أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم المطير - كلمة














المزيد.....

كلمة


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 08:10
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الموت والشعر وسركون بولص .. *

الموت جعلنا نجتمع الليلة ..
الموت فتح أمامنا وأمام عراقيين كثيرين ، أدباء وغير أدباء ، أفاقا جديدة لدراسة أفكار معاصرة في شعر سركون بولص .
الموت هو الذي جلب سركون بولص الى هذه القاعة والى مركز دائرة البحث في مدن كثيرة ، داخل العراق وفي مدن كثيرة خارجه أيضا .

لا ادري كيف أتحدث عن الموت وكيف استحضر الكلمات لتركيزها على رحيل مفاجئ قام به سركون بولص الذي سمعت صوته تلفونيا من روتردام آخر مرة قبل حوالي شهر بعد أن أبلغني الشاعر شعلان شريف عن وجوده في هولندا مشاركا في مهرجان الشعر العالمي .
قال لي : أني زين .. أنت شلونك ..
كانت كلمة " شلونك " قد وصلتني كأنها بصوت عصفور جريح . فتوقعت أن في صوته نوعا من جفاف يمشي بين ذبذبات لكن لا تتحرك بقوة كما هو حال موجة الشعر النابضة العذبة في كلام سركون منذ أن تعرفت عليه في جلسة مطعم لبناني طارئة في لندن أوائل الثمانينات كان من بين الحاضرين الشاعر بلند الحيدري الذي وصفه بأنه صاحب الصوت الاتقن والأقوى من أصوات الستينات .
هذا الجفاف أمر نادر في صوت سركون بولص التلفوني المنساب دائما من دون جهد مفرط لذلك أقلقني بشدة فخبئت قلقي مع نفسي .
ثم اتفقنا على مكالمة تلفونية أخرى قبل أن يسافر إلى برلين باليوم التالي معتذرا عن انشغاله أثناء وجوده بهولندا .
قال لي أن المكالمة التالية ستتم بواسطة الصديق مؤيد الراوي في برلين ، ثم أخذت رقم تلفون بيت مؤيد وأعطيته لقريبته السيدة ايفا المقيمة في لاهاي بقصد الاستفسار عن صحته وأحواله لأنها كانت قد علمت أن صحته ليست على ما يرام .
لم يكن صوته يتحرك بحيوية في أثناء المكالمات التلفونية معه وقد شعرت ان قوس المرض وسهمه يطوقان صدره ويطاردان عمله التنفسي فقد كان يتكلم معي من دون ان أحس ان المتحدث هو سركون بأوراقه وأزهاره .
كما خابرني الصديق آزاد باشا مستفسرا عن كيفية الصلة به إذ هناك طالب عراقي يعد الان كتابا عن سركون بولص وهو يرغب باللقاء به لضرورة بعض المعلومات تتعلق بالسيرة الذاتية للشاعر وبموسيقا بناء شعره و عن هيمنة ريح العصر في حركتها .
لم يتمكن احد منا من اللقاء به وكأن روتردام في أقصى العالم لكنه الموت الذي كان يحدق ببصره نحو سركون بولص وهو يعد عدته للانقضاض عليه في خطوة متعمدة لإيذاء الشعر العراقي .
حين تحدثنا تلفونيا عن العراق وعن احتمال زيارة قد يقوم بها للوطن قال بالحرف الواحد: لقد استوطنت الغربة .
نعم فقد صار الوطن يعيش بيئة بالغة القسوة حين تحول الظلاميون إلى حيوانات وحشية تغزو كل بقعة بين دجلة والفرات حتى صار باعين الشعراء المنفيين كانه نهر ضيق قد لا يتسع حتى لقبر .
, مات سركون بولص قبل أن يعود إلى العراق أيضا . نتج من هذا الموت بقاء بصمة شعرية أثرية عراقية أبعدتها محيطات الغربة والمنافي التي عاش فيها سركون بولص عن التفاعل مع تجارب الشعر داخل الوطن رغم أن ابلغ تجاربه وعلامات شعره انبثقت أساسا من تحت ظلال النخلة العراقية وقد كيّف حروفه من حرية الغربة الى مجهول الوطن لتكون منسدلة شعرا إنسانيا فيه نور ويقظة على الأرض العراقية .
داهمه الموت ليبقيه لؤلؤة في سجن مظلم داخل صدفة الغربة .
لم يعد إلى العراق فقد اصدر الموت قرارا بمنعه عبور نهر الفرات للوصول إلى الحبانية او كركوك او الموصل او بغداد لزيارة قبر جبرا إبراهيم جبرا او المثول أمام تمثال بدر شاكر السياب .
لم يعد إلى كركوك التي طالما كتبها شعراً. كما كتب أخيرا عن الغبار الذي قد يسمم أجواءها إذا ما استمر تصعيد رياح الصراع الطائفي والاثني في كركوك ومحيطها .
مات سركون بولص ولم يحتفل بشعره النقاد كما ينبغي ما عدا ما أعطتنا إياه مواقع الكومبيوتر من كلام رطب من دون أن نتعرف على العلاقات المعقدة بين سركون بولص والوطن وسركون بولص والغربة بين الديناميك الفعال لقوى الشعب والظروف الدرامية الحالية . آمل أن يقدح زناد النقاد والكتاب للقيام بدراسات متواصلة لمعرفة مركزية الشعر المنثور ومحور دورانه منذ ستينات القرن الماضي وحتى اليوم ومعرفة دور سركون بولص في هذا المحور .
في شعره عاصفة قادرة على تقطيع صواري مركبه إلا أننا لم نسمع صوته جيدا لأننا لم نقرا شعره بقدر ما يستحق .
لم نتعرف حتى لحظة موته على سر شقائه في غربته في القارة الأوربية الواسعة وفي القارة الأمريكية الأوسع التي ابقته على السطح يعاني من عالم رمادي تندمج فيه امتدادات السماء مع البحر فظل بعيدا في موته عن شواطئ الفراتين .
لم نقرأه كما يجب، لم نعرف سيرة شقائه، هو المنحدر من مدينة كركوك الذي حاول مع أقرانه في ستينيات القرن الماضي تغيير خريطة الشعر العراقي بل العربي الحديث عبر إحداث ثورةٍ في أساليبه وتقنياته.
مات سركون بولص في المنفى الألماني، اعتاد شعراء العراق الموت في المنافي، قبل أشهر ماتت نازك الملائكة في القاهرة، ومات جان دمو في استراليا، وبلند الحيدري في لندن والجواهري في دمشق، ونزيهة الدليمي في ألمانيا ومات أصدقاء كثيرون في المنفى الهولندي الأقرب لنا جميعا حيث غادرنا الشاعر كمال سبتي والفنان التشكيلي زياد حيدر .. تلك هي العاب الموت يلعبها معنا بقسوة شديدة في ظلام الغربة .
مات سركون قبل أن يرى كتابه الأخير " عظمة أخرى لكلب القبيلة " الذي يصدر قريبا لدى "دار الجمل" الألمانية .
رغم عنف الموت فأنني أقول في الختام أن بذور الشعر العراقي لا تموت بل تواصل الإنبات والثمر حتى لو دفنت في ارض رطبة . فقد طوى الموت أوراقه برحيل الشاعر لكن أوراق الشعر ستظل مفتوحة إلى الأبد .
يبقى الشعر واحدا من اعدل مجريات التاريخ الثقافي و الإنساني .
ويبقى سركون بولص واحدا من قادحي زناد الشعر العراقي .
والسلام عليكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألقيت الكلمة في الحفل التأبيني – لاهاي - في 10 – 11 0 2007



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسامير جاسم المطير 1397
- مسامير جاسم المطير 1395
- شاعر الشعب مظفر النواب
- عن مسلسل الملك فاروق
- مسامير جاسم المطير 1393
- جهار اسمك هز أمريكا ..!! مسامير 1388
- هل تسلم رقبة سلطان هاشم من الإعدام شنقا ... !!مسامير 1387
- مسامير جاسم المطير 1386
- مسامير جاسم المطير 1385
- مسامير جاسم المطير 1384
- مسامير جاسم المطير 1383
- مسامير جاسم المطير 1381
- مسامير جاسم المطير 1379
- مسامير جاسم المطير 1378
- برقيات رمضانية أهدهدها إلى السادة المذكورين أدناه مع التحية. ...
- مسامير جاسم المطير 1376
- مسامير جاسم المطير 1374
- مسامير جاسم المطير 1372
- هوايات الرئيس جلال الطالباني ... مسامير جاسم 1371
- قراءة في كتاب المستبد لمؤلفه زهير الجزائري


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم المطير - كلمة