر الطريق المسدود


ميخال شفارتس

الحوار المتمدن-العدد: 675 - 2003 / 12 / 7 - 01:30
المحور: القضية الفلسطينية
    


اذا قفز احد سكان القدس عن الجدار الفاصل باتجاه الضفة، يغض الجندي طرفه. اما اذا كان "المتسلل" من سكان الضفة يحاول دخول القدس، فسينقل مباشرة للمعتقل الجديد في فندق "كليف" عند مدخل ابو ديس المحاذي للجدار. لكن "التسلل" من الجانبين هو امر مؤقت، فمن المخطط بناء جدار دائم على ارتفاع ستة او ثمانية امتار لن يكون بالامكان تجاوزه.

 

ميخال شفارتس

حتى عهد قريب مضى، عندما كان سكان العيزرية وابو ديس والسواحرة الشرقية (100 الف نسمة) يشدون الرحال الى القدس، كان عليهم تجاوز الشارع الرئيسي اريحا–القدس، وهو شارع العيزرية الرئيسي، وفي غضون دقائق معدودات كان يصلون مستشفى المقاصد او المطلع، سوق البلدة القديمة او الحرم الشريف. هذه الايام تبدو بعيدة.

اليوم شارع العيزرية الرئيسي يتوقف بشكل مفاجئ عند مدخل ابو ديس. هناك ارتفع جدار بشع طوله مترين معزّز باسلاك شائكة لمن لم يفهم ان العبور ممنوع. تحول الموقع الى موقف للسيارات العمومية، واصبح على من يريد الوصول من العيزرية الى القدس (غربا)، ان يسير في الاتجاه المعاكس (شرقا) الى مستوطنة معاليه ادوميم، ومن هناك الى حاجز الزعيّم او التلة الفرنسية شمالا، ثم الى القدس العربية. وتستغرق المهمة الشاقة ساعة تقريبا، حسب المعاملة في الحواجز.

ولا يعني هذا باي حال ان الوصول الى القدس مضمون. بل هناك شروط يجب ان تتوفر، منها ان يسمح جنود حاجز معاليه ادوميم للفلسطينيين بالعبور، وهذا ليس مضمونا دائما؛ ومنها ايضا ان يكون المرء مواطن القدس (يحمل بطاقة هوية زرقاء)، الامر الذي يستثني نصف سكان السواحرة الشرقية ومعظم سكان ابو ديس والعيزرية الذين يحملون بطاقات هوية الضفة (خضراء). صاحب الهوية الخضراء ممنوع من دخول القدس، الا اذا طلب تصريحا خاصا. المشكلة ان هذا الطلب يرفض في معظم الاحيان.

"الامتياز" الذي حظي به مواطنو القدس في الوضع الجديد، انهم يستطيعون القفز عن الجدار باتجاه الضفة، وهم واثقون ان الجندي سيغض طرفه. اما مواطن الضفة فواثق انه اذا حاول التسلل للقدس، فسينقله الجندي للمعتقل الجديد الذي فتح في فندق "كليف" (سابقا) عند مدخل ابو ديس بمحاذاة الجدار.

ولكن عملية "التسلل" هي وضع مؤقت، وليس لان اي تحسن سيطرأ. بل لان الحكومة الاسرائيلية تخطط لبناء جدار دائم على ارتفاع ستة او ثمانية امتار، سيكون من غير الممكن تجاوزه. والاخطر من ذلك ان هناك مخططا لبناء جدار اضافي في الجانب الثاني من حدود القرى الثلاث، الامر الذي سيعزل سكانها ال100 الف داخل تجمع كبير مغلق من كل الجهات. اهل المعزل لا يعرفون اين ستفتح بوابات الجدار التي ستسمح لهم بالاتصال بالعالم الخارجي.

 

دفن الموتى بالتقسيط
لا بد من التذكير بان مدينة القدس العربية التي تم احتلالها عام 1967 كانت عبارة عن البلدة القديمة بالاضافة للاحياء العربية الجديدة، مثل الشيخ جراح، وادي الجوز، حي الثوري والطور، وامتدت على مساحة 6000 دونم فقط. ولكن عندما قرر الكنيست الاسرائيلي ضم القدس العربية لاسرائيل في اليوم السابع للحرب، فقد استولى على 64.000 دونم اضافية من الضفة الغربية. هكذا تحولت قرى العيزرية، ابو ديس، جبل المكبر، بيت حنينا، شعفاط وغيرها من القرى الفلسطينية الى جزء من القدس الكبرى التي باتت تمتد من مشارف رام الله الى مشارف بيت لحم، وتقطع الضفة الغربية الى نصفين.

ويضرب عرب السواحرة مثالا على الوضع الجنوني الذي خلقه الجدار. فبعض عائلات القرية يعيش في جبل المكبر الذي ضُمّ للقدس، وبعضهم يسكن حارة الشيخ سعد والسواحرة الشرقية التي بقيت خارج الجدار. نصف اهل السواحرة يحمل هوية الضفة والنصف الآخر هوية القدس، والآن جاء الجدار ليفرق بينهم جسديا ايضا. فقد فصل الجدار الزبائن عن الدكاكين، قطع الفلاح عن ارضه ومصدر رزقه، التلاميذ عن مدارسهم، المرضى عن مستشفياتهم، حتى الموتى فصلوا عن مقابرهم.

صورة قاتمة ينقلها نصر عبيدات الذي يحمل هوية الضفة، وهو عضو في لجنة السواحرة الشرقية لمكافحة الجدار. يقول عبيدات: "كل افراد عائلتي يعيشون في جبل المكبر، ومنذ بناء الجدار يصعب علي زيارتهم. ابني الذي يبلغ من العمر 20 عاما، وهو اطول واكبر حجما مني، احتاج لعلاج عاجل في مستشفى المقاصد، فاضطرت لحمله على ظهري، والسير به في الجبال، حتى وصلت المستشفى بعد عدة ساعات. اما عن الحوامل فحدث ولا حرج: من معها 350 شيكلا تدفعها لسيارة الاسعاف التي يُسمح لها بالعبور، ومن ليس معها، فالله معها".

سيارات النقل العمومي التي تنقل الناس بين الحواجز، تتزايد مع تزايد الحواجز. المستوى التعليمي للسائقين ارتفع هو الآخر، فمعظم السائقين اكاديميون يلجؤون لهذا العمل الذي تحول كما يقول عبيدات الى "العمل الوحيد المتوفر".

جمال جعفر، من سكان السواحرة وعضو سكرتارية القدس في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، يشير الى حاجز مؤقت نصبه الجيش في الطريق من السواحرة لجبل المكبر، ويقول: "مقبرتنا في جبل المكبر، اي غربي الجدار. فاذا مات احدنا ننقله بسيارة حتى الحاجز، ومن هناك نسير به مئة متر حتى نقطع الحاجز، ثم ننقل الجثة بسيارة اخرى تأتي من الطرف الثاني حتى يصل المرحوم بعد المشقة والعناء الى مثواه الاخير.

"مشاهد اعراس السواحرة لم تعد تختلف عن مشاهد جنازاتها. درب الآلام هي نفسها التي يقطعها طلاب القرية ال380 في توجههم لمدارسهم: سيارة حتى الحاجز ثم سيرا على الاقدام، ومن هناك سيارة الى المدرسة. كيف سيكون الامر في الشتاء لا ادري".

 

شعب رياضي جدا
مسار الجدار لا يفصل بين اليهود والعرب في القدس، ولا بين القرى العربية والمستوطنات اليهودية. بالعكس، يضم الجدار نحو 60 الف فلسطيني من حاملي هوية الضفة الى 230 الف مواطن فلسطيني مقدسي، كما انه يضم مناطق اضافية جديدة لحدود القدس الموسعة. الجدار يقسم القرى العربية نفسها، ويعرقل الحياة اليومية فيها على نحو اصعب من كل ممارسات الاحتلال في منطقة القدس منذ عام 67.

قرية صور باهر مثلا ستنقسم الى جزأين مع بداية العمل على انشاء الجدار، وسيبقى 800 من سكانها الذين يحملون بطاقات هوية اسرائيلية، شرقي الجدار اي في الضفة الغربية. وسيطوّق الجدار حارة الشيخ سعد، وسيكون المخرج الوحيد منها باتجاه القدس، الامر الذي سيمنع سكانها اصحاب هوية الضفة من الخروج والدخول من قريتهم الا بتصريح خاص.

الجدار سيعزل القدس عن الضفة، ويفرغها من الفلاحين الذين كانوا يبيعون منتجاتهم الزراعية في اسواقها، وسيقطع عنها اهالي الضفة الذين اعتادوا لدهور طويلة الشراء في دكاكينها واستعمال الخدمات الصحية والدينية والثقافية فيها. عمال الضفة الذين يعملون في القدس او داخل اسرائيل، يحاولون التسلل للقدس. اما التجار، فيفتحون محال تجارية جديدة شرقي الجدار الفاصل، في العيزرية او ابو ديس، بحثا عن الزبائن.

وادي النار، الطريق الالتفافي الذي كان يسمح لسكان جنوب الضفة (بيت لحم والخليل) بالوصول لرام الله وشمال الضفة دون المرور بالقدس، يغلق ويمنع السفر او السير فيه ايام الطوق الشديد.

صرت اينما تتجول في منطقة القدس، ترى ابناء الشعب الفلسطيني يسيرون على الاقدام مسافات طويلة. مئات النساء يحملن الاطفال، آلاف العمال يبحثون عن عمل، الطلاب الى مدارسهم، المشاركون في الاعراس والجنازات، كلهم يمشي فوق المر، بين الجبال، من الحاجز واليه او يتجاوزونه. رياضي جدا الشعب الفلسطيني.

 

سياسة عمياء
لا شك ان الجدار في منطقة القدس يرسم حدودا جديدة للقدس الكبرى، هدفها عزل وقطع القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس عن بعضها البعض، وتقوية المستوطنات اليهودية في القدس وضواحيها ووصلها ببعضها البعض. الهدف الواضح هو منع اية امكانية لاقامة عاصمة فلسطينية في القدس، او حتى في ابو ديس التي كان المفروض ان تكون العاصمة البديلة للفلسطينيين. والهدف الابعد هو منع اقامة دولة طبيعية للفلسطينيين. اذ سيؤدي هذا التخطيط الى ضم مناطق واسعة لاسرائيل، ويفرض دولة اسرائيل الكبرى، فيها سيعيش الفلسطينيون داخل جيتوهات، عديمي الحقوق ودون الحد الادنى من المقومات الاقتصادية والانسانية. البعض اطلق على الوضع الجديد اسم: النكبة الثالثة.

حين اقيم في جنوب افريقيا نظام الفصل العنصري (ابارتهايد) الذي اغلق السود في معازل، رفض العالم هذا النظام وقاطعه الى ان زال عن الوجود. اما اسرائيل فترسم اليوم خريطة عنصرية في الضفة، تمنح الفلسطينيين الجدران والمعازل والحواجز، وللاسرائيليين تعطي الشوارع والاراضي والاقتصاد وحرية التنقل والحقوق السياسية والمدنية. واين العالم؟ "هسّ" كفى ازعاجا انه يغط في نوم عميق.

لكن نظام الفصل العنصري في افريقيا يثبت انه لا مقومات تتيح صمود انظمة عنصرية من هذا النوع. الوضع غير الانساني المفروض على الفلسطينيين يقود حتما وابدا للتمرد ضد الاحتلال، مما سيفقد النظام العنصري مصداقيته داخليا وخارجيا. هذا الجدار ليس اشارة فقط الى الوضع المأساوي الذي وصله الفلسطينيون بعد عشر سنوات من ابرام اتفاقية اوسلو، بل هو تعبير عن الطريق المسدود الذي وصلته اسرائيل بعد 36 عاما من الاحتلال.

 



#ميخال_شفارتس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدار الفاصل الضفة الغربية في الزنزانة
- التعديل في قانون التجنس الزواج من الفلسطينيين مسموح، ولكن...
- خريطة الطريق: قصة موت معلن
- تعيين ابو مازن: واحد - صفر لاسرائيل
- ايتها الحرب الجميلة
- فرض خليفة لعرفات مسألة وقت
- الاتحاد السوفييتي: دكتاتورية ستالينية، ام دولة عمال اشتراكية
- الجدار خطوة احادية الجانب لتعديل الحدود
- يوم الارض هذا العام: هروب من التحدي
- يوم المرأة العالمي - تاريخ وجذور


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ميخال شفارتس - جدار عند آخر الطريق المسدود