أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصباح الغفري - الصراعات العقائـــديـــة بين القبوقــــول والإنكشــــارية















المزيد.....

الصراعات العقائـــديـــة بين القبوقــــول والإنكشــــارية


مصباح الغفري

الحوار المتمدن-العدد: 656 - 2003 / 11 / 18 - 06:58
المحور: الادب والفن
    


لثورة الفكـر تأريخ يحدثنـا         بأن ألف مسيح دونها صُـلبا
( الجواهري )
حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :

عثرت على فصل لم ينشر من كتاب " حوادث دمشق اليومية "، كتبه المؤلف باللغة العامية . أنقله إلى القراء مع بعض التصحيح، وهوامش للشـــرح والتوضيح . قال المؤلف شهاب الدين البديري الشهير بالحــلاق أحمد، بعد الصلاة على خير البرية سيدنا محمد :
ولما دخلت سنة ست وسبعين ومئة وألف هجرية، إزدادت حدة الصراعات العقائدية والإيديولوجية . بين جُــند السلطان من القبوقول، الذين أرسلتهم الدولة العلية من الأناضول . والإنكشارية اليرلية المحلية، وجماعات الأشراف والدالاتية(2) . فحصل للناس من ذلك أعظــم البلاء، وارتفعت الأسعار وعم الغـــلاء . حتى صار الحصول على تنكة الزيت، يعني بيع العفش والبيت ! وأصبح الناس يقفون في طابور الإنتظار، لشراء الخبز واللحوم والخضار، آناء الليل وأطراف النهار، فسبحان الواحد القهار .

وأضاف المؤرخ البديري الحلاق، راجياً العفو والعافية من الخلاق :
وفي سلخ محرم من  ذلك العــام، وصل جوخدار الحج الشريف إلى الشام . وكان وصوله هذه السنة في سيارة مرســيدس سوداء، مزودة بأجهزة تكييف الهواء . وبشــر أن الحجاج سيصلون في صفر الخير، ولم يقع لهم الكثير من التكدير والضير . فقد توفي بعضهم من ارتفاع الحرارة، واحتجز آخرون في النظارة . فمنهم من احتجز بتهمة السير على اليسار، وهذا دليل على أنه من الملحــدين الكفــار . ومنهم من اعتقل بتهمة السير على اليمين، وهذا قرينة على أنه من الأصوليين السلفيين . أما من كان يسير في الوسط، فقد اعتقل بالغلط . ومن لطف الله فقد تم الإفراج، عن جميع المحتجزين من الحجاج .

وتأخر أسعد باشا أمير الحاج الشامي في العودة إلى البلاد، فانتشرت الشائعات وحدثت البلبلة بين العـــباد . وقالت الانكشارية اليرلية، أن الباشا عزلته الدولة العليّــــة . وبدأ الناس يتجرؤون عليه بالكلام، ويقولون أنه لصّ وابن حرام . فتحركت الدالاتية  والزرباوات في الأحياء، وقالوا نحن أعيان البلد بلا مراء . وخافت الناس من اندلاع الفتنة والشقاق، فأغلقت المدينة وسكّرت الأسواق . لكن لم تمض إلا بضعة أيام، حتى وصل رسول السلطان إلى الشام . يحمل فرمان التجديد للوالي، موقعاً ومختوماً من الباب العالي . مع خِـلْــعَــة  ســمور وعباءة جوخ، وباشوية بطوخين وطوخ (3) . فسكتت الناس عن الأراجيف والأقاويل، وبدأ الشعراء يمدحونه بالمواويل .


لكن الفتنة كانت كالنار تحت الرماد، والغلاء في ازدياد، والجــوع يفتت الأكباد . فقد أصبح الخبز يباع بالأوقيات، والتفاح يُشترى من الصيدليات . واللحم من البلاد مفقود، والسمن نادر الوجود . وأصبح راتب الموظف في الشهر، لا يكفي لشراء رطل من التمر، والناس صابرة تقول لله الأمــــر .

وسبب الغلاء هو العمولة والبخشيش، فكيف يستطيع الشعب أن يعيش ؟ وامتلأت السجون فم يبق فيها مكان، والإنسان يعامل كالحيوان . فاجتمع الأشراف والدالاتية في مؤتمر، وقالوا لا بد من حل لدرء الخطر. وأصدروا بياناً  إلى الشعب، هاجموا فيه السرقة والفســاد والنهب . ودعوا إلى النضال بلا كلل، ضــد القبوقول أصل العلل . لكن الناس سخروا من هذا البيان، وراحوا يشيرون إلى الدالاتية والأشراف بالبنان . ويقولون لهم بجرأة وصراحة، كفوا عن هذه الوقاحة . فأنتم والقبوقول في ذات السلة، فخيطوا بغير هذه المســلّة . وإلا من أين لكم السيارات والقصور، والملايين تنفقونها على الفجور ؟ وكال القــبوقول للدالاتية الصــاعَ  صاعين، وقالوا لهم : سنجعلكم أثراً بعد عين . أفبعد أن أفقرتم المواطن والوطن، وأشعتم الفساد والرشوة والعفن ، تتحدثون عن الآفـات  والمحن ؟

وتجمع القبوقول في حلف مع الانكشارية، وقالوا إن سبب البلاء هو الرجعية والإمبريالية . فضحك منهم أبناء الشعب الفقراء، وقالوا هذا والله هُـراء بهُـراء . ألستم أنتم عساكر السلطان، الذين نشرتم الإرهاب والرذالة في كل مكان ؟ نحن نعلم أن خلافكم مع الأشراف والدالاتية، هو خلاف بين اللصوص والحرامية!

وبرز إلى الساحة فتحي أفندي الفتردار (4)، وقال ليس غيري لتحقيق العدل وغسل العار . فليتوقف الجميع عن التحليل والفذلكة، فلا صوت يعلو على صوت المعركة . وعلى الشعب أن يضحي بالرخيص والغالي، من أفقر الفقراء إلى الوالي . وهذا هو الطريق للنصر على الصهيونية، وتحرير البلاد من عملاء الاستعمار والإمبريالية، ومن إرهاب القبوقول والإنكشارية والدالاتية .

فتضاحك الناس مما قال، وانتشر على الألسن هذا الموال :

يا ما فعل فتحي لما صار دفتردار  
                                 غرّه زمانه وسعده حول داره دار
دولاب عزه رقص يا ناس لما دار  
                                 لم يعتبر أن الدهــــر بيه غـــــدار

ثم وصل الوالي أسعد باشا زادة، ودخل البلد في موكب كبير كالعادة . وأخبره المتسلم عما جرى في غيبته من فتنة، وقدم له تقريراً عن أسلوب تلافي المحنة . فأرسل الباشا منادياً ينادي في الناس، بإبطال الدالاتية من الأساس . ومنع عن القبوقول الأرزاق والأعلاف، لأنهم أعداء العدل والإنصاف . فهرب الجميع إلى الجبال، فسبحان الواحد الصمد المتعال . ثم جاء فرمان بعزل الدفتردار وخنقه في القلعة، ومصادرة أمواله للدولة بلا رجعة . ونقل أسعد باشا من الولاية، وابتدأ فصل جديد من الرواية . ورغم تبدل الولاة والحكام، والدفتردارية والجباة الظلام . ففقر الفقراء في ازدياد، والنهب والسلب في اتساع وامتداد، وما على الشعب سوى الانصياع والانقياد . وكلما جاء والٍ جديد ترحمنا على السابق، والناس من الخوف بين جبان أو منافق . فهل لهذا الليل من آخر، أم أن الأمـــــر كما قال الشاعر :

أكُـلّـما رَخـصَ الإنسـان في وطني       تغـلو البضـاعـة فيه ؟  جَـلّ بارينا !

مصــباح الغــفري


E. MAIL : [email protected]

 

1) القبوقول : عبيد الباب أو حرس السلطان أو إنكشارية الدولة .

2) الدالاتية : أو الدلاة، كلمة عربية مشتقة من " دلى " التركية بمعنى متهور، وهم طائفة من الجند.


3) الطوخ  : جزء من شعر الحصان من ذيله أو معرفته، يرفع على الرايَــة علامة التكريم . وكانت الباشاوية من ثلاث رتب، باشوية بطوخ، وباشوية بطوخين، وأرفع منها باشاوية بثلاثة أطواخ، وهي رتبة الوالي والوزير .

4) دفتردار: أو الدفتري وهو المشرف على الحسابات المالية . يشبه وزير المالية في هذه الأيام .

 

 



#مصباح_الغفري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطّـــة والطاسَـــة في العلاقة بين المقاولات والسياسة!
- الطَّشَــــرون
- الحصــن الحصــين في ذكر ما جرى في مؤتمر المقامرين!
- مــورِدُ الظـمـــآن في أسباب صَمْــتِ الأورانغوتان!
- أجهزة المخابرات مأكــولة مَــذمـــومَــة!
- رؤســاء الإنترنيت وحكام البامبرز !
- المســـألة الحِماريــّة! في توريث الجمهوريّـة والجماهيريـّـة
- فلسفة - الاستكراد - وديموقراطيــــة الإســـتعباد!
- يوم دخلت السُـلطة إلى حَمّــام الأســــطة!


المزيد.....




- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصباح الغفري - الصراعات العقائـــديـــة بين القبوقــــول والإنكشــــارية