أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - متى تستحق الإشتراكية ؟















المزيد.....


متى تستحق الإشتراكية ؟


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2084 - 2007 / 10 / 30 - 10:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كتبنا قبل عدة أيام نطالب الشيوعيين بالتخلي عن الأحزاب الشيوعية القائمة وقد انتهت وظيفتها التي حددتها الأممية الثالثة وتحولت إلى منظمات سياسية صرفة تعمل في الدفاع عن نمط عيش الطبقة الوسطى، طالبناهم بالتخلي عنها من أجل الإنخراط في اتحادات ماركسية شيوعية تتوظف قبل كل شيء في نشر الوعي الماركسي بين أوسع الجماهير وهو ما سيساعد مستقبلاً في فتح آفاق جديدة للعمل الإشتراكي خاصة وأنه اتضح تماماً أن أحد عوامل انهيار المشروع اللينيني (1917 ـ 1991) الرئيسة كان الفقر في الوعي الماركسي وهو ما لاحظه كل من لينين وستالين. طالبنا بذلك رغم علمنا مسبقاً أن أحداً من الشيوعيين في الأحزاب القائمة لن يستجيب لذلك بسبب علتين رئيسيتين، أولاهما أنهم لا يوافقون صراحة على حقيقة أن ليس ثمة بعد أفق مفتوح للإشتراكية، وثانيتهما أن الشيوعيين لم يعودوا شيوعيين بعد أن إنقلبوا إلى سياسيين يتاجرون بالعمل السياسي عله يرد عليهم بعض المكتسبات مهما كانت هزيلة وتافهة.

شيوعيو الإنهيار الذين إنقلبوا للعمل السياسي بعد أن ساهموا مساهمة كبرى في انهيار الإتحاد السوفياتي ومشروع لينين في الثورة الإشتراكية لم يوفروا أياً من سبل الدعاية لمشاريعهم البورجوازية الوضيعة ومنها بشكل لافت الدعاية الإشتراكية وهو ما يقطع بنفاق هذه الجماعات وخداعها لجماهير الكادحين والفقراء. فعن أي اشتراكية يتحدث هؤلاء الأفـّاقون ؟

استحقت الإشتراكية لأول مرة في تاريخ البشرية في روسيا السوفياتية في العام 1921. انعقد المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي الروسي البولشفي في 8 ـ 16 آذار مارس 1921 وكانت الموضوعة الأهم في مداولاته والتي جرى حولها اصطفافات متعارضة بحدة هي مسألة الاستحقاق الإشتراكي وفيما إذا كان بالإمكان البدء ببناء الإشتراكية في بلد واحد وفي جزيرة معزولة هي الإتحاد السوفياتي في محيط رأسمالي آنذاك. اصطخب النقاش الحاد حول هذه المسألة وقد تجمّع رهط من الفوضويين حول تروتسكي يصرون على أنه لا يمكن بناء الإشتراكية في بلد واحد. وقد اتصل بموقف تروتسكي هذا مسألتان في غاية الخطورة هما : النقابات هي المسؤولة عن التنمية الإقتصادية وليس الحزب، وهو ما يعني تعويم الحزب وفصله عن حياة المجتمع وعن العمال بالدرجة الأولى؛ والمسألة الثانية وهي مبدأ " الثورة الدائمة "Revolution) (Permanent وهو ما يعني نقل الثورة إلى ما وراء الحدود لتعم القارة الأوروبية كيما يمكن الشروع ببناء الإشتراكية في العالم المتقدم. دحض لينين مواقف تروتسكي والفوضويين وقد رأى فيها خطراً على مصائر انتفاضة أكتوبر. تبنى عامة المؤتمرين وجهة نظر لينين إلا أن تروتسكي ظل متمسكاً بفكرة استحالة بناء الإشتراكية في بلد واحد حتى وهو يدّعي في محاكمته الصورية في المكسيك أمام الفيلسوف الأميركي جون ديوي (John Dewey) في العام 1937 أن مشروع التصنيع الكثيف في روسيا (1928 ـ 1938) وتحويل الفلاحة الفردية إلى الفلاحة التعاونية (1929 ـ 1931) هي في الأصل من بنات أفكاره سرقها ستالين. الإشتراكية السوفياتية قامت أساساً على التحولات العميقة في الحياة السوفياتية بفعل هذين المشروعين بصورة رئيسة فكيف يتسق هذا مع دعوى استحالة قيام الإشتراكية في بلد واحد، المبدأ الذي لم يتخلَ عنه تروتسكي حتى آخر حياته.

استحقت الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي في العام 1921 ـ وليس في العام 1917 ـ لسببين رئيسيين :

1. أن الطبقات الإجتماعية المعادية للإشتراكية بمن فيها البورجوازية الوضيعة التي مثلها حزب الإشتراكيين الثوريين وحزب المناشفة، كل هذه الطبقات قامرت بمصيرها رهاناً على دحر البلاشفة بل إبادتهم كما كانت تنادي جيوش الروس البيض. في أكتوبر 1917 الإشتراكيون الثوريون فقط ـ حزب كيرنسكي ـ قبلوا المشاركة في حكومة لينين أما في مارس 1921 فلم يتبقّ أحد يشارك في السلطة. كل الطبقات خسرت مستقبلها باستثناء العمال وفقراء الفلاحين، وبهاتين الطبقتين لا يمكن بناء أي نظام إجتماعي آخر غير الإشتراكية حتى وإن كان الإنتاج الجمعي الرأسمالي(Associated Production) لا يساوي أكثر من 20% من مجمل الإنتاج القومي.
2. الإتحاد السوفياتي ليس بلداً واحداً؛ إنه ست عشرة جمهورية تغطي ما يزيد على 16% من مساحة اليابسة وهو ما يزيد على ضعف مساحة القارة الأوروبية. الإتحاد السوفياتي هو أغنى بلاد العالم في الموارد والثروات. وقوف البروليتاريا وجماهير الفلاحين العريضة وراء حزب البلاشفة والدفاع عن الثورة والنظام الجديد بوجه أربعة عشر جيشاً أجنبياً استعمارياً أثبت عملياً أن الإتحاد السوفياتي ليس جزيرة معزولة في محيط رأسمالي.
نظام الإنتاج الرأسمالي هو أول نظام عالمي عرفته البشرية وهو ما يعني أنه عابر للحدود القومية إذ لا يمكن أن يقوم في إنكلترا مثلاً نظام رأسمالي قابل للحياة ما لم يتواجد بجانب إنكلترا بلد آخر أو أكثر يستقبل ويمتص فائض الإنتاج المتحقق في إنكلترا وإلا دب سقام الإختناق في النظام الرأسمالي حتى الموت. لا يمكن أن تكون أنظمة الإنتاج التي تخلف النظام الرأسمالي إلا أنظمة عالمية (universal) على مثل طبيعة النظام الرأسمالي نفسه الذي ولدها. رغم هذا فإن المعطيات التي توفرت في الإتحاد السوفياتي في العام 1921 أشّرت لاستحقاق إشتراكي تجسد على أرض الواقع في التجربة السوفياتية.

الأحزاب التي أصرت، وما زالت تصر، على التسمّي باسم الإشتراكية وكذلك الأحزاب الشيوعية التي ظلت قائمة بعد انهيار مشروع لينين، هذه الأحزاب تتجاهل عن عمد ومن قبيل المخادعة، ليس إلاّ، الشروط الاستثنائية الخاصة التي توفرت عام 1921 في الإتحاد السوفياتي. تتجاهل الصراع الطبقي الدموي المسلح الذي خاضته طبقتا العمال وصغار الفلاحين بقيادة الشيوعيين البلاشفة ضد سائر الطبقات الأخرى وقد كلفها الإنتصار فيه ملايين الضحايا، كما تتجاهل المساحة القارية للإتحاد السوفياتي وغنى ثرواته. يتوجب على مثل هذه الأحزاب أن تخجل من نفسها وهي تغش كوادرها وبسطاء الناس حولها وتوهمهم أن استحقاق الإشتراكية ما زال قائماً ويتوقف على قرار منهم مدعوم من قبل جماهير عريضة من الشعب.

الاستحقاق الإشتراكي لا يتعلق بقرار سياسي سواء أتي من فوق أم من تحت. يستحق مثل هذا القرار فقط عندما يكون الإنتاج الجمعي(Associated Production) يشكل الجزء الأعظم من مجمل الإنتاج القومي. القمع الدموي الواسع الفظيع الذي مارسته الخمير الحمر بقيادة )بول بوت( في كمبوديا إنما كان النتيجة الطبيعية والانعكاس المباشر للقرار السياسي ببناء الإشتراكية في بلد لم يتعرّف بعد على الإنتاج الجمعي بمختلف أشكاله دون استيراد الإشتراكية لا من الإتحاد السوفياتي المرتد حينها على الثورة الإشتراكية العالمية ولا من الصين رغم تعاطفها مع الخمير الحمر نكاية بالسوفييت. كان الشعب الكمبودي يعتمد في معاشه على الزراعات الفردية بوسائلها البدائية لكن )بول بوت( تجاهل تلك الفجوة العريضة والعميقة فحاول تجاوزها بقفزة واحدة فكان مصيره السقوط عميقاً في الجرائم ضد الإنسانية. وطالما أن الشيء بالشيء يذكر فإن بداية انحدار المشروع اللينيني إلى الهاوية كان مع اعتقاد خروشتشوف بعبور مرحلة الإشتراكية عن طريق توسيع وتعميق الفلاحة ـ اتساقاً بالطبع مع ذهنية الطبقة الوسطى ـ فكان برنامجه الكارثي والمهزلة " إصلاح الأراضي البكر والبور " الذي كبد الإتحاد السوفياتي زهاء 45 ملياراً من الدولارات، وكان اكتشافه الأثير القاضي باستبدال زراعة القمح بزراعة الذرة نقلاً عن الولايات المتحدة الأميركية، وكان أن جنّد 200 ألف شاب وشابه للتطوع كفلاحين لزراعة القمح شمال كازاخستان قريباً من أراضي التندرة !! ـ من يقرأ وقائع هذا المشروع بكلمات خروشتشوف نفسه يتحقق من مقدار الغباء لدى هذا الرجل، حصان مجمع الصناعات العسكرية !!

لم يدر في خلد لينين أن غبياً مثل خروشتشوف سيقود رحلة عبور الإشتراكية ليعمل على إنجاز البناء الإشتراكي عن طريق تعميم الفلاحات الفردية أو حتى التعاونية والتي تحمل في ثناياها طبائع الإنتاج الفردي البورجوازي على عكس ما خطط له الحزب إثر مناقشات واسعة في القيادة بمشاركة نشطة من ستالين في العام 1950 (القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي) وقد خلصت إلى وجوب العمل على إلغاء طبقة الفلاحين التعاونيين من خلال إغراق الفلاحة بوفرة من البضائع الإستهلاكية خلال بضع سنين. إشتراكية ماركس ولينين لا تتكامل قبل القضاء النهائي والتام على كل إنتاج فردي (Individual Production) كما يتجسد في الفلاحة بأعمق مما في صناعات المانيفاكتورة.

لا بدّ في هذا السياق من الإشارة إلى أن نظرية الجزيرة الإشتراكية في المحيط الرأسمالي لم تعد قائمة وذلك لأن المحيط لم يعد رأسمالياً إمبريالياً كما كان في السابق. ومن المؤكد أن هذا مرتبط بذاك، أي أن تحول المحيط من محيط رأسمالي إلى محيط لارأسمالي ـ تسوده الطبقة الوسطى بالاعتماد على الإنتاج الفردي، إنتاج الخدمات وما يسمى بالإقتصاد المعرفي غير الرأسمالي بكل المقاييس ـ انعكس بالمقابل في استحالة الإنتقال إلى الإقتصاد الاشتراكي وأخذ يشكل سداً منيعاً في وجه الثورة الإشتراكية في مختلف بلدان العالم. الولايات المتحدة الأميركية وهي حصن الإمبريالية الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد تقوم بحروب تدخل عسكري فظ ضد الثورات الإشتراكية كما فعلت في الخمسينيات في كوريا وفيتنام ـ كما لم يعد هناك ثورات اشتراكية. في الستينيات والسبعينيات تراجعت الولايات المتحدة فأخذت تستأجر عصابات متخصصة لمحاربة قوى الثورة كما جرى في نيكارغوا وأفغانستان لكنها اليوم لا تجد مصالحها في مثل هذه الأعمال ولعل موقف الولايات المتحدة مما يجري في دول أمريكا اللاتينية يدلل على ذلك. إن حرب أمريكا على أفغانستان ثم على العراق لم تأتِ في هذا السياق. فأفغانستان هي من ابتدأ العدوان بضرب برجي التجارة العالمية في سبتمبر 2001 أما الحرب على العراق فكانت استكمالاً لحرب تحرير الكويت. وعلى العموم ما كانت الولايات المتحدة الأميركية تقوم بالحربين لو أن نظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام في العراق حظيا بتأييد معقول من الشعب.

موضوعتا " الثورة الدائمة " و " استحالة الإشتراكية في بلد واحد " هما مرتبطتان بمسألة نظرية استند إليها تروتسكي تقول.. أن قيام نظام اشتراكي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور رفيع لقوى الإنتاج في المجتمع الأمر الذي يتناقض مباشرة مع الحدود القومية والعوائق الجمركية. فات تروتسكي أن مثل هذا التناقض يقوم فقط في النظام الرأسمالي حيث "شخصية أو صنم" السلعة لا تعرف إلا بقيمتها التبادلية. ما ورد في ذهن تروتسكي هو أن فائض الإنتاج في مراكز الرأسمالية يتجاوز الحدود عن طريق الإمبريالية وامتلاك أسواق خارج الحدود في البلدان التابعة والمستعمرة، أما فائض الإنتاج في النظام الإشتراكي فلا يمكن أن يتجاوز الحدود القومية إلاّ إلى بلد إشتراكي آخر. وبذلك تذهب نظرية تروتسكي في "الثورة الدائمة" واستحالة قيام نظام اشتراكي في بلد واحد، تذهب مذهب الرأسمالية فلكي تنجح الإشتراكية في بلد ما يتوجب أن تقوم ثورة اشتراكية في بلد آخر وهكذا دواليك تدوم الثورة !!

مقاربة تروتسكي هذه ظلت أسيرة الفكر البورجوازي. ففائض الإنتاج الرأسمالي يتجاوز الحدود القومية محتفظاً بقيمته الرأسمالية ويستبدل بالتالي بقيمته الرأسمالية في الأسواق التابعة؛ لكن ما عساها تكون قيمة فائض الإنتاج في المركز الإشتراكي إذ يتجاوز الحدود القومية إلى بلد اشتراكي آخر؟ ماذا كانت بدلات البضائع والماكنات السوفياتية الموردة للصين في خمسينيات القرن الماضي؟ ما كان يعرف عن ذلك هو أنها كانت مساعدات أي بلا بدلات. مسألة المساعدات هي مسألة خاصة لا تدخل في المحاكمة العلمية. مثل هذا السؤال الجوهري يظل معلقاً برسم الإجابة من أنصار تروتسكي والذين يؤمنون بنظرية الثورة الدائمة على طريقة تروتسكي واستحالة الإشتراكية في بلد واحد اعتماداً على أسباب تروتسكي ـ المنتوجات الإشتراكية لا تحتفظ بأي قيمة رأسمالية لا قبل الحدود ولا بعد الحدود، إنها مجرد قيم استعمالية. لا بل هناك مسألة سابقة على كل هذا وهي أن الخطة الإقتصادية الإشتراكية لا تنتهي بحال من الأحوال إلى أي فائض في الإنتاج. فائض الإنتاج يتحقق فقط في النظام الرأسمالي بسبب فائض القيمة أولاً وبسبب فوضى الإنتاج التي هي من طبيعة النظام بالدرجة الثانية. أما الخطة الإشتراكية فلا تتضمن إنتاج ما لا تحتاجه الخطة أو خارج إحتياجات المجتمع. حتى المساعدات التي تقدمها الدولة الإشتراكية إلى الدول الأخرى فلا بد من احتسابها في الخطة الموضوعة وهي دائماً مساعدات أو مبادلات سياسية تنأى بنفسها عن قانون القيمة الرأسمالية وعن الترابح بالتالي.

القانون الإشتراكي الذي يضيء على هذه المسألة ويساعد على مقاربتها بصورة علمية وموضوعية هو أن العمل الإشتراكي ينفصل إلى حد بعيد عن قانون القيمة الرأسمالي وينحو طيلة عبور مرحلة الإشتراكية إلى تحرير السلعة من قيمتها البضاعية تحريراً تاماً والتعامل معها كقيمة إستعمالية فقط لا غير. التخطيط المركزي الذي على دولة دكتاتورية البروليتاريا أن تأخذ به منذ ولادتها يتعامل مع سائر المنتوجات باعتبارها قيماً إستعمالية مع إهمال قيمتها البضاعية قدرما تسمح به درجة التطور الإشتراكي. بغير هذا تنسد تماماً كل سبل التنمية الإقتصادية وعبور الإشتراكية.

يزعم الكثيرون من " المفكرين " والمحللين السياسيين أن انهيار المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية إنما كان أساساً بسبب التخلف الإقتصادي في روسيا القيصرية. غير أن الحزب الشيوعي قد نجح مبكراً في التغلب على هذه العلّة الموروثة فالإتحاد السوفياتي تقدم الدول الصناعية في خمسينيات القرن الماضي، بل أثبتت الصناعات السوفياتية عبر قمة المواجهة الحربية الشاملة بين الإتحاد السوفياتي وألمانيا النازية في العام 1943 أنها الأقدر والأكثر تطوراً من الصناعات الألمانية المتقدمة آنذاك على كل الصناعات الأوروبية وقد كان ذلك بشهادة خبراء الحرب الغربيين. لكنهم مع ذلك يستندون لمثل هذه المزاعم علماً بأن حصة الإنتاج الرأسمالي من مجموع الإنتاج القومي وصلت في العام 1913 قبل الحرب إلى 20%. لئن كانت مزاعم هؤلاء المفكرين والمحللين صحيحة فكيف يمكن أن تقوم اليوم ثورة اشتراكية في الولايات المتحدة الأميركية وحصة الإنتاج الرأسمالي من مجمل الإنتاج القومي فيها لا تتعدى 17% ؟! أو في بريطانيا وهي لا تتعدى 20%؟! أو في فرنسا أو ألمانيا وهي لا تتعدى 25%؟! المشكلة في هذه البلدان ليست فقط متأتية من تدني مساهمة الإنتاج الرأسمالي في مجمل الإنتاج القومي وبالتالي ضمور وانكماش الطبقة العاملة التي هي رافعة الثورة الإشتراكية الوحيدة، المشكلة هي التورم السرطاني في إنتاج الخدمات وانتفاخ الطبقة الوسطى لتشكل الجسم الرئيسي في الهرم الطبقي للمجتمع. لئن امتلكت البروليتاريا العالمية وسائلها الناجعة في مقاومة عسف الرأسماليين خلال النصف الأول من القرن الماضي فإنها اليوم تقف عاجزة تماماً عن مجابهة مثل هذا الورم السرطاني الطبقوسطي الخبيث. أمام هذا المأزق العلّة تبجح أحد زعماء " الدولية الإشتراكية " ـ وهي منظمة لا تبرر اسمها ـ تبجح بالقول .. " الفرد في المجتمعات المتحضرة لم يعد بحاجة للسلعة (الرأسمالية) بقدر حاجته للخدمة (الطبقوسطية) " ـ الأقواس من عندي.

لهذه الأسباب قبل غيرها يغيب اليوم غياباً تاماً الإستحقاق الإشتراكي. وبالإضافة إلى هذا فإننا نعود اليوم إلى مسألة استحالة الإشتراكية في بلد واحد إلا إذا فلتت روسيا من قيد العودة إلى الإشتراكية وهو القيد الذي نثق تماماً بأنه غير قابل للكسر.

بين الدول الرأسمالية الكلاسيكية سابقاً يفترض أن تقف اليابان كاقرب دولة للإستحقاق الإشتراكي وذلك بسبب أن لديها أعلى نسبة للإنتاج الرأسمالي قياساً لمجمل الإنتاج القومي بين سائر الدول الأخرى، إذ تبلغ نسبته ما بين 30 ـ 35%. فهل تتوفر المعطيات لأن تشرع اليابان في عبور الإشتراكية ؟

يعتمد الإقتصاد الياباني على تصدير السيارات إذ تصدر اليابان سنوياً من السيارات والمركبات المختلفة وملحقاتها ما قيمته 140 ملياراً من الدولارات وهو ما يساوي حوالي نصف صادرات اليابان. وتشير مثل هذه الأرقام إلى أن قوة العمل لحوالي عشرة ملايين عامل يتم بيعها وتصديرها للخارج وهو ما يعادل نصف الطبقة العاملة في اليابان تقريباً. كيف يمكن لليابان أن تشرع في بناء الإشتراكية ونصف طبقتها العاملة تعمل لحساب الخارج؟ كيف يمكن التخلي عن 280 ملياراً من الدولارات هي قيمة الصادرات السنوية لليابان ؟ ـ وهكذا غدت الطبقة العاملة ملزمة لأن تنتج قيماً رأسمالية عديمة القيمة الإستعمالية في المجتمع الياباني. الوقائع الجامدة في الحياة اليابانية لا تسمح لأية قوىً اشتراكية مهما علا شأنها وعلت قدراتها أن تتخذ قراراً يقضي بتحويل نظام الإنتاج في اليابان إلى النظام الإشتراكي. اليابان كما الصين كما كوريا أو سنغافورة أو أي دولة أخرى في العالم قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي ولم يعد ممكناً أن تفك روابطها مع هذا النظام لتقيم نظاماً اشتراكياً لن يتمكن من البقاء طويلاً.

يعود العالم اليوم إلى رؤية ماركس ما قبل لينين التي رأت أن الثورة الإشتراكية لا بدّ أن تكون ثورة عالمية تقوم في آن واحد في سائر دول العالم المتقدم وليس في دولة واحدة بعينها. الرأسمالية الروسية فيما قبل الثورة 1917 لم تكن قد بلغت حد النضوج والكمال ولم تكن بالمستوى الكافي لإدغام روسيا في النظام الرأسمالي العالمي ولذلك كانت نظرية لينين المنطلقة من أضعف الحلقات. ويرجّح أن تعود روسيا استثناءً مرة أخرى فتعود غير طائعة للإشتراكية. الطبقات الوسطى في الدول الرأسمالية سابقاً تستمر في الحياة ولو إلى أمدٍ معلوم اعتماداً على ما تسرقه من كل شعوب العالم من خلال بيع عملاتها المزورة بضمانات تعاهدية كاذبة جرى الإعلان عنها في إعلان رامبوييه(Declaration Of Rambouillet- G5 1975) بالإضافة إلى ما تبقّى لديها من صناعات هامشية رأسمالية، أما في حالة روسيا فلديها الروبل المنهار والصناعات الإشتراكية التي غدت خرائب أما صادراتها من المواد الخام وخاصة النفط والغاز فلن يضمن للطبقة الوسطى الروسية عمراً مديداً. ليس لروسيا أي مستقبل بغير الإشتراكية.
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوجب واجبات الشيوعيين
- ليس من السهل أن تستمر ماركسياً حقيقياً !!
- ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟!
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟ (2) الديموقراطية الشعبية
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟
- نداء للكريمين: مروّه وهاشم
- اليسارية مجهولة الهويّة
- بين اللينينية والستالينية
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (3)
- العداء الكاذب لأميركا ولإسرائيل
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية (2)
- في نقد ماركس
- البورجوازية الوضيعة في الحركة الشيوعية
- البنية الطبقية في الأردن والعمل الشيوعي
- الحزب الشيوعي المصري والماركسية المبتذلة
- في كراهية أميركا
- ...خروشتشوف، ودور الفرد في صناعة التاريخ
- ما هي الديموقراطية !
- جدلية الفكر والعمل
- لتتخلص الحركة الشيوعية من الأغبياء بين صفوفها


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - متى تستحق الإشتراكية ؟