أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل















المزيد.....

الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أن ادارة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ما تزال حائرة بشأن خياراتها اللاحقة وذلك بسبب التخبط الذي وصلت اليه سياساتها خلال السنوات الاربعة ونيّف الماضية في العراق. ولعلها بدأت تستعين بما في خزانتها من مشاريع وخطط كان آخرها هو مشروع جوزيف بايدن السيناتور الديمقراطي بشأن تقسيم العراق الى ثلاث كيانات: شيعية وكردية وسنيّة تحت مظلة حكومة مركزية واحدة، لكنها حكومة يراد لها أن تكون ضعيفة أو معوّمة.
وقد أعطت ادارة الرئيس بوش بعض الاشارات " الايجابية" بشأن مشروع بايدن، الذي كان مُهملاً، فساهمت في نفض الغبار عنه، وهو ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز، فذكرت عن لقاءات أجريت بين بايدن وعدد من أعضاء مجلس الامن الدولي للتباحث بشأن المشروع، الذي لقي استجابات جيّدة حسب بايدن.



هل سيبقى العراق موحداً!؟

ووفقاً لخطة بايدن فإن تقسيم العراق هو المخرج الوحيد للخروج من المأزق، خصوصاً وان الأكراد لديهم مشروعهم الفيدرالي وكذلك الاحزاب الشيعية (المجلس الاسلامي الأعلى) وحزب الدعوة وهو أقل حماسة وحتى بعض الأطراف الممتنعة والمعارضة للاسلوب والتوقيت، الاّ أنها لا تختلف من حيث الأهداف حتى وإن كانت مؤجلة (جماعة السيد مقتدى الصدر)، ولعل هذه هي القوى الأكثر حسماً حالياً ضمن اطار المجموعات المشاركة في العملية السياسية وتركيباتها في الحكومة والبرلمان.

يذكّر مشروع بايدن بما طرحه فولر من مؤسسة راند الامريكية Rand الذي وجّه سؤالاً كبيراً واستبطانياً في مطلع التسعينات عندما وضع الأمر وبالأحرف الواضحة: هل سيبقى العراق موحداً عام 2002؟ وكان تساؤله قد احتوى على حزمة من علامات الاستفهام بما فيها السيناريوهات والتكّهنات لمستقبل العراق وما له علاقة بالتوجّهات الستراتيجية للولايات المتحدة، وخصوصاً منذ انتهاء الحرب العراقية-الايرانية وبالأخص بعد غزو القوات العراقية للكويت(2 آب/أغسطس 1990)، ولعل قلّة قليلة آنذاك هي التي أدركت خطورة سؤال فولر وما يضمره من احتمالات تقسيم العراق!
من جهة أخرى بدا للبعض ان سؤال فولر الذي يضعه بايدن على بساط البحث غير واقعي أو يتجاوز الحقائق الجيو سياسية، السسيوتاريخية، ناهيكم عن اشتماله على قدر صارخ من العداء المعلن للدولة العراقية القائمة، بل انه يحفّز على نحو استفزازي مشاريع الانقضاض عليها لأسباب مختلفة داخلياً وخارجياً (اقليمياً ودولياً)!

وكان حل مؤسسات الدولة العراقية وخصوصاً العسكرية والأمنية الحامية لأرواح وممتلكات المواطنين ولضبط النظام والأمن وهو ما يُفترض وظيفتها، بحجة ارتباطها بالنظام السابق، قد فتح الباب على مصراعيه من خلال فوضى غير خلاقة وذلك بعد تعويم الدولة العراقية، الأمر الذي تساوق مع إعادة تركيبها على أسس مختلفة وفقاً للمحاصصة المذهبية-الإثنية، بل جنحت تلك القسمة بعيداً فوجدت ضالّتها في أول تشكيل حكومي (مجلس الحكم الانتقالي) حيث سرت أسسه في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، خصوصاً ما سببّه من احتقان وعنف مذهبي واثني وانقسام حاد.
وهكذا أصبح موضوع التقسيم يُطرح تحت عناوين مختلفة، فتارة تحت اسم الفيدراليات، وان كان للفيدرالية الكردية حيثيات وتاريخ منذ اقرار بيان 11 آذار (مارس) لعام 1970 وما بعده قانون الحكم الذاتي لعام 1974 وتأسيس مجلسين تشريعي وتنفيذي ومن ثم تجربة الحكم الذاتي المستقل 1991-2003، وتارة تحت عنوان حصص الاقاليم من واردات النفط، وثالثة باسم حقوق أو حصص الطوائف وامتيازاتها ورابعة تحت يافطة الخصوصية والحفاظ على الأمن وغيرها.
لعل خطة بول بريمر الحاكم المدني الامريكي في العراق وهو ما يذكره في كتابه " عام قضيته في العراق " الصادر عام 2006، كانت الاختبار الأول لمدى وامكانية تحقق سؤال فولر، خصوصاً وأنها كانت المجسّ الذي يُراد له معرفة استمرار أو تبديد مسألة الدولة العراقية الشديدة الصرامة والمركزية، من خلال قراءة إغراضية إستباقية للمجتمع العراقي وتكويناته وموزائيكه المتنوّع، وخصوصاً ما ذهب اليه بعض المتطرفين والطامعين لتكريس الامتيازات والحصص، الأمر الذي تحرك مجدداً بعد إقرار قانون الاقاليم ( وتأجيله لمدة 18 شهراً لم يتبق منها سوى ستة أشهر) ومناقشة قانون النفط والغاز مؤخراً !
هكذا تبدو تضاريس الخارطة السياسية العراقية وعرة ومعقدة، لدرجة جعلت ستراتيجية أكبر دولة في العالم تتخبط وتتأرجح بين ما تريد أو ما خططت له وبين ما هو ممكن، وبخاصة بعد تزايد عمليات المعارضة والممانعة والمقاومة، ناهيكم عن استشراء العنف وتشظي المجتمع وتعمّق أزمة العملية السياسية برّمتها، المنذرة بالمزيد من التفكك والتقسيم، وخصوصاً بعد انسحاب جبهة التوافق من الحكومة (الركن الثالث من المعادلة القائمة) اضافة الى تحفظات جماعة السيد مقتدى الصدر وحزب الفضيلة (الاسلاميان الشيعيان) واستمرار انتقاد القائمة العراقية برئاسة د.أياد علاوي (رغم ضعفها وانسحاب بعض اعضائها) اداء الحكومة والمطالبة بتغييرها.
كل هذه المعطيات جعلت ادارة بوش تستعيد أو ترجّح بعض الحلول المطروحة، خصوصاً بعد ان جاءت توصيات مجموعة دراسات العراق Iraq studies Group غير متوافقة مع حسابات الرئيس الامريكي، وكانت توصيات لجنة جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي الاسبق ولي هاملتون عضو الكونغرس (المؤلفة من 10 أعضاء من الجمهوريين والديمقراطيين) قد اقترحت بعض الحلول والمعالجات وخصوصاً اشراك دول الجوار (ايران وسوريا) وتحديد موعد لبدء الانسحاب (الجزئي)(2008) وتحقيق بعض الخطوات السياسية لتوسيع دائرة المشاركة وإنجاح خطة المصالحة الوطنية وحل الميليشيات واتخاذ بعض الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، الاّ أن الرئيس الامريكي وضع هذه المقترحات على الرف (أواخر العام 2006) وان عاد وأخذ بجزئيات من الخطة فيما يتعلق بالحوار الايراني- الامريكي الذي كان قد انقطع منذ أزمة الرهائن الامريكان في طهران عام 1980، الاّ أن تقريري السفير الامريكي في العراق رايان كروكر والجنرال بتريوس كانا الأقرب الى وجهة نظر الرئيس جورج بوش سواءًا ما يتعلق بالوجود العسكري الامريكي في العراق والاصرار على المضي بالستراتيجية الامريكية المعلنة تحت يافطة " مكافحة الارهاب " مهما كلف الثمن ورغم الفشل والخسائر الكبيرة.

أفضل الخيارات المتاحة!

وتتحفظ مجموعة دراسات العراق على مشروع جوزيف بايدن أو مشاريع التقسيم لاعتبارات تقول بصعوبة الفصل الجغرافي أو الطائفي وخصوصاً نسبة الزواج المختلط الكبيرة جداً، إضافة الى مواقف الدول الاقليمية وخصوصاً المملكة العربية السعودية والاردن، ويمكن اضافة سوريا وتركيا. ويمضي بايدن في تقديم اطروحته بالقول من أن تقسيم العراق ليس الحل الأمثل أو النموذجي أو أفضل الخيارات لإنهاء الصراعات الطائفية والاثنية، الاّ انه في الظرف الملموس وبسبب اندلاع الاقتتال الداخلي يجعله أفضل الخيارات المتاحة.
ولعل هذا الاستنتاج المثير والصادم هو ما يُراد أن يصل العراق اليه باستمرار الحرب الاهلية واستشراء الطائفية والمذهبية، وخصوصاً التطهير والاجلاء السكاني الذي بلغ اكثر من اربع ملايين و600 الف عراقي لاجئ ونازح، واستفحال الارهاب والعنف والقتل على الهوية وسيادة ظاهرة الميليشيات وتفشي الفساد والرشوة وتبديد وسرقة المال العام، اضافة الى تعاظم التداخلات الاقليمية ناهيكم عن استمرار الاحتلال.
لكن مشروع بايدن ومعه مشروع جوزيف ادوارد من معهد بروكينجز يقرّان بأنه إن لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم فإنه سيؤدي الى عدم الاستقرار، بل يهدد بانتشار الفوضى، خصوصاً وان هناك فارقاً بين تجربة البوسنة والوضع العراقي، حيث ان جيران الاولى وهما صربيا وكرواتيا كان هدفهما هو تقسيم البوسنة في حين أن جيران العراق لا يريدون ذلك وهو الامر المختلف.
ويطرح مشروع التقسيم عدداً من الاسئلة بخصوص رسم الحدود بين الاقاليم الثلاثة، وخصوصاً كيف يمكن تصنيف بغداد والموصل وكركوك، ففي حين يقترح بايدن اعتبار بغداد مدينة " دولية" مستقلة، يرى ادوارد ان ذلك سيؤدي الى المزيد من عدم الاستقرار، علماً بأن ثلثي عمليات النزوح حدثت في بغداد، لهذا لا بدّ ان تكون العاصمة بغداد جزءًا من عملية التقسيم، رغم أن الدستور الحالي الدائم ( الذي تم الاستفتاء عليه يوم 15 تشرين الاول /أكتوبر وأجريت الانتخابات على أساسه بعد شهرين أي في 15 كانون الاول/ديسمبر 2005) يحول دون انضمامها الى اي اقليم، لكن ادوارد يقترح اجراء عملية تغيير في الدستور وتعديل لعدد من المواد التي تسهّل عملية التقسيم.
وبعد رسم الحدود بحيث لا تؤثر على عملية توزيع الموارد النفطية ووضع قواعد صارمة لحماية الاقليات ومنع اجبار أي مواطن على الانتقال الى اقليم آخر، فلا بدّ من إصدار هويات خاصة بكل إقليم ووضع نقاط تفتيش على حدود كل اقليم، وذلك بهدف محاصرة " العناصر المتطرفة".
ويقدّر تكلفة هذه العملية مبلغ مليار دولار، وتحتاج الى نحو 300 ألف جندي تساعدهم قوات التحالف، التي ستركّز على حراسة الحدود بين الاقاليم الثلاثة ونقاط التفتيش، الى جانب تأمين " المنطقة الخضراء"، وذلك خلال فترة انتقالية تتراوح بين 12-18 شهراً.

هل ستتحقق نبوءة فولر التي يرفع لواءها اليوم مشروع بايدن وخطة ادوارد، أم أن ستراتيجية واشنطن ستضطر الى اجراء تغييرات كبيرة بما فيها اعلان خطة للانسحاب وتحديد جدول زمني، وتوسيع دور الامم المتحدة، وهو ما ذهب اليه المشروع الامريكي- البريطاني عشية صدور قرار مجلس الأمن 1770 على إستحياء كبير، وخصوصاً وان الحديث عن الانسحاب أو اعادة الانتشار والانتقال من المدن الى القواعد الاربعة الامريكية التي يتم بناؤها قد يكون حلاً مؤقتاً لمشكلة الوجود العسكري الامريكي، لكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حلاً مرضياً للشعب العراقي، حتى وإن كان حلاًّ مرحلياً، وقد باشرت القوات البريطانية الانسحاب من البصرة الى قاعدة عسكرية قرب المطار على أمل تهيئة مستلزمات انسحاب نصفها في العام 2008.

أحسن الحلول السيئة؟؟

يطمّئن البعض نفسه بالقول إن قرار الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق ليس مُلزماً، وإن إدارة البيت الأبيض لم تكن مؤيدةً أو مساندةً له، ولكنهم يتناسون أن انتخابات الرئاسة الأمريكية على الأبواب (خريف 2008)، وقد تغيّر الإدارة الأمريكية من رأيها، خصوصاً وإن القرار حظيَ على أغلبية كبيرة زادت على الثلثين (75 صوتاً مقابل 23 صوتاً)، ناهيكم عن الدور الذي ينتظر الديمقراطيين.
فهل سيصبح تقسيم العراق " أحسن" الحلول السيئة ؟! وهل حان موعد القطاف بحيث أصبحت الدولة العراقية برسم التقسيم بعد تجاوزنا مرحلة التنظير الى التفسير وصولاً الى مرحلة التشطير؟ وفي هذا السياق، فلم يعد الحديث عن البلقنة أو اللبننة أو الصوملة أو الغسلفة أو الأفغنة مجرد حديث نظري، بعد أن دخلنا في حديث العرقنة بجزئياته وتفاصيله.
ورغم بعض النوايا الطيبة في دفع ما هو أسوأ أو بهدف إخفاء بعض الحقائق بما فيها فشل الاستراتيجية الأمريكية وامتداداتها العراقية، فإن العراق منذ الاحتلال وخصوصاً السنوات الثلاث الماضية دخل مرحلة الحرب الأهلية.

وهو ما أشرت اليه في محاضرة لي بدعوة من المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمان مطلع العام 2007، وكان عنوانها: الحرب الاهلية- هل يصبح الامر الواقع واقعاً!؟ وبخاصة بعد أحداث سامراء بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في 6 شباط/فبراير 2006، ولم تنفع معها الرغبات أو التمنيات، طالما بدأ التطهير المذهبي والطائفي والعرقي والتشظي المجتمعي، بفعل وصفة بول بريمر لمجلس الحكم الانتقالي عام 2003 وما ترتّب عليها من محاصصات وتعزيز دور الميليشيات واستشراء الفساد والرشوة وانفتاح الصراع على مصراعيه وصولاً الى المصارعة على الطريقة الرومانية، بحيث يموت أحد الطرفين ويُنهك حدّ الموت الطرف الآخر.

العراق: بين التنظير والتشطير!!

وبعد سنوات من الاحتراب المتنوّع وبعد خسائر مادية ومعنوية وفي الأرواح والأموال إعتقدت الولايات المتحدة أن الخروج من المأزق لا بدّ له من تشطير البلاد الى ثلاث أشطار تحت حجج ومبررات مختلفة، ولعل هذا هو جوهر مشروع جوزيف بايدن، الذي يعتقد أن التقسيم سيكون حلاً للعراقيين وللأمريكيين في آن، فهو من جهة يسمح للولايات المتحدة بالإنسحاب التدريجي، ومن جهة أخرى يضع حداً للعنف بإقامة كيانات مصغّرة حتى وإن كانت مجهرية من لون أو تكوين واحد.
صحيح أن العراق عانى من تمييزٍ وطائفية سياسية استثمرتها السلطات الحاكمة أحياناً، خصوصاً في ظل قوانين متخلفة للجنسية منذ تأسيس الدولة العراقية، لكن تأثيراتها كانت محدودة ومعزولة وفوقية أي غير مجتمعية، فهي تجاذبات بين السلطة وأوساط وفئات واسعة ومتنوّعة، لكنه بعد الاحتلال، جرت محاولات لتكريسها مجتمعياً ورأسياً، أي من القمة الى القاعدة، بفعل التوتر والاحتقان الذي استغله أمراء الطوائف، ولكن هل أن مشروع الكونغرس للتشطير الذي يدّعي أنه حامل لوعد سيكون حاملاً لبرهان؟
وباستثناء الحركة الكردية التي فسرّت قرار الكونغرس باعتباره ينسجم مع الدستور العراقي الذي أقرّ مبدأ الفيدرالية، فإن الغالبية الساحقة من العراقيين في السلطة وخارجها ومن معارضتها أيضاً، وإن كانت بدرجات متفاوتة أدانت مشروع التقسيم باعتباره من أخطر المخططات التي جابهت الوضع العراقي ما بعد الاحتلال، وهو ما يعيدنا الى استذكار سؤال غراهام فولر من مؤسسة راند الأمريكية عن بقاء العراق موحداً لغاية العام 2002 ؟

تروست الادمغة والهويات المجهرية!

أشرنا الى أن البعض اعتبر سؤال غراهام فولر استبطانياً وقد يحمل شيئاً من الرغبات المكبوتة أو الاسقاطات على الواقع، الى أن جاء موعد الحديث عنها بصوت عالٍ، خصوصاً بوقوع العراق تحت الاحتلال، فبعد أكثر من عقدٍ ونصف من الزمان على سؤال فولر أخذ موضوع التشطير ووحدة العراق الإقليمية يوضعان على بساط البحث ليس للتنظير حسب بل للتنفيذ، وإن كان مثل هذه الأطروحات قد بدأ الترويج لها من قبل تروست الأدمغة ليس بشأن العراق فحسب، بل بشأن العالم العربي الذي وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور بأنه " أقيم قطعة عقار في العالم"!!
وكان كيسنجر قد تحدث عن دويلات ذات هوية آحادية، عرقية أم دينية أم طائفية أم مذهبية أم غير ذلك لسهولة تطويعها والاستيلاء على مصادر الثروة فيها، ولمنع تهديدها لحليف الولايات المتحدة الاستراتيجي " إسرائيل". وكان الرئيس بيل كلينتون ونائبه آل غور وزير خارجيته كريستوفر قد طرحوا فكرة الشك ببقاء العراق موحداً، خصوصاً بعد معاقبة العراق كأول دولة بعد انتهاء الحرب الباردة، وكأخطر منتهكي الحظر على انتشار الأسلحة المحرمة دولياً!!
وقد علّقت ادارة كلينتون الوحدة الإقليمية للعراق على سياسة المجتمع الدولي، خصوصاً باستمرار الحصار الدولي ونظام العقوبات اللذين أديّا الى التآكل التدريجي للمجتمع والدولة بإضعاف مقوّمات استمرار الدولة وذبولها مع عوامل هدم داخلية (سياسات الاستبداد)، بحيث يمكن الانقضاض عليها وتقسيمها وإلغاء نموذجها المركزي سواءًا عبر الفيدرالية أو الولايات أو التقسيم الفعلي بحيث يصبح أمراً واقعاً أو غيرها.
ترافق مشروع إنهاك الدولة العراقية تمهيداً لتقسيمها بإصدار قرارٍ من الكونغرس الأمريكي أطلق عليه اسم " قانون تحرير العراق" عام 1998، وخصص الكونغرس للجماعات العراقية المعارضة المتعاونة مع واشنطن أنذاك مبلغاً قدره 97 (سبعة وتسعون) مليون دولار، وانعقدت على أساسه اجتماعات في وندسور وواشنطن، وكان اجتماع لندن المحطة الأخيرة عشية ضرب العراق، خصوصاً بصدور قرار مجلس الأمن 1441 الذي رغم أنه لم يرخّص للولايات المتحدة القيام بالغزو، لكنه كان فاصلاً لانتهاء الترتيبات اللازمة لتنفيذ المشروع، وبعد اجتياح العراق أصدر مجلس الأمن القرار 1483 في 22 أيار/مايو 2003 الذي " شرعن" الاحتلال، وكان حل المؤسسة العسكرية الإعلان الأول للبدء بفكرة تعويم الدولة تمهيداً لعملية التشطير.
إن مشروع مرشح الرئاسة السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن، هو استكمال للتنظيرات التي سبقت الحرب، خصوصاً عندما يُراد القول إن التقسيم هو البديل عن الدولة المركزية، مثلما يقال اليوم إنه بديل عن الإرهاب، فالدولة المركزية حسب وجهة النظر هذه ويُراد دائماً مقارنتها بحكم صدام حسين تعني الاستبداد والديكتاتورية، وبالتالي لا بد من وضع ضوابط لعدم العودة اليها. وفي الوضع الحالي يعطي الدستور العراقي للأقاليم صلاحيات تفوق صلاحيات الدولة الإتحادية (المركزية ) أحياناً، خصوصاً إذا ما تعارضت قوانينهما، فلا بدّ إذاً من " التقسيم" الامر الذي تعتبره الحركة الكردية نتيجة منطقية لمشروع بايدن ولواقع الحال الفيدرالي، حسب تفسيراتها.
أما كون المشروع غير ملزم للعراقيين فهذا يعتمد على مدى مقاومتهم لهذا المشروع أولاً، وثانياً قدرتهم في استعادة هيبة دولتهم واستردادهم سيادتهم واستقلالهم المجروحين والمعوّمين، وثالثاً، قدرتهم في القضاء على الارهاب، ورابعاً سعيهم في تجاوز الطائفية بل تحريمها، وخامساً تمكنهم من تطويق الفساد المالي والاداري.
وفي الصدارة من ذلك وفي كل ذلك يقع موضوع تقصير أمد الاحتلال بوضع جدول زمني والتمهيد للانسحاب واعطاء دور مركزي انتقالي للامم المتحدة ضمن توافق دولي وإقليمي، والاّ فإن الولايات المتحدة المتحكّمة حسب القانون الدولي في الوضع العراقي بموجب القرار 1546 الصادر في 8 حزيران /يونيو 2004 والذي جرى تمديده عدة مرات ويراد استبداله نهاية العام القادم بمعاهدة طويلة الأمد، يمكنها أن تمرر هذا المشروع الذي قد يستفيد منه بعض أمراء الطوائف وقد تأتي إدارة أمريكية جديدة 2008 لتعتبر قرار الكونغرس ملزماً لها مثلما اعتبرت إدارة كلينتون "قانون تحرير العراق" لعام 1998 ملزماً لها وتبعتها إدارة بوش حتى تم تنفيذ هذا القانون باحتلال العراق عام 2003.
ولكن هل سيقف التقسيم عند حدود العراق؟ أم أن عدواه ستنتقل الى دول الجوار العربي والاسلامي وعند ذاك سنكون أمام المشهد الذي تصوّره وسعى اليه هنري كيسنجر: عالم عربي وإسلامي يتشظى وينشطر الى دويلات وكانتونات وطوائفيات !!
والكل أقليات!!.. نعم الكل أقليات!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختلاس الزمن في ظاهرة الاختفاء القسري!
- البصرة هل هو ثمن الحرية!
- الهوية الثقافية: الخاص والعام
- حين يختفي الاعلامي مؤرخ اللحظة !!
- مجتمع الايتام والآرامل!!
- اللاجئون العراقيون: مسؤولية من!؟..
- شهادة حية على التعذيب في سجن ابو غريب
- الاقليات والحقوق الثقافية
- المساءلة والحقيقة في تجارب العدالة الانتقالية
- التنوّع الثقافي والشعية الدولية !!
- التنوّع الثقافي: الاقرار والانكار !
- بعد 90 عاماً: هل تعتذر بريطانيا عن وعد بلفور ؟!
- الديمقراطية : أزمة وعي أم أزمة ثقافة ؟
- دارفور وتجارة الاطفال
- المعرفة وحرث البحر
- واشنطن بين حليفين لدودين
- بلفور العراقي: حامل لوعد أم حامل لبرهان
- التنوع الثقافي في المجتمعات العربية - مصدر غنى أم فتيل أزمات ...
- وجه آخر للتراجيديا العراقية: الطفولة المنسية!
- نهاية الديمقراطية


المزيد.....




- أنباء عن نية بلجيكا تزويد أوكرانيا بـ4 مقاتلات -إف-16-
- فريق روسي يحقق -إنجازات ذهبية- في أولمبياد -منديلييف- للكيمي ...
- خبير عسكري يكشف مصير طائرات F-16 بعد وصولها إلى أوكرانيا
- الاتحاد الأوروبي يخصص 68 مليون يورو كمساعدات إنسانية للفلسطي ...
- شاهد: قدامى المحاربين البريطانيين يجتمعون في لندن لإحياء الذ ...
- وابل من الانتقادات بعد تبني قانون الترحيل إلى رواندا
- سوريا.. أمر إداري بإنهاء استدعاء الضباط الاحتياطيين والاحتفا ...
- طبيب: الشخير يمكن أن يسبب مشكلات جنسية للذكور
- مصر تنفذ مشروعا ضخما بدولة إفريقية لإنقاذ حياة عدد كبير من ا ...
- خبير أمني مصري يكشف عن خطة إسرائيلية لكسب تعاطف العالم


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الدولة العراقية: سياقات التماسك والتآكل