أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - معزل المتثاقفين















المزيد.....

معزل المتثاقفين


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2094 - 2007 / 11 / 9 - 12:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما ينسد الأفق لكل عمل سياسي يعتزل المتثاقفون الحياة الفعلية على الأرض ويبدءون في تصنيع لغة خاصة بهم ليس بالضرورة لمفرداتها معاني محددة أو مدلولات(exponent). ينقسم اليوم هؤلاء المعتزلون المتثاقفون إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي ، القومجيون والمتأسلمون والليبراليون ويمكن أن ينضم إليهم قسم رابع يضم الشيوعيين المتسيسين. وما يسقط ورقة التوت التي تستر عيب هؤلاء المتثاقفين الفاضح هو أن أحدهم لا يتضامن مع الآخر في صفه بل لعله أكثر وداً مع الآخر في القسم المعادي أو المواجه. كل هؤلاء في هذا المعزل إنما هم كذبة أفـّاقون لا يعملون في السياسة على الإطلاق ولا يهمهم فيما إذا انتصر زيد أم عمروٌ بل هم خونة حتى لطبقتهم لولا احتفاظهم بأسلوب البورجوازية الوضيعة وهو المداهنة والرياء.

هؤلاء المتثاقفون الجوف ـ ولا أسمي أمثلة منهم كيلا يطالني سيل من أقذع الشتائم، وهو ما يبرعون به ـ يتميزون بعقائدية ثابتة ـ القومجي فيهم لا يدري ما هي القومية التي يركبها خطابه كما يركب الحمار وينخشه ليصل مقاصده سريعاً ومثله المتأسلم الذي يجهل كل تفاصيل دولة الخلافة الراشدة وهي مثله الأعلى، ومثلهما الليبرالي. الطرطور الذي يلبسه كل هؤلاء هو أنهم لا يفسرون الحياة الماثلة أمام ناظريهم ويشكلون أفكارهم بالتالي في ذات السياق بل يجأرون بوقاحة لا مثيل لها بادعاء أن أفكارهم " العظيمة " هي البداية وهي خارطة الطريق للحياة الدنيا بل وللحياة الأخرى بزعم المتأسلمين منهم ـ ولا يصح في هذا المقام تحديداً إلا المثل الشعبي القائل .. " على بال مين ياللي بترقص بالعتمه!! " فعلاً هؤلاء ليسوا أكثر من راقصين في العتمة !!

وكيلا نظلم هؤلاء المتثاقفين في المعزل نستعرض هنا بعضاً من أفكارهم السطحية التافهة المتعلقة بالديموقراطية .. يقول أحد المستجدين في القومجية بعد انسلاخه عن الشيوعيين جرياً وراء الأضواء، يقول .. لا تنجح الأمة باستكمال الديموقراطية قبل استكمال عناصر الأمة فيها. ما علاقة هذا بذاك؟ ـ ليس أكثر طغياناً من حكومات البعثيين وهم الأعلى صوتاً وحدوياً لدى العرب (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وليس أكثر ديموقراطية من الكويتيين وهم الرافضون بامتياز لكل أشكال الوحدة العربية. علاقة الخيار بالفقوس ليس فكرة تافهة فقط بل وسفيهة كذلك. ومن المعتزل قال أحد الليبراليين.. يجب أن يتوافق الشعب والدولة على صياغة دستور ديموقراطي يساوي بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات ويكفل الحريات العامة والخاصة ويؤمن التعددية وتداول السلطة. نقول لمثل هذا المتثاقف المعتزل .. بادر الملك الأردني طلال بن عبدالله من تلقاء نفسه حالما تسلم سلطاته الدستورية في العام 1952 إلى صياغة دستور مثال في الديموقراطية ومع ذلك فقد تمتع الشعب الأردني بسعة من الديموقراطية قبل الدستور أوسع بكثير مما بعده. فما علة ذلك أيها المتثاقف المعتزل الفصيح ؟ ثم كيف يجيز هذا المثقف الليبرالي لنفسه التصور، مجرد التصور، بأن وجود الدولة سابق على وجود الشعب؟!! أما المتأسلم فلم يبيّن لنا كيف سيبايع أهل الحل والعقد في الحجاز أو في السودان المسلم الفقيه (سن هيو دن) من سنكيانغ غرب الصين خليفة للمسلمين أو العكس؛ وكيف سيتوحد أكثر من خمسين بلداً إسلامياً بغير جيوش الفتح وهو ما يحرمه القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة. كما لم يتطرق المتأسلمون إلى علاقات الإنتاج في النظام الإسلامي؛ لم يتجاوزوا في هذا السياق امتثال بعض المثل الإسلامية التي حاولت طالبان الأخذ بها، والمثل لا تقيم نظاماً بل النظام هو ما يقيم المثل.

اللامعقول واللاسياسي الذي يتحدث به هؤلاء المتثاقفون يؤكد مرة أخرى أنهم لا يعنون فعلاً ما يقولون، وليس الهمّ الشعبي هو ما يهمهم. ما يهمهم فقط هو إكليل الغار الذي لا يأتي به إلا الصوت العالي من المنبر العالي. لذلك تراهم يتبارون على أعلى المنابر ويتزاعقون ما وسعهم الزعيق بلغة أهل البرج.

ما يتوجب أن يدركه هؤلاء المتثاقفون في معزلهم هو أن الحياة لا تحفل إطلاقاً بما يعتقدون طالما أنهم لا ينطلقون من وقائع الحياة في بناء أفكارهم ومعتقداتهم. عليهم أولاً أن يحفلوا بوقائع الحياة قبل أن تحفل الحياة بأفكارهم. يكتبون ويكتبون حتى تفيض كتاباتهم على آلاف الصحف والمجلات ويرطنون رطيناً يضيق به الأثير لكن أحداً منهم لا يدرك بل وحتى لا يلتفت إلى العوامل القوية الحاسمة في تحديد وجهة تطور المجتمعات المختلفة. ينصبون أنفسهم معلمين وقادة لشعوبهم في حين أنهم هم أنفسهم بحاجة لمن يعلمهم. تسألهم عن التناقضات الرئيسة التي تلعب اليوم على المسرح الدولي فتراهم صمّاً بكماً لا يفقهون !! إذاً علامَ كل هذا الصخب والضجيج؟ كيف لهؤلاء أن يرسموا طريق التطور والتقدم لشعوبهم وهم لا يعرفون حتى سيماء التناقضات الرئيسة الفاعلة اليوم في الحياة الدولية.

هرباً من الإحراج والفضيحة يعلن كافة المتثاقفين من معزلهم أن شعوب العالم تتراص اليوم للوقوف في جبهة واحدة بوجه العولمة الأميركية ! أطفال العرب سبقوا هؤلاء المتثاقفين وأعلنوا أن الولايات المتحدة الأميركية حليف استراتيجي لإسرائيل الصهيونية العنصرية التي طردت الشعب الفلسطيني من دياره وأراضيه. لكن الأطفال لم يذكروا شيئاً اسمه العولمة، فمن أين جاء المتثاقفون بمفردة العولمة؟ المكروه الأميركي على المستوى الشعبي ألبسه المتثاقفون رداء العولمة فأضحت العولمة سبّة المتثاقفين حتى قالوا فيها أنها عدوة الشعوب؛ ولا يبرر مثل هذا القول سوى جهلهم بالعولمة. يطل علينا هؤلاء المتثاقفون من أعلى المنابر يحدثوننا في موضوع واحد فقط لا غير، في موضوع شرط الإصغاء إليه هو تعطيل العقل إذ لا يمس في الإنسان سوى الغرائز. يحدثوننا عن كراهيتهم لإسرائيل والولايات المتحدة والعولمة (الصهيونية بوصف أحدهم والأميركية بوصف آخر). يتحدثون في الكراهية كيلا يضطروا إلى شرح أسباب الكره باستثناء أن إسرائيل استولت على فلسطين وطردت الفلسطينيين وأن أميركا الحليف الإستراتيجي لإسرائيل وأن العولمة هي الهيمنة الأميركية!! هكذا يسوقنا المتثاقفون إلى أن نفهم أن قضية الشعوب العربية الأولى والأخيرة هي عودة الفلسطينيين إلى فلسطين بعد كسر شوكة اليهود. لا أدري لماذا لا يفكر هؤلاء القوم بما هو أبعد من أنوفهم ! حسناً كسرنا شوكة اليهود وعاد الفلسطينيون إلى ديارهم وشكلوا حكومتهم الفتحاوية أو الحمساوية، وماذا بعد؟ هل سيتوقف عندئذٍ الشباب المغربي والتونسي عن ركوب قوارب الموت للتسلل إلى اسبانيا وإيطاليا ليتجهوا بالطائرات إلى فلسطين للعمل فيها ؟! ماذا بعد ؟؟ لم يدرك هؤلاء المتثاقفون حتى الساعة أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للشعوب العربية حيث التقت فيها كل التناقضات مع الإمبريالية الدولية بل غدت ومنذ سبعينيات القرن الماضي نزاعاً حدودياً حول امتلاك أراضي.

القاعدة الماركسية الذهبية تقول .. " نعم يصنع الإنسان التاريخ لكنه لا يصنعه وفق مشيئته ". نعم سينسج إنسان الشرق الأوسط تاريخه المستقبلي لكن نسيجه سيكون حتماً من الخيوط الموجودة أصلاً في منطقة الشرق الأوسط، ولن يكون خيط واحد من بين هذه الخيوط من خيوط الإيديولوجيات السائدة في معزل المتثاقفين. لينظّر هؤلاء المتثاقفون ما نظّروا لكنهم لن يفلحوا في ترك أية بصمة لهم على تاريخ الشرق الأوسط المستقبلي طالما أنهم تأدلجوا بما لا علاقة له بوسائل الحياة التي تقيم حياة الناس في المنطقة وهي علاقات الإنتاج.

سكان الشرق الأوسط بعامتهم يعتقدون أن " الله " مقسم الأرزاق لكن أحداً منهم لم ير ولم يلمس أبداً أن " الله " حمل رزقاً إليه ليجده باكراً أمام الباب. إيديولوجيات المتثاقفين في معزلهم تقوم تماماً مقام " الله " لدى العامة. هل بحث هؤلاء المتثاقفون في معزلهم يوماً كيف يأكل العامة خبزهم اليومي؟ هل فكر هؤلاء المتثاقفون في معزلهم يوماً أن عامة الناس يأوون كل مساء إلى فراشهم وهم يفكرون كيف لهم أن يحصلوا خبز الغد. يفعلون هذا يومياً ولم يحدث يوماً أن راجعوا للحظة واحدة فقط معتقداتهم في محاولة لتصحيحها أو لتبريرها. حتى أئمتهم ورهبانهم يفعلون هذا ! هكذا هم الناس أما المتثاقفون في معزلهم فإنهم ليسوا من الناس حيث يقضون معظم أوقاتهم في تعمير إيديولوجياتهم لتبريرها وإضافة بعض روتوشات التجميل!

لأن هؤلاء المتثاقفين في معزل ولم يعد لهم تواصل مع الحياة بوقائعها الحاسمة في توجيه الحياة البشرية فقد ضيعوا قانوناً كليّاً من قوانين الحياة والوجود بعامته ألا وهو قانون الخاص والعام أو الجزء والكل. لا يمكن أن ينفصل الجزء عن الكل، فلا تنفصل الساق مثلاً عن الجسم إلا وتموت. الحركة ذاتها في العام تنتقل بالضرورة إلى الخاص وتتحكم به. حركة التحرر الوطني التي هي منطلق هؤلاء المتثاقفين إنما هي النقيض المباشر لارتباط الإقتصاد الطرفي أو التابع باقتصاد المتروبول أو المركز الرأسمالي. الهدف الأول والأخير لحركة التحرر الوطني كان فك الروابط مع المركز الإمبريالي وبناء اقتصاد وطني مستقل ولذلك كان أول من هب في ثورة التحرر الوطني هو البورجوازية الكبيرة ذات المصالح الكبرى في الإقتصاد المستقل. لم يكن بوسع هذه الحركة العالمية أن تحقق شيئاً من أهدافها قبل قيام معسكر اشتراكي قوي تستند إليه دفعاً لعدوانية الإمبريالية. مثل هذا المشهد البانورامي يظهر بجلاء تام أن العالم بكل مفاصله وتفاصيله يتحرك في حركة واحدة بمعنى أن التناقضات فيه تتواجد بترابط تلقائي، فناء أحدها يتزامن مع فناء التناقضات الأخرى. وهو ما يعني أخيراً أن الشرق الأوسط إنما هو جزء من العالم ويتشكل وفق مجريات الأمور فيه.

وصل العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية لأن ينقسم لثلاثة عوالم تتحرك في ثلاثة اتجاهات متباينة ومتعارضة. لكن هذه الإتجاهات المتعارضة للعوالم الثلاث تنطلق في الأصل من نقطة واحدة أو من رحم واحد هو الإنتاج الجمعي الكثيف (Associated Production on a Large Scale) فالعالم الأول يسعى لمركزة هذا النمط من الإنتاج في أيدي قلة قليلة من الرأسماليين، وبالعكس من ذلك تماماً يسعى العالم الثاني، عالم الإشتراكية، أما العالم الثالث فيسعى إلى توطين هذا النمط من الإنتاج في بلاده بغض النظر عمّن يمتلك أدوات الإنتاج.

تراجع هذا النمط من الإنتاج، الإنتاج الجمعي الكثيف، في كل العالم تقريباً باستثناء الصين وبعض دول شرق آسيا ليحل محله الإنتاج الفردي (Individual Production) أو ما يطلقون عليه اسم " الإقتصاد المعرفي "، من شأن هذا التراجع أن يسقط ورقة التوت عن عيوب كل هؤلاء المؤدلجين المتثاقفين في معزلهم. فأي بشارة يحمل أي من هؤلاء الأفـّاقين؟ ما هو مشروعهم من وراء خطاباتهم الزاعقة؟ ما كان أحد ليسألهم عمّا وراء خطاباتهم خلال مرحلة التحرر الوطني 1946 ـ 1972 حين اتفق العامة على أن توطين نمط الإنتاج الجمعي الكثيف هو الغاية والهدف بغض النظر عمن يمتلك أدوات الإنتاج.

كنا لا نسأل أما اليوم فعلينا حمايةً للذات على الأقل أن نسأل .. علامَ تتزاعقون إيها المتثاقفون في المعزل ؟؟ ما وراء زعيقكم ؟؟ ألم تروا أن البورجوازية الكبيرة طوت راياتها وقد أدركت أن مشروعها الرأسمالي لم يعد قابلاً للاستزراع في تربة العصر؟! الدول المحيطية التي كانت في منتصف القرن الماضي قد نهضت تفك الروابط مع مراكز الرأسمال تتنافس اليوم في الإرتباط بالسوق العالمية تحت مظلة منظمة التجارة العالمية (WTO) وفي استجلاب رؤوس الأموال الأجنبية للتوظيف في بلادها. نسأل الفصحاء بينكم .. ما عساه يكون نمط الإنتاج السائد فيما تبشرون به؟ ذريعة إقتصاد السوق التي تتذرع بها منظمة التجارة العالمية لم تعد ذات دلالة فالسوق الحرة التي شكلت القاعدة الأساس للنظام الرأسمالي خلال طفولته لم تعد قائمة اليوم. كانت قد تشوهت عندما بلغ النظام الرأسمالي مرحلة الإحتكار؛ أما اليوم فقد اندثرت السوق الرأسمالية بعد أن أمست نهباً لمنتوج الخدمات. وما هو أهم من كل ذلك أن الدول النامية لا تستطيع الإعتماد على اقتصاد السوق بغير حماية جمركية عالية وهو أمر محظور في أنظمة منظمة التجارة العالمية. وبناءً عليه فإن كل خطابات المتثاقفين العالية تمسي زعيقاً لا طائل منه بغير الإعتماد على نظام محدد وثابت للإنتاج. فأن يبني هؤلاء المتثاقفون قصوراً في الهواء فذلك لن يعود عليهم إلا بالخيبة والخسران.

يحارب هؤلاء المتثاقفون من معزلهم بأسلحة قديمة فاسدة لم تعد تطلق أي نار. تغيرت كل عناصر المعركة التي اعتادوا الحرب فيها دون أن يعوا ذلك ودون أن يغيروا شيئاً في حربهم. انهار الإتحاد السوفياتي ولم يعد للمعسكر الإشتراكي أي وجود وهو المعسكر السند لحركات التحرر الوطني وتكامل الإستقلال. وانهارت تبعاً لذلك حركة التحرر الوطني ولم يعد ثمة حجر وطين لبناء الإستقلال. بل وانهار معهما أو الأحرى قبلهما معسكر الرأسمالية الإمبريالية. انعدم كل ذلك في حياة العصر إلا أن السادة المتثاقفين في معزلهم لم يعلموا من الأمر شيئاً. ما زالوا يطلقون النار على عدو لم يعد موجوداً من أسلحة قديمة لم تعد تطلق النار.

لألف مرة دَعَونا هؤلاء المتثاقفين للخروج من معزلهم خروجاً خاطفاً على الأقل كي يتفرجوا قليلاً على التناقض الرئيس الذي يلعب اليوم على المسرح الدولي. ندعوهم لمثل هذه الفرجة كي يعلموا أن تقاطرهم إلى المعزل لم يكن إلا بسبب تبدل الممثل الرئيس على المسرح الدولي بممثل آخر يحكي قصة أخرى لا علاقة لها بالقصة السابقة. في القصة السابقة، التي يفترض المتثاقفون في المعزل أن مشاهدها ما زالت تتوالى على المسرح ولم تصل إلى نهايتها، كان الممثل الرئيس فيها هو التناقض الأساس في نظام الإنتاج الرأسمالي وهو الصراع بين المنتجين وهم البروليتاريا من جهة ومالكي أدوات الإنتاج وهم الرأسماليون من جهة أخرى. أما الرواية التي تتوالى مشاهدها سريعة اليوم على ذات المسرح فهي من الكوميديا السوداء والممثل الرئيسي فيها هو التناقض الوحشي الحاد بين منتجي الخدمات من الطبقة الوسطى ذوي الياقات البيضاء من جهة ومنتجي السلع وهم البروليتاريا من ذوي الياقات الزرقاء ومن ورائهم بهذا القدر أو ذاك بعض فلول الرأسماليين من جهة أخرى.

ليس من شك في أن البروليتاريا العالمية قد خسرت معاركها المتوالية وبالتالي انكمشت جبهتها الإجتماعية بنسبة كبيرة تتراوح ما بين 30 ـ 50% منذ أن خرجت الولايات المتحدة من معاهدة بريتونوود 1971 وأخذت تزيّف دولاراتها، ساعدها في ذلك الخمسة الكبار في مؤتمر رامبوييه 1975. يبدو ظاهرياً أن البروليتاريا العالمية قد خسرت معاركها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية إلا أن الخسارة كانت فعلاً بسبب تسلل روّاد الطبقة الوسطى إلى مركز القيادة لطبقة البروليتاريا العالمية. وصول عصابة خروشتشوف ـ بريجينيف إلى قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي مثل بداية الإنهيار في جبهة البروليتاريا العالمية. ما لنا أن نؤكده في هذا السياق هو أن الولايات المتحدة الأميركية ما كان بوسعها أن تتحول من نمط الإنتاج الرأسمالي الذي لا يقبل بطبيعته في دورته الإنتاجية سوى الدولار الذهبي، أي المكفول بالذهب، إلى الإقتصاد الخدمي الفردي المسمى تجاوزاً باقتصاد المعرفة وهو نمط من الإنتاج المزيف. وبحكم الطبيعة تستبدل المنتوجات المزيفة بالعملات المزيفة، ما كان بوسعها أن تنعطف مثل هذا الإنعطاف التاريخي الرجعي بغير مساعدة جوهرية مباشرة من عصبة الخيانة في الكرملين بقيادة الثنائي خروشتشوف ـ بريجينيف.

المسألة الأولى التي تواجهها قوى التقدم العالمية اليوم هي كيفية مواجهة تغوّل الطبقة الوسطى على مستوى العالم واكتشاف التكتيكات الفعالة التي تؤدي إلى قهر هذه الطبقة الغول وإلغائها من التاريخ. غير أن ما يتقدم على هذه المسألة في بلادنا هو أن تنجح قوى التقدم في عالمنا العربي بشكل خاص في تحطيم معزل المتثاقفين الذي يتوظف في تضليل العالم وحجب الرؤى عن قوى التقدم. ليخرج المتثاقفون من معزلهم لأجل أن يتفرجوا على ممثل كوميدي فظيع لم يسبق لهم أن شاهدوه يمثل رواية جديدة سوداء ودموية هي رواية الطبقة الوسطى.




#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تستحق الإشتراكية ؟
- أوجب واجبات الشيوعيين
- ليس من السهل أن تستمر ماركسياً حقيقياً !!
- ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟!
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟ (2) الديموقراطية الشعبية
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟
- نداء للكريمين: مروّه وهاشم
- اليسارية مجهولة الهويّة
- بين اللينينية والستالينية
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (3)
- العداء الكاذب لأميركا ولإسرائيل
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (2)
- في نقد ماركس
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية
- البنية الطبقية في الأردن والعمل الشيوعي
- الحزب الشيوعي المصري والماركسية المبتذلة
- في كراهية أميركا
- ...خروشتشوف، ودور الفرد في صناعة التاريخ
- ما هي الديموقراطية !
- جدلية الفكر والعمل


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - معزل المتثاقفين