أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - خريطة العراق في قلادة برقبتي...ولن أعود تحت راية أمريكية















المزيد.....

خريطة العراق في قلادة برقبتي...ولن أعود تحت راية أمريكية


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2133 - 2007 / 12 / 18 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


ملحق الشروق التونسية
الملحق الثقافي
لقاء مع...سعدي يوسف لـ «الشروق»: خريطة العراق في قلادة برقبتي...ولن أعـــــــــود تحت راية أمريكيـــــة
* حوار : نور الدين بالطيب

* تونس ـ (الشروق):
سعدي يوسف... اسم خلّدته الذاكرة العربية منذ سنوات، شاعر جدّد القصيدة العربية وحرّرها من ثقل البلاغة وفتح لها آفاقا جديدة ،حميمي وحزين وصاف مثل مياه دجلة والفرات قبل الحرب التي تحصد أروح الأبرياء. أكثر من نصف قرن لم يتخلّ سعدي عن الريادة ولا عن الصف الاول، يمشي مع الجميع وخطوته وحده ذلك هوسعدي يوسف الشاعر الذي لا يطمئن ولا ينقطع عن المنافي. نهاية الأسبوع اماضي احتفت به تونس في أمسيتين الاولى في مقهى وكم يحب سعدي المقاهي! والثانية في بيت الشعر وكانت الدعوة من شركة فضاءات لظافر ناجي ووجيهة الجندوبي.
(الشروق) التقته في هذا الحوار:
* ماذا يعني اللقاء مع الجمهور التونسي بالنسبة إليك؟
ـ أنا أعتدت اللقاء مع الجمهور التونسي، أولا بسبب إقامتي في تونس لسنين ثم أن تونس أتاحت لي أن ألقي قصائدي في منابر هامة في العاصمة وفي منابر أخرى وأتشرّف بأن في القيروان نصبا كتبت فيه قصائد لي ومنها قصيدة عن القيروان، كان هذا في الدورة الاولى لربيع الفنون وكان هناك نزار قباني وأدونيس وغيرهما وكان أحتفاء كبيرا بالشعر والشعراء احتفاء شعبيا بالشعر وفي الحقيقة اللقاء مع الجمهور التونسي ومع تونس ليس أمرا جديدا بالنسبة لي لست غريبا في تونس.
* تنقّلت بين الجزائر ولبنان واليمن وسوريا وفي فرنسا... ماذا أضافت لك الاقامة في هذه المدن؟
ـ هذه المدن هي حواضري وهذه المدن لم أكن فيها مسافرا كتبت عنها وتوطّنت فيها ومنحتني غنى في المشهد وتنوعا ربما حتى في الكتابة والاسلوب الفني بسبب التعاطي المباشر بيني وبين تلك الاماكن سواء التنوع الثقافي أوالطبيعة مشاهد الحياة اليومية علاقتي بالناس قراءتي لتاريخ هذا البلد أوذاك لأن طبيعة النص الذي أكتبه متصلة تماما بماهوملموس ومجسّد ومشخّص في الحياة والتاريخ.
* كيف ترى تاريخ العراق ؟
ـ أعتقد أن هناك ألية مستمرة لتجريد هذا البلد الغني بالنفط أساسا بتجريده من إمكان التصرّف بثرواته وأن يكون تطوره سليما وحديثا عابرا للقرون.
* كأن العراق يدفع ثمن موقعه وعراقته الحضارية؟
ـ هذا صحيح ،من ناحية الثروة البترولية أساسا ،الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا مثل روما القديمة وكل ما هو خارج روما هو بلاد البرابرة قوانين روما لا تنطبق على بلاد البرابرة لا تستطيع بلاد البرابرة أن تكون موازية لروما في أي شئ مناجم الذهب والفضة في شمال افريقيا وكانوا يسمّون شاطئ المتوسط شاطئ البرابرة وهوموجود في الخرائط القديمة هناك عالم مقسّم بين أغنياء وفقراء الفقير يجب أن يظل فقيرا هذا هومصيره حسب منطق روما القديم وحسب الحلف الاطلسي الجديد.
* عشت في باريس ثم إنتقلت الى لندن ماذا أضافت لك ألإقامة في لندن؟
ـ أنا أحببت باريس وعشت فيها سنوات صعبة وحقيقية وغنية، أحببت باريس ولم أستطع أن أعيش فيها لأسباب فوق طاقتي.
لندن منحتني إمكانية الاستقرار وإمكانية الحفاظ على استقلاليتي كفرد وكاتب عموما السلطات البريطانية لا تتدخل في شأنك أبدا مادمت ممتثلا للقانون وهي قوانين مثالية حقيقة في الدفاع عن استقلالية الفرد وحرية التعبير والسفر، هذه السنوات كانت مثمرة جدا كل سنة أصدر من كتاب الى كتابين منذ حللت بلندن وأنا سعيد بإقامتي فيها.
* الاخضر بن يوسف هوالشخصية الروائية التي صاغها سعدي يوسف ،من يكون الاخضر بن يوسف هل هوسعدي؟
ـ من أيّام كنت أقرأ الكتاب الجديد لفتحي النصري وله رأي أعجبني ،هناك من يخلع على الاخضر بن يوسف لقب القرين أوالقناع لكنه قال لا الاخضر بن يوسف هوسعدي لكنه وضع مسافة مع نفسه بينه وبين نفسه النصري ضد فكرة القناع هوهوية للشاعر.
* أنت على إتصال دائم بالشعراء كيف ترى المشهد الشعري العربي؟
ـ أجد أن عدد الذين يكتبون الشعر تضاعف بشكل عجيب وهذا جيّد لأن الوفرة قد تنتج النص الجيّد وخاصة تقبّل قصيدة النثر لكن هذا لا يحجب عنّا أن الامة تتخلّف شعريا ومن ظواهر هذا التخلّف بروز الشعر النبطي الشعبي والاموال الطائلة التي تنفق لترويجه إضافة للشعر الخطابي والمنبري وهوشعر مسلّح! ملايين الاموال تبذل لهذا.
توسّمنا الخير في قصيدة النثر التي أعتبرها هي الامل في إمكان تقدّم الشعر العربي، لكن المشكلة أن قصيدة النثر وقعت في مطب الشعر المنبّت لا علاقة له بالشعر ولا بالحياة مجرّد تقليد للشعر الفرنسي في مأزقه الحالي القصيدة الفرنسية تعاني مأزقا منذ زمن بعيد لا توجد قصيدة فرنسية. تترجم نصوص الى الشعر العربي ويقرأ ها الشباب ويتأثرون بها لكن لا يوجد جهد حقيقي لمعرفة الاصول الاخرى لقصيدة النثر مثلا الشعر الامريكي مثل ويتمان... هذا شعر متّصل بالشارع بأغاني الصيّادين بالعمّال بمظاهرات الطلبة بالاغنية الشعبية مثل البلوز... من سوء الحظ أن قصيدة النثر العربية تأثرت بالنموذج الفرنسي وهونموذج ضعيف ما توسّمنا فيه الخير كباب جديد أغلق علينا بشكل فج.
* ألا ترى أن هذا التراجع متصل بالحياة العربية ككل وأن هناك تدهورا كاملا في الحياة العربية وقيم التنوير والحداثة وتنامي الفكر الغيبي الذي تبثّه الفضائيات؟
ـ كأن هناك قرارا بإعادة المنطقة الى الوراء وهذا يتّخذ أشكالا عديدة منها تشجيع الظلام والفكر الغيبي وتجهيل الشعوب، بنية ثقافية كاملة تنهار الجامعة الوطنية المصرية مثلا إنهارت ويمكن القول أن هناك انحدارا في الجامعات العربية. هناك تراجع في دور الجامعة في قدرتها على إعداد نخبة عربية من قادة الفكر والسياسة من الاجيال الجديدة.
* ترجمت كتبا عديدة في السيرة والشعر والرواية، كيف تتنزّل الترجمة في مسارك؟
ـ أنا أعتبر نفسي وريثا لثقافة العالم وليس لثقافة أمتي فقط أحيانا أشعر بمسؤولية أن أعرّف الاجيال الجديدة على الكتب التي تشعرني بالمتعة الروحية هذه مسألة هامة بالنسبة لي وأساسية في تفكيري.
* في شعرك تحضر الاماكن والتفاصيل اليومية هل تعتبر الكتابة هي إختزال للحياة ؟
ـ أعتقد أن الشعر هوهكذا إختزال الحياة اليومية بكل تفاصيلها ماذا فعل هوميروس مثلا؟ هناك دراسات في التاريخ حول الازياء مثلا استمدت من شعره كوثيقة. لكن عندما ينفصل الشعر عن الحياة تبدوهذه المفارقة.
* كتب عنك محمود درويش مقالا رائعا وهذا نادر في الحياة العربية أن يكتب شاعر كبير عن شاعر أخر يشاركه الريادة، ماهي طبيعة العلاقة بينكما؟
ـ أنا ومحمود صديقان ومجتهدان في المبحث الفني وأعتقد أننا نتبادل مانكتب بجدّ واهتمام نتبادل الملاحظات السّلبية والايجابية وعلاقتنا صافية.
* الى أين يسير العراق في ظل الاحتلال وكيف ترى الذين وافقوا على أن يكون مع حكومة الاحتلال؟
ـ أنا رفضت أن أدخل العراق تحت راية أمريكية نذرت حياتي للدفاع عن الحرية ليس لبلدي فقط بل في كل مكان من العالم في استعمار وظلم، لمسألة محسومة بالنسبة لي ولا تحتاج الى تفكير لا يمكن أن أخون نفسي أوتاريخي.
بالنسبة للذين قبلوا أن يكونوا طرفا في المعادلة السياسية الجديدة لقّبتهم بمثقفي المخابرات المركزية الامريكية وقد سبّب لي هذا الموقف أذى دوّنته في كتابين «يوميات الأذى» و»يوميات ما بعد الاذى».
* ما هو عمر الاحتلال؟
ـ الاحتلا ل الامريكي البريطاني للعراق سيستمر وسيطول وقد يكون للأبد، الجيوش قد تغادر بعد فترة لكن الاحتلال سيبقى من خلال السيطرة على القرار السياسي لأن السيطرة على منابع النفط في العراق هوالهدف الاستراتيجي والاساسي للغزوالامريكي للعراق وهوهدف قديم وقرار الغزو اتخذ منذ بدأت مشكلة الطاقة.
* متى ستعود للعراق ؟
ـ لن أعود، عمري لا أعتقد أنه مازالت فيه سنوات طويلة ولن أعود لعراق محتلّ تحكمه الدبابات الامريكية، كما ترى أحمل خارطة العراق كقلادة في رقبتي لا تفارقني لكّنني لن أعود.
* ألا تخاف من حرب أهلية ومن تقسيم العراق؟
ـ الحرب الاهلية والتقسيم هذا عمليا موجود الان العراق مقسّم ويصعب أن تتنقّل من منطقة الى أخرى يعني أن كل مجموعة سياسية لها منطقة نفوذ والاقتتال يومي بين العراقيين أليست هذه هي الحرب الاهلية؟ وعجز الدولة عن بسط نفوذها أليس هذا هوالتقسيم؟
* عشت طويلا مع الفصائل الفلسطينية وتعرف الثورة من الداخل، في رأيك هل ستكون هناك دولة فلسطينية؟
ـ أعتقد الدولة الفلسطينية الان ليست مطلبا فلسطينيا فقط ولكنها جزء من رؤية أمريكية للمنطقة ولكن هذه الدولة ستكون بشروط ومنظور أمريكي.

الملحق الثقافي
إضاءات: درس في المحبة
يكتبها : نورالدين بالطيب

قبل عام أو أكثر بقليل قرأت افتتاحية لمحمود درويش في مجلة «الكرمل» خصصها للحديث عن الشاعر سعدي يوسف الذي يحب أن يسميه الشاعر الاول.
وعندما التقيت بسعدي بعد سنوات من آخر لقاء بمناسبة ربيع الفنون الدولي في دورته الاولى، تحدث سعدي باعتزاز عن صديقه محمود درويش، وفي بيت الشعر فوجئ الحضور بمحمود درويش يستمع بإنصات ومحبة نادرة لشاعر يشاركه الشهرة والتحديث والزعامة.
كل هذا جعلني أستحضر بأسى مقاطع تختزنها الذاكرة عن أحاديث الكتّاب التونسيين عن بعضهم البعض وخاصة الشباب منهم الذين لا تتجاوز أعمالهم الكاملة الصفحات القليلة ومع ذلك يتحدثون وكأنهم ديكة!
إن علاقة درويش بسعدي يوسف هي درس في المحبة في زمن عربي متدهور بلا قيم سوى النميمة والحسد والحقد وهي مشاعر تسيء لصاحبها أولا وتقوده لكوارث قد لا ينجو منها.
وددت لو أن بعض المتيّمين بمحمود درويش وبسعدي يوسف يتعلمون هذا الدرس ليخفّفوا من مرض الحقد والغرور المريض لأن الشعر لا يمكن أن يتعايش مع الحسد والاذى.


الملحق الثقافي
سعدي يوسف في بيت الشعر
* وليد الزريبي

كنت أريد أجنحة وطرتُ
كأن اسمي الطائر الجوّاب...
بمثل هذه الكلمات كانت حياة الشاعر العراقي سعدي يوسف اقامة دائمة في السفر ورحلة تكاد لا تنتهي وبمثلها حلّ الشاعر المهاجر بيننا فكيف يمكن للمكان بعد ذلك ان يكون محايدا؟ وكيف يمكن للأمسية التي أجراها هذا الشاعر الكبير في بيت الشعر التونسي يوم السبت 08 ديسمبر 2007 على الساعة الرابعة مساء أن تكون أمسية عادية وقد أثثتها ثلة من كبار الشعراء في تونس والعالم العربي جاؤوا من بعيد احتفاء بالشعر وبسعدي معا، وجاؤوا اعترافا بجميل الاستاذ الذي علّمهم الطريق ويكفي ان نذكر هنا الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش والشعراء منصف المزغني، منصف الوهايبي، محمد علي اليوسفي وأولاد أحمد...
وقد افتتح الأمسية مدير بيت الشعر منصف المزغني بكلمة ترحيبية عرّج فيها على تجربة الشاعر الضيف ورحّب خلالها بضيوف تونس وضيوف بيت الشعر الذين اختلفت أسباب مجيئهم فمنهم من جاء لمصافحة أستاذه من جديد مثل درويش ومنهم من جاء بهاجس التعرف الى جديد سعدي ومنهم من جاء لرؤية هذا الهرم الشامخ والاستماع الى صوته للمرة الاولى. فرصة تاريخية سمح بها الزمان والمكان عشية ذاك السبت وقد لا يجود بمثلها مرة أخرى.
أما عن كلمة منصف المزغني فقد جاءت في حجم الضيف ومنها نورد المقطع التالي: «أرحّب بالحضور في هذا اليوم الذي أعده من أيام الشعر النادرة والاستثنائية مع شاعر معلم ماهر هو سعدي يوسف، كما أشيد بالحضور المميز الذي يترجم عن حب بات مفقودا بين الشعراء. أرحّب بمحمود درويش هذا الشاعر الذي أحببناه في تونس وألفنا شعره وكرّمه سيادة الرئيس وها هو يحضر في أمسية أخيه سعدي يوسف وهي لمسة حب باتت مفقودة في أيامنا هذه بين الشعراء.
إن حضور سعدي جاء بمبادرة من شركة فضاءات للانتاج الفني حيث استضافه صاحبها الكاتب والروائي ظافر ناجي. كما أرحب بإخواني شاعرات وشعراء واعلاميين وأحباء شعر». اثر هذه الكلمة دُعي الشاعر والاعلامي وليد الزريبي الى تقديم الشيوعي الاخير ولا نعني به سعدي هذه المرة بل نعني عنوان كتاب صدر ضمن سلسلة أعمال بيت الشعر التونسي هو عبارة عن محاورة جمعت وليد الزريبي بسعدي منذ سنوات سافر فيها الاثنان في مجاهل الكتابة والفكر والابداع وفتح من خلالها المحاور كتاب القلب وكتاب الذاكرة وكتاب المكان فجاء الحوار عبارة عن قصائد هايكو تكثفت فيها أكثر من ثلاثة وأربعين سنة من الترحال ومن الكتابة ومن الالم خاضها سعدي يوسف منذ سنة 1964 لحظة مغادرته للعراق بلا رجعة.
ولما كان اختيار المرء قطعة من لحمه قد أخذ المحاور على عاتقه كرم اهدائنا مختارات من قصائد سعدي الاخيرة التي وردت في ديوانه الاخير الموسوم بالشيوعي الاخير يدخل الجنة. ومثلما جاء الكتاب مكثفا شيقا جاءت كلمة وليد الزريبي شعرية قليلة الكلمات كثيرة الظلال والمعاني:
لم يسبق ان كتبتم رسالة عشق.
أو فكرتم يوما في الانتحار.
فكيف اذن، تجرؤون على القول إنكم عشتم؟؟
هكذا عرّج شاعر البوسنة العظيم عزت سراييج ذات مرة بمحاوره المتحمس الوطني الغيور، صوب مدارات أخرى، دافعا بالسؤال المسكوت عنه الى أبعد فجاج معانيه، دون ان يسقط من حسابه ان وطن الشاعر الاقرب هو قلبه.
تستحضرني غربة عزت سراييج في وطنه المنفى، وأنا أبحث حائرا عن عبارات مناسبة أقدم بها هذا الطائر المهاجر، طوعا واكراها.
لا شك ان الذي قدمه سعدي يوسف للشعر العربي اكثر جلاء من استحضاره ويكفي انه مبدع من طينة نادرة، وعراقيّ طينا، وضارب في أرض الله الضيقة، هربا او تهريبا من وطن يقطع فيه الشريان والوريد صباحا مساء.
انه يحمل معه وزر ذنوبه الابداعية في أقفاص صدره ودفاتره، وما خفّ حمله من أغراض، لا تملأ حقيبة صغيرة، نصفها حسرات، ونصفها الآخر صور أصدقاء وأقارب وأحبّة. ثلاثة أرباعهم حلّقوا قبل الاوان، كما الطيور التي تستعجل السفر...
المنفى...صوت يسوط الكبد والقلب المكلوم... شتاءات لا نهاية لغيمها الداكن ووشوشة كائنات أليفة، تكاد لا تستأنس الجدران.
المنفى... رحلة لا نهائية صوب الضوء في غياب النجم المبين، سفر عكس اتجاه الشمس، أنين نشيج وتغريد بلبل بعيد يشد الخيط الواهي عزاء يزيد الرغبة في ترك الشهقة تنزلق من العين والعبارة والوتر والصدر والشفتين.
المنفى... لا يمين ولايسار... انه حث الخطى، صوب تلك الدار.. قبل ان يتذكر أحدهم بحسرة، أن الدار لم تعد هي تلك الدار.
المنفى... ان تمشي على نفس الجسر ـ جسر بروكلين ـ ألف مرة، وتعود من نهايته ألف ألف مرة... وفي كل مرة تزعم انه لم يبق الا القليل.
هو من عرفتم.. وها هو كما عرفتهم.. كلماته شاهدة عليه... وعليكم.
وبعد كل هذه المقدمات التي لونت المكان بحنين الشعر وبريقه وخفتت من حدة انتظار أضحى غير ممكن ساد الصمت القاعة وصار الاستماع الى صوت سعدي نداء أكبر من هذا الصمت. فدعي الى قراءة الشعر ومعه دعي الحاضرون الى السفر فقام الشيخ السبعيني بكل براءة الأطفال وبهجتهم ليمثل في حضرة المصدح بصوته الخافت كشعره تماما وضحكته المدوية التي لم تغادره رغم كل هذه السنوات ليقرأ بعض قصائده الجديدة جاءت خارقة للسنن والقوالب الجاهزة كعادتها مستفزة لمتلقيها مثيرة للرغبة في السؤال. فلم يكن من الحوار بُدّ بعد الحيرة الملتحمة بالدهشة والاعجاب في آن التي ارتسمت على وجوه الحاضرين، ولعل هذا الأساسي في مثل هذه الزيارات فنحن نقرأ قصائد سعدي ولكننا لا نتعرف الى رؤيته للكتابة وموقفه منها كل يوم. فتدخل الشعراء جميعا ولاسيما الشبان منهم وأجاب سعدي بكل حب وبكل اهتمام وجدية رغم اختلاف الاسئلة وتنوع مستوياتها.
أما في الجهة القصية على يسار الشاعر فقد كان محمود درويش بصمته وانتباهه الحاد أكثر كلاما من الحاضرين.
ولعلها خير دليل على انتباه التلميذ لأستاذه وسكونه في حضرة الشعر.
أما الآن وقد انتهت الامسية فلا يسعنا الا ان نستحضر مقطعا من قصيدة الاحفاد لسعدي يوسف:
أدخلتني في زهرة الرمان ثم مضيت عني
وتركتني بين التويجة واللقاح
تركتني
أعرفتي أني سائر في زهرة الرمان آلاف من السنوات
أفتح في التويج مدينة قروية وتعاونية مستريبين
السماء قريبة وبعيدة أرضي.
فلعل تونس تلك الارض القصية التي حط عليها هذه الفترة الطائر الجواب فشكرا لفضاء أوسكار الذي يشرف عليه الروائي والاعلامي القدير ظافر ناجي وشكرا لبيت الشعر على هذه البادرة التي نرجو ان تتكرر وتفتح الشهية لمؤسسات ثقافية وسياحية أخرى للنهج على منوالها.



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لِمَ الهجرةُ ... إذاً ؟
- أربع قصائد
- الحربة الثلاثية
- وتقدّرون فتضحك الأقدار
- نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال
- الشاعر العراقيّ الوحيد - سركون بولص ( 1944-2007 ) ، يرحل في ...
- خريف باريس ، ربيع الأمل
- الاستنكار أضعف الإيمان
- قصائد نيويورك 3
- قصائد نيويورك 2
- The three coloniesالمستعمرات الثلاث
- قصائد نيويورك
- ديوان ُ صلاةِ الوثَنِيّ
- فرقة المشاة الثامنة الأميركية The American Eighth Infantry D ...
- ديوان حفيد امرىء القيس
- كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ
- ديوانُ الشيوعيّ الأخير يدخلُ الجَنّة
- سعدي يوسف رحالة في الشعر والمدن يحمل النهر في راحته ويقول: ل ...
- الشعرُ والجمهور
- مسرح دُمى Puppet Theater


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - خريطة العراق في قلادة برقبتي...ولن أعود تحت راية أمريكية