العدوان على العراق
ايتها الحرب الجميلة
شارون يرى في الحرب على العراق فرصة ذهبية "للانتصار على الارهاب، التوصل للسلام واخراج الاقتصاد الاسرائيلي من الركود". هذا السيناريو مشروط في نظره بالاطاحة بعرفات وتعيين رئيس حكومة فلسطيني مقبول على اسرائيل؛ مدعوما بتأييد كامل من بوش، عقد شارون سلسلة من اللقاءات السرية مع ابي علاء وابي مازن وسلام فياض، بهدف وضع خريطة جديدة للشرق الاوسط بعد الانقلاب على صدام وعرفات.
ميخال شفارتس
رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، برز كاكثر رئيس حكومة حماسة للحرب على العراق بعد الرئيس الامريكي، جورج بوش، وهو يتوقع (مثل بوش) ان يكون عام 2003 عاما حاسما، وان نتائج هذه الحرب بالذات هي التي ستحقق كل احلامه. شارون يناور في كل الاتجاهات، مع الاحزاب الاسرائيلية المختلفة وعلى رأسها حزب العمل ومع شخصيات فلسطينية وانظمة عربية، بهدف كسب الوقت حتى اندلاع الحرب الامريكية على العراق.
وقد صرح شارون بموقفه امام رئيس الدولة، موشيه كتساف، حين القى عليه الاخير مسؤولية بناء الائتلاف الحكومي الجديد، فقال: "هناك احتمال ان تخلق نتائج المعركة في العراق فرصة كبيرة: الانتصار على الارهاب، التوصل للسلام واخراج الاقتصاد الاسرائيلي من الركود. هذه مهمات الحكومة الجديدة." (هآرتس، 10 شباط). المحللة السياسية سيما كدمون، فسرت هذا التصور الوردي في مقال سابق بصحيفة "يديعوت احرونوت" (7 شباط): "بعد التوصل للاتفاق السياسي ستصل الى اسرائيل مليارات الدولارات، الامر الذي سيخلق فرصة للخروج من الازمة الاقتصادية".
لكن طموح شارون ابعد من ذلك. في محاضرة القاها افراييم هليفي، رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي، امام مؤتمر دولي لسياسة الامن الذي عقد في مدينة ميونخ بالمانيا، رسم هليفي آفاق الشرق الاوسط بعد الحرب، فقال: "القوات السورية والايرانية ستنسحب من لبنان، حزب الله سينزع سلاحه، وستخلق فرصة جديدة للبنان لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل". (هآرتس، 10 شباط)
ويعتبر هليفي، رئيس الموساد سابقا، اهم شخصية اسرائيلية بكل ما يتعلق بالمفاوضات السرية التي تجرى مع شخصيات عربية. وقد كشف الصحافي عوزي بنزيمان (هآرتس، 10 شباط) ان وزير الامن طلب من هليفي تقريرا حول الطرق لانهاء النزاع الاسرائيلي الفلسطيني العنيف والعودة لطاولة المفاوضات بعد الحرب على العراق.
تلميح للفلسطينيين
كان ياسر عرفات من الاوائل الذين فهموا المخطط الاسرائيلي، فسارع لتعزية عائلة رجل الفضاء ايلان رامون، واعلن استعداده للقاء شارون والعودة لطاولة المفاوضات. الا ان شارون يصر على الاطاحة بعرفات كشرط اساسي لاي تقدم في المسار الفلسطيني، ويرى في الحرب على العراق فرصة لتحقيق هذا الهدف. ويحظى هذا التوجه بدعم بوش الكامل.
في هذا الاتجاه عقدت بعد الانتخابات سلسلة من اللقاءات الاسرائيلية الفلسطينية السرية، بمبادرة من شارون. وفي 5 شباط (فبراير) التقى شارون رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، احمد قريع (ابو علاء)، وتحدث معه، حسب "يديعوت احرونوت" (9 شباط)، في مجريات الامور بعد الحرب. في نفس اليوم التقى دوف فايسغلاس، مدير مكتب رئيس الحكومة، بهاني الحسن وسالم فياض، وزيري الداخلية والمالية الفلسطينيين.
هليفي التقى ايضا محمود عباس (ابي مازن)، الذي ذكر اسمه في الماضي كالمرشح المفضل في نظر اسرائيل لرئاسة الحكومة الفلسطينية، أي لقيادة الانقلاب على عرفات. اما اليوم، فقد اصبح سلام فياض المرشح المفضل، حسب تقدير الصحافي ناحوم برنياع (يديعوت احرونوت، 14 شباط). مؤخرا وافقت اسرائيل، ولاول مرة منذ اندلاع الانتفاضة، على تسليم فياض 280 مليون شيكل من اموال السلطة الفلسطينية المجمدة في البنوك الاسرائيلية، والتي تصل الى 2 مليار شيكل (هآرتس، 4 شباط).
الصحافي عوزي بنزيمان اكد انه "حسب تقدير الاستخبارات هناك ائتلاف يضم شخصيات فلسطينية رفيعة المستوى وزعماء عرب بالاضافة للولايات المتحدة واوروبا، هدفه التخلي عن عرفات." (هآرتس، 10 شباط). ويؤكد ذلك شمعون شيفر، المعلق السياسي لصحيفة يديعوت احرونوت، الذي كتب في 9 شباط: "ان رئيس الحكومة، ارئيل شارون، والرئيس الامريكي، جورج بوش، اتفقا على انه رأسا بعد طرد صدام حسين سيأتي دور عرفات… ‘سنطرده بموافقة امريكية‘ اكدت شخصية اسرائيلية رفيعة المستوى واضافت: ‘البيت الابيض يرى انه لا فرق بين عرفات وصدام حسين‘".
عن موقف الاتحاد الاوروبي كتب الصحافي ناحوم برنياع يؤكد ان اعضاء الرباعي، موراتينوس من الاتحاد الاوروبي، ولارسن من الامم المتحدة، وفودوبين من روسيا، هددوا عرفات بشكل مباشر انه إن لم يعين رئيس حكومة مقبولا على اسرائيل (فياض) حتى الاثنين 17 شباط، فسيتخلوا عنه ويتركوه لرحمة شارون. لماذا هذا التاريخ بالتحديد؟ لان اليوم التالي سيكون موعد انعقاد اجتماع الرباعي في لندن، الذي يأتي كمسرحية لاستعراض وحدة الصف الامريكي الاوروبي قبل اندلاع الحرب. (يديعوت احرونوت، 14 شباط)
التنسيق الاسرائيلي تجاوز الشارع الفلسطيني ليصل الى دول عربية اخرى. فقد عقد فيسغلاس لقاء مع وزير الخارجية الاردني، مروان معشر، وكان هليفي وراء الدعوة التي وجهها الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، لشارون لزيارته في مصر بعد تشكيل حكومته الجديدة، وذلك بعد قطيعة بينهما استمرت عامين (زئيف شيف، هآرتس، 6 شباط). ويبدو ان هليفي كان يعرف ما يقول عندما صرح ان "معظم زعماء المنطقة كانوا يريدون الاطاحة برئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات"، واضاف: "في عام 2003 سنشهد التبديل الطبيعي لعرفات، هذه الشخصية عديمة المصداقية".
خريطة الطرق مرة اخرى
اللقاء بين شارون وابي علاء لا يحمل اية بشارة للفلسطينيين. فشارون يشترط التقدم السياسي بثلاثة بنود: تبديل القيادة الفلسطينية، اصلاحات جذرية في السلطة الفلسطينية ووقف الارهاب. ويبدو ان هناك طلبا فلسطينيا لنقل المسؤولية الامنية للفلسطينيين في المدن التي يتحقق فيها الهدوء، مقابل قيام الفلسطينيين بمحاربة الارهاب. وقد اخذ وزير الداخلية الفلسطينية، هاني الحسن، المسؤولية عن تنفيذ هذه المهمة (روني شاكيد، يديعوت احرونوت، 14 شباط). هذا هو هدف اسرائيل ايضا، يرافقه تهديد مبطن بطرد عرفات بالقوة واعادة احتلال قطاع غزة في حالة فشل وعود القيادة الفلسطينية ووقوع عمليات كبيرة ضد اسرائيل اثناء الحرب.
الوعود الاسرائيلية هي كما يلي: اذا تنازل عرفات عن صلاحياته وتحقق الهدوء الامني، فستنسحب اسرائيل من المناطق التي اعادت احتلالها اثناء الانتفاضة، وستوافق على اعلان دولة فلسطينية في حدود مؤقتة في المرحلة الاولى. وفي المرحلة الثانية سيتم البحث في المستوطنات والحدود النهائية حسب "خريطة الطرق".
من هذا يتبين ان اللقاء بين شارون وابي علاء وفياض، كل هدفها توفير الغطاء السياسي للمفاوضات الحقيقية الجارية بين هليفي وابي مازن حول الاطاحة بعرفات وتحديد كيفية ادارة المناطق من بعده.
وتثير هذه المخططات علامات استفهام كثيرة. فالاطاحة بعرفات هي مثل الاطاحة بصدام، غير مضمونة، وحتى لو تمت فمن المحتمل ان تخلق فوضى اكبر من الوضع الحالي. يقول المعلق زئيف شيف: "الكثيرون في اسرائيل يتساءلون ماذا بعد الحرب على الارهاب الفلسطيني؟ يبدو ان ازاحة عرفات هي كل شيء… ولكن لنتصور ان عرفات غير موجود، فماذا سيقترح شارون؟" (هآرتس، 6 شباط). من جهة اخرى، فان مصير الاتفاقيات الامنية السرية التي تتم في هذه الايام غير معروف، وهناك احتمال قوي ان تفشل كما فشل اتفاق تينت الذي سبقها.
التصورات الوردية الاسرائيلية التي ترافق الحرب قد تكون وهمية. وقد سمعنا عن الشرق الاوسط الجديد من شمعون بيرس ويتسحاق رابين في عز ايام اتفاقات اوسلو والعربة، ولكن سرعان ما تبددت وتحولت الى واقع دموي لا يزال ينزف. الحرب لن تحل المشاكل بل ستزيد المعاناة، وستزيد من تعقيد الوضع في الشرق الاوسط. كل هذا لا يبشر بالسلام والازدهار بل بمزيد من العنف والفقر.
************
الصبار
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
