أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - جراحة على الهواء















المزيد.....

جراحة على الهواء


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


-قصة قصيرة-
مرت لحظات عصيبة ، اعتقد فيها الشابان أنهما لن يستطيعا الحياة قط ، خصوصا بعد أن نفذ مخزونهما من السجائر المحشوة وقنينات البيرة المعلبة ، لذلك ، خمنا و فكرا طويلا ، لكن في النهاية ، قررا أن يتدبرا حياتهما بطريقة أفضل.
أروع شيء حدث ، هو استجابة الناس السخية لاقتراحهما، لقد أكدا لنفسهما ولعموم الناس، أن الإبداع الرفيع لا يظهر مطلقا في مناخ تنعدم فيه الحرية والمبادرة الشخصية وعلى هذا الأساس ، افترشا لحافا فوق ارض عفنة، والشمس لم تشرق بضيائها على المنطقة بعد.
في قلب أشهر شارع شعبي ببؤسه ، تمدد عبد الرحيم الهيناوي على ظهره، وقبل أن يستره بعجالة زميله رشيد الفزاري بإزار ابيض ناصع ، عاود رشه قبل دقائق بدم دجاجة ساخن . فبدا للتو، كما لو أن مريضا اخرج لتوه من قاعة العمليات.
ولتفادي أية زلة محتملة ، اخرج رشيد من بين فخذيه ، انبوبين من البلاستيك الطبي عثر ليهما في قمامة المستشفى ، إحداهما تجري بولا اصفر ، والثانية دما . مررهما بعناية فوق صدره، وسرى الاعتقاد لدى عموم المارة والمشاهدين ، أن عملية غسيل كلي أجريت ، شابتها صعوبة ، او أن عملية زراعة عضو لم يكتب لها النجاح لأسباب اقتصادية بالأساس .

وفيما امسك الشاب الواقف أنبوب أكسجين معلق ، زرع الثاني بارتخاء وعبثية على أرضية المكان بعناية اقل ، مضخات وريدية، محاليل وكبسولات ، وأكسيجين طبي، أنابيب مستعملة من دون ما يلزمها من أجهزة الضبط، وجهاز صدئ للمساعدة على التنفس الاصطناعي. إضافة الى وصفات دواء ممزقة وفواتير مهملة ...
منظر الشابين ، وهما يمسكان بطرفي اللحاف الدامي بتهالك يفجع القلب حقا في ظهيرة يوم سماؤه داكنة بلا مطر . كان الأنبوب الأول يشق طريقه بثبات بدء من فوق العانة مرورا بشعيرات الصدر العاري .وصولا الى قنينة سيروم ينزل الماء منها قطرة قطرة ، يحملها عبد الرحيم بيدين مرتجفتين ، وبدا كما لو أن الأمر يتعلق بمسالة حياة او موت ، او مشهد رعاية صحية أولية ، أو خدمة علاجية لمنظومة الإسعاف والطوارئ زمن الحرب . قال عبد الرحيم كمتسول محترف :
- لست عاطلا.. ولا اتكاليا يا سادة..
أنا كائن طموح ، أعيل أسرة من 7 أفراد، لكن القدر..لم يمهلني يا إخوة الإسلام ..لقد أجريت لأخي عمليتين جراحيين في اقل من أسبوع . الأولى لاستئصال كلية بمستشفى حكومي ، حيث يعيش وهذا قدر الاهي بكلية واحدة ، و العملية الثانية لسرطان البروستاتة نجانا الله وإياكم...
ساد صمت رهيب ، وفي لحظة ، تنهد الشاب بعمق ، تم تابع قائلا " ورغم أنني بعت كل ما املك ، لم استطع دفع فاتورة العلاج ..
هل تتصورون تكاليف العمليتين ؟؟؟؟
25 ألف درهم ..يا إخوة الإسلام .. تصوروا...وحينما توسلت إدارة المصحة ، ..طردوني ..وأمهلوا العائلة أسبوعا ..حيث كان قرار الطرد من المصحة على هذا الحال.....
اجتاحت عاصفة بكاء هوجاء سرب عجائز..
وانطلق طوفان أدعية ، وشرع تقاة يقرؤون اللطيف ،كما لوكان زلزالا ضرب المنطقة ،وفيما تعالت صيحات شبان تدعو لدك المصحة فوق رؤوس موظفيها ، وتخريب منشآتها... صمم احد الشباب المتحمسين على التخطيط للاقتصاص من طبيب المصحة المجرم ، داعيا الى اعتقال المقاول، وتكفير وزارة الصحة..
أما الحاجة النكافة التي ترشحت في الانتخابات الأخيرة ، فقد ناشدت جميع المؤسسات والمنظمات الدولية الحقوقية منها والإنسانية إلى ضرورة الضغط على إدارة المصحة من اجل تأمين تعويضات مناسبة لأسرة الضحية ، وقالت وهي تتبرع بورقة نقدية للضحية ، لا بد من تعويض لا يقل عن 60 مليون درهم. حتى ليتسنى لها تدبير حياتها بعد رحيل معيلها الأساسي، وتابعت بنبرة تكلف : لا بد من معاقبة إدارة المصحة انتهاجها سياسة الإهمال الطبي بحق الضحية ، وعدم توفير العلاج اللازم له،مما أدى إلى ترد كبير في حالته الصحية.
حين خفت عاصفة النحيب قال عبد الرحيم متوسلا كأسير حرب جريح :
- من أين لي بهذا المبلغ أيها المسلمون...من أين....آآآآآهههه...ثم فقد وعيه ، ودخل في غيبوبة فنية متواصلة في موقف أدمى قلوب جميع الوافدين إلى الفضاء من الزبناء وذويهم
لكن عبد الرحيم تسلم مشعل الحكاية .
الاستجابة السخية للبشر في مثل هذه الحالات لا توصف، إذ بعد دقائق ، تكدست مآت القطع النقدية الصفراء والحمراء..وبعثرت الرياح الشرقية التي هبت على فاس العالمة لأسابيع دونما مطر بعشرات الأوراق النقدية من فئة 20درهما..ومثلها من فئة 50 درهما، وفيما شغل احدهم تعبئته لإحضار سيارة إسعاف ، سارع ملتح معروف بإحسانه متطوعا لإيواء المريض بدكانه لأيام ...
وحدها الأقدار قادت " ر. س" وهو طبيب جراح يعمل بإحدى المصحات ذات التخصصات العليا بالعاصمة الرباط ، وقذفت به الى حي كاريان الحجوي ، كان أمرا عاديا أن يلتف حوله جماعة من المتشردين الشباب يطلبون درهما ، بمناديلهم المبللة بالسيليسيون ، وقنيناتهم المملوءة نصفها بخمر رخيص ، أو أكياسهم البلاستيكية التي تنبعث منها رائحة تربك . فضول الطبيب وحبه للاستطلاع وهو من قدماء الحي ، دفع به الى الزاوية الملتهبة من الشارع البئيس ، المزدحم نهارا بالباعة المتجولين وذوي لعاهات من كل صنف ،و ليلا بالسكارى والصعاليك ، وأبناء الانحراف المتعدد الأوجه من الجنسين . وهو كذلك ، تناه الى سمعه صراخ نساء و آيات تكبير وأدعية...وتلاوة لطيف ...
--المسكين.. لقد توفي في ريعان شبابه...وهو في حالة يرثى لها..
--لقد مات احد الشباب متأثرا بجروح....اثر عملية جراحية فاشلة..

الحشد البشري الهائل ينفرج شيئا فشيئا ، جهود شباب متطوع لتفريق الحشد كادت أن تتطور إلى تهديدات قد تصل في أحيان كثيرة إلى طعن او إلحاق الضرر بسلامة البعض ،امسك الطبيب الجراح يد الميت . .وقال أمام دهشة الجميع " الشاب ما يزال على قيد الحياة ؟؟؟؟؟
.. تليت سورة الفاتحة على الفور جماعة ، وردد الحشد "
-- لا حول ولا قوة إلا بالله...يخرج الحي من الميت...ويخرج الميت من الحي..
--سبحان الله..
شغل الطبيب تعبئته ، طلب الإسعاف . وهو يقول :
- والآن ، دعونا الآن نحول الألم الى بصيص حياة..

شغل جهاز قياس القلب ، فوجد قلب الشاب يخفق بشكل عادي ، وحرارته عادية جدا. حركه...صفعه..تحركت عينا الشاب في ذهول..وهو يسمع:
--أنا طبيب جراح ، ثق بي ..سأساعدك .
ماذا حدث بالضبط ؟؟؟
رن هاتف الطبيب الذي رد بنبرة ذهول :
لا يمكن...مستحيل ... حدوث مثل هذا الأمر، الى هذه الدرجة وصل الإهمال ، المصحة تغلق فورا أن ثبت أنها مسئولة عن هذا الفعل...
تلعثم عبد الرحيم لأول وهلة ..لكنه لم يرتبك، مشط المكان بعينين زائغتين وقال بهمس "
انتبه سيدي ..أريد أن أحدثك على انفراد.. ثم كفكف الإزار الأبيض ،ورمى به جانبا ، ثم اقتلع الأنبوبين من بين فخديه ، وهب واقفا مثل ثور مصارع .
" أنا وزميلي كائنان بلا أفق...وكل ما حدث الى حدود اللحظة ، معجزة رائعة...لقد دبرنا احتياجات شهر بالكامل . شهر أيها الطبيب الكبير ..أتفهم..
ثم همس في أذن زميله أمام ذهول والناس واستغرابهم ، ثم صرخ كما لو كان يصدر أمرا "
" اجمع اللعاقة .. " الحصيلة" لعل الله يجازي المحسنين ..
ثم قفز مثل حصان جموح ، بينما ظل الأسخياء والمغفلين فاغرين أفواههم ، قال الطبيب متحسرا ، ما يهمني ليس هاتفي الذي ضاع...وإنما "الميموار" ذاكرة الأرقام ... ، بعد ساعتين ، حضر الإسعاف ، ولم ينبس احد من الحشد ببنت شفة .
عزيز باكوش



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب الصحفي المغربي حميد تهنية يجيب اليوم عن الاسئلة التسع ...
- الصحفي والكاتب المغربي محمد الزعماري يجيب اليوم عن الاسئلة ا ...
- الباحث في علوم التربية الاستاذ عبد العزيز قريش يجيب عن الاس ...
- يجيب عنها اليوم الاستاذ والخبير الاعلامي المغربي يحيى اليحيا ...
- الصحفي ومدير جريدة صوت البرنوصي علي مسعاد يجيب عن الاسئلة ال ...
- الباحث في علوم التربية الأستاذ محمد الصدوقي يجيب عن الأسئلة ...
- الاسئلة التسع يجيب عنها اليوم رئيس نادي الصحافة بتازة الصحاف ...
- سوق اللحية
- مؤسسة محمد السادس للتربية و التكوين تحتاج الى دفعة قوية حتى ...
- محمد ابو مهدي حسني يجيب اليوم عن الاسئلة التسع
- الباحث السوسيولوجي المغربي عياد أبلال يجيب اليوم عن الاسئلة ...
- تلميذة اعلانات- قصة قصيرة-
- في نقد برامج المدرسية الأساسية للأستاذ عبد العزيز قريش
- تسع اسئلة حول المقروئية والرواج الصحفي بالمغرب يجيب عنها الي ...
- بتكتمها الشديد ،وزارة الصحة المغربية تتبنى الدجل
- جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، تفوز بجائزة -صنع في الوطن الع ...
- جريدة المساء المغربية تسجل اول تراجع لها والحزبية في قاعة ال ...
- اغراق سفينة الهوتمايل
- التحميل جار....
- الدبلجة الى العربية ثقافة وتوجه حداثي وليس اجهزة متطورة وآلي ...


المزيد.....




- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - جراحة على الهواء