أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جاسم المطير - الى الدكتور علي الدباغ مع التحية















المزيد.....


الى الدكتور علي الدباغ مع التحية


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27 - 09:25
المحور: كتابات ساخرة
    


الى الدكتور علي الدباغ مع التحية

دعا الدكتور علي الدباغ ، الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية ، في الأسبوع الماضي إلى موضوعة " تأهيل البعثيين " في المرحلة القادمة كعامل من عوامل المصالحة الوطنية . هذا " الجزء " من الدعوة صائب تماما ، لكن " الجزء الثاني " من دعوته في التأهيل على أساس ( البراءة والتوبة ) لم يكن صائبا ، بل هو استند لأساليب عتاة الفاشيين والحكام الرجعيين في العراق . فأسلوب ( البراءة ) هو ابتداع أمريكي بالدرجة الأولى إذ ابتدعه الجنرال مكارثي وقدمه عام 1949 الى الكونغرس الأميركي لفرض " البراءة " على الشيوعيين والديمقراطيين وخيرة المبدعين آنذاك في الولايات المتحدة الأميركية من أمثال شارلي شابلن ومارلين مونرو وجون شتاينبيك وتنيسي وليامز وآلف شخصية أخرى . وقد قام نوري السعيد وبهجت العطية لنقل الأسلوب الى العراق ففرضوه على آلاف المعتقلين والموقوفين الديمقراطيين والشيوعيين ، ثم استخدمه البعثيون بعد قيام انقلاب شباط الدموي عام 1963 كما استخدمه نظاما عبد السلام وعبد الرحمن عارف في الفترة الستينية التي اشتهرت فيها قصيدة شاعر الشعب مظفر النواب ضد هذا الأسلوب ، التي أطلقها من أعماق سجن نقرة السلمان عام 1965 فساهم في إجبار النظام الفاشي على إيقافها والحد منها ثم عادت أجهزة حزب البعث عام 1977 وما بعده الى ممارسة نفس الأسلوب وفرضه على المعتقلين .
اليوم تريد حكومة المالكي العودة الى نفس أسلوب المكارثية كما يبدو من تصريحات الدكتور الدباغ . لذلك فأنا هنا أعيد نشر مقالتي بالدعوة الى معالجة موضوع أعضاء حزب البعث السابق الذي سقط فكره ونظامه عام 2003 وإلى الأبد ، فالعالم كله والتاريخ الإنساني كله يتجهان باتجاه الديمقراطية وضد الفاشية .
أعيد اليوم نشر مقالة كنت قد نشرتها في 29 – 5 – 2003 في موقع الطريق وبعدها بعشرة أيام في جريدة الزمان اللندنية دعوت فيها الى العفو العام عن البعثيين رغم أن البعثيين هم كاسرو عمودي الفقري وعظام ساقي ويدي اليسرى وهم الذي اعتقلوني وعذبوني في الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات وهم الذين أجبروني على مغادرة بلدي ، لكن المنطلق الوطني في تحقيق السلم الاجتماعي هو الذي دفعني لكتابة المقالة المذكورة وهو الذي يدفعني لإعادة نشرها تعقيبا على فكرة الدكتور علي الدباغ .
جاسم المطير 25 – 11 – 2007
السلم الاجتماعي حارس العراق القلق ..

أقترن أسم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بموجة الإرهاب والفاشية التي ارتكبها نظام الحكم في العراق منذ عام 1968 وخاصة بعد مجيء صدام حسين إلى سدة الرئاسة عام 1979 التي بدأها بعد أيام قليلة بـ" مجزرة بعثية " طالت رفاقه في القيادة دون أي جرم معروف فقتل عدنان الحمداني ومحمد عايش وعشرين قيادياً أخر ، ملطخاً كرسي رئاسته ، من أوله ، بدم الأقرباء .
بسبب آلاف الجرائم وأعمال الغزو والحروب التي ارتكبها الحزب الحاكم ، فأن الشارع العراقي يواجه الآن وبحدة الموقف من الحزب الذي انضوى في قيادته عتاة المجرمين متسترين تحت خيمته السياسية وشعاراته الوطنية والقومية الكاذبة .
الحاكم الأمريكي بول بريمر أصدر قراراً بحل الحزب وطلب من البعثيين تسليم أنفسهم إلى سلطات عسكرية أمريكية ، من دون أن يشرك الوطنيين العراقيين في صياغة هذا الموقف ومن دون أن يكون للعراقيين ــ الأحزاب المعارضة التي نكل بها صدام حسين ــ أي دور في الموقف من البعثيين ومن حزبهم في الفترة اللاحقة .. أن قضية الموقف من البعثيين قضية مهمة وملحة . فالكل يواجه الأسئلة الثلاثة التالية :
هل أن جميع البعثيين مجرمون ..؟
هل من الصحيح حرمان البعثيين من حق العمل وحرمان عوائلهم من حق العيش ..!
هل أن جميع البعثيين يجب أن يحرموا من النشاط السياسي إلى الأبد ..؟

لا شك أن أية إجابة للسؤالين الأولين بنعم ستكون خاطئة حتما ً.
فليس جميع البعثيين ارتكبوا الجرم مباشرة ، رغم أن الآلاف منهم ساهم بهذا الشكل أو ذاك في تلك الجرائم أو كانوا شهوداً عليها . يمكن تصنيفهم كما يلي :
1 ــ المسؤولية الأولى في الجرائم العامة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي تقع على عاتق الجهات التالية :
أولاً ـ القيادة السياسية وهي تضم بالأساس أعضاء مجلس قيادة الثورة ومعهم عدي وقصي .
ثانياً : القيادة العسكرية وهي بالأساس القيادة العامة للقوات المسلحة وعناصر قيادة تصنيع الأسلحة المحرمة ومستخدميها في الحرب ضد الشعب الكردي .
ثالثاً : المجموعة العسكرية والمدنية المسؤولة عن غزو الكويت .
رابعاً : الحزبيون القادة من أعضاء القيادة القطرية المسؤولين عن ارتكاب القتل الجماعي للسجناء والمعتقلين السياسيين في المعتقلات الخاصة وفي مقرات الحزب .
2 ــ المسؤولية الثانية في الجرائم التي ارتكبت في أقبية الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية وغيرها . وهي تقع على الجهات التالية :
أولاً : المدراء العامون الذين تناوبوا على أجهزة الأمن والمخابرات والأمن الخاص والاستخبارات العسكرية .
ثانياً : القيادات الحزبية المختلفة الدرجات ، العاملة داخل هذه الأجهزة ، التي مارست أعمال التحقيق والتعذيب وأعمال الاغتيال وممارسة وسائل الإعدام بحق المناضلين والمواطنين الأبرياء من دون محاكمة .
جميع هؤلاء يحالون إلى محاكم علنية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية على أن تتوفر أمامهم مستلزمات محكمة عادلة بما فيها حق الدفاع المقدس وعدم استخدام أي إرهاب نفسي للمتهمين ، لا في التحقيق ولا في أثناء المحاكمة . ..
3 ــ أما أعضاء القواعد البعثية من الذين مارسوا التجاوزات الفردية على حقوق المواطنين ، سواء بالتنكيل أو بالاستيلاء على حقوق المواطنين فيجب اعتبارهم من مرتكبي الجرائم المدنية التي يخضعون فيها للمحاكم المدنية وفق معطيات الدعاوى القانونية المقامة ضدهم ..
4 ــ كل بعثي قاوم نظامه حتى ولو بــ( أضعف الأيمان ) يكون مشمولاً بعفو الشعب .
لقد كان حل الجيش والأجهزة الأمنية كافة ( أي القوة الفاشية العسكرية الضاربة ) وكذلك حل وزارة الإعلام ( القوة التضليلية الخادعة ) أمرين صائبين تماماً يتجاوبان مع طموحات الشعب العراقي الذي عانى الكثير من جرائم هذه الأجهزة . لكن تحويل أفراد هذه الأجهزة كلهم إلى عاطلين بلا مورد ، هم وعوائلهم ، كعقاب بــ" الجملة " يساوي بين البريء والمجرم بحرمانهم ( جميعاً ) من حقوقهم التقاعدية أو من حق العيش الكريم أمر يتنافى مع العدالة ويتنافى مع برامج الأحزاب الوطنية التي تستهدف بناء مجتمع العدالة والقانون والتعامل الإنساني . أن نسبة معينة من هذه الأجهزة يجب فرزها عن الأكثرية بعد أن يترك للقانون معاقبة كل واحد منهم وفق جريمته ، و يترك للقانون مجراه العادل في " إعادة توظيف " أكثريتهم بما يتناسب مع العدل والأنصاف وحق العيش بموجب قواعد وأسس عادلة خاصة تصدر من الحكومة العراقية المؤقتة أو من أية حكومة تالية . ولا بد هنا من ضرورة منع إعادة توظيف أعضاء حزب البعث في الوظائف القيادية في الوزارات أو في وظائف عامة أو دبلوماسية أو أمنية أو في أي موقع عسكري .
جميع برامج الأحزاب الوطنية العراقية تضمنت مبادئ الديمقراطية و( التعددية ) أي حق العمل السياسي لجميع المواطنين العراقيين . من هذا المنطلق الجماعي تقع على عاتق الحركة الوطنية ، بجميع أحزابها ، مهمة وضع الصيغة القانونية اللازمة لممارسة العمل السياسي للجميع بما فيها الأعضاء السابقين في حزب البعث من الذين لا تشملهم أعمال الجرائم أعلاه ، أو من الذين يشجبون الفاشية أو من الذين أجبروا على الانضمام جبرياً أو نفعياً ، خاصة إذا ما أجمعت أحزاب الحركة الوطنية على تحريم إعادة بناء حزب البعث ، سراً وعلنا ، باعتبار ذلك جزءاً من تحريم ممارسة الفاشية بكل صورها مستقبلاً .
أن مساواة المجرمين مع غير المجرمين من البعثيين ستؤدي إلى نشوء أحزاب سرية ، أو عصابات مافيا انتقامية ، تعرقل بالنتيجة حركة البناء الديمقراطي والتنموي في مرحلة قادمة . هنا تقع مسؤولية من نوع خاص على جميع البعثيين الذين يتبرءون من جرائم حزبهم السابقة وذلك بإعلان مواقفهم العلنية الجريئة باستنكار الجرائم التي ارتكبتها قيادات حزبهم التي انكشفت أمام العالم أجمع وكذلك بالمبادرة الفورية إلى كشف جميع الجرائم الأخرى التي ظلت مستورة حتى الآن ..
لقد عانى الشعب العراقي من الإرهاب ومن " ثقافة الإرهاب " ما لم ينله أي شعب آخر. وقد حان الوقت لكي يساهم المواطنون العراقيون في تخليص الشعب وممارساته السياسية من أساليب العنف ومن ثقافة الإرهاب . أن مسؤولية " الأمن و الاستقرار " لا تقع على عاتق الدبابة الأمريكية وحدها رغم أن القوات الأجنبية نفسها تقوم حالياً بمطاردة جبارة للقوى الفاشية كاشفة مخابئها العسكرية والمالية وملقية القبض على قياداتها وهي مهمة لا يمكن أن تقوم بها حالياً أية قوة وطنية ، من دون وقوع مذابح كبرى ، ومع ذلك فأن مسؤولية الأمن والاستقرار يجب أن تسهم فيها بالدرجة الرئيسية جميع القوى الوطنية وجماهير الشعب الواعية . من المهم التحذير أن الشعب العراقي لن يغفر لمن حمل أو يحمل السلاح ــ بعد 9/ نيسان ــ لعرقلة التحول الجاري في بلدنا نحو الأمن والاستقرار والديمقراطية فهؤلاء يجب معاقبتهم بأقصى العقوبات .
في إرث النظام الصدامي المباد شيء غائر في أعماق كل عراقي وعراقية من الصعب نسيانه أو غفرانه مما يجعل الأكثرية من أبناء الشعب العراقي وكثير من نخب في أحزاب وطنية يدعون إلى حرمان البعثيين حرماناً تاماً من أي نشاط سياسي في المستقبل . . هل في صفير هذه الدعوة ما يخلص الشعب من نحيب ليل مضى أم أنه يعيد ، من جديد ، زمجرة العنف داخل المجتمع وفق بعض فتاوى هدر الدماء الصادرة من بعض رجال الدين الإسلامي كفتوى الشيخ كاظم الحائري ..؟ في مثل هذه الفتوى ما يدفع البعثيين إلى التحول إلى قوى مضادة يتجمعون في أحزاب سرية يحاولون بكل السبل ، العلنية والسرية ، تجميد أو عرقلة حركة توجه المجتمع نحو الديمقراطية ..؟
هذه الأسئلة وغيرها يجب الوقوف عندها جلياً وأن تلعب الأقلام المستنيرة دورها في تجنيب شعبنا مزيداً من الويلات والتخلص من حساسيتها بإدانة جماعية لكل ألوان العنف والفاشية وترسيخ ذلك في المبادئ الشعبية وفي قوانين السلطة الديمقراطية .
في ذاكرتي ، الآن ، تجربة دولة ألمانيا الديمقراطية وكيفية علاجها لبقايا النازية بعد سقوطها المريع في نهاية الحرب العالمية الثانية . فقد تشكلت محاكم خاصة لمحاكمة النازيين الذين اعتقلتهم أو الذين أعتقلهم الجيش السوفيتي عند دخوله إلى برلين أو الذين اعتقلتهم داخل الأراضي السوفيتية . لم تصدر محاكم ألمانيا الشرقية أحكاماً أو إجراءات انتقامية . فلم تعدم غير بضعة زعماء نازيين لا يزيدون على أصابع اليدين . كما أصدروا عفواً عاماً عن مئات الآلاف من النازيين كان بينهم البروفيسور VON ARDENNE ( فون آردنه ) وهو عالم الصواريخ التي دكت الاتحاد السوفيتي وأوربا كلها . لقد شجب النازية وسخــّر علمه فيما بعد للأغراض السلمية حتى استطاع أن ينجز 700 اختراعاً علمياً للأغراض السلمية في الفترة بين 1945 ــ 1995 خلال إقامته في ألمانيا الشرقية ، وبعد وفاته تحول معمله إلى مركز عام للدراسات والأبحاث العلمية التطبيقية مكرس لخدمة العلوم الألمانية كلها …
أن وجود أكثر من ثلاثة آلاف عالم عراقي يعد ثروة وطنية كبرى يمكنها أن تصنع موجة جديدة مغايرة من العمل لبناء اقتصاد وطني جديد يقوم على الصفحات الجديدة المشرقة لهؤلاء العلماء ــ منهم عد غير قليل من البعثيين ــ الذين زجهم نظام صدام حسين في ظلام وخبايا سياسته الحربية وبعض صناعتها المحرمة .
كذلك يجب عدم تجاهل آلاف الكفاءات الهندسية والفنية والطبية في دوائر وزارة الدفاع والأمن والمخابرات ووزارة الإعلام ممن أجبرهم النظام على العمل في دوائر لا يرتضونها ..
من التجربة العراقية ذاتها يمكن القول أن بركان ثورة 14 تموز لم يحرق جميع مرتكبي الجرائم ضد " أفراد " النظام الملكي . فلم تنقدح شرارة الغضب الشعبي إلاّ بوجه " أقطاب " النظام فلطم من لطم بحدوة جواد المتظاهرين في يوم البركان الثائر، بركان 14 تموز ، وفيما بعد كان صوت المحاكمة العلنية هو القرار الصائب لأولئك " الأقطاب " . فقد حكم بالإعدام على عبد الجبار أيوب مدير سجن بغداد ، مثلاً ، لإصداره أمر إطلاق الرصاص على السجناء العزل في سجنهم ولم تطل أحكام الإعدام مئات الشرطة الذين نفذوا الأوامر وإلاّ فأن المجتمع يتحول إلى غابة من الدماء ممتدة إلى كل جلد من ذلك النظام . كما نال العقاب سعيد قزاز وليس " كل " موظفي وزارة الداخلية ، ولم تمتد الأيدي جزافاً لجميع أعضاء حزب الاتحاد الدستوري ، حزب نوري السعيد .
وإذا كان البعثيون أنفسهم قد أدينوا بالبيان رقم 13 الذي كشر عن أنيابه القانية بالدماء عام 1963 فيجب أن لا تنبعث من غمار الهياج الشعبي الحالي أية عيون ظامئة مندفعة وراء وميض الثأر و الانتقام .هكذا نحن بحاجة إلى عيون خضراء ترى الأشياء بلون اليمامة كي نبني حياة أفضل ، أكثر عدلاً وأكثر تجديداً ، وكي لا يعاني شعبنا ضراوة الأسوار العالية من جديد ، وكي يمكن عزل الميلشيات الدموية التي تشكل بعضها مؤخراً من فدائيي صدام أو من أفراد من الحرس الجمهوري ومن بعثيين أحتفظوا بسلاحهم ، ومحاسبتهم جميعاً بعقاب شديد بعد أن تنهي القوات الأمريكية نفسها مهمتها في القبض عليهم وعلى باقي قيادات النظام المباد .. ..
أن فردوس الديمقراطية يبقى حلماً صعب التحقيق من دون التحول من ثقافة العنف إلى ثقافة التسامح ، من مجتمع العنف إلى مجتمع المدنية والقوانين العادلة .
مسؤولية الجميع الآن هي الدخول في أول خطوة بعدم الانزلاق وراء بؤرة الثأر والانتقام والعمل بتعبئة ثقافية وطنية هائلة لتخليص مجتمعنا من حالات التوتر المهدد بالانفجار من خلال تدخل أعداء الشعب العراقي من المنظمات الإرهابية التي لا تخلو من الارتباط بالإرهابيين من خلايا " القاعدة " وغيرهم من فتيان عرب ومن خلايا وهابية ، ينساقون وراء صراخ " مثقفي الفضائيات " العربية من المدافعين ، زوراً وبهتاناً ، عن " قومية " النظام الفاشي أو إسلاميته ..
يبقى التسامح والعفو العام أمران إنسانيان .. يبقى الحد الفاصل بين المعالجة الإنسانية والمعالجة السياسية ضرورة من ضرورات المرحلة القادمة في العلاقة بين مليون بعثي وبين مجتمعنا ذي الخمسة والعشرين مليوناً .
مع هدأة الشعب بنيل حريته ومع هدأة الضواحي باكتشاف مقابر الضحايا والمناضلين الجماعية علينا أن نتأهب للبناء وليس للثأر والانتقام وممارسة القتل كوسيلة في العلاقة مع البعثيين ، وإذا كان الحاكم المدني بول بريمر قد صرح باستئصال ( البعث ) فلا يعني ذلك استئصال ( أبدان البعثيين ) بل استئصال الفاشية التي مارسها البعثيون بأفكارهم ، وهذه مهمة من أنبل المهمات الوطنية . أن ما نحتاجه في الوقت الحاضر هو السلم الوطني العام والشامل على جميع المستويات .. نعم أن ما نحتاجه في عراق ما بعد الفاشية هو السلم الشجاع في مجتمعنا وفي هويتنا الثقافية وفي ثقافتنا السياسية وفي ثقافتنا الموروثة عن إيجابيات موروثنا الحضاري لأعادة بناء مجتمعنا السياسي على أسس المجتمع المدني ، مجتمع اللاعنف . .. أول البناء هو أن نكف عن طرْق ِ باب الانتقام كي لا تأكلنا ناره النهمة بل علينا أن نبني الديمقراطية لتكون الشرط الأساسي في السلم الاجتماعي الذي يقدم لنا وللشعوب العربية نموذجاً من نخبة ثقافية عراقية جديدة تكرس جهودها لبناء مجتمع مدني حضاري متقدم صناعياً وزراعياً على امتداد الرقعة العراقية لبلاد الرافدين العظيمين ..
أيهما يدخل ضمن واقع المعقولية : تجريم " كل " بعثي ومحاكمته وإنزال عقوبة الموت أو السجن به لكونه حاملاً لبطاقة حزب البعث ، والدخول في صراع لا طائل من وراءه لتجريم هذا أو ذاك من " كل " الذين دخلوا الحزب على مضض أو بروح النفعية المجردة أو نتيجة الخوف والأجبار.. أم القيام بسعي قانوني لتجريم القياديين الذين فقدوا ضمائرهم وساموا الشعب عذاباً وويلات طيلة الأعوام الثلاثين الماضية ..؟
أجد من الضروري أن لا نقع في اللحظة الضارية الناتجة من الهياج العاطفي ونستمر في قطار الظلام والعنف إنما حصر الزمن السالف وجرائمه في القادة الفاشيين جهابذة الجرائم الوحشية لينالوا عقابهم العادل ....
ألف مجرم من قيادات النظام الفاشي يستحقون الجزاء العادل بأسرع وقت وفقاً لمحاكمة عادلة وعلنية داخل العراق.. ثم تتكفل الديمقراطية وحدها بتكسير مخالب أعدائها الفاشيين ليكون المستقبل العراقي مدى مفتوحا وناصعا ..
أليس من الأفضل لشعبنا أن يبتعد عن قرقعة نيران الانتقام ليكتسب رؤية جديدة لمستقبله الخالي من الثأر والحروب والأحقاد .. أليس العفو العام عن كل بعثي ، لم يرتكب جريمة ، تصدره الأحزاب الوطنية بمبادرتها ، لا بالمبادرة الأمريكية ، هو المخلـّص من الدغل الوحشي الدامي لو تحول العراق ــ لا سمح الله ــ إلى غابة اقتتال ..؟
ولكي ينالوا عفو الشعب وسماحه فأن أولى خطوات السير في الطريق الصحيح ، طريق طلب الغفران و الابتعاد عن المقت والكراهية تلقي على البعثيين أنفسهم مهمة كشف كل أنواع الجرائم التي هم شهودها وكشف أماكن المقابر الجماعية والفردية ، ومن ثم التخلي الصادق والفوري والعلني عن أفكار الفاشية مدينين إياها بحزم أكيد ومدينين جرائم جديدة تنال ، كل يوم ، المدنيين والأبرياء من بقايا فدائيي صدام والحرس الجمهوري تحت حجة واهية عن محاربة قوى الاحتلال الأجنبي ، وهي قضية أساسية من قضايا شعبنا في المستقبل سيتعامل معها ، في الوقت المناسب ، بروح الوطنية والنضال من أجل تحقيق الاستقلال الوطني الذي كان صدام حسين وحزب البعث العربي الاشتراكي هم أنفسهم باعة استقلال الوطن ومهدوا لاحتلاله . ..
من المؤسف أن أحد شهود عصر البعث المعارض العراقي (صلاح عمر العلي) عضو القيادة القطرية السابق في حزب البعث العربي الاشتراكي لم يبادر إلى إدانة الحزب الفاشي حتى الآن ، في برنامج قناة الجزيرة ، بل ما زال يمتدح حزبه ، حزب البعث ، من دون أن يأبه لخطورة أن أقواله لا تشجع قواعد البعثيين للتخلص الجريء مما علق بأذيالهم من عار الجرائم الوحشية ، كما أنها لا تبرأ ذمته من سنوات عديدة قضاها في مواقعه القيادية تحت سلاح القتل والتعذيب اللذين مارسهما حزبه في مختلف مراحل تطوره وليس فقط في فترة صدام حسين الرئاسية .. وأظنه جدير بهذا الموقف ..
أخيراً أقول أن لا عين في العراق تعجز عن رؤية الجرائم ، ولا فم لم يصرخ عالياً من ظلم البعثيين ، ولا يد لم تقطع ، ولا قدم تركوها تمشي بإرادتها ..
لقد انحسرت الفترة المظلمة وحان الوقت ليمشي الشرفاء جميعاً والوطنيون جميعاً نحو المستقبل الحر الديمقراطي الموحد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسامير جاسم المطير 1406
- مسامير جاسم المطير 1407
- مسامير جاسم المطير 1405
- مسامير جاسم المطير 1404
- مسامير جاسم المطير 1403
- مسامير جاسم المطير 1402
- مسامير جاسم المطير 1400
- بمناسبة رحيل المناضلة نزيهة الدليمي
- كلمة
- مسامير جاسم المطير 1397
- مسامير جاسم المطير 1395
- شاعر الشعب مظفر النواب
- عن مسلسل الملك فاروق
- مسامير جاسم المطير 1393
- جهار اسمك هز أمريكا ..!! مسامير 1388
- هل تسلم رقبة سلطان هاشم من الإعدام شنقا ... !!مسامير 1387
- مسامير جاسم المطير 1386
- مسامير جاسم المطير 1385
- مسامير جاسم المطير 1384
- مسامير جاسم المطير 1383


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جاسم المطير - الى الدكتور علي الدباغ مع التحية