أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل حبه - في أربعينية فقيدتنا الغالية الدكتورة نزيهة الدليمي















المزيد.....

في أربعينية فقيدتنا الغالية الدكتورة نزيهة الدليمي


عادل حبه

الحوار المتمدن-العدد: 2102 - 2007 / 11 / 17 - 10:34
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


الفقيدة نزيهة الدليمي مع الشهداء عبد الكريم قاسم وفاضل المهداوي
ووصفي طاهر وماجد أمين

الحضور الكريم

تحيات عطرة

لا يسعني وبدقائق معدودات أن أتصفح مجلداً ضخماً عنوانه فقيدتنا العزيزة الدكتورة نزيهة الدليمي. لقد كتب العديد من الأفاضل، في رثاء فقيدتنا، كلمات تحكي عن ميزات هذه الشخصية البارزة في تاريخ العراق السياسي والإجتماعي. وسيأتي اليوم الذي سيكتب المزيد عنها، بل وعن مرحلة تاريخية عاصفة ونيرة في آن واحد، وعن رموز نسوية كثيرة عاشت مرحلة تتحدد سماتها في سعي العراقيات والعراقيين للدخول في مرحلة الحداثة والتنوير والخروج من جب الظلامية والرجعية، ومعالجة مظاهر التخلف، وفي القلب منها معضلة تحرير المرأة، وتحويلهن فعلاً لا لفظاً الى مدرسة تربي شعباً طيب الأعراق، وخروجهن من موضة "اللفافات والأكفان السوداء" المفروضة عليهن والتي إنتعشت الآن للأسف وبشكل مثير ومحيّر.

إنه مجلد يفصح أيضاً عن رجال متنورين رفضوا فتاوى دينية مزورة، وأهملوا دعوات بائسة في حرمان المرأة العراقية من العلم والثقافة والمساهمة في الحركات السياسية والإجتماعية، رجال عراقيون قارعوا قوى الظلام ووقفوا ضد تهميش نصفنا الجميل الآخر، ومنهم والد الفقيدة العزيزة الجليل المرحوم جودت الدليمي والمئات من رجال التنوير العراقي من شعراء بارزين وأدباء وسياسيين ديمقراطيين وحتى رجال دين متنوريين. لقد دعم المرحوم والد فقيدتنا، شأنه شأن آباء وأجداد لنا، طموحها المشروع في التزود بالعلم وقد برعت الفقيدة في ذلك. ولم يقف هذا الرجل الجليل حجرة عثرة أمام مشاركتها في الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وتحررها وحتى إنخراطها في النشاط الوطني والسياسي.

إذن نحن أمام ملف يزداد أهميته الآن وبشكل إستثنائي في ظل ما نشهده، ليس في العراق وحده، بل في عموم البلدان العربية والأسلامية، من طغيان "دين جديد" لا يعرف الرحمة، سداه ولحمته القسوة العنف والقتل وتشكيل طوابير سفك الدماء وبنوك إسلامية مريبة وغسيل الأموال فيها وتجار ترويج سموم المخدرات، إضافة إلى موجة عارمة مدمرة لإلغاء نصف المجتمع ووأده، أي المراة، وبما يعني ذلك من تجميد قدراته على تربية فلذات أكبادنا ونشر المعرفة بينهم ومساهمته في إنتشال شعوبنا من العوز والفاقة والمرض. وللأسف وللدهشة ينحني فريق من النساء لهذه الموجة المضللة ويذعن للعبودية والتهميش أماً خوفاً أو نفاقاً أوتزلفاً.

إن الدكتورة الفقيدة هي من نمط تلك النساء العراقيات اللاتي "اقتحمن أزيز الرصاص" في وثبة كانون عام 1948 ضد معاهدة برتسموث، وكانت فتاة الجسر مثلاً بارزاً على هذا النمط منهن، واللاتي لم يترددن في الوقوف موقف الند إلى جانب أخيها الرجل في المطالبة بالإستحقاقات الوطنية والإجتماعية. إن هذا الدور هو ما تميزت به المرأة العراقية، والشيوعية خصوصاً، وتعرضت بسببه إلى التعذيب وولوج زنزانات السجن السياسي في العراق، وتحملت الأحكام الثقيلة في سابقة فريدة. إنه دور لم نشهده قبلئذ لا في العراق ولا في البلدان العربية. إنه لمعدن صاف هذا الذي يصوغ نساء عراقيات بارزات، ومنهن دكتورتنا الفقيدة، اللاتي حققن المساواة مع الرجل في تعرضهن للإضطهاد والسجن والتعذيب إلى حد المس بشرفهن وعفتهن على مدى عقود مديدة منذ العهد الملكي ومروراً بنكبة 8 شباط 1963 وتجبر البعث في إنقلابه المشؤوم، وإلى "صرعة" المقابر الجماعية في المرحلة الثانية من حكم البعث والإنتهاكات غير المعقولة والمآسي والحرمان أثناء عهد صدام المشين وحروبه العبثية. و لا تزال المرأة العراقية تعاني وتقتل وتغتصب وإلى الآن على يد أشرار التكفير والظلامية و"الدولة الإسلامية الطالبانية" والميليشيات الطائشة التي إستفحلت شرورها بعد سقوط نظام العبث، وفي ظل إنتقال وطغيان الجوانب السلبية المتخلفة الذكورية، بدلاً من القيم الإيجابية من الثقافة السائدة في الريف والبادية، على الحواضر المدنية وعلى العاصمة بغداد بالذات، والتي يصادف هذا اليوم تاريخ تشييدها.

إن ما يميز شخصية الدكتورة نزيهة الدليمي هي مهارتها المهنية. فقد درست علم الطب في واحدة من أرقى كليات الطب في الشرق الأوسط آنذاك وهي الكلية الطبية في بغداد، وأنهت دراستها بإمتياز. وحققت خلال ممارستها لهذه المهنة الإنسانية، التي تتلائم مع طبيعتها السمحة، الكثير من الخدمات لأبناء وبنات الرافدين سواء في بغداد أو كربلاء والسليمانية والشاكرية وغيرها من مدن العراق وأزقتها. فالتشخيص الطبي للدكتورة وعلاجها تميز بالدقة والمهنية العالية مما دفع العديد من العراقيين إلى التوجه لها لثقتهم بمهارتها الطبية. وبقيت متابعتها المهنية مستمرة حتى وهي تمارس النشاط السياسي والإجتماعي أو تختبأ في الملاجئ السرية في سنوات البطش والملاحقات. وراحت تتابع أحدث ما أفرزته قرائح علماء الطب من جديد في هذا الميدان المهني الإنساني حتى آخر لحظات يقظتها وقبل أن نفقدها أخيراً وترقد في مثواها في الثرى المدمى لبغداد الحبيبة. ولربما كانت مهارتها في مهنتها الطبية الإنسانية وراء قدرتها الفائقة في التعامل مع الناس ومن مستويات ومنحدرات متفاوتة، وهي ميزة بارزة في شخصية الفقيدة. فهي تجد لغة مشتركة وبسرعة مع عجوز من مدينة الثورة وتتفاهم مع مواطن من مدينة السليمانية، بقدر ما إتقنته من اللغة الكردية أثناء خدمتها في تلك الديار، إلى جانب ما تجده من لغة مشتركة مع مثقفين وفنانين وسياسيين عراقيين بارزين وشخصيات عربية ودولية مرموقة مثل الشخصية الإسطورية الإسبانية دولوريس إيباروري وأخريات بارزات.

وإنعكست جديتها وحبها للعمل عندما تسلمت ولفترة محدودة مسؤولية وزارة البلديات، بعد إستيزارها كممثلة عن الحزب الشيوعي العراقي وعن المرأة العراقية على حد سواء في سابقة فريدة من تاريخ العراق والعالم العربي. فقد إستطاعت وبالإعتماد على طاقم عراقي مهني نزيه أن تمد شبكات للري وإيصال المياه إلى مناطق محرومة منه، إضافة إلى مشاركتها في علاج وجه محزن ومهين في حاشية بغداد، أي حي الشاكرية، الذي تحول إلى مدينة الثورة المعروفة الآن.

وإنطلاقاً من قناعتها الراسخة بإن حقوق المرأة تمثل جزءاً عضوياً لا ينفصل عن المجرى العام لدمقرطة النظام السياسي والإجتماعي في البلاد، بادرت وهي على رأس منظمة رابطة المرأة العراقية وبتعاون مع شقيقات لها على دعم والمشاركة في صياغة قانون الأحوال الشخصية العراقي بعد إنتصار ثورة تموز، والذي يعد أرقى قانون للأحوال الشخصية صدر في عالمنا العربي وإلى الآن، حيث نص على المساواة بين الجنسين وتوفير الفرص لممارسة المرأة لحقوقها، وبالتالي تأثير ذلك على ترسيخ قواعد الديمقراطية في البلاد. فبدون تأمين هذه الحقوق للمرأة لا يمكن الحديث عن ديمقراطية راسخة في المجتمعات الحديثة.

ولا تقل الثقافة العامة لفقيدتنا عن مهارتها المهنية في الطب. إن تربيتها البيتية الأولى والمحيط الذي عاشته في فترة إنتشار أفكارالتنوير، ونشاطها في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وإحتكاكها مع الوسط العراقي والإقليمي والدولي، إلى جانب حيازتها للغتين عالميتين هي اللغة الأنجليزية والروسية إضافة إلى لغتنا العربية الجميلة، كل ذلك مكّنها من التعرف علىمنابع متنوعة من المعرفة والثقافة العربية والعالمية. وكانت هذه المعرفة في خلفية قدرتها على المحاججة وليس التلقي، والحوار الجاد الى حد التشكيك عوضاً عن القبول بدون قيد أو شرط بأية فكرة أو مشروع. كانت للفقيدة طبيعة مميزة تتسم بقدرة الإصغاء والسماع دون تجاهل الآخر. ولكن كل ذلك كان يتم عبر المحاججة والنقاش الجدي والمثمر. وهكذا تلمست هذه الميزات عندما عايشتها في أكاديمية العلوم الإجتماعية في موسكو في بداية الستينيات، عندما درسنا وتناقشنا في بطون الفلسفة والتاريخ وعلوم الإجتماع والسياسة، أوعندما كنا نكلف سوية في صياغة وثائق ذات طبيعة حساسة وخطيرة من وثائق الحزب مثل تقييم تجربة الحزب أثناء إعلان الجبهة مع حزب البعث في أواسط السبعينيات من القرن الماضي أو التحضير لوثائق المؤتمر الرابع للحزب بعد إنهيار تجربة الحزب الشيوعي مع حزب البعث، أو أية وثائق أخرى.

إنها شذرات تلك التي أشير إليها آنفاً، وهي غيث من فيض بما يتعلق بفقيدتنا الغالية. ولكن ستبقى هذه الشخصية والفترة التي عاشتها موضع دراسة الباحثين كي يغنوا تاريخنا الزاخر بالحركات العقلانية ورموزها، ويلقوا الضوء على الصراع الحاد بين الحكمة والعقلنة والتحديث وبين الظلامية والقهر والعبودية وإلغاء الآخر.

وأخيراً لك يافقيدتنا العزيزة الود كلّه، ولذكراك العطرة كل آيات الخلود والمجد.

15/11/2007 عادل حبه

لندن – قاعة بلدية إيلنغ



#عادل_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - السّيد جُندي وسرّحناه -
- العنف أو الإجتياح لا يزيد الطين إلاّ بلّة
- من الذي يسعى الى تقسيم العراق؟
- تراثك باق وذكراك خالدة في قلوب محبيك
- لا إستقرار ولا ديمقراطية في ظل وجود المجاميع المسلحة غير الش ...
- پاڤاروتي..كروان العصر الحديث
- أحمدي نژاد يحلم بأن يملأ الفراغ الأمني في العراق؟
- على هامش الأحداث الدامية الأخيرة في كربلاء كلمة السر هي الدع ...
- -البروليتاريا الرثة- وواقع العراق الراهن
- نظرة على إجراءات الرئيس الفنزويلي لا إشتراكية بدون ديمقراطية
- هدية أقدمها الى شتّامي العراق والعراقيين
- توضيح
- مذبحة وأبادة جماعية في سنجار
- فوز الفريق العراقي هو الآخر -باطل-!!
- انتصر الفريق العراقي وإنهارت المحاصصة الطائفية
- تجمع مشبوه و-لملوم- مصيره الى مزبلة التاريخ
- كوراث وزراء المحاصصة
- الإرهاب واحد، والموقف منه ينبغي أن يكون واحداً أيضاً
- هل -أشرف- مدينة عراقية؟
- مقاومون أم سفلة وصعاليك؟


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عادل حبه - في أربعينية فقيدتنا الغالية الدكتورة نزيهة الدليمي